![]() |
العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() تابع حكم معاونة الكفار المحاربين
مما سبق يظهر بيقين التحريم القاطع لاتخاذ الكفار أولياء، بكل معنى من معاني الولاية، ومنها، بل من أشدها، النصرة والتحالف العسكري. ولقد كان الإمام الطبري دقيقاً عندما قال: (إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم علي ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل)، كما يلاحظ ما رواه الطبري من كلام ابن عباس، رضي الله عنهما: (إلاّ أن يكون الكفار ظاهرين فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين) فالموالاة المرخص بها، «تقاةً»، تقتصر على ما تقتضيه الضروره، أو على قدر الحاجة، من الاستفادة من النظام العام، في دار الكفر، وما يكفله من لجوء وجوار، وحقوق، وحماية، وأعطيات مالية من بيت مالهم، وكذلك حمل تابعية بلدهم. أما إظهار الكفر من غير إكراه ملجيء لمن عجز عن الهجرة فلا، وأما إعانتهم على مسلم برأي أو مشورة فلا، وأفظع من ذلك التجسس لهم على المسلمين، أو مقاتلة المسلمين تحت رايتهم. نعم يتصور الإكراه الملجيء بسجن إنسان وتعذيبه، مثلاً، وتهديده بالقتل حتى يسجد للصنم، أو يتلفظ بكلمة الكفر، لا يجد عنها محيصاً، ولكن لا يتصور الإكراه الملجيء في من يقاتل المسلمين مع الكفار، أو يتجسس علي المسلمين لمصلحة الكفار، أو يعينهم برأي أو مشورة ملحقاً الضرر بالمسلمين. هذا لا يوجد قط في العالم ولا يكون، ولا يفعل ذلك إلا كافر مرتد ممن شرح بالكفر صدراً، ممن آثر الدنيا، ومصالحها، وعلاقاتها، على الله ورسوله، وجهاد في سبيله! وعلى كل حال فإن الأحكام السابقة المتعلقة بالموالاة، والتقاة، والإكراه إنما هي أحكام شرعية تخص الفرد المسلم الواقع تحت هيمنة الكفار في دار الكفر، أو المأسور في أيديهم والمعرض لتعذيبهم ونكالهم، وليست هي أحكاماً للدولة، أي للجماعة، بوصفها جماعة، أو للإمام، بوصفه إماماً ورئيساً للدولة. أما الدولة الإسلامية فلا يتصور وقوعها تحت هيمنة الكفار وقهرهم، كما هو الشأن في أحوال الوقوع فريسة الاستعمار، أو تحت الحماية والانتداب، أو الاحتلال العسكري، أو الوصاية، أو الانضمام، طوعاً أو كرهاً، إلى كيان كافر، أو غير ذلك من أحوال فقدان الاستقلال والسيادة، لأن ذلك يعني تحول الدار إلى دار كفر، وسقوط الراية، وزوال الدولة وانعدامها شرعاً، فتصبح في حكم المعدومة فعلاً. فلا يقال إذاً: كيف تتصرف الدولة في مثل هذه الأحوال، لأنها معدومة شرعاً، ويعود السلطان إلى أهله، وهم المسلمين، بوصفهم أمة، وإلى كل فرد مسلم، بوصفه مكلفاً، فيكون السؤال: ماذا يفعل المسلمون، وكيف يتصرفون؟! فالدولة الإسلامية ما هي إلا كيان تنفيذي لتطبيق الإسلام في الداخل وحمل دعوته إلى الخارج، فهي كيان تنفيذي معنوي للأمة أنشأته الأحكام الشرعية، فليس لها وجود طبيعي وراء ذلك، والأرض والشعب التي يزعم الغربيون أنها من مكونات الدولة، ليست هي الدولة، وإن كان وجود ذلك شرط لوجود الدولة عندهم، إلا أن الدولة هي السلطان المجرد، أي الكيان التنفيذي المعنوي، أي الشخصية المعنوية الاعتبارية. هذه الشخصية المعنوية، التي هي «الدولة الإسلامية»، تزول بظهور الكفر فتصبح معدومة لا وجود لها، فكون نظامها إسلامياً هو بمثابة الروح مع الجسد، فإذا خرجت الروح، مات الشخص وصار معدوماً، وإنما تبقى جثة هامدة، سرعان ما تأكلها الأرضة. وذلك بخلاف الفرد المسلم الذي له كيان ووجود طبيعي يتكون من لحم ودم، وله خواص ذاتية منها العقل وحرية الاختيار، كل ذلك موجود فعلاً، وهو ذات حقيقية قائمة بنفسها، وهو غير كونه مسلماً، ووراء كونه مسلماً، فيبقى شخصاً طبيعياً، أي إنساناً من لحم ودم، حتى لو ارتد عن الإسلام، وتبقى له شخصية معنوية، وأهلية إيجاب وقبول، وغيره. والواجب على المسلمين، أفراداً وجماعات، في مثل تلك الأحوال، أي حالة فناء الدولة الإسلامية، وسقوط الراية الإسلامية، العمل على تحويل الدار إلى دار إسلام، بإعادة سيادة الشرع، وسلطان المسلمين. كما أن الجهاد يصبح فرض عين لإخراج الكافر مما احتله من بلاد المسلمين، وإنهاء تسلطه، ومحق ما قد يكون أدخله من أنظمة الكفر، وإبطال جميع تصرفاته المخالفة للشرع، كل ذلك وفق الأحكام الشرعية، وبالكيفية المفصلة في غير هذا الموضع. أما إذا كانت الدولة الإسلامية موجودة، وذلك يقتضي ضرورة أنها تطبق الشرع، في الداخل، وفي العلاقات الدولية على حد سواء، وتتمتع بالسيادة والاستقلال التامَّين، فإنه لا يجوز لها بتاتاً أن تكون في «حلف» عسكري مع الكفار، لأنها كيان تنفيذي ينوب عن الأمة في تنفيذ الشرع، وحمل دعوته إلى العالم، فهي نائبة عن الأمة الإسلامية (أو عن شعب من شعوبها في حالة الأمارة الشرعية الخاصة). والأمة الإسلامية، وكل شعب من شعوبها، شعباً شعباً، وكل فرد من أفرادها، فرداً فرداً، قد حرم الله علية موالاة الكفار تحريماً مغلظاً قاطعاً، إلا ما استثني على مستوى الدولة من أحكام أهل الذمة، الذين هم أمة «مع» المؤمنين، خاضعين تماماً لأحكام الإسلام، مقرين بالسيادة الإسلامية، ونحوها من الأحكام، وما استثني على مستوي الفرد من أحكام «الإكراه» وأحكام «التقاة»، ونحوها، لا غير! والحلف في اللغة العهد والصداقة والنصرة، يقال حالفه أي عاهده على الصداقة والنصرة. إلا أنها أصبحت تطلق في العصر الحديث أكثر ما تطلق على المعاهدات العسكرية خاصة. والأحلاف العسكرية هي اتفاقات تعقد بين دولتين أو أكثر تجعل جيوشها تقاتل مع بعضها عدواً مشتركاً. وهذا الأحلاف قد تكون معاهدة ثنائية تعقد بين دولتين، أو متعددة الأطراف تعقد بين عدة دول. وفي حالة وقوع اعتداء على إحدى الدول المتعاهدة تتشاور هذه مع حليفاتها، ثم بناء على ما تمليه المصلحة تعلن الحرب على المعتدي. وقد يكون الحلف معاهدة جماعية يعتبر فيها الاعتداء على أي واحدة من الدول المتعاهدة اعتداء عليها جميعاً، وإذا وقعت الحرب بين إحداها ودولة أخرى أصبحت جميع الدول المتحالفة في حالة حرب مع تلك الدولة الأخرى فوراً، وبصفة آلية. وهذه الأحلاف كلها، سواء كانت ثنائية، أو متعددة الأطراف، أو جماعية تحتم أن يحارب الجيش مع الحليف ليدفع عنه، ويحمي كيانه، سواء كانت لها قيادة واحدة مشتركة، أم قيادات متعددة. وهذه الأحلاف مع الكفار كلها باطلة من أساسها، ولا تنعقد شرعا، والإقدام عليه، والمشاركة فيها إثم كبير في حق الله، وجناية عظيمة على الأمة، وذلك للأدلة التالية: أولاً: لأنها يترتب عليها القتال بما فيه من سفك الدماء، وإتلاف الأموال دفاعاً عن واحد أو أكثر من أنظمة الكفر. وأنظمة الكفر غير محترمة، وواجبة الإزالة شرعاً. بل لم يشرع الجهاد إلا لتحطيمها ومحقها، وإزالة هيمنتها عن رقاب الناس، وفتح الأبواب أمام دعوة الحق ليحيي من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة! والدماء المسلمة المعصومة الزكية إنما تراق لإزالتها، فكيف تنقلب الآية فتراق لحمايتها؟! فالقتال لم يشرع أصلا ولم يؤذن به إلا لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى يسود الإسلام: {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، فكيف يسمح لراية الكفر أن ترتفع خفاقة بجانب راية الإسلام؟! سبحانك هذا بهتان عظيم! والمسلم لا يقاتل أحداً، ولا يسفك دماًً، إلا عدواً صائلاً للدفاع عن الدين، بما في ذلك الوطن الإسلامي، والنفس، والأهل، والكرامة، والعرض، والمال؛ ولا يبتديئ بقتال الناس إلا لإدخالهم تحت سلطان الإسلام، أي ليدخل الناس في الإسلام ويخرجهم من الكفر. أما أن يقاتل الكفار لينتقلوا من كفر لكفر، ويسفك دمه في ذلك، فلا، وألف لا! بل هو حرام قطعاً. وهو قتال «عصبية»، وقتال تحت راية «عُمِّية»! نعم، لقد أذن الشرع للدولة الإسلامية، بشروط شرعية معينة لكل حالة بحسبها، في موادعة بعض الكيانات الكافرة، ومهادنة بعضها، ومصالحة الأخرى، وفق ما تقتضيه ظروف الحال، ومصلحة الدولة الإسلامية، ومصلحة الدعوة الإسلامية، ولكن أين هذا من الدفاع عن بعض الدول الكافرة، أو القتال في سبيلها؟! شتان بين هذا وهذا! ثانياً: لأنها يترتب عليها، لا محالة، قتال المسلم تحت إمرة كافر، وتحت راية كفر، وذلك في جميع الأحوال، سواء كانت القيادة العسكرية للحلف موحدة، أم كانت له قيادات عسكرية متعددة، لأنها كلها تخضع بداهة للقيادة العليا، وسلطة الأمر والنهي، التي تمارسها القيادة السياسية، وهي في الحلف بين الدول إجماعية بالضرورة، يشترك فيها الكفار بصوت ملزم، على قدم المساواة، بل وربما كان صوتهم أعلى، وتأثيرهم أقوى. فالأحلاف، من هذا النوع العصري، الموصوف أعلاه، تحتم على المسلمين القتال مع الكفار حال احتفاظ هؤلاء بكيانهم كدول لها رايتها المستقلة بجانب الراية الإسلامية ومساوية لها، أو ما هو أشنع من سابقه: براية فوق الراية الإسلامية، وبقيادة مستقلة بجانب القيادة الإسلامية ومساوية لها، أو ما هو أشنع وأشنع: بقيادة فوق القيادة الإسلامية. فليس قتالهم بصفتهم أفراداً تحت الراية الإسلامية، ولا بصفتهم جماعات أو كيانات أو دول تحت الراية الإسلامية، خاضعين للقيادة الإسلامية العليا، فرايتهم، إن كانت لهم راية، تحت الراية الإسلامية، وقيادتهم، إن كانت لهم قيادة، تابعة وخاضعة ومؤتمرة بأمر القيادة الإسلامية، ليس هو كذلك وإلا لكان لا إشكال فيه، لأن الإسلام دائماً، وأبداً، يعلو ولا يعلى عليه. وقتال المسلم تحت إمرة كافر، وتحت راية كفر محرم تحريماً أبدياً لأن في ذلك فوق ما سبق من التحريم القاطع لظهور الكفر واستعلاءه، تمكينا للكفار من رقاب المسلمين واذلالاً لراية الإسلام، وهو من أعظم السبيل الذي نهي الله عنه و حرمه تحريماً أبدياً في قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}، وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وقوله: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}، وقوله: {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى}، وكذلك لما رواه أحمد والنسائي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، أي لا تجعلوا المشركين ضوءاً لكم، وهي كناية عن الحرب مع المشركين، وأخذ رأيهم، لأن النار كناية عن الحرب، و«نار التهويل» كانت العرب في الجاهلية توقدها عند التحالف. وربما كان المقصود: (لا تكونوا تحت راية المشركين، ولا تتحلوا بشعارهم)، لأن النار هي الشعار أو الوسم، فتقول العرب لمن نشد ضالة الإبل: (ما نارها، يا أخا العرب!)، أي ما شعارها أو وسمها الذي تتميز به! وكلا المعنيين مقصود لأنهما متلازمان. وقال بعض العلماء: هذا كناية عن تلقي النصح والمشورة من المشركين، أي: (لا تستنيروا برأي المشركين)، هذا قول وجيه، وإن صح فهو تحريم للقتال معهم من باب أولى لأنه لا يعقل أن يقاتل قوم مع آخرين إلا إذا تحالفوا معهم، وتبادلوا النصح والمشورة والخطط والتكتيكات لتنسيق العمليات القتالية. بل إن الثابت أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يأذن حتى لأفراد الكفار بالقتال تحت رايته وقيادته إلا في أحوال نادرة، مع شدة الحاجة، وتكالب الأعداء. وذلك لما ورد عن عائشة قالت: خرج النبى صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة ادركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما ادركه قال: (جئت لاتبعك فأصيب معك) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله ورسوله» قال: لا، قال: «فارجع فلن استعين بمشرك»، قالت ثم مضى حتى اذا كان بالشجرة ادركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، فقال :لا، قال: «فارجع فلن استعين بمشرك»، قال: فرجع فأدركه بالبيداء، قال له كما قال أول مرة: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: (نعم). فقال له: «فانطلق». (حديث صحيح رواه مسلم). وما ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده قال: (أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: (إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لانشهده معهم)، فقال: «أسلمتما؟» فقلنا: (لا)، فقال: «إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين»، فأسلمنا وشهدنا معه). رواه أحمد، والحاكم وصححه. كما روي من حديث الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد فإذا كتيبة حسناء (أو قال: خشناء)، فقال: «من هؤلاء؟!» قالوا: (يهود كذا، وكذا). فقال: «لا نستعين بالكفار». وقال البيهقي: والصحيح ما اخبرنا الحافظ ابوعبد الله، فساق بسنده الى أبي حميد الساعدي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا خلَّف ثنية الوداع، إذا كتيبة قال: «من هؤلاء؟» قالوا: (بنو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام) قال: «او تسلموا؟» قالوا: (لا). فامرهم أن يرجعوا وقال: «انا لا نستعين بالمشركين»، فأسلموا) كما أخرجه الحاكم في المستدرك، واسحاق بين راهوية في مسنده، والطحاوي في مشكل الآثار، والواقدى في المغازى. ومن المحتمل ان الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما رد رهط عبد الله بن سلام من بني قينقاع لانهم جاءوا طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة، وجاءوا تحت رايتهم، باعتبارهم من بني قينقاع، التي بينها وبين الرسول معاهدات، وكانت كدولة، ومن أجل ذلك رفضهم. فرفضهم كان لكونهم جاءوا تحت رايتهم وفي دولتهم، مستقلين بقيادتهم، بدليل قبوله صلى الله عليه وسلم الاستعانة باليهود في خيبر حين جاءوا افراداً. وحديث ابي حميد هذا يتضمن علة شرعية اذا وجدت وجد الحكم واذا عدمت عدم الحكم، والعلة في الحديث ظاهرة في نص الحديث فإنه يقول: «.... إذا كتيبة، قال من هؤلاء؟! قال رهط عبد الله بن سلام...» فإن معنى أنه كونه كتيبة أي جيش مستقل، وراية مستقلة، لأن لكل كتيبة راية. فصار كونهم كتيبة كافرة، لها راية مستقلة، ومن بني قينقاع اليهود الذين هم بمقام دولة، بينهم وبين الرسول معاهدات، هو علة ردهم، لا كونهم كفاراً فقط، بدليل أنه أمرهم أن يرجعوا بناء على ذلك وعلى رفضهم الإسلام، لا على رفضهم فقط، هذا على فرض ثبوت الحديث، وهو ثابت إلا فيما يتعلق بلفظة: «فأسلموا»، لأن فيها نكارة واضحة، من حيث أنه لم يحفظ قط أن كتيبة بأكملها من بني قينقاع قد أسلمت، ولو حدث ذلك لتداعت الهمم إلى نقله، بل لنقل بالتواتر، فالأرجح، إن كان أصل القصة محفوظاً، أن يكون أحد الرواة وهم فقال: «أسلموا» بدلاً من «لم يسلموا»، أو هي: «فأبوا» وتصحفت على بعض النساخ، ومهما يكن فهذا لا يؤثر على الاستدلال بالحديث، والله أعلم على كل حال. واما ما قد يتوهم من ان خزاعة كان بينها وبين الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، «حلف» او معاهدة، من هذا النوع العصري الموصوف أعلاه، فغير صحيح. فان المعاهدة كانت بين الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وبين قريش لا بين الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وبين خزاعة. ولكن خزاعة كانت حاضرة حين كتبت معاهدة الصلح بين قريش وبين المسلمين في عام الحديبية، فحين ورد في المعاهدة النص: (انه من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه) وبناء على هذا النص تواثبت خزاعة فقالوا: (نحن في عقد محمد وعهده)، وتواثبت بنو بكر بن كنانة فقالوا: (نحن في عقد قريش وعهدهم). فصارت خزاعة مع المسلمين في هذه المعاهدة التي بين قريش والمسلمين، وأدخلها الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في حمايته، وتحت رايته، كجماعة من دولته بحسب المعاهدة، أو كدولة تابعة له وتحت قيادته، وكان هو متفرداً بالقيادة، مستقلاً بها، فليست هذه قطعاً صفة «الحلف» المذموم التي ذكرناها أعلاه. وبناء على هذه المعاهدة دخلت قبيلة بني بكر بن كنانة مع قريش كجزء منها. ودخلت قبيلة خزاعة مع المسلمين كجزء من كيانهم، أو ككيان تحت قيادتهم ورايتهم. وعليه لا تكون حرب خزاعة مع الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، حرب طائفة كافرة، لها راية مستقلة، مع المسلمين، بل حرب افراد كفار في قبيلة كافرة مع المسلمين، تحت راية المسلمين، أو حرب كيان كافر تحت إمرة المسلمين، وتحت راية المسلمين، وتحت قيادة المسلمين، وهذا جائز، لا شىئ فيه، هذا على فرضية التسليم بأن خزاعة كانت في جملتها كافرة، وهو أمر غير مسلّم عند كثير من الباحثين ويستدلون بأدلة جيدة على أن جمهور خزاعة دخلت الإسلام بعد الحديبية، وقبل فتح مكة (راجع: زاد المعاد، الجزء الثالث ص392). وكذلك كان حال قبائل اليهود في المدينة، الذين كانوا بمثابة دول مستقلة، عندما دخلوا في ميثاق «صحيفة المدينة»، فأصبحوا، في أمور الحرب والسلم، وأمور الأمن والخوف، وأمور السياسة الخارجية، تابعين تحت القيادة الإسلامية. هذا يشبه الـ( Commonwealth )، الذي هو جماعة من الدول تحت رئاسة وقيادة دولة قيادية، ولا يشبه الأحلاف العسكرية الحديث بحال من الأحوال. وأما ما رواه احمد وابو داود وابن حبان وابن ماجة، بأسانيد ظاهرها الصحة، عن ذي مخبر، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستصالحون الروم صلحاً تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، وهو حديث كثر الاستشهاد به هذه الأيام على ألسنة بعض المفتونين من أدعياء العلم، من أمثال «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال في محاولة يائسة لتبرير جريمة آل سعود ومشاركتهم في تدمير العراق، فتمام الحديث هو: «... فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر به القوم ويكون الملاحم، فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف»، فيلاحظ على هذا الحديث مايلي: (1) لم يخرجه أهل الصحاح ــ البخاري ومسلم ــ وإنما أخرجوا: ــ حديث عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، وأحد ألفاظ البخاري هو: «اعدد ستًا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس. موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً»، والهدنة إنما تكون بين الأطراف المتحاربة لإيقاف القتال، لا بين الأحلاف. وأخرج مثله عن عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، بألفاظ متقاربة كذلك ابن ماجة والحاكم والطبراني ونعيم بن حماد في الفتن، ــ كما أخرج أحمد والطبراني في الكبير عن معاذ رضي الله عنه مثله حيث يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «... موت يـأخذ في الناس كقعاص الغنم، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بنداً تحت كل بند اثنا عشر ألفا»، وهذا الغدر إنما هو نقض العهد بالهدنة، كما هو مشار إليه في حديث معاذ، رضي الله عنه، ومصرح به في حديث عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، السابق، ــ ومصرح به كذلك في الحديث الآتي الذي أخرجه الحاكم عن أبي هريرة: «... وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت مسلم إلا دخلها، ثم يكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة فيغدرون فيسيرون في ثمانيين غاية تحت كل غاية إثنا عشرة ألف»، ــ كما أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «.. وموت كقعاص الغنم ــ أربع، وهدنة تكون بينكم بين الأصفر يجمعون لكم تسعة أشهر كقدر حمل المرأة ثم يكونون أولي بالغدر منكم، خمس، وفتح مدينة..». فحديث عوف بن مالك هو الأصح، سنداً ومتناً، و يعضده حديث أبي هريرة وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص، لا يذكر مشاركة للروم في الغزو والقتال، فالأرجح أن تكون قصة المشاركة في القتال الواردة في حديث ذي مخبر شاذة غير محفوظة لمعارضتها لما هو أصح من الأحاديث، فالحادثة واحدة ولا شك، وهي تلك الأحداث والملابسات الجسام المؤدية إلى الملحمة الكبرى، ويتعذر الجمع بين تلك الروايات المتناقضة إلا برد تلك الجزئية من حديث ذي مخمر. (2) وحتى على فرض صحة الحديث فهو لا يحتوى حكما شرعيا مناقضاً لما اسلفناه، لأنه اخبار عن عمل يقوم به المسلمون في آخر الزمان، وليس ثمة مانع أن يكون عملهم هذا على خلاف الحكم الشرعي، وأنه معصية، وذكر غدر الروم قرينة على ذم هذا العمل وأنه سيجر على الأمة أوخم العواقب من الفتن والملاحم العظيمة. (3) وحتى على فرض صحة الحديث فإن قوله: «تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، يحتمل أن يكون المقصود: (أ) افراد الروم وليس دولتهم أو دولهم، (ب) أو على أقصى تقدير جماعات وكيانات في حكم الأفراد، لأنها تحت الراية الإسلامية، والقيادة الإسلامية، وذلك بقرينة رفع أحدهم للصليب، مما يدل على أن الصليب لم يكن قبل ذلك ظاهراً مرفوعاً. وهذه قرينة قوية على أنهم كانوا حتى ذلك الغدر تحت راية المسلمين وقيادتهم، لا يرفعون الصليب ولا يظهرونه (وذلك على النقيض التام لحال القوات الامريكية التي احتلت دول الخليج مؤخراً فالصليب مرفوع ظاهر جهاراً في رايات عدد من الدول، مثل: بريطانيا، وهو على كتف كل جندى امريكى، ومعلق في عنق كل مجندة). كل ذلك يؤكد أن المراد بالحديث الروم افرادا، لا كدولة، أو على أقصى تقدير جماعات وكيانات في حكم الأفراد، تحت القيادة الإسلامية والراية الإسلامية، ويوجب حمله على هذا إذا كان ذلك حصل من المسلمين وفق الأحكام الشرعية، هذا إذا لم يكن ذلك الصلح والحلف المشؤوم إنما تم بالمخالفة للأحكام الشرعية، فهو معصية من المسلمين جرت عليهم الكوارث والملاحم العظيمة. (4) إن حديث ذي مخمر يقول: «تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، فالغزو هنا لعدو مشترك، وهذا يقتضي ضرورة أنه أشد كفراً، وشركاً، وشراً من الروم الكفار، فيلزم ضرورة أنه عدو حربي كافر، ولا يمكن أن يكون من المسلمين مطلقاً، لأن المسلم ولي وصديق أبداً، ولا يكون عدوا مطلقاً، كما سبقت البرهنة عليه، فمن المحال الممتنع أن يحتج به في جواز التحالف مع المشركين ضد المسلمين، أو الاستعانة بالمشركين ضد المسلمين أو الاستنصار بالمشركين على المسلمين، كما حاول عميل آل سعور «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال، أبعده الله. وكل ما سبق إنما هو على فرض صحة متن حديث ذي مخبر، والقوي الأرجح أنه متن شاذ لمخالفة الثقة لمن هم أحفظ منه وأوثق، لذلك فالأصل هو رده، وعدم جواز التدين به. وقد استمات عميل آل سعور «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال في محاولة استنقاذ أسياده من آل سعود من حمأة الردة والكفر التي تورطوا فيه بقتالهم العراق تحت الراية الأمريكية، ومشاركتهم في تدميره، وإبادة أهله، وحصارة على مدار السنوات العشرة الفائتة فاستشهد بعجائب منها: دخول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة في جوار المطعم بن عدي، وكذلك دخول أبي بكر رضى الله عنه في جوار ابن الدغنّة، ودخول المسلمين بعد هجرتهم إلى الحبشة تحت سلطان النجاشي، وحماية أبي طالب طوال حياته لرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومناصرة بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه في مواجهة حصار قريش، وتوجه، النبـى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلى الطائف، وإلى القبائل المختلفة في موسم الحج طالبا للنصرة، واستئجار رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأبن أبي أريقط دليلا في هجرته إلى المدينة، وبقصة سراقة بن مالك الذي كان أول النهار كما قال أنس: (.... جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخر النهار مسلحة له) أي حارساً، و «صحيفة المدينة»، وغيرها من الفضائح. فأما دخول النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مكة في جوار المطعم بن عدي، فلا محل له ها هنا لأنه يدل على جواز دخول الفرد المسلم في جوار وحماية أهل المنعة من الكفار، ولا علاقة لهذا بالأحكام المنظمة لعلاقة الدولة الإسلامية بدول الكفر وأفراد الكفار، ولا علاقة له بأحكام الحرب والقتال، أو الموالاة والمعاداة، أو النصرة والاستعانة. فالمطعم بن عدي هو الذي لبس سلاحة واستعد للقتال دفاعاً عن النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ضد المشركين لو اعترضوه. وكذلك دخول أبي بكر رضى الله عنه في جوار ابن الدغنّة أيام اشتداد البلاء بالمسلمين في مكة قبل الهجرة إلى المدينة ــ كما أخرجه البخارى ــ فهو من هذا الباب كسابقه تماماً، أي كجوار المطعم بن عدي لمحمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا علاقة له بموضوعنا هذا. وكذلك دخول المسلمين أفراداً بعد هجرتهم إلى الحبشة تحت سلطان النجاشي لا علاقة له بموضوعنا هذا، وهو دليل على جواز دخول المسلم تحت سلطان الكفر واقامته في دار الكفر إذا أمن على دينه ونفسه. كما أنه دليل على جواز طلب الجوار والحماية (اللجوء السياسي) لأفراد المسلمين من دولة كافرة، ولا علاقة لهذا بموضوع الإستعانة بدول الكفر في قتال المسلمين، ولا بقتال المسلم تحت رايتهم أصلاً: لا ضد المسلمين ولا ضد الكافرين، بل هم الذين قد يقاتلوا لحمايته. ويشبه ذلك حماية أبي طالب طوال حياته لرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بدافع من العصبية والنخوة بالرغم من كونه مشركاً، وكذلك مناصرة بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه في مواجهة حصار قريش لهم في شعب بني عامر بناءاً على صحيفتهم الظالمة، فذلك كله جائز ولا علاقة لهذا بالإستعانة بدول الكفر في القتال ضد المسلمين. وكذلك توجه، النبـى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في السنة العاشرة من البعثة بعد اشتداد أذى قريش له بعد وفاة عمه أبى طالب وخديجة رضى الله عنها إلى الطائف طالبا النصرة، قبل التوجه إلى الطائف، وبعده، إلى القبائل المختلفة في موسم الحج طالبا للنصرة لا علاقة له بموضوعنا هذا، لأن طلب النصرة من الطريقة الثابتة في حمل الدعوة لاقامة الدولة الإسلامية فهو من أعمال حامل الدعوة قبل وصوله إلى إقامة الدولة. وطلب النصرة ها هنا إما طلباً للحماية الدائمية كالتي تبرع بها المطعم بن عدي، أو طلب التصديق به والدعم له وتسليم السلطة إليه كي يصبح رئيساً للدولة، كما فعل الأنصار. مما سبق يتبين، كذلك، بطلان ما استدل به «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال، من استئجار رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأبن أبي أريقط دليلا في هجرته إلى المدينة، فهذا يدخل تحت حكم الاجارة، وهذا جائز من المؤمن للكافر ومن الكافر للمؤمن، فضلاً عن ان عقد الاجارة وقع على فرد كان خاضعاًَ لأوامر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتوجيهاته، وليس على دولة ذات سيادة وراية مستقلة، ولم يكن موضوع الإجارة هو القتال، وإنما كان الإعانة في السفر، والدلالة على الطريق. والعجيب أن «الدجال» ربيع المدخلي استشهد بهذه القصة ثم ختم قائلاً: (... ثم أرأيت لو أن عدواً اعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طريق الهجرة وشرع في قتاله وأراد عبد الله بن أريقط أن يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عنه، أكان يمنعه من مشاركته في هذه المعركة ؟) ولا ندري هل أصبح هذا «الدجال» ممن يعلم (مالم يكن لو كان كيف يكون)؟؟ ولو أراد الله أن يشرع ذلك، لأذن لمثل هذه الواقعة أن تحدث حتى يشرع ما يناسبها. ولكن هذا شأن المفتونين الهلكى من أمثال المدخلي: يقوِّلون ربهم ما لم يقله، أو يتخيلون وقائع لم تقع، كأنه فات على الرب، جل جلاله، أن يأذن بوقوعها ليشرع ما يلزم لمثل أحوالها، فيستدركون عليه ما فاته بزعمهم، سبحان الله وتعالى عن قول الظالمين علواً كبيراً. ولا عجب أن يصدر هذا من المدخلي وأمثاله، فهو دجال منافق مفتون، من منافقة «القراء»، وليس بعالم، ولا يستحق أن يطلق عليه لقب «عالم»، ولكن العجب من مقلديه الذين يتبعونه اتباع الدواب لقائدها. ثم لو وقعت، كما تصوره المدخلي بخياله المريض، لكانت دليلاً على جواز اشتراك أفراد من المسلمين المطاردين الذين ليس لهم دولة تحميهم أو كيان يأويهم، مع أفراد من المشركين، في دفع عدو صائل، بل في دفع أخبث أنواع العدو الصائل ألا وهو: قوة قبيلة أو دولة أو كيان مشرك يريد فتنة أفراد عن دينهم وقتلهم إن لم يرتدوا، فإي علاقة لهذا المناط مع قتال دولة قائمة، تزعم أنها «مسلمة»، لها راية، تحت راية الكفار ضد مسلمين لتدميرهم وإذلالهم؟ ثم المشاركة بعد ذلك على مدى سنوات طوال في حصارهم وتجويعهم والإمعان في تدميرهم وإذلالهم؟؟ أما بالنسبة لقصة سراقة بن مالك الذي كان أول النهار كما قال أنس: (.... جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخر النهار مسلحة له) أي حارساً، وقال الدجال ربيع بن هادي المدخلي نفسه: (لقد علمت كيف بذل ماله للرسول صلى الله عليه وسلم ثم تحول وهو على شركه إلى جندي، قام بما لم يقم به الجيش في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له أبو بكر بهذا العمل العظيم، وشهد له بالوفاء). فهل في وضع سراقة بن مالك وهو فرد واحد تحول من طالب لجائزة قريش إلى جندي وحارس للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو فرد جند نفسه لحراسة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يأتمر بأمره ويخضع لتوجيهه، هل في هذا الوضع أدنى مشابهة لجحافل قوات دول الغرب الكافرة التي جاءت تحت راياتها الكفرية، ورايتها مرفوعة خفاقة، واستعمرت جزيرة العرب، ودمرت العراق، ومازالت تحاصره؟؟؟ إن استشهاد الدكتور المدخلي ــ وأمثاله من المنافقين المفتونين وفقهاء السلاطين ــ بمثل ذلك لهذا مصداق لقوله تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}!!! وهو كذلك تأكيد أن هذه الأمة ليست بمنجى مما ابتلي به بنوا اسرائيل، في أحبارها، من تحريف الكلم عن مواضعه، وإبراز ما يعجبهم من كتاب الله وإخفاء ما لا يناسب أهواءهم ومقاصدهم. أما ما نصت عليه صحيفة المدينة فان واقعها لا ينطبق على واقع الحال فيما جري في الاحداث الأخيرة أثناء أزمة الكويت من استقدام لدول الكفر، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى المدينة وكان اليهود والأنصار أهل الدار من قبله، وإنما كان دخيلاً عليهم، ومع ذلك فقد خضع اليهود بموجب هذه الصحيفة لسيادة الإسلام، تحت حكم الله ورسوله، وقد أنشأت «الصحيفة» ما يشبه ( Commonwealth ) تحت قيادة الدولة الإسلامية، وتفردها خاصة في الشؤون الأمنية، فكان من الخطأ الفادح مقارنة هذا المناط مع مجريات الأحداث الآخيرة والتي بموجبها استدعى الكفار من وراء البحار وصارت لهم الهيمنة والسيطرة على المسلمين وبلادهم، بل أصبحوا يشكلون جيش احتلال اجنبي كافر. وبذلك يتبين أنه لا يوجد دليل صحيح، يسلم من المعارضة، يدل على جواز التحالف مع المشركين حال كونهم كدولة، لها قيادة وراية مستقلة، بل الادلة صريحة قاطعة في عدم جواز ذلك مطلقاً. ما ذكرناه أعلاه ينطبق على كل تحالف مع الكفار، حتى ولو كان عقد التحالف مخصوصاً بنصرتهم على كفار آخرين، وينص على استثناء مقاتلة المسلمين. ولكن هذه حالة شاذة، بل غير موجودة، وليست هي الواقعة هذه الأيام، لأن جميع التحالفات الموجودة في العالم الآن تلزم أعضائها محاربة العدو المشترك لأعضاء الحلف، أو رد العدوان المشترك على أحد أعضاء الحلف، ولا تستثني شعباً معيناً أو أهل دين معين. وبالضرورة نعلم أن العداوة والحرب بين بعض الدول الكافرة العضو في الحلف وأحد البلاد الإسلامية واقعة لا محالة، كما هو محسوس مشاههد، أو ستقع في المستقبل القريب أو البعيد. بل إن أكثر الأحلاف الموجودة اليوم، بعد سقوط الإتحاد السوفييتي، إنما هي في الحقيقة موجهة ضد المسلمين تحت غطاء ما يسمُّونه صراحة بـ«الإرهاب» الإسلامي. لذلك فإن واقع جميع الأحلاف المعاصرة مع الكفار يتضمن لا محالة «الموالاة» المكفرة، ألا وهي (نصرة الكفار الحربيين، ومحالفتهم، وإعانتهم، ودعمهم، وتأييدهم على المسلمين، أو إفشاء أسرار المسلمين العسكرية والأمنية للكفار، أو تحريض الكفار على قتال المسلمين، أو معونتهم في الإعداد لحرب المسلمين، ونحو ذلك). فإذا كان الحال كذلك فإن حرمة هذه الأحلاف تتغلظ، بل وينتقل حالها «نقلة نوعية» فتصبح من أعمال الكفر، وليس من المعاصي أو كبائر الذنوب فحسب، وذلك لأن الحلف يصبح يقيناً من «الموالاة» المكفرة، بل هو أخص وأعلى لون من ألوان الموالاة: ألا وهي النصرة بالقوة المسلحة ضد المسلمين. وقد حرم الله موالاة الكفار تحريماً قطعياً، إلا ما اسثني منها كما أسلفنا أعلاه، وهي «التقاة» فقط لا غير. وليست الأحلاف العسكرية مما استثني بكتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس منضبط بعلة شرعية منصوص عليها! لهذا كله لا يجوز أن تكون هناك أدنى شبهة في حرمة الأحلاف العسكرية مع الكفار، تحريماً مغلظاً أبدياً. كما أن كل ما قيل عن الأحلاف مع الكفار، يقال عن تأجير القواعد العسكرية، أو منحها، لهم، بل هذا أقبح وأنكر، لأنه يمكنهم، فوق ذلك، وبعد ذلك، من السيطرة على أرض إسلامية، ورفع راية الكفر خفاقة عليها. وتتضاعف الجريمة، ويتأكد الإثم، ويزداد الكفر، إذا كانت القواعد العسكرية الكافرة في جزيرة العرب، التي حكم الله، ولا أحسن من حكمه، على لسان رسول الله، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو على فراش الموت، في السياق الأخير: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب!»، وكذلك، في أيامه الأخيرة: «أن لا يجتمع فيها دينان»، و«أن يخرج منها اليهود، والنصارى، حتى لا يبقى فيها إلا مسلماً»، و«أن يُخْرَج منها المشركون»! لكن آل سعود، وفقهائهم الأشرار، أبوا إلا أن يضربوا بذلك كله عرض الحائط، فأقروا بمواثيق منظمة الأمم المتحدة الكفرية، وصادقوا، وتولوا، وتحالفوا مع دول الكفر، وقاتلوا تحت رايتها، ثم «توَّجوا» جرائمهم الشنيعة بتمكين الكفار الحربيين من احتلال جزيرة العرب، ورفع راياتهم، رايات الكفر، عليها. وها هم الأمريكان، الذين هم بالقطع كفار حربيون، وحلفاؤهم: يحاصرون العراق، ويدمرون بنيته التحتية، ويقتلون أهله، ويذلونهم، ويقاتلون الآن المسلمين الأفغان، ويذلونهم، ويطاردونهم إلى رؤوس الجبال، وأعماق البحار، ويستكملون توفير الغطاء الأمني للكيان الصهيوني الخبيث الغاصب في فلسطين، ويعلنون جهاراً نهاراً بأنهم يخططون لضرب العراق وإيران والصومال، وربما بلاد أخرى، وهم يبيضون ويفرخون، ويلاوطون، ويزنون، ويساحقون، ويتسافدون تسافد الحمر، وما من حسيب أو رقيب! بل إنهم، أي آل سعود، أنفسهم الآن، عند كتابة هذه السطور، مشاركون مشاركة فعالة في القتال مع الكفار ضد المسلمين بتمويل الحملة الأمريكية الشرسه على أفغانستان، وتقديم الدعم الاستخباراتي والتمويني (أي: اللوجستيكي) للكفار، حيث تدار العمليات العسكرية الإجرامية الوحشية ضد أفغانستان من قاعدة «الأمير سلطان»، في مدينة الخرج، في إقليم نجد، من قلب جزيرة العرب. كل ذلك فعله آل سعود من أجل شهوات البطون والفروج، وحب التسلط، والملك: وإن ملكهم لزائل!! v فصل: جواز قتال الكفار تحت الراية والقيادة الإسلامية ابتداءً نقول أننا لا نعلم احدا من الأئمة المتبوعين أو الفقهاء المعتبرين نظر في الاستعانة بدول الكفر، وكيانات الكفر على المسلمين قط، ولا خطر لهم ذلك على بال مطلقاً في يقظة، ولعلهم ما رأوه في منام إلا أن يكون من الكوابيس المزعجة، التي يستعاذ بالله منها، وانما كان بحثهم في جواز الإستعانة بالكفار على الكفار فحسب، أو في جواز الاستعانة بأفراد من الكفار من أهل الذمة أو المستأمنين على البغاة الخارجين على الإمام، ونحو ذلك. فقد رأى الإمام الشوكاني وبعض اهل العلم قديما عدم جواز الإستعانة بالكافر في القتال مطلقا. أما جمهور الفقهاء فقد أجازوا الإستعانة بالكافر على الكافر بشرط أن يكون فرداً وتحت راية المسلمين. واختلاف الفقهاء في ذلك يرجع أكثره إلى أن القضية ليست مسألة واحدة، وإنما هي في الحقيقة مسائل مختلفة تحتاج إلى تفصيل. وتفصيل ذلك أنه: (أ) يجوز أن يستعان بالكفار بوصفهم افراداً، وبشرط أن يكونوا خاضعين للقيادة الإسلامية، تحت الراية الإسلامية، بغض النظر عن كونهم ذميين أو غير ذميين، سواء أكانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم لم يكونوا. وكذلك يجوز الاستعانة بالكيانات الكافرة إذا انطبقت عليها نفس الشروط: أن يكونوا خاضعين للقيادة الإسلامية، تحت الراية الإسلامية. (ب) اما الإستعانة بهم كطائفة معينة، لها كيان مستقيل عن الدولة الإسلامية، لها قيادتها المستقلة، تحت رايتها المستقلة، فلا يجوز مطلقا، فيحرم أن يستعان بهم بوصفهم دولة مستقلة، كما هو مفصل في فصل مستقل عن تحريم «الأحلاف العسكرية» مع الكفار. والدليل على جواز الإستعانة بالكافر في القتال أفراداً، خاضعين للقيادة الإسلامية، تحت الراية الإسلامية: (1) أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار، حملة لواء المشركين، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر». أما القول بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلم بمشاركة قزمان في القتال إلا لاحقاً، فهو قول ضعيف ساقط، لأنه علم بعد ذلك وأقره، ولم ينكر على المسلمين تركهم لقزمان يشارك، ولم ينكر عليهم عدم اخباره بذلك، بل لم ينكر على المسلمين شيء على الإطلاق، ولم يروى عنه قط أنه أنكر ذلك، ولا قال لا تعودوا لمثلها، أو نحوه إطلاقاً. بل قال فقط: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر». وحتى لو سلمنا جدلاً أن النبي، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، لم يعلم به، فقد علمه، قطعا ويقيناً، الذي أحاط بكل شئ علماً، والقرآن ينزل، فهلا نزل في ذلك شئ؟! (2) كما يستدل بأن قبيلة خزاعة خرجت مع النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عام الفتح لمحاربة قريش، وكانت حينئد لا تزال مشركة، حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يا معشر خزاعة، ارفعوا ايديكم عن القتال، فقد كثر القتل ان نفع، لقد قتلتم قتلاً لأدينّه». غير أن هذا الاستدلال لا يخلو من المعارضة، لأن بعض الباحثين يؤكد أن خزاعة قد أسلمت عن بكرة أبيها، أو أسلم جمهورها، قبل فتح مكة. راجع، على سبيل المثال، «زاد المعاد»، (الجزء الثالث ص392) للإمام ابن قيم الجوزية. (3) ما جاء في المغازي والسير أنه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، استعان بأفراد من اليهود يوم خيبر. فهذه الروايات، وأكثرها ثابتة صحيحة، تدل دلالة صريحة على جواز الإستعانة بالكفار افراداً، أي على جواز ان يكون الكافر في جيش المسلمين، تحت الراية الإسلامية والقيادة الإسلامية، يقاتل العدو الكافر مع المسلمين. الا أنه لا يجبر الكافر على أن يكون في الجيش، ولا يجبر على القتال، لأن الجهاد ليس فرضاً عليه، وقال بعض الفقهاء أنه يسهم له من الغنيمة كالمسلم سواء بسواء، وقال آخرون أنه لا يعطى سهماً من الغنيمة، ولكن يرضخ له، أي يعطى له قدر من المال، وهذا خلاف هين، يشبه أن يكون جدلاً لفظياً، لا جوهر له ولا حقيقة. فاذا طلب الكافر أن يحارب مع المسلمين، أي أن يكون في جيش المسلمين، من غير إكراه وبإرادته واختياره الحر، جاز ذلك في كل ناحية من نواحى الخدمة في الجيش حتى في استخبارات الجيش وجاسوسيته. ــ واما ماورد عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: خرج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة ادركه رجل، قد كان تذكر منه جرأة ونجدة، ففرح به اصحاب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأوه فلما ادركه قال: جئت لا تبعك فأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تؤمن بالله ورسوله، قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال أول مرة، فقال :لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قال: فرجع فأدركه بالبيداء، قال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. فقال له: فانطلق (رواه مسلم). فان هذا الحديث الصحيح لا يتعارض مع الثابت انه صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعان بمشركين، وذلك لأمرين: (أ) أن هذا الرجل اشترط ان يحارب ويأخذ الغنيمة فانه قال: (جئت لاتبعك فأصيب معك)، والغنيمة لا تعطى الا للمسلمين، فيجوز أن يكون رفض النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مشاركته في القتال لهذا السبب، (ب) كما أن الاستعانة بالكفار افراداً موكولة لأجتهاد الإمام ان شاء استعان، وان شاء رفض. (ج) كما أن هذا تصرف، أي فعل من أفعاله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأفعاله على الائتساء بها، وليست على وجوب العمل بمثلها، إلا ما جاء إنفاذاً لحكم أو بياناً لأمر، ونحوه. ــ واما ما ورده عن خبيب بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده قال: (أتيت النبى، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهويريد غزواً، أنا ورجل من قومى، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي ان يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال اسلمتما؟ فقلنا: لا، فقال: إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، فأسلمنا وشهدنا معه). رواه أحمد والحاكم وصححه. فان هذا الحديث يحمل، كما هو واضح من ظاهره، على ان الاستعانة بالكفار موكولة لرأي الإمام إن شاء استعان وان شاء رفض، وكل ما قاله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه لا يستعين بالمشركين على المشركين، أي أن هذا اختياره هو، ولم يصرح أن الله حرم ذلك عليه، أو على المؤمنين، وليس في الحديث مطلقاً ما يفيد ذلك التحريم، لا في منطوقه، ولا في مفهومه. ــ وأما قول البيهقي: [والصحيح ما اخبرنا الحافظ ابوعبد الله، فساق بسنده الى أبي حميد الساعدي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا خلَّف ثنية الوداع، إذا كتيبة قال: «من هؤلاء؟» قالوا: (بنو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام) قال: «او تسلموا؟» قالوا: (لا). فامرهم أن يرجعوا وقال: «انا لا نستعين بالمشركين»، فأسلموا) كما أخرجه الحاكم في المستدرك، واسحاق بين راهوية في مسنده، والطحاوي في مشكل الآثار، والواقدى في المغازى. فمن المحتمل، وهو الأرجح، ان الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما رد رهط عبد الله بن سلام من بني قينقاع لانهم جاءوا طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة، وجاءوا تحت رايتهم، باعتبارهم من بني قينقاع، التي بينها وبين الرسول معاهدات، وكانت كدولة، ومن أجل ذلك رفضهم، لأنهم جاؤوا كحلفاء مساوين في المرتبة، مستقلين بقيادتهم. فرفضهم كان لكونهم جاءوا تحت رايتهم وفي دولتهم، مستقلين بقيادتهم، بدليل قبوله صلى الله عليه وسلم الاستعانة باليهود في خيبر حين جاءوا افراداً. وحديث ابي حميد هذا يتضمن علة شرعية اذا وجدت وجد الحكم واذا عدمت عدم الحكم، والعلة في الحديث ظاهرة في نص الحديث فإنه يقول: «.... إذا كتيبة، قال من هؤلاء؟! قال رهط عبد الله بن سلام...» فإن معنى أنه كونه كتيبة أي جيش مستقل، وراية مستقلة، لأن لكل كتيبة راية. فصار كونهم كتيبة كافرة، لها راية مستقلة، ومن بني قينقاع اليهود الذين هم بمقام دولة، بينهم وبين الرسول معاهدات، هو علة ردهم، لا كونهم كفاراً فقط، بدليل أنه أمرهم أن يرجعوا بناء على ذلك وعلى رفضهم الإسلام، لا على رفضهم فقط، هذا على فرض ثبوت الحديث، وهو ثابت إلا فيما يتعلق بلفظة: «فأسلموا»، لأن فيها نكارة واضحة، من حيث أنه لم يحفظ قط أن كتيبة بأكملها من بني قينقاع قد أسلمت، ولو حدث ذلك لتداعت الهمم إلى نقله، بل لنقل بالتواتر، فالأرجح، إن كان أصل القصة محفوظاً، أن يكون أحد الرواة وهم فقال: «أسلموا» بدلاً من «لم يسلموا»، أو هي «فأبوا» وتصحفت على بعض النساخ، ومهما يكن فهذا لا يؤثر على الاستدلال بالحديث، والله أعلم على كل حال. ومن المحتمل أنهم أرادوا الدخول تحت قيادته ورايته، ولكنه رفض، كما رفض مشاركة بعض الأفراد، اجتهاداً يتطلبه الموقف، لأن الاستعانة الاستعانة بالكفار موكولة لأجتهاد الإمام ان شاء استعان، وان شاء رفض. وقد ذكر الإمام البيهقي عن الإمام الشافعي قوله: (ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء اسلامهم فصدق الله ظنه)، فسواء صح تحليل الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أو لم يصح فقوله موافق لقولنا أن الأمر موكول لاجتهاد الإمام ينتهج السياسة الأمثل والأفضل لمصلحة الدعوة الإسلامية، ومتطلبات الحرب الاستراتيجية والتكتيكية. والرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سكت عن مشاركة الكفار بأحد، واستعان بهم في فتح مكة، ورفض الاستعانة في بدر، ورفض الإستعانة بخبيب والرجل الذى معه حتى اسلما، ورفض الاستعانة بكتيبة بني قينقاع، واستعان بأفراد من اليهود في خيبر، فكون الرسول ثبت عنه انه استعان بأفراد من الكفار وهم على كفرهم، وثبت أنه رفض الإستعانة بأفراد حتى أسلموا، دليل على الإستعانة بأفراد في القتال جائزة وانها موكولة لرأي الإمام، أو القائد، ان شاء قبل الاستعانة وان شاء رفضها. ولا فرق بين قتال الأفراد المذكور آنفاً تحت الراية والقيادة الإسلامية، وقتال الدول، والجماعات والقبائل والمدن التي هي بمثابة دول، ما دامت تحت الراية الإسلامية، وهم خاضعون للقيادة الإسلامية العليا، فالواقع واحد، والحكم إذا ضرورة واحد، وهو الإباحة، مع كونها خلاف الأولى. ولكن لا بد أن تكون الحرب، التي يشارك فيها هؤلاء، حرباً إسلامية مشروعة: فالحرب حربنا، والقضية قضيتنا، والقيادة قيادتنا، والراية رايتنا: فيكون المسلم هو القائد والسيد المخدوم، في حقيقة الأمر لا بالإسم أو الرمز والصورة، والكفار هم الذين نصروه وخدموه، فهم الجنود والخدم والمعاونون. نعم: من الصعب تصور مثل هذا الواقع في حق الدول عادة، فلا يتحقق مثل هذا إلا نادراً، كأن تكون الدولة محل النظر دولة تابعة للدولة الإسلامية، خاضعة للقيادة الإسلامية العليا، كما كان حال دويلات اليهود في المدينة تحت قيادة النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث كانت علاقتهم معه تشبه ( Commonwealth) ، أو عندما دخلت خزاعة في صلح النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ كانت خزاعة حاضرة حين كتبت معاهدة الصلح بين قريش وبين المسلمين في عام الحديبية، فحين ورد في المعاهدة النص: (انه من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه) وبناء على هذا النص تواثبت خزاعة فقالوا: (نحن في عقد محمد وعهده)، وتواثبت بنو بكر بن كنانة فقالوا: (نحن في عقد قريش وعهدهم). فصارت خزاعة مع المسلمين في هذه المعاهدة التي بين قريش والمسلمين، وأدخلها الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في حمايته، وتحت رايته، كجماعة من دولته بحسب المعاهدة، أو كدولة تابعة له وتحت قيادته. ولعله لم يخف على فطنة القاريء أن كل ما درسناه آنفاً من النصوص إنما هو حصراً في مشاركة الكافر للمسلمين في قتالهم للكفار، أي في (الاستعانة بالمشركين على المشركين) ، التي كرهها النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأبى أن يمارسها، مع بياننا أنها مع ذلك جائزة، وإن كان مع الكراهة. وليس فيما سلف حرف واحد يتعلق بـ(الاستعانة بالمشركين على المسلمين)، فمن باب أولى تكون هذه مكروهة، بل ولعلها محرمة؟! قلت: حجة المجوزين لذلك، أي (الاستعانة بالمشركين على المسلمين)، هو أنه إنما وقع في قتال مشروع، كقتال العصابات الإجرامية والبغاة ونحوه، والقتال هو قتالنا، وهو مشروع في ديننا، والقضية قضيتنا، والقيادة قيادتنا، والراية رايتنا، ونحن نعلم حدود وشروط وآداب ذلك القتال، ومن شارك معنا من غير المسلمين يعلم ذلك ويلتزم به إذ هو تحت قيادتنا ورايتنا، مطيع لأمرنا ونهيننا، فجوهر الموضوع هو أن يكون القتال مشروعاً، وأن يتم بالكيفية والحدود المشروعة، بغض النظر عمن هو «المقاتَل»، بفتح التاء، أي من هو الذي تتم مقاتلته ومحاربته، ما دام مستحقاً لأن يحارب ريقاتل، وبغض النظر عمن هو «المقاتِل»، بكسر التاء، أي الذي يباشر القتال ويقوم به، ما دام ملتزما بالأوامر والنواهي، خاضعاً للقيادة الشرعية، تحت الراية الإسلامية الشرعية، معترفاً بالسيادة الإسلامية. هذه حجة قوية وجيهة، وهو الرأي الذي ندين الله به، ولكننا نسارع فنؤكد أنه: لا بد أن يكون المسلم في قتال مشروع ضد مسلمين آخرين، كالمحاربين من قطاع الطرق والقراصنة وتجار المخدرات الذين استفحل حالهم حتى أصبحوا طائفة ممتنعة لا تعالج إلا بالقتال، أو الخوارج المكفرين بالذنوب، أو البغاة الخارجين على السلطان بالقوة المسلحة بعد مناظرتهم ودحض حججهم أو حل مشاكلهم ورفع مظالمهم، أو فئة باغية أصرت على الشر والقتال بعد السعي في إصلاح ذات البين، ونحو ذلك، فلا بد أن تكون الحرب حرب المسلمين، ويكون القتال قتالهم، والقضية قضيتهم، والراية رايتهم، والقيادة قيادتهم، والكفار هم الذين نصروهم وخدموهم، فهم الجنود والخدم والمعاونون، والمسلمون هم القادة والسادة والمخدومون، في حقيقة الأمر لا بالرمز والصورة، فما أسهل تزوير الرموز والصور. اما عدم جواز أن يستعان بالكفار في القتال بوصفهم دولة مستقلة، ذات قيادة وراية مستقلة، أو ماهو في حكم الدولة المستقلة، كالقبيلة، والجماعة الممتنعة، والمدينة ذات السيادة والمنعة، ونحو ذلك، كما هو الحال في «الأحلاف العسكرية»، ونحوها، فظاهر من أن ذلك يستلزم، ويقتضي، ضرورة، إما: (أ) أن يكون للكفار سبيل وهيمنة على المسلمين، وهو محرم تحريماً أبدياً قاطعاً، كما هو مفصل في الفصل المخصص لبيان حرمة «الأحلاف العسكرية» مع الكفار، أو (ب) «موالاة الكفار»، وهو محرم تحريماً أبدياً قاطعاً، بل هي من أعمال الكفر، يوجب ردة فاعله، وحبوط عمله، كما مبرهن عليه في موضعه، وبالله التوفيق. فالثابت المقطوع به، الذي لا يجوز أن تكون فيه شبهة، هو أن الله حرم الإستعانة بالكفار حال كونهم طائفة مستقلة، ذات قيادة مستقلة، تحت راية الكفر. هذا كله بالنسبة للاستعانة بالكافر أن يقاتل بنفسه مع المسلمين، تحت القيادة الإسلامية والراية الإسلامية، أما الإستعانة بالكافر بأخذ السلاح منه، فانه يجوز سواء أكان السلاح من فرد أو من دولة، على أن يكون ذلك إعارة مضمونة، لما روي أنه لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير الى هوازن ليلقاهم ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً فارسل إليه وهو يومئد مشرك فقال: (يا أمية! أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً، فقال صفوان: أغصبًا يامحمد؟ قال: بل إعارة مضمونة حتى نؤديها لك، فقال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درع بما يكفيهامن السلاح، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل). فهذا واضح فيه أن الرسول استعان بكافر بأخذ السلاح منه، وهو وإن كان فرداً الا أنه رئيس قبيلة. على ان مجرد اخذ السلاح من كافر دليل على جواز اخذه من الكافر مطلقاً مالم يرد دليل يخصص عدم الإستعانة بهم كدولة كما هي الإستعانة في القتال. لكنه لم يرد دليل يمنع اخد السلاح من دولة فيظل على إطلاقه من جواز أخذه من الكافر مطلقاً إعارة مضمونة، اوشراء بالثمن، أو حتى قبولاً لهدية غير مشروطة. على ان أخذ الدولة السلاح إنما يحصل غالباً من دولة. وعليه يجوز الاستعانة بأخذ السلاح من دولة كافرة، مع أن الأصل أن يصنع المسلمون سلاحهم بأنفسهم فلا يحتاجون من غيرهم سلاحاً مطلقاً. ونكرر القول أنه لم يحدث ابداً في عهد رسول الله أن إستعان بكافر على مسلم أو أنه أجاز ذلك، وإنما كانت الإستعانة إن وجدت على كل حال على الكافرين والمشركين، ولم تكن على مسلم قط، ويشهد لذلك امتناع أبي بكر رضي الله عنه عن محاربة بعض المرتدين ببعض، لا بل أنه رفض الاستعانة ببعض من ارتد سابقاً، حتى بعد عودتهم إلى الإسلام، ولا حتى في حربه ضد فارس والروم رغم حاجته الماسة الى الرجال! ومن أراد الاستزادة من فقه هذا الباب فعليه بالرجوع إلى الكتب المختصة ومنها: (1)ــ (الإستعانة بغير المسلم) للدكتور عبد الله الطريقى (رسالة دكتوراه). (2)ــ (احكام أهل الذمة) للأمام ابن القيم. (3)ــ (المغنى) للأمام ابن قدامة في أبواب قتال أهل البغى، وأبواب الجهاد، والغنيمة. (4)ــ (نيل الأوطار) للأمام الشوكاني الجزء الثامن ــ باب الإستعانة بالمشركين. (5)ــ (نقد القومية العربية) للشيخ عبد العزيز بن باز ، ص 29 وما بعدها، نشر المكتب الإسلامي - الطبعة السادسة 1408هــ. لاحظ أن الرجل هنا قد غلا غلواً شديداً فحرم استخدام أفراد المشركين أوالإستعانة بهم في أعمال الهندسة والطب وغير ذلك، ولم يأذن بذلك، ولا حتى في حالة الضرورة، وهو مذهب باطل على التحقيق. كل ذلك كان «حقاً» عندما كان المقصود هو إحراج جمال عبد الناصر، ولكن عندما احتاج «أسياده» من آل سعود لأسيادهم الأمريكان نكص الشيخ على عقبيه وأصدر هو، وغيره من مشايخ آل سعود، فتواهم الشنيعة التي استند عليها آل سعود في تنفيذ جريمتهم النكراء، نعوذ بالله من الخذلان! (6)ــ (الإستعانة بغير المسلمين في الجهاد الإسلامي) دكتور عثمان محمد شبير، مقالة في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ــ السنة الرابعة العدد السابع ــ شعبان 1407هـ. (7) الموالة والمعاداة: للدكتور محمد بن عبد الله المسعري، (من منشورات لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية). [تابع: محاكمة حاطب] __________________ الدكتور محمد بن عبدالله المسعري أمين عام تنظيم التجديد الإسلامي، والناطق الرسمي له. [email protected]
|
#2
|
|||
|
|||
![]() تابع حكم معاونة الكفار المحاربين
مما سبق يظهر بيقين التحريم القاطع لاتخاذ الكفار أولياء، بكل معنى من معاني الولاية، ومنها، بل من أشدها، النصرة والتحالف العسكري. ولقد كان الإمام الطبري دقيقاً عندما قال: (إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم علي ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل)، كما يلاحظ ما رواه الطبري من كلام ابن عباس، رضي الله عنهما: (إلاّ أن يكون الكفار ظاهرين فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين) فالموالاة المرخص بها، «تقاةً»، تقتصر على ما تقتضيه الضروره، أو على قدر الحاجة، من الاستفادة من النظام العام، في دار الكفر، وما يكفله من لجوء وجوار، وحقوق، وحماية، وأعطيات مالية من بيت مالهم، وكذلك حمل تابعية بلدهم. أما إظهار الكفر من غير إكراه ملجيء لمن عجز عن الهجرة فلا، وأما إعانتهم على مسلم برأي أو مشورة فلا، وأفظع من ذلك التجسس لهم على المسلمين، أو مقاتلة المسلمين تحت رايتهم. نعم يتصور الإكراه الملجيء بسجن إنسان وتعذيبه، مثلاً، وتهديده بالقتل حتى يسجد للصنم، أو يتلفظ بكلمة الكفر، لا يجد عنها محيصاً، ولكن لا يتصور الإكراه الملجيء في من يقاتل المسلمين مع الكفار، أو يتجسس علي المسلمين لمصلحة الكفار، أو يعينهم برأي أو مشورة ملحقاً الضرر بالمسلمين. هذا لا يوجد قط في العالم ولا يكون، ولا يفعل ذلك إلا كافر مرتد ممن شرح بالكفر صدراً، ممن آثر الدنيا، ومصالحها، وعلاقاتها، على الله ورسوله، وجهاد في سبيله! وعلى كل حال فإن الأحكام السابقة المتعلقة بالموالاة، والتقاة، والإكراه إنما هي أحكام شرعية تخص الفرد المسلم الواقع تحت هيمنة الكفار في دار الكفر، أو المأسور في أيديهم والمعرض لتعذيبهم ونكالهم، وليست هي أحكاماً للدولة، أي للجماعة، بوصفها جماعة، أو للإمام، بوصفه إماماً ورئيساً للدولة. أما الدولة الإسلامية فلا يتصور وقوعها تحت هيمنة الكفار وقهرهم، كما هو الشأن في أحوال الوقوع فريسة الاستعمار، أو تحت الحماية والانتداب، أو الاحتلال العسكري، أو الوصاية، أو الانضمام، طوعاً أو كرهاً، إلى كيان كافر، أو غير ذلك من أحوال فقدان الاستقلال والسيادة، لأن ذلك يعني تحول الدار إلى دار كفر، وسقوط الراية، وزوال الدولة وانعدامها شرعاً، فتصبح في حكم المعدومة فعلاً. فلا يقال إذاً: كيف تتصرف الدولة في مثل هذه الأحوال، لأنها معدومة شرعاً، ويعود السلطان إلى أهله، وهم المسلمين، بوصفهم أمة، وإلى كل فرد مسلم، بوصفه مكلفاً، فيكون السؤال: ماذا يفعل المسلمون، وكيف يتصرفون؟! فالدولة الإسلامية ما هي إلا كيان تنفيذي لتطبيق الإسلام في الداخل وحمل دعوته إلى الخارج، فهي كيان تنفيذي معنوي للأمة أنشأته الأحكام الشرعية، فليس لها وجود طبيعي وراء ذلك، والأرض والشعب التي يزعم الغربيون أنها من مكونات الدولة، ليست هي الدولة، وإن كان وجود ذلك شرط لوجود الدولة عندهم، إلا أن الدولة هي السلطان المجرد، أي الكيان التنفيذي المعنوي، أي الشخصية المعنوية الاعتبارية. هذه الشخصية المعنوية، التي هي «الدولة الإسلامية»، تزول بظهور الكفر فتصبح معدومة لا وجود لها، فكون نظامها إسلامياً هو بمثابة الروح مع الجسد، فإذا خرجت الروح، مات الشخص وصار معدوماً، وإنما تبقى جثة هامدة، سرعان ما تأكلها الأرضة. وذلك بخلاف الفرد المسلم الذي له كيان ووجود طبيعي يتكون من لحم ودم، وله خواص ذاتية منها العقل وحرية الاختيار، كل ذلك موجود فعلاً، وهو ذات حقيقية قائمة بنفسها، وهو غير كونه مسلماً، ووراء كونه مسلماً، فيبقى شخصاً طبيعياً، أي إنساناً من لحم ودم، حتى لو ارتد عن الإسلام، وتبقى له شخصية معنوية، وأهلية إيجاب وقبول، وغيره. والواجب على المسلمين، أفراداً وجماعات، في مثل تلك الأحوال، أي حالة فناء الدولة الإسلامية، وسقوط الراية الإسلامية، العمل على تحويل الدار إلى دار إسلام، بإعادة سيادة الشرع، وسلطان المسلمين. كما أن الجهاد يصبح فرض عين لإخراج الكافر مما احتله من بلاد المسلمين، وإنهاء تسلطه، ومحق ما قد يكون أدخله من أنظمة الكفر، وإبطال جميع تصرفاته المخالفة للشرع، كل ذلك وفق الأحكام الشرعية، وبالكيفية المفصلة في غير هذا الموضع. أما إذا كانت الدولة الإسلامية موجودة، وذلك يقتضي ضرورة أنها تطبق الشرع، في الداخل، وفي العلاقات الدولية على حد سواء، وتتمتع بالسيادة والاستقلال التامَّين، فإنه لا يجوز لها بتاتاً أن تكون في «حلف» عسكري مع الكفار، لأنها كيان تنفيذي ينوب عن الأمة في تنفيذ الشرع، وحمل دعوته إلى العالم، فهي نائبة عن الأمة الإسلامية (أو عن شعب من شعوبها في حالة الأمارة الشرعية الخاصة). والأمة الإسلامية، وكل شعب من شعوبها، شعباً شعباً، وكل فرد من أفرادها، فرداً فرداً، قد حرم الله علية موالاة الكفار تحريماً مغلظاً قاطعاً، إلا ما استثني على مستوى الدولة من أحكام أهل الذمة، الذين هم أمة «مع» المؤمنين، خاضعين تماماً لأحكام الإسلام، مقرين بالسيادة الإسلامية، ونحوها من الأحكام، وما استثني على مستوي الفرد من أحكام «الإكراه» وأحكام «التقاة»، ونحوها، لا غير! والحلف في اللغة العهد والصداقة والنصرة، يقال حالفه أي عاهده على الصداقة والنصرة. إلا أنها أصبحت تطلق في العصر الحديث أكثر ما تطلق على المعاهدات العسكرية خاصة. والأحلاف العسكرية هي اتفاقات تعقد بين دولتين أو أكثر تجعل جيوشها تقاتل مع بعضها عدواً مشتركاً. وهذا الأحلاف قد تكون معاهدة ثنائية تعقد بين دولتين، أو متعددة الأطراف تعقد بين عدة دول. وفي حالة وقوع اعتداء على إحدى الدول المتعاهدة تتشاور هذه مع حليفاتها، ثم بناء على ما تمليه المصلحة تعلن الحرب على المعتدي. وقد يكون الحلف معاهدة جماعية يعتبر فيها الاعتداء على أي واحدة من الدول المتعاهدة اعتداء عليها جميعاً، وإذا وقعت الحرب بين إحداها ودولة أخرى أصبحت جميع الدول المتحالفة في حالة حرب مع تلك الدولة الأخرى فوراً، وبصفة آلية. وهذه الأحلاف كلها، سواء كانت ثنائية، أو متعددة الأطراف، أو جماعية تحتم أن يحارب الجيش مع الحليف ليدفع عنه، ويحمي كيانه، سواء كانت لها قيادة واحدة مشتركة، أم قيادات متعددة. وهذه الأحلاف مع الكفار كلها باطلة من أساسها، ولا تنعقد شرعا، والإقدام عليه، والمشاركة فيها إثم كبير في حق الله، وجناية عظيمة على الأمة، وذلك للأدلة التالية: أولاً: لأنها يترتب عليها القتال بما فيه من سفك الدماء، وإتلاف الأموال دفاعاً عن واحد أو أكثر من أنظمة الكفر. وأنظمة الكفر غير محترمة، وواجبة الإزالة شرعاً. بل لم يشرع الجهاد إلا لتحطيمها ومحقها، وإزالة هيمنتها عن رقاب الناس، وفتح الأبواب أمام دعوة الحق ليحيي من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة! والدماء المسلمة المعصومة الزكية إنما تراق لإزالتها، فكيف تنقلب الآية فتراق لحمايتها؟! فالقتال لم يشرع أصلا ولم يؤذن به إلا لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى يسود الإسلام: {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، فكيف يسمح لراية الكفر أن ترتفع خفاقة بجانب راية الإسلام؟! سبحانك هذا بهتان عظيم! والمسلم لا يقاتل أحداً، ولا يسفك دماًً، إلا عدواً صائلاً للدفاع عن الدين، بما في ذلك الوطن الإسلامي، والنفس، والأهل، والكرامة، والعرض، والمال؛ ولا يبتديئ بقتال الناس إلا لإدخالهم تحت سلطان الإسلام، أي ليدخل الناس في الإسلام ويخرجهم من الكفر. أما أن يقاتل الكفار لينتقلوا من كفر لكفر، ويسفك دمه في ذلك، فلا، وألف لا! بل هو حرام قطعاً. وهو قتال «عصبية»، وقتال تحت راية «عُمِّية»! نعم، لقد أذن الشرع للدولة الإسلامية، بشروط شرعية معينة لكل حالة بحسبها، في موادعة بعض الكيانات الكافرة، ومهادنة بعضها، ومصالحة الأخرى، وفق ما تقتضيه ظروف الحال، ومصلحة الدولة الإسلامية، ومصلحة الدعوة الإسلامية، ولكن أين هذا من الدفاع عن بعض الدول الكافرة، أو القتال في سبيلها؟! شتان بين هذا وهذا! ثانياً: لأنها يترتب عليها، لا محالة، قتال المسلم تحت إمرة كافر، وتحت راية كفر، وذلك في جميع الأحوال، سواء كانت القيادة العسكرية للحلف موحدة، أم كانت له قيادات عسكرية متعددة، لأنها كلها تخضع بداهة للقيادة العليا، وسلطة الأمر والنهي، التي تمارسها القيادة السياسية، وهي في الحلف بين الدول إجماعية بالضرورة، يشترك فيها الكفار بصوت ملزم، على قدم المساواة، بل وربما كان صوتهم أعلى، وتأثيرهم أقوى. فالأحلاف، من هذا النوع العصري، الموصوف أعلاه، تحتم على المسلمين القتال مع الكفار حال احتفاظ هؤلاء بكيانهم كدول لها رايتها المستقلة بجانب الراية الإسلامية ومساوية لها، أو ما هو أشنع من سابقه: براية فوق الراية الإسلامية، وبقيادة مستقلة بجانب القيادة الإسلامية ومساوية لها، أو ما هو أشنع وأشنع: بقيادة فوق القيادة الإسلامية. فليس قتالهم بصفتهم أفراداً تحت الراية الإسلامية، ولا بصفتهم جماعات أو كيانات أو دول تحت الراية الإسلامية، خاضعين للقيادة الإسلامية العليا، فرايتهم، إن كانت لهم راية، تحت الراية الإسلامية، وقيادتهم، إن كانت لهم قيادة، تابعة وخاضعة ومؤتمرة بأمر القيادة الإسلامية، ليس هو كذلك وإلا لكان لا إشكال فيه، لأن الإسلام دائماً، وأبداً، يعلو ولا يعلى عليه. وقتال المسلم تحت إمرة كافر، وتحت راية كفر محرم تحريماً أبدياً لأن في ذلك فوق ما سبق من التحريم القاطع لظهور الكفر واستعلاءه، تمكينا للكفار من رقاب المسلمين واذلالاً لراية الإسلام، وهو من أعظم السبيل الذي نهي الله عنه و حرمه تحريماً أبدياً في قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}، وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وقوله: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}، وقوله: {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى}، وكذلك لما رواه أحمد والنسائي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، أي لا تجعلوا المشركين ضوءاً لكم، وهي كناية عن الحرب مع المشركين، وأخذ رأيهم، لأن النار كناية عن الحرب، و«نار التهويل» كانت العرب في الجاهلية توقدها عند التحالف. وربما كان المقصود: (لا تكونوا تحت راية المشركين، ولا تتحلوا بشعارهم)، لأن النار هي الشعار أو الوسم، فتقول العرب لمن نشد ضالة الإبل: (ما نارها، يا أخا العرب!)، أي ما شعارها أو وسمها الذي تتميز به! وكلا المعنيين مقصود لأنهما متلازمان. وقال بعض العلماء: هذا كناية عن تلقي النصح والمشورة من المشركين، أي: (لا تستنيروا برأي المشركين)، هذا قول وجيه، وإن صح فهو تحريم للقتال معهم من باب أولى لأنه لا يعقل أن يقاتل قوم مع آخرين إلا إذا تحالفوا معهم، وتبادلوا النصح والمشورة والخطط والتكتيكات لتنسيق العمليات القتالية. بل إن الثابت أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يأذن حتى لأفراد الكفار بالقتال تحت رايته وقيادته إلا في أحوال نادرة، مع شدة الحاجة، وتكالب الأعداء. وذلك لما ورد عن عائشة قالت: خرج النبى صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة ادركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما ادركه قال: (جئت لاتبعك فأصيب معك) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله ورسوله» قال: لا، قال: «فارجع فلن استعين بمشرك»، قالت ثم مضى حتى اذا كان بالشجرة ادركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، فقال :لا، قال: «فارجع فلن استعين بمشرك»، قال: فرجع فأدركه بالبيداء، قال له كما قال أول مرة: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: (نعم). فقال له: «فانطلق». (حديث صحيح رواه مسلم). وما ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده قال: (أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: (إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لانشهده معهم)، فقال: «أسلمتما؟» فقلنا: (لا)، فقال: «إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين»، فأسلمنا وشهدنا معه). رواه أحمد، والحاكم وصححه. كما روي من حديث الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد فإذا كتيبة حسناء (أو قال: خشناء)، فقال: «من هؤلاء؟!» قالوا: (يهود كذا، وكذا). فقال: «لا نستعين بالكفار». وقال البيهقي: والصحيح ما اخبرنا الحافظ ابوعبد الله، فساق بسنده الى أبي حميد الساعدي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا خلَّف ثنية الوداع، إذا كتيبة قال: «من هؤلاء؟» قالوا: (بنو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام) قال: «او تسلموا؟» قالوا: (لا). فامرهم أن يرجعوا وقال: «انا لا نستعين بالمشركين»، فأسلموا) كما أخرجه الحاكم في المستدرك، واسحاق بين راهوية في مسنده، والطحاوي في مشكل الآثار، والواقدى في المغازى. ومن المحتمل ان الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما رد رهط عبد الله بن سلام من بني قينقاع لانهم جاءوا طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة، وجاءوا تحت رايتهم، باعتبارهم من بني قينقاع، التي بينها وبين الرسول معاهدات، وكانت كدولة، ومن أجل ذلك رفضهم. فرفضهم كان لكونهم جاءوا تحت رايتهم وفي دولتهم، مستقلين بقيادتهم، بدليل قبوله صلى الله عليه وسلم الاستعانة باليهود في خيبر حين جاءوا افراداً. وحديث ابي حميد هذا يتضمن علة شرعية اذا وجدت وجد الحكم واذا عدمت عدم الحكم، والعلة في الحديث ظاهرة في نص الحديث فإنه يقول: «.... إذا كتيبة، قال من هؤلاء؟! قال رهط عبد الله بن سلام...» فإن معنى أنه كونه كتيبة أي جيش مستقل، وراية مستقلة، لأن لكل كتيبة راية. فصار كونهم كتيبة كافرة، لها راية مستقلة، ومن بني قينقاع اليهود الذين هم بمقام دولة، بينهم وبين الرسول معاهدات، هو علة ردهم، لا كونهم كفاراً فقط، بدليل أنه أمرهم أن يرجعوا بناء على ذلك وعلى رفضهم الإسلام، لا على رفضهم فقط، هذا على فرض ثبوت الحديث، وهو ثابت إلا فيما يتعلق بلفظة: «فأسلموا»، لأن فيها نكارة واضحة، من حيث أنه لم يحفظ قط أن كتيبة بأكملها من بني قينقاع قد أسلمت، ولو حدث ذلك لتداعت الهمم إلى نقله، بل لنقل بالتواتر، فالأرجح، إن كان أصل القصة محفوظاً، أن يكون أحد الرواة وهم فقال: «أسلموا» بدلاً من «لم يسلموا»، أو هي: «فأبوا» وتصحفت على بعض النساخ، ومهما يكن فهذا لا يؤثر على الاستدلال بالحديث، والله أعلم على كل حال. واما ما قد يتوهم من ان خزاعة كان بينها وبين الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، «حلف» او معاهدة، من هذا النوع العصري الموصوف أعلاه، فغير صحيح. فان المعاهدة كانت بين الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وبين قريش لا بين الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وبين خزاعة. ولكن خزاعة كانت حاضرة حين كتبت معاهدة الصلح بين قريش وبين المسلمين في عام الحديبية، فحين ورد في المعاهدة النص: (انه من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه) وبناء على هذا النص تواثبت خزاعة فقالوا: (نحن في عقد محمد وعهده)، وتواثبت بنو بكر بن كنانة فقالوا: (نحن في عقد قريش وعهدهم). فصارت خزاعة مع المسلمين في هذه المعاهدة التي بين قريش والمسلمين، وأدخلها الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في حمايته، وتحت رايته، كجماعة من دولته بحسب المعاهدة، أو كدولة تابعة له وتحت قيادته، وكان هو متفرداً بالقيادة، مستقلاً بها، فليست هذه قطعاً صفة «الحلف» المذموم التي ذكرناها أعلاه. وبناء على هذه المعاهدة دخلت قبيلة بني بكر بن كنانة مع قريش كجزء منها. ودخلت قبيلة خزاعة مع المسلمين كجزء من كيانهم، أو ككيان تحت قيادتهم ورايتهم. وعليه لا تكون حرب خزاعة مع الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، حرب طائفة كافرة، لها راية مستقلة، مع المسلمين، بل حرب افراد كفار في قبيلة كافرة مع المسلمين، تحت راية المسلمين، أو حرب كيان كافر تحت إمرة المسلمين، وتحت راية المسلمين، وتحت قيادة المسلمين، وهذا جائز، لا شىئ فيه، هذا على فرضية التسليم بأن خزاعة كانت في جملتها كافرة، وهو أمر غير مسلّم عند كثير من الباحثين ويستدلون بأدلة جيدة على أن جمهور خزاعة دخلت الإسلام بعد الحديبية، وقبل فتح مكة (راجع: زاد المعاد، الجزء الثالث ص392). وكذلك كان حال قبائل اليهود في المدينة، الذين كانوا بمثابