العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم المقدمة الدكتور عثمان قدري مكانسي من عادتي منذ أكثر من أربعين سنة أنني أقرأ كل يوم جزءاً من القرآن الكريم، فقرَّ رأيي أن أقرأ الجزء المقرر كل يوم، وأعيِّنُ الآيات التي يَرِدُ فيها إيذاء المشركين واليهودِ وضعافِ الإيمانِ من المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أعود إلى التفاسير أجمع منها صوراً توضح ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من إرهاق وإيذاء وعنَت صبَّه هؤلاء على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فكان القدوةَ في تحمُّل الأذى والتصرف حياله، واللجوءِ أولا ً وأخيرا ً إلى الله تعالى فهو مانع رسول الله وهو عاصمه..
يتبع
|
#2
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الدكتور عثمان قدري مكانسي (1) سورة البقرة/ الآيات [104- 108] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}. تذكر الروايات أن السبب في نهي الله تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم "راعنا"، أن اليهود كانوا يُميلون ألسنتهم في نطق هذا اللفظ وهم يوجهونه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى يؤدي معنى آخر مشتقاً من الرعونة والطيش، فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة فيحتالون في سبه- صلوات الله عليه وسلامه- عن هذا الطريق الملتوي الذي لا يسلكه إلاّ صغار السفهاء، ومن ثم جاء النهيُ للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهودُ ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى { انظرنا }، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته فيفوّتون على اليهود غرضهم الدنيء، الذي يدل على مدى غيظهم وحقدهم ويشي بسوء أدبهم وخِسّة وسيلتهم وانحطاط سلوكهم.
والنهيُ الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله تعالى لنبيه وللجماعة المسلمة ودفاعه- سبحانه- عن أوليائه من كل كيد وقصدٍ شرّير من أعدائهم الماكرين، فقد اختص الله تعالى المسلمين بفضل عظيم هو الإيمان به والعمل في سبيله ونشر شريعته فامتلأتْ صدورُ اليهود بالحقد عليهم والعداء لهم، فليحذروا أعداءهم وليتمسكوا بما يحسدهم عليه هؤلاء الأعداء من الإيمان وليشكروا فضل الله عليهم ويحفظوه. ويجمع القرآنُ بين أهل الكتاب والمشركين في الكفر، وكلاهما كافر بالرسالة الأخيرة، فهما على قَدَمٍ سواء من هذه الناحية، وكلاهُما يُضمر للمؤمنين الحقد والضغينة ولا يود لهم الخير، وأعظم ما يكرهونه للمؤمنين هو هذا الدين وأن يختارهم الله لهذا الخير، وينزل عليهم هذا القرآن، ويَحْبُوهم بهذه النعمة، ويعهد إليهم بأمانة العقيدة في الأرض، وهي الأمانة الكبرى في الوجود، ونرى اليهود لخبثهم ودهائهم يشكِّكون برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، ويشكِّكون بقبول الله تعالى لصلاتهم وعبادتهم قائلين: هذا نبيكم فرض عليكم الصلاة إلى المسجد الأقصى سنةً ونصف السنة أو أكثر ثم رأى أن تتجهوا إلى مكة حيث البيت الحرام، فلعل صلاتكم السابقة إلى القدس غيرُ مقبولة. وقد رأى محمدٌ - متردداً- أن يحصرها أخيراً في المسجد الحرام فها أنتم معشر المسلمين ضيّعتم زمناً من عمركم في صلاتكم إلى المسجد الأقصى. ويبدو أن هذه الحملة الخبيثة آتتْ ثمرتها الكريهة في نفوس بعض المسلمين، فأخذوا يسالون رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلق وزعزعة، ويطلبون الأدلة والبراهين، الأمر الذي لا يتفق مع الطمأنينة المطلقة إلى القيادة، والثقة المطلقة بمصدر العقيدة، فنزل القرآن يبين لهم أن نسخ بعض الأوامر والآيات يتبع حكمة الله الذي يختار الأحسن لعباده، ويعلم ما يصح لهم في كل موقف، ويبين لهم أن هدف المرجفين من اليهود ردّهم عن دينهم إن استطاعوا . ويحرك الله تعالى نفوس المؤمنين وقلوبهم للاتجاه في الطريق الصحيح الذي يُرضي الله تعالى وهو الإذعان لأوامر الله وعدم إزعاج رسوله الكريم بكثرة الأسئلة التي اتسم اليهود بالإكثار منها لرسول الله موسى : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ } ؟ فهو استنكارٌ لتشبّه بعض المؤمنين بقوم مرسى في تعنتهم، وطلبهم للبراهين والخوارق، وإعناتِهم لرسولهم كلما أمرهم بأمر أو كلفهم بتكليف، على نحو ما حكى القرآن عنهم في مواقفَ كثيرة. فكثرةُ القيل والقال والإلحافُ بالسؤال يبدل الإيمان كفراً وهو الضلال البعيد "ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ". وما أشده من تحذيرٍ، وما أسوأ الضلال من نهاية، هده النهاية التي صار إلها بنو إسرائيل، نسال الله تعالى الهدى والعافية يتبع
|
#3
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم الدكتور عثمان قدري مكانسي (2) سورة البقرة / [ الآيات 146- 147] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }(147) معرفة الناس بأبنائهم هي قمة المعرفة، وهي مثل يُضرب في لغة العرب على اليقين الذي لا شبهة فيه .
وروي أن عمرَ رضي الله عنه قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمداً صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك؟ قال: نعم، وأكثر . بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنَعْته، فعرفته ، وابني لا أدري ما كان من أمه. فإذا كان أهل الكتاب على يقين من الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكذبونه؟! ولم يكتمون الحق الذي جاء به وهم يعلمون صِدقه وصدق ما جاء به، فلئن أمرهم أن يجعلوا قبلتهم الأولى القدسَ لقد صدق فيما أمره به ربُّه ولئن أعادهم إلى القِبلة الثانية لقد صدق فيما أمره به ربه، بقي على المسلمين أن يعرفوا الحكمة من ذلك : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ (143)}(البقرة) . فالتوجه إلى القبلة الأولى- المسجد الأقصى- كان اختباراً لإيمان المسلمين من العرب! الذين لا يرضَون عن المسجد الحرام بديلاً إلَّاّ إذا أخلصوا دينهم لله، فإنْ فعلوا ذلك نجحوا في الاختبار وصاروا أهلاً لحمل دينه ونشره في بقاع الأرض، واللهُ تعالى يعرف إخلاصهم قبل أن يختبرهم فهو يعلم السر وأخفى، ولكنه تعالى يريد أن يظهر المكنون من الناس حتى يحاسبهم عليه ويأخذهم به . فهو - لرحمته بهم- لا يحاسبهم على ما يعلمه من أمرهم بلْ على ما يصدر منهم بالفعل. ولن يستطع الانسلاخ من الرواسب الشعورية إلاّ المخلصُ في عبوديته لله، المنصهر في دعوته.. وقد نجح المسلمون في هذا الاختبار فأعيدوا إلى قبلتهم الأولى ليس لأنها الأولى، إنما لأنها الرمز الجديد والقبلة الجديدة لهذا الدين العظيم. إذاً فالحق من الله . والمؤمن لا يمتري ولا يجادل فيما يأمره الله به، والنهي عن الامتراء للمؤمنين يدنيهم من الرضا والسكينة، وقد خوطبوا في شخص نبيهم العظيم، وحاشا لرسول الله أن يمتري أو يشك يوماً، فحين قال له ربه في آية أخرى : { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}(يونس) . قال لا أشك ولا أسأل. فلا ينبغي لمسلم أن يتأثر بأباطيل اليهود وأحابيلهم وليس له أن يأخذ من هؤلاء الذين يستيقنون الحق، ثم يكتمونه شيئاً من أمر دينهم الذي يأتيهم به الصادق الأمين. إنّ اليهود خاصة وأهل الكتاب عامة يدسّون السموم في دراستهم لقرآننا وسيرة نبينا وشريعة ديننا. فكيف نتلقى عنهم تاريخنا الذي شوهوه، ونأمنهم على القول في تراثنا وسيرة أوائلنا، ونرسل إليهم طلابنا يدرسون على أيديهم علم الإسلام، ويتخرجون في جامعاتهم تم يعودون إلينا مدخولي العقل والضمير . إنّ القرآن يحذرنا منهم ومن تخرصاتهم، ويصرفنا عن الاستماع إليهم والثقة بهم، فلنا طريقنا ولهم طريقهم . يقول سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن، المجلد الثاني، ص 1061 : إنّ أهل الكتاب يعلمون جيداً الحقيقة في هذا الدين، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وهم -جيلاً بعد جيل- يدرسون هذا الدين دراسة عميقة، ويُنقِّبون عن أسرار قوته، وعن مداخله إلى النفوس ومساربه فيها، ويبحثون بجدٍ كيف يستطيعون أن يفسدوا القوةَ الموجِّهة في هذا الدين ؟ كيف يُلقونَ بالريب والشكوك في قلوب أهله ؟ كيف يحرِّفون الكلم فيه عن مواضعه؟ كيف يصدُّون أهله عن العلم الحقيقي به؟ كيف يحولونه من حركةٍ دافعةٍ ، تحطم الباطل والجاهلية، وتسترِدُّ سلطانَ الله في الأرض، وتطارد المعتدين على هذا السلطان، وتجعل الدين كله لله، إلى حركة ثقافية باردة، والى بحوث نظرية مّيتةٍ، وإلى جدل لاهوتي أو فقهي أو طائفي فارغ ؟ كيف يفرِّغون مفهوماته في أوضاع وأنظمة وتصورات غريبة عنه، مدمِّرة له، مع إيهام أهله أنَّ عقيدتهم محترمة مصونة؟ كيف، في النهاية، يملأون فراغ العقيدة بتصورات أخرى ومفهومات أخرى واهتمامات أخرى ليُجْهِزُوا على الجذورِ العاطفية الباقية في العقيدة الباهتة؟ إن أهل هذا الكتاب يدرسون هذا الدين دراسة جادة عميقة فاحصة، ليس لأنهم يبحثون عن الحقيقة، كما يتوهم السُذَّجُ من أهل الدين! ولا ليُنْصِفُوا هذا الدين وأهلَه، كما يتصور بعضُ المخدوعين حين يرون اعترافاً من باحث أو مستشرق بجانبٍ طيب من هذا الدين: كلا! إنما هم يقومون بهذه الدراسة الجادة العميقة الفاحصة لأنهم ييحثون عن مقتلٍ لهذا الدين ! لانهم يبحثون عن منافذه ومساربه إلى الفطرة ليسدُّوها، أو يُميعوها! لأنهم يبحثون عن أسرار قوته ليقاوموه منها !! لأنهم يريدون أن يعرفوا كيف يبني نفسه في النفوس ليبنوا على غراره التصورات المضادة التي يريدون ملء فراغ الناس بها ! وهم من أجل هذه الأهداف والملابسات كلها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم! ومن واجبنا نحن أن نعرف ذلك .. وأدن نعرف معه أننا نحن الأوْلى بأن نعرف ديننا كما نعرف أبناءنا!! يتبع
|
#4
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم الدكتور عثمان قدري مكانسي (3) سورة البقرة / [ الآيات 217- 218] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}. - "حصاة يجعلُ منها أعداءُ الله قُبّةٌ ".
- "وقَشّةٌ – على ظنهم – قَصَمَتْ ظَهْرَ البَعيرِ ". أوليس الذي فعل هذا بعضُ المسلمين على حسن نيّةٍ؟! فليضعها المشركون تحت المجهر وليكبروها ما شاء لهم أن يكبروا، وليجعلوها سَمَرَ الناس وأحاديثهم لينالوا من المسلمين ونبيهم.. وحين نزل القرآن ذهبت هذه الحملة الظالمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أدراج الرياح، فالشمس حين تَسْطعُ تختفي الدياجير، والنور إذ ينبثق تأوي الخفافيش إلى جحورها. هذا دأب الباطل يزهو منتفشاً فإذا ظهر الحق ذاب الباطل.. كأن شيئاً لم يكن. .. وإليك القصة.. جاء في روايات متعددة أنّ سريةٌ لعبد الله بن جحش رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه في ثمانية من المهاجرين، ليس فيهم أحد من الأنصار باتجاه مكة، ومعه كتاب مغلق، وكلّفَهُ أن لا يفتحه حتى يمضي ليلتين.. لماذا لا يفتح الكتاب إلاّ بعد ليلتين؟!.. تدريبٌ على الانضباط والجندية، فلما فتحه وجد فيه: إذا نظرتَ كتابي هذا فامض حتى تنزل ببطن نخلة، بين مكة والطائف، ترصد قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم ولا تُكرهَنَّ أحداً على المسير معك من أصحابك ". فالرصد ومتابعة أخبار العدو يجعل الجيش المسلم أقربَ إلى تقدير الموقف الصحيح لقوة الأعداء ويبث الثقة في الجندي المسلم، كما أن الأمر لا يُؤتي أُكُلَه إلاّ إذا كان القائم عليه مختاراً له طائعاً من نفسه لايُكْرَهُ عليه، فالإنسان إذا أكرهَ على أمرٍ لم يحسنه، وتفلّت منه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. لما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال: سمعاً وطاعة.. والمسلم إذا أتاه أمرٌ من الله ورسوله قال سمعتُ وأطعت، هذا هو الإيمان الحق، ولا يكون مسلماً إلا بهذا التسليم وهذه الطاعة، ثم قال لأصحابه قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى بطن نخلة أرصُد بها قريشاً حتى آتيه منها بخبر، وقد نهى أن أستكره أحداً منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فانا ماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. تخيير.. فالأمر يتطلب تحمل المسؤولية والشعور بعظمة تحمل التباعات، والجهادُ أمانة لا يحملها إلاّ القادر الراغب.. أما الذي يساق دون رغبة منه فلا يمكنه تحمَّل تلك المسؤولية.. ومع التخيير تحريك للعواطف وشحذ للهمم. إنها- والله- للشهادة التي تطلبون، ولقاء الله الذي ترغبون، وإليه تسعون.. وقال الجميع: نحن لها فقد آتت هذه القيادة الحكيمة أُكُلَها.. لم يتخلف أحدٌ منهم.. حتى إذا كانت السرية ببطن نخلة مرَّت عيرٌ لقريش تحمل تجارة، فيها عمرو بن الحضرمي وثلاثة آخرون، فقتلت السرية عَمْراً بن الحضرمي، وأسرت اثنين، وفَرّ الرابع، وغنمت العير، وكانت تحسب أنها في اليوم الأخير من جمادى الآخرة، فإذا هي في اليوم الأول من رجب- الشهر الحرام- الذي تعظِّمه العرب وبقيةَ الأشهر الحرم، وقد عظمها الإسلام وأقرّ حرمتها. فلما قدمت السرِيَّة بالعير والأسيرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " فوقف العيرَ والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم هلكوا، وعنّفهم إخوانهم من المسلمين. أما أبواق الكفر فإنها بدأت تعزف لحن التشهير برسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين.. قد استحل محمدٌ وأصحابُه الشهر الحرام.. سفكوا دماء الآمنين.. أسروا الرجال المسالمين.. سلبوا الأموال.. فعلوا عكس ما ادّعوا من حرمة الأشهر الحرم.. إنهم يدْعون إلى السلام ويشنُّون الغارات.. أما اليهود فرقصت طرباً، وشهّرَتْ بالمسلمين، وتفاءلت بذلك على محمد صلى الله عليه وسلم فقالت: قتل الحضرميَّ عبد الله بن واقد: وقدت الحرب. وعَمروٌ: عمرت الحرب- والحضرمي: حضرت الحرب. وتسارعت الدعاية المضللة تُروِّج للحادثة في البيئة العربية، وتُظهر محمداً وأصحابَه بمظهر المعتدي الذي يدوس مقدسات العرب وينكر مقدساته هو عند ظهور المصلحة!! ونسي هؤلاء المشركون أنهم بدأوا المسلمين العداء، وفعلوا بالمسلمين الأفاعيل.. وصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: " يرى أحدكم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه ". نسوا أنهم عذّبوا المسلمين، وآذَوهم، وقتلوا كثيراً ممن آمن منهم ! وألجأوهم إلى الهجرة، وحجزوا دورهم وأموالهم، ومنعوا الضعفاء من السفر، وأذاقوهم الهوان ألواناً.. نسوا أنهم كذَّبوا نبيهم، وألَّبُوا العرب عليه، ووصفوه بشتى الصفات القبيحة .. شانهم شأن أعداء الله في كل مكان وكل زمان، فهم نسخة تتكرر على مر العصور،وكَرِّ الدهور، لا يَرْعَوُنَ إلَّاً ولا ذمة. ونزلت الآية الكريمة تشد أَزْرَ المسلمين وتُقرَّر أن القتال في الشهر الحرام كبيرة، نعم! لا شك في ذلك.. لكنَّ صدَّ المشركين المسلمين عن البيت الحرام ،والصدُّ عن سبيل الله والكفرُ به وإخراجُ المسلمين من مكة.. أكبرُ عند الله، وما فعله المشركون فتنة كله.. والفتنة أشد من القتل. إن المشركين بغاة، انتهكوا المقدسات، واعتدوا على حرمات الله، وآذَوا أولياءه فهم المعتدون ابتداءً، وكان على المسلمين قتالهم، أنَّى ثقفوهم. وكان على المسلمين ألا يَدَعوهم يحتمون بستار زائف من الحُرمات التي لا احترام لها في نفوسهم ولا قداسة!!. لقد كانت كلمة المشركين التي شددت النكير على المسلمين في قتل الحضرمي وأَسْرِ رفيقه كلمةَ حقٍ أُريد بها باطل- وكان التلويحُ بحرمة الشهر الحرام مجردَ ستارٍ يحتمون خلفه لتشويه موقف الجماعة المسلمة، وإظهارها بمظهر المعتدي. "إن التاريخ يعيد نفسه فاليوم يشن أعداء الإسلام حملة شعواء على الملتزمين بدينهم، الداعين إلى تحكيم شرع ربهم، المنافحين عن عقيدتهم، الباذلين دماءهم وأموالَهم وراحتهم لدين الله، ويَصِموُنهم بأقذعِ الكلمات، ويَصفونهم بأسوأ الصفات، ويتناسون أنهم هم قد انحرفوا عن دين الله، وباعوا أنفسهم للشيطان والمشركين من أهل الكتاب. والقرآن يقرر أن أعداء الله، مجتمعين، مصممون على قتال المسلمين، وإيذائهم، ليردُّوهم عن دينهم.. إن استطاعوا.. ولكن هيهات أن يعود من ذاق حلاوة الإيمان، وامتزج بنور اليقين، وعرف سعادة التقوى، هيهات أن يعود المبصرُ أعمى، والسميعُ أصمَّ، والسليمُ سقيماً، فلن تستطيع قوة الأرض مجتمعة أن تنال من عقيدة المؤمن أو تزحزحه عنها. أما ضعاف الإيمان والمتعلقون بأوهام الدنيا، وأوضار المادة، إن سقطوا في حمأة الكفر، فإن مصيرهم نارٌ تلظى لا يصلاها إلَّا الأشقى. إن المؤمنين الذين هجروا الدنيا وملذاتها، وتشوقوا للجنة ونعيمها، وجاهدوا في الله حق جهاده يضعون نصب أعينهم رضا الله ورحمته، فيسلَّمون أمرهم إليه، ويتوكلون عليه، وهو الرحيم بهم، الغفور لسيئاتهم، البَرُّ بهم.. وما أعظمَ أن يلجأَ الإنسان في مسيرته إلى الله.. أن يلجأ .. إلى الله.. ولم يقصر عبد الله بن جحش، رضي الله عنه، في توبيخ أعداء الله فيرد عليهم رداً استقاه من القرآن الكريم فأدى وأحسن: تعُدُّون قتلاً في الحرام عظيمةٌ * وأعظمُ منه لو يرى الرشدَ راشدُ صدُودُكمُ عما يقول محمدٌ * وكفرٌ به، والله راءٍ وشاهدُ وإخراجُكم من مسجدِ اللهِ أهلَهُ * لئلا يُرى لله في البيت ساجدُ فإنَّا وإنْ عيرتمونا بقتله * وأرْجف بالإسلامِ باغٍ وحاسدُ سقَيْنَا من ابن الحضرمي رماحنا * بنخلةَ لما أوقد الحربَ "واقد" دماً وابنُ عبد الله عثمانُ بيننا * ينازعه غُلٌ من القِدِّ عاندُ (1) (1) الأبيات من تفسير القرطبي، الجزء الثالث، الصفحة 46. يتبع
|
#5
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم الدكتور عثمان قدري مكانسي سورة آل عمران (1) / [الآيات 23 - 25] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}. قال ابن عباس: نزلت الآية الأولى بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتاً فيه جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله، وهكذا يفعل الدعاة في كل مكان ينزلونه لأنهم هداة إلى الله يدفعون الناس إلى طاعته في الدنيا، وجنته في الآخرة،
فقال له أحدهم: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّي على ملة إبراهيم " فقال اليهودي مجادلاً: إن إبراهيم كان يهودياً.. ونسي أو تناسى أن دين اليهود على ملة موسى وشرع موسى، وبينه وبين إبراهيم عليهما السلام مئات القرون؟! إن هذا افتئات وادعاءٌ لا لبس فيه، علمه رسول الله فرمى الكرة في هدفهم إذ قال عليه الصلاة والسلام: " فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم "، لكنهم لجهالتهم وسوء طويتهم- وأقصد الجالسين جميعاً- أبَوا أن يعودوا إلى التوراة.. ألا ترون الأمر عجيباً أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يدْعُهم إلى القرآن ابتداءً، فهم كافرون به لا يحتكمون إليه، فاختصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الموقف ودعاهم إلى توراتهم، ففيها أن إبراهيم لم يكن يهودياً، وأنهم يرون في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم. لقد جادلوا حُبَّاً في الجدال، وأنكروا رغبة في الإِنكار، لم يكن البحث عن الحقيقة رائدَهم ولا التماسُ الحق هدفَهم، فهم يعرفون الحق ولا يريدونه. { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ.. } سؤال التعجيب والتشهير من الموقف المتناقض الغريب، موقفِ الذين أُوتوا الكتاب الذي أُنْزِلَ على موسى، وهو نصيب من الكتاب، باعتبار كتاب الله هو كلَّ ما أنزَلَ على رُسُله، وقرَّر فيه وحدة ألوهيته وربوبيته، فهو كتابٌ واحد في حقيقته، أُوتِيَ اليهود نصيباً منه والنصارى نصيباً منه، وأوتي المسلمون الكتاب كله باعتبار القرآن جامعاً لأصول دين الله الواحد. تعجبٌ من الذين لا يحتكمون إلى شريعتهم ويدّعون أنهم ينتمون إليها!! يُعرضون عنها بأفعالهم على الرغم من تخرصاتهم بأنهم يؤمنون بها. وهنا لا بد لنا أن نتعجب أكثر من الذين يدَّعون الإسلام ثم يُخْرِجونَ شريعة الله من حياتهم ويَظلون يزعمون أنهم مسلمون. فهذا المثل الذي ضربه الله في اليهود وتعجب منهم ووبخهم فيه، ينطبق تمام الانطباق على مسلمي القول، كافري الفعل، فالنورُ بل الضياء في كتابهم، وقرآنهم مَلَكَ القلوب وملأ الآفاق، فالعجبُ منهم أشدُّ من العجب من اليهود. { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ }. ويزداد العجب من يهود، أنهم يُصرُّون على عدم الاحتكام إلى شريعة موسى، وأن الله حين يعذبهم يكتفي أن يدخلهم النارَ أياماً معدودات ثم يعفو عنهم ويدخلهم جنته ونتساءل هنا: 1 - هل أخذوا عهداً من الله أن لا يعذبهم إلَّا أياماً قليلة أم إنه افتراء !!؟ 2- وهل يصبر هؤلاء على عذاب هذه المدة، بل على ساعةٍ من عذابٍ بلهَ على لحظةٍ من عذاب النار؟! بلهَ على الاقتراب منها وهي تغلي وتفور، وتأكل مَن فيها وتقول: هل من مزيد؟ بل على النظر إليها دون أن يذوبوا كمداً وحسرةً ويحترقوا بشواظها قبل الوصول إليها؟!! كفرعجيب. 3- ولماذا لا يحتكمون إلى الله إن كانوا موقنين بعدله حقاً؟!! 4 - ولماذا ينحرفون أصلاً عن حقيقة الدين؟ وما يفعل ذلك إلا الذين ملكَتْهم شهواتُهم وأضاعوا عقلهم وعاشوا كالأنعام، بل كانوا أضل سبيلاً.. إنهم ما يقولون هذا إلا افتراءً وضلالاً، فهم غير جادين في إيمانهم، يدَّعونه. والقولُ نفسه نقوله للمسلمين الذين يدَّعون الإسلام ويزعمون أنهم مسلمون. { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } قاعدة عظيمة يسوقها القرآن الكريم: لا يجتمع في قلب واحد[ الخوفُ من الآخرة والحياءُ من الله] ، و [ الإعراضُ عن شرع الله والتبجحُ والوقاحة]، { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } وأعتقد أن هذا التهديد وإن كان يُقصد به هؤلاء المفترون الجاحدون إلا أنه تقريرٌ لحالهم وبيانٌ لنهايتهم، فهو سواء هُددوا أم لم يُهدّدوا لن يؤثر في مجرى حياتهم، فقد طُبِع على قلوبهم فهم لا يعقلون ولا يشعرون. وهو تهديد وتنبيه للعاقلين أن لا يزلوا في مستنقع تحكيم الشهوات وإيثار الهوى. يتبع
|
#6
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم الدكتور عثمان قدري مكانسي سورة آل عمران (2) / [الآيات 59 - 61] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}. المباهلة: الملاعنة، والاجتهاد في الدعاء :
قد ينساق الإنسان وراء فكرة فتملك عليه لبه، وينافح عنها ويتخذها عقيدة.. وإلى هنا لا يوجد ضررٌ كبيرٌ من ذلك، إلَّا إذا كانت عقيدة، ينتج عنها مواقف تمسُّ الدين والمبدأ، وتخالف المألوف، وتعاكس المنطق والعقل.. إذ ذاك يجب توضيح الأمر، وبسط القول فيه، ليعود الإنسان إلى صوابه، فإن توضح له الحق وعرف أنه كان على خطأ وجب عليه العودة إليه، والفَيْءُ إلى جادة الصواب، فإنْ فعل، عفا الله عمّا مضى وبدأت صفحة جديدة مضيئة تجُبُّ ما قبلها.. وانْ ركب الإنسان رأسه بعدما ظهر الحق، فهنا الطامة الكبرى. فحين زار رفد نصارى نجران مدينةَ النبي صلى الله عليه وسلم، قابلوه عليه الصلاة والسلام، وحادثوه، وحين قال في حق عيسى عليه السلام: إن عيسى عبد الله وكلمته، أنكروا عليه ذلك، فعيسى لا أب له، وهو بذلك، على حد زعمهم، ليس كالبشر وانْ خرج من بطن امرأة وما دام عيسى كلمةَ الله، فهو- حاشاه- ابنه، وحسبوا أنهم على حق وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غَمَطَ أخاه عيسى حقه، فبدؤوه قائلين: أرنا عبداً خلق من غير أب؟!. . سبحان الله.. وهو القادر على كل شيء.. كان سؤالهم هذا محرجاً.. نعم محرجاً لهم، لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجابهم بسؤال أشد وقعاً على نفوسهم من النبال.. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آدم من كان أبوه؟ أعجبتم من عيسى لا أب له؟! فآدم ليس له أب ولا أم ". إنَّ على عقولهم القاصرة التي اعتقدت أن عيسى ابن الله لكونه لا أب له، أن يجعلوا من آدم عليه السلام إلهاً - والعياذ بالله- فلا أب له ولا أم.. ولم يهتدوا إلى أن الله إذا أراد شيئاً قال له كن، فيكون. وذلك قوله تعالى: { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ـ أي عيسى ـ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ـ أي آدم ـ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)}(الفرقان) . بُهِتَ القوم فما حاروا جواباً.. وأنَّى لدعاة الباطل أن ينطقوا إذا تجلى صوتُ الحق.. وهذه طريقة "الذكر الحكيم " في مخاطبة الفطرة بالمنطق الفطري البسيط في أعقد القضايا.. هكذا وبسرعة وبساطة تتجلى حقيقة عيسى وحقيقة آدم.. كيف ثار الجدل حول عيسى؟ وهو جَارٍ وفق السنةِ الكبرى في يسرٍ ووضوحٍ؟! سنة الخلق والنشأة جميعاً؟!! إنها النفخة الإلهية، والروح الإلهي، والأمر الإلهي لكلا النبيَّيْن سلام الله عليهما، فلا شبهات، ولا تلبيس، ولا ضلالات.. وحين دعاهم صلوات الله وسلامه عليه إلى الإسلام قالوا متبجحين: قد كنا قبلك مسلمين.. أيُّ صفاقة هذه؟ أليس في إنجيلكم صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكنتم- معشر يهود- تنتظرونه لتؤمنوا به؟ ها هو قد جاء، وعرفه سيدكم وكبيركم - العاقب-. فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن جابههم مؤكداً ضلالهم: " كذبتم، يمنعكم من الإسلام ثلاث: ا- قولكم اتخذَ اللهُ ولداً 2- وأَكْلَكُمُ الخنزيرَ 3- وسُجُودُكم للصليب ". ومن الافتراء على الله أن يولد له ولدٌ، وأن يقتله اليهود، وأن يرضى بما فعلوه دون أن يدافع عن ولده.. حاشاه فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد. وتعجبني هذه الأبياتُ : عجباً للمسيحِ بينَ النصارى * والى اللهِ والداً نسبوهُ أسْلَموه إلى اليهودِ وقالوا * إنَّهم بعد قَتْلِهِ صلبُوهُ فإذا كانَ ما يقولون حقاً * فسلوهم وأين كان أبوهُ؟ فإذا كان راضياً بقضاهم * فاشكروهم لأجلِ ما صنعوهُ وإذا كان ساخطاً بقضاهم * فاعبدوهم لأنَّهم غَلبُوهُ وما زال الناس حتى يومنا هذا يجادلون في الخنزير، وهو بذاته مُنَفِّر للطبع القويم، وقد حرَّمه الله تعالى قبل أن يكشف العلم الحديث أن في دمه ولحمه وأمعائه دودة شديدة الخطورة (الدودة الشريطية)، وأنه يأكل القاذوراتِ والفضلات الآدميةَ، وأنه دُيوث، إن أراد مواقعةَ أُنْثَاهُ دَعَا كلَّ الخنازير إليها فإن فرغت منها أتاها. وقد أثبت الطبُّ أن الإنسان يتأثر بلحم ما يأكله سلباً وإيجاباً. وهذا الصليب يعلق على صدور النصارى ويُتبارك به وهو علم على كنائسهم وشعار لأعلامهم، وكأن الرائي يحسب أنهم فرحون بصلبه، وهو لم يصلب وسيكسر الصليب، ويُقاتل أهله، ويحكم بشريعة الإسلام آخر الزمان. ولعلم الله تعالى أن النصارى مُجادلون مُمارون، طلب إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتجنب المماراة، وما كان صلى الله عليه وسلم ممترياً ولا شاكاً فيما يتلوه عن ربه في لحظة من لحظات حياته، وإنما هو التثبيت على الحق للرسول ولأمته من بعده. ولكي ينهي القرآن الكريم الجدلَ والمناظرةَ حول هذه القضية، أمر اللهُ فيه الرسول الكريم أن يدعو النصارى إلى المباهلة، فيجمعَ الطرفان أبناءهم ونساءهم، ويقفا متقابلَيْن.. جمع النصارى أمام آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، إن كان النصارى موقنين بصدق دعواهم وهم ليسوا كذلك.. فيجأر الجميع بالدعوة إلى الله أن يحفظ الفريق الصادق، ويبيد الكاذبين.. فريق المشركين الضالين الذين أساءوا إلى الذات الإلهية، فوصفوها بالضعف حيث أحاجوها إلى ولدٍ يعضد أباه ويساعده.وفريق المؤمنين الذين يعرفون حق المعرفة ربَّهم بأسمائه الحسنى وصفاته العظمى. وحين أَزِفَ موعد المباهلة ورأى المشركون أنهم قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، وأن الوادي سيضطرم عليهم ناراً، فمحمدٌ نبي مرسل، هكذا اعترف أحبارهم، وأنه قد جاء بالفصل في أمر عيسى تركوا المباهلة، ورضوا أن يَسلموا في الدنيا، ويسلمَ لأحبارهم جاهُهم وسلطانهم، ولو كانوا في الآخرة حطبَ جهنم.. رضوا بالسلامة في الدنيا على أن يدفعوا لرسول الله الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. وهذا دأب المشركين، فهم حين يحاربون المسلمين ينفسون عليهم إيمانهم لأنه نور يهدي إلى الدرب القويم، وينفسون عليهم طمأنينتهم وهدوءهم لأنها نتاج التسليم إلى الله.. وهم حين يحاربون المسلمين يدافعون عن سلطانهم ومصالحهم الدنيوية ومطامعهم وأهوائهم. يتبع
|
#7
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم الدكتور عثمان قدري مكانسي سورة آل عمران (3) / [ الآية 72 ] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إنَّ الحربَ غيرَ المعلنة أشد وقعاً من الحرب المعلنة، والكيد العملي غير المصادم أشد إيذاءً من المجابهة الصدامية.
لقد لجأ اليهود الذين رأوا ازدياد عدد المسلمين وشدة تمسكهم بدينهم وحبهم لله ورسوله إلى طريقة ماكرة لئيمة، فأمروا سفلتهم بإظهار الإيمان ثم الرجوع عنه.. مما يوقع بعض ضعاف النفوس والعقول، وغير المتثبتين من حقيقة دينهم وطبيعته في بلبلة واضطراب، وبخاصة العرب الأميين الذين يظنون أن أهل الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب، فإذا رأوهم يؤمنون ثم يرتدَّون حسبوا أن ارتدادهم بسبب اطلاعهم على خبيئةٍ ونقصٍ في هذا الدين، فتأرجحوا ودخل الشك في قلوبهم، فلم يخلصوا لهذا الدين، وكانوا منه على حَرْفٍ، وهؤلاء يعتبرون عبئاً على الدين فلا هم أعداؤه ولا هم منه. يقول سيد قطب رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى، في الظلال، الجزء الأول، ص 415-416: "ما تزال هذه الخدعة تُتَّخَذُ حتى اليوم في شتى الصور التي تناسب تطور الملابسات والناس في كل جيل، ولقد يئس أعداء المسلمين أن تنطلي اليوم هذه الخدعة، فلجأت القوى المناهضة للإسلام في العالم إلى طرق شتى، كلها تقوم على تلك الخدعة القديمة. إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشاً جراراً من العملاء، في صور أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين، وأحياناً كتاباً وشعراء وفنانين وصحفيين، يحملون أسماء المسلمين لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة، وبعضهم من "علماء" المسلمين. هذا الجيش من العملاء مُوجَّه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب، في صورة بحث وعلم وأدب وفنٍّ وصحافة، وتوهين قواعدها من الأساس، والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء، وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق. والدق المتواصل على"رجعيتها، وتطُّرفها وتزمتها" والدعوة إلى التفلت منها، وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقاً عليها من الحياة أو إشفاقاً على الحياة منها، وابتداع تصورات ومُثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها، وتزيينِ تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية وإطلاق الشهوات من عقالها، وسحق القاعدة الخُلقية التي تستوي على العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثراً: ويشوّهون التاريخ كُلَّه ويحرفونه كما يحرفون النصوص! وهم بعد مسلمون! أليسوا يحملون أسماء المسلمين؟! وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار وبهذه المحاولات المجرمة يكفرون آخره.. ويؤدون بهذه وتلك دور أهل الكتاب القديم، لا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم. وكأن أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض، تظاهروا بالإسلام أول النهار، واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم، وليكن هذا سراً بينكم لا تبدونه، ولا تأتمنون عليه إلا أهل دينكم.. ". يتبع
|
#8
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (من المنافقين والكفار وأهل الكتاب وضعاف الإيمان من المسلمين) الدكتور عثمان قدري مكانسي سورة النساء(1) / [ الآيتان 78- 79 ] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} في هاتين الآيتين الكريمتين وقفات هي : 1 - أن الموت حق على المخلوقات لا ينجو منه أحد. 2- أن المسلمين من ضعاف الإيمان وإن كانوا لا يستطيعون أن ينسبوا إلى الذات العلية إلَّا كل خير فإنهم ،وإن كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتسبوا شفافية الروح وعمق الإيمان، فالشفافية وعمق الإيمان رزق من الله تعالى، فهم يتجرؤون على رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيتهمونه زوراً- أنه سبب بلائهم من الناس، إذ طلب إليهم الجهاد في كل جهة، والمشركون من حولهم، وكأنه يرمي بهم إلى الموت. 3- أن على كل مسلم مؤمن بالله تعالى أن يعتقد أنه لا يضر ولا ينفع إلَّا الله تعالى، فهو سبحانه خالق الضّرِ والنفع وبيده مقاليد الأمور، فالمؤمن الحق لا يتهم الدعاة المخلصين وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بهم.. فكل ما يصيب المؤمن يرفع درجاته ويعظم له أجراً. 4- أن من يرفع عقيرته فيتهم أولياء الله والدعاة إليه إنما يتهم نفسه بضعف العقل وقلَّة الفهم، بل إنهم لا يكادون يفقهون ما يُلقى إليهم من الآيات التي تعزو كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر لعلم الله. 5- وأن من يجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمخلصين الدعاة إلى الله، يشير إلى نفسه بضعف الإيمان، وإلى الناس بان يحذروه، ويشكوا فيه. 6- وأن التجريح برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتشاؤم به، والتطير به وبمن يسير على طريقته، وصمٌ لهؤلاء المتشائمين بالضلال والانحراف والبعد عن الدين. ومن جاءهم بهذا الدين؟! أليس هو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يتشاءمون به ويتطيرون به وينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به من عصمة ورحمة وخلق عظيم ويُمنه وبركة؟!! فأقل ما يوصمون به النفاق والمروق من الدين. 7- أن الحسنة من الله تصيب الإنسان حين يلتزم بشرع الله تعالى ويعمل به ويُحكِّمه في حياته، وأن السيئة تصيب الإنسان حين يبتعد عن شرع الله، فيظلم نفسه ويتيه في دياجير الشك والفساد. 8- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبلِّغ أمر ربِّه، ويدعو إليه وفق شريعة الله، وكان من الواجب أن ينظر إليه أنه هادٍ بذل نفسه لله ولا يسأل الناس أجراً على ما يفعل**** { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر ...}(الفرقان86/ص57) فالشؤم أبعد ما يكون عنه، والطيرة أبعد ما تكون عنه وهل رأيت عقلاء يتطيرون بمن يفتح عقولهم وقلوبهم إلى الخير والهدى.. إن يكن الناس جحدوا فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله شاهد على حسن أداء رسول الله صلى الله عليه وسلم للرسالة، وكفى بشهادة الله للنبي فخراً، ولمن يسير على دربه عِزَّاً. إن الموت الذي يفرُّ منه الإنسان مُدركه، ولا علاقة له بسلم أو حرب، فالكثرة الساحقة من الموتى. انتهت حياتهم على فراشهم، لا يؤخر الموت بُعْدٌ عن ساحة المعركة ولا يُقرِّبهُ خوضها.. وما أعظم أن يتمثل المسلم بقول خالد رضي الله عنه: لقد خضت زهاء ثمانين معركة وما في جسمي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح.. وها أنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}(الأعراف) . لكن ضعاف العقل، ضعاف التفكير، يحسبون خوض المعارك دنواً من الموت فهم لا يريدونه، ويصبُّون جام غضبهم على من يدعوهم إلى القتال.. ويعتبرونه أسَّ المساوىء.. والقرآن يدعوهم إلى الجهاد ولكنهم لا يرون فيه سوى إزهاق الأرواح وكأنهم لا يموتون، ولن يموتوا، وتناسوا القضاء والقدر، والفاعل الحقيقي في الموت والحياة، الله تعالى. وتناسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وظيفته الأولى والأخيرة أنه رسول الله لا يُحْدث ولا يُنْشىء ولا يشارك الله تعالى في مسؤولية أو ألوهية.. إنه يُبلِّغ ما يأمره الله به، فطاعته طاعة لله ومعصيته معصية لله. والمؤمنون الأتقياء هم الذين يعرفون فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته في قلوبهم ثانياً، أمَّا أولاً فمكانته عند الله لا تدانيها مكانة. ماذا عن الطِيَرَةِ؟ إن العربي قديماً كان إذا أراد أمراً أمسك طيراً ثم رماه إلى أعلى فإن طار يميناً تفاءل وإن طار يساراً تشاءم وتطيّر، وهذا يدل على جهل.. فما علاقة الطير وطيرانِه يميناً وشمالاً بالأمر الذي يريده أحدهم.. إنها الأوهام والأساطير التي يبني الناس حياتهم ومعتقداتهم عليها.. والإيذاء الذي لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم من تَطَيُّرِ ضعاف الإيمان واليهود، هو، هو الذي لحق بموسى من قبل : { فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (131)}(الأعراف) . فملة الكفر واحدة والتفكير الجاهلي واحد، والتعليل الجاهلي واحد، فإنما ينطلق الجميع من أهوائهم وخرافاتهم .. إن يد الله منعت عن فرعون وقومه الخير : { ولَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}(الأعراف) ، ولكنهم لا يدركون أن الله تعالى أراد عقابهم لجمودهم وكفرهم وأرسل عليهم إذلالاً لهم وجزاءً - على كفرهم- وفاقاً- أرسل الطوفان- والجراد والقمل والضفادع والدم، آيات مفصلات.. فهل ثابوا وتابوا ورجعوا إلى ربهم؟!.. كلا.. وأنَّى لهم أن يرجعوا وهم أصحاب القلوب الجوفاء، والأفئدة الصم التي طبع الله عليها بسبب ضلالهم وكفرهم.. والقول واحد في هؤلاء المُتَطيِّرِيْنَ.. في كل زمان ومكان. فهؤلاء أصحاب القرية يتطيرون بثلاثة من الأنبياء : { قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)}(يس) فيرد عليهم أنبياؤهم موضحين أن كفرهم وعنادهم سبب الشؤم والتطير { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)}(يس) لأنهم أسرفوا في العناد والكفر.. ومادوا في الضلال.. إنها مسيرة التاريخ، والأسباب تؤدي إلى النتائج.. من عمل خيراً فلنفسه ومن أساء فعليه يتبع
|
#9
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (من المنافقين والكفار وأهل الكتاب وضعاف الإيمان من المسلمين) الدكتور عثمان قدري مكانسي سورة النساء (2) / [ الآيات 105- 109 ] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)} ما أعظمك يا رب؟!! وما أعظم تربيتك للمسلمين، تأمرهم أن ينصفوا أعداءهم وأعداؤهم يتربصون بهم الدوائر!! ويحيكون لهم المؤامرات ويمكرون بهم، تُعلمُنا أن نعدل بين الناس، فنحفظ حقوقهم، وهم يريدون لنا الموت الزؤام، ويرسمون الخطط للإيقاع بالمسلمين، فينشرون الأكاذيب، ويؤلبون المشركين، ويشجعون المنافقين، ويطلقون الإشاعات حول النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحاولون تفسيخ المجتمع الإسلامي.
في ظل هذا المكر الشديد من اليهود نزلت آية تنصف يهودياً اتُّهم ظلماً بسرقة، وتدين الذين تآمروا على اتهامه، وهم بيت من الأنصار في المدينة، والأنصار يومئذٍ عُدَّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجُنْدُهُ في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله، ومن حول الرسالة والدين والعقيدة. لقد شرّف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعظّمه حين فوض إليه الحكم بين المسلمين واليهود.. ثلاثة إخوة من الأنصار بشر وبشير ومبشر وابن عم لهم يسرقون سلاحاً وطعاماً لرفاعة بن زيد أحد المسلمين في المدينة، فلما اتهمهم وأثبت ذلك طرح بشيرٌ السلاحَ في بئرٍ لأحد اليهود، واسمه زيد بن السمين، وأخذت منه (من بئره) وبرّأ الرسول ساحة بشر، والتصقت التهمة بزيدٍ هذا، ولكن الله تعالى أراد أن يعلم رسوله والمسلمين من ورائه، أن هذا الدين لا يحابي أحداً من أتباعه على حساب الآخرين، ولو كان من أعدائه.. فالحق حق، أما القرابة والمصلحة، والمتابعة في الرأي والدين فلا مكان لها أمام الحق والعدل، وإلَّا كان المسلمون كغيرهم، لا يفترقون عنهم في صغير ولا كبير. كشف الله المستور، وعرَّف نبيه ما فعله بشرٌ وأخواه وبرّأ اليهوديَّ، فهرب بشر إلى مكة ثم إلى خيبر مرتداً ومات كافراً.. وظلت الآية تُتْلى، وتظلُّ تتلى إلى يوم القيامة دليلاً على إنصاف الإسلام والمسلمين، ودليلاً على حُبِّهم للحق والعدل مهما كان صاحبه صديقاً أو عدواً، فالعبرة للمبدأ لا للمصلحة، وللقيم لا للأهواء، والهدى لا للضلالة. وتُعلِّمنا الآيات التي نزلت بهذا الخصوص أموراً كثيرة منها. 1- أن الله شرَّف رسوله بالرسالة والدين القويم ليحكم بالحق، ويقيم العدل. 2- أن لا ندافع عن الخائنين مهما كانوا، فالحق أولى أن نتبعه. 3- أن نستغفر الله، فالإنسان لضعفه قد يتصرف بما لا يلائم ما يحمل من قيم ومبادئ، وقد يتبع هواه لحظة ثم ينتبه إلى خطئه فيعمل على إصلاحه ويطلب المغفرة من الله، والله أهل للمغفرة. 4- أنه كان على هؤلاء الذين أخطأوا أن يعدلوا إلى الحقّ فور إحساسهم بالذنب، وأن لا يتمادوا في باطلهم، إن كانوا مؤمنين، والمؤمن لا يقنط من رحمة الله بل يلجأ إليه منيباً تائباً. 5- أن الخائن ليس من المسلمين وليسوا منه، إذ الغش والإفساد ليس من سمة المسلمين. 6- أن المؤمن يشعر دائماً بمعية الله فهو يراه ويراقبه فلا يعصيه، وما أجمل وصية لقمان لابنه: (يا بني اعص الله في مكان لا يراك فيه)، أما الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله فهناك دخل في إيمانهم، ينبغي أن يصفّوا من هذا الدخل. 7- أن تكون سريرة المؤمن كعلانيته، فمن أحس بمعصية الله كان مع الناس واضحاً لأنه يرضي الله بذلك ويرغب في مثوبته. 8- أن العقاب في الدنيا زائل بزوالها، أما العقاب في الآخرة فإنه كبير ودائم- إن لم يعف الله تعالى ويغفر- ولا جرم أن المؤمن يرضى بالعقوبة الزائلة عن العقوبة الدائمة. 9- أن إيذاء اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والإِرصاد له لا يمنعه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالعدل بينهم لأنه رُبِّيَ على عين الله ورعايته فزكَّاه الله عقلاً وقلباً وجسماً ومدح خُلُقَهُ فقال : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}(القلم). يتبع
|
#10
|
||||
|
||||
كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي
كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم (من المنافقين والكفار وأهل الكتاب وضعاف الإيمان من المسلمين) الدكتور عثمان قدري مكانسي سورة النساء(3) / [ الآية 153] بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }. نلمح القرآن الكريم يندد دائماً بمواقف أهل الكتاب من اليهود من الرسل والرسالات، فهم دائماً متعنتون معه في طلب الدلائل على نبوتهم، ورسالاتهم.. ولَيْتهم بعد ذلك يؤمنون.. فهم لا يؤمنون بل يهزأون ويسخرون ثم يقتلون الأنبياء.
وفي هذا الموقف، في هذه الآية ، يعاجزون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيسألونه أن ينزل عليهم كتاباً من السماء.. يريدون أن يلمسوه بأيديهم بعد أن يرَوه يدنو منهم نازلاً من السماء.. ويرى النبي عليه الصلاة والسلام من سؤالهم هذا وقاحة ما بعدها وقاحة، فالإيمان لا يعتمد على الحواس فقط، إنما يعتمد على التصديق بالعقل، والثبات في القلب، إنما هو عمل بالأركان وقناعة الجنان وتفاعل الوجدان. لكنهم في مسيرتهم، منذ أن وُجِدوا إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة يُكذِّبون الرسل والدعاة، ويسخرون منهم ويبطشون بهم، ويطلبون منهم ما لا يطلبه عاقل.. ولَيْتهم بعد طلبهم هذا يؤمنون.. ولكنهم خبثاء، طويّاتهم فاسدة، مَرَدوا على الفساد ومخالفة الحق، والبحث عن الباطل بين ظلمات الأحابيل الشيطانية. فلا تأْسَ - يا رسول الله- ولا تحزن، فلك بموسى عليه السلام ومن بعده مواساة، ولعله إن عرفت ما فعلوه مع موسى والأنبياء بعد- وهذا غيض من فيض- تأكدْتَ .، أن أحفاد القردة والخنازير، جُبِلُوا على المراوغة، والكذب والإيذاء والكفر، لقد سألوا موسى عليه السلام أكبر مما سألوك، فسألوه أن يروا الله جهرة، وهم الذين يدعون أنهم آمنوا به، فهو نبيهم وقائدهم ومنقذهم، فهم غلاظ لا يؤمنون إلَّا بالمحسوسات، مُتَعنِّتون فلا يُسلمون إلا تحت القهر والضغط. يغدرون إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وكيف يرون الله؟! وهل يستطيع الكليل الضعيف، أعشى البصر، أن يحيط بالنور الباهر والضوء الساطع؟ !! وهل يحيط مَنْ هو جزء من الوجود أن يحيط بمن أوجد الوجود؟! وأنَّى للضعيف أن يعرف الكمال المطلق؟! لكنهم لِجهلِهم واستكبارهم سألوه أن يروا الله عياناً، فكان الجوابُ لتطاولهم صاعقةً أحرقتهم، ولا جواب لمن لا يعرف حدوده فيتجاوزها ظلماً وعلواً إلَّا أن يعاقب العقاب الأليم جزاءً وفاقاً، وفي رواية أخرى أنهم أصيبوا بالرَجْفة. أما إخوانهم وأبناؤهم فلم يستطيعوا الارتفاع إلى مقام التوحيد، لِلُصوقهم بالأرض وأوحالها، وحقارة نفوسهم، فعبدوا العجل الذي صنعه السَّامريُّ، فهم لا يؤمنون كما ذكرنا إلا بالمحسوسات- إن آمنوا- فكان عاقبة المجرم الأول، السامري، أن مات شريداً طريداً لا يمسُّ شيئاً، ولا يمسه شيء، إلا أخذته الرجفة، وأصابته القشعريرة، فهو ينادي بملء صوته أينما ذهب، وحيثما حل، لا مساس، لا مساس. وما أسوأها من حياة!! وشملهم الله دونه، بعفوه وكرمه، فسامحهم وتجاوز عن خطأهم، ويا له من خطأ فهو الإشراك بالله بعد أن جاءهم نبيهم بالبينات والشريعة الواضحة.. لكنَّ الدونية التي رضعوها وجبلوا بها لا يستطيعون عنها فكاكاً. واليهود لهم طبعٌ متمردٌ، ونفس لا تلتزم إلَّا إذا قُهرت وأُخذت بالقوة، فآتى الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام سلطاناً عليهم، يخافونه، وزرع في قلوبهم المهابةَ له، والرضوخَ أمامه، وسخَّر له كثيراً من أدوات القهر الحسي. فهذه الألواح التي حملها معه حين قفل راجعاً من لقاء ربه جل وعلا، لم يستسلموا لها ويرضوا بالعمل بها إلا حين رأوا الجبل العظيم، وقيل الصخرة العظيمة، معلقاً فوق رؤوسهم يهددهم بالوقوع عليهم، إذا هم لم يستسلموا، ولم يتعهدوا بأخذ ما أعطاهم الله من العهد، وما كتب عليهم من التكاليف في الألواح. عندئٍذ فقط استسلموا وأخذوا العهد، وأعطوا الميثاق المغلَّظ الموثَّقَ أن يدخلوا بيت المقدس سُجّداً، وأن يعظموا السبت الذي طلبوا أن يكون لهم عيداً. فماذا كان منهم بمجرد أن ذهب عنهم الخوف وغاب عنهم القهر؟!! لقد تملصوا من الميثاق الغليظ الذي أُخذ عليهم ونقضوه، وحرَّفوا الآيات وكفروا بها.. وقتلوا أنبياء الله بغير حق، وتبجحوا حين قالوا: نحن لا نقبل الموعظة، فهي لا تصل إلى قلوبنا، لأن القلوب مغلقة ،بل إنها بعد الغلق مقفلة، فلا ينفذ إليها شيء مما يقوله الأنبياء. هذه المقولة: " قلوبنا غُلف " التي قالوها بسوء أدب وإصرارٍ على المعصية، وضربٍ بكل العظات والعبر عرض الحائط أورثتهم غضب الله تعالى، فطبع على قلوبهم فصاروا كفاراً لا يعرفون للإيمان سبيلاً إلا من رحم الله وهم قليل، خالفوا طريق اليهود المعوج، وفتحوا قلوبهم للحق فكتب الله لهم الإيمان، وزينه في قلوبهم. وهناك- بعد ذلك- أسباب عديدة استحقوا بسببها ما استحقوا من تحريم الطيبات عليهم في الدنيا ووعيد بالنار التي تنتظرهم في الآخرة، وساء المآل... منها: ا- أنهم كفروا بنبوة عيسى عليه السلام حين جاءهم يصحح معتقداتهم ويخفف عنهم- بإذن الله- بعض ما عوقبوا به، كفروا بعيسى ووصفوا أمَّه الصِّدِّيقة بالزنا.. ذلك القول الذي يكررونه مع الأنبياء العظام، فيعقوب عليه السلام رمَوه بالزنا بزوج ابنه، بعد أن شرب الخمر، فسكر.. حاشاه أن يكون كذلك، فهو عبد الله و رسوله. ولوطٌ سقته بنتاه الخمر فزنا بهما فولدتا سفاحاً.. وهل يقول بحق الأنبياء هذه المقالة الخبيثة إلا من سفه نفسه؟!! أفلا يرمون الصديقة، وهذه عادتهم لعنة الله عليهم؟! وإذا كان الأبرار الأطهار والعفيفات الطاهرات لم يسلموا من أذى اليهود فما ظنك بسائر البشر!!! 2- لم يكتفوا بان كفروا برسالة عيسى، إنما حاولوا قتله، وكادوا يظفرون به لولا العناية الربانية التي رفعته إلى السماء، ليكون في حرز حريز. وأنَّى يصلون إليه، وقد كتب الله في سابق علمه أنه سيعود آخر الزمان يَدكُّ معاقلهم، ويحاربهم، ويقتلهم، ويفرض عليه الإيمان به نبياً يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام؟! هذه الشريعة التي يكيدون لها، ولن يفلحوا ما دامت السموات والأرض، فالله حفظها بحفظه، وكلأها برعايته، وإنَّ مما يثلج الصدر أنه ما من كتابي يموت إلَّا وهو في حشرجة الروح يعرض عليه كفره فيموت مغموماً مهموماً يندب حظه العاثر، وكفره الذي أودى به المهالك. 3- أنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم، فاستحقوا غضب الله وناره، وظلموا غيرهم حين صدّوهم عن سبيل الله بالإرهاب المادي، والإغراء المعنوي، فهم يلمزون المؤمنين، ويسبُّونهم، ويشتمونهم، ويدفعون الأموال لأعوانهم وأزلامهم ثمناً لإبادة المسلمين، أو التضييق عليهم.. 4- كما أنهم حاربوا الله علانية، إذ تعاملوا بالربا، وقد نهاهم الله عنه، بل يرون من العمل بالدّين- الدّين اليهودي المحرَّف- أن يقرضوا غير اليهودي بالربا، وأن يأكلوا أمواله بالباطل، وبكل طريقة، مهما كانت مجحفة وظالمة. وهكذا يكشف الله تعالى حقيقة اليهود، ويفضح خبث طويتهم، وعداءهم للدين ورسله على مرِّ الدهور وكرِّ العصور. ويوضح للمسلمين الطريق السديد في تعاملهم مع هذا الصنف الماكر، فلا يأمنون له، ولا يتعاملون معه إلَّا بالحذر والحيطة...أليسوا أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين؟!! 5- كما يؤكد سبحانه أن موقف اليهود من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وإنكارهم نبُوَّته هو موقفهم من سائر الأنبياء والرسل، وهذا لا يضير الرسول الكريم. وإذا أتتك مَذمَّتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني كاملٌ ويرفع الله مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكره في مقدمة الأنبياء والمرسلين، فهو أعظمهم وإن جاء آخرَهم، فهو الخاتم لبناء التوحيد، وهو صاحب الدين الذي ارتضاه الله لعباده. وهو صاحب الدين الذي لا يقبل الله إيمان عبده وإسلامه إلَّا به. { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } . والله يشهد أنَّ محمداً رسوله.. وهل بعد شهادة الله شهادة، اللهم آمنا بك رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً فتقبل منا إنك أنت السميع العليم. يتبع
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |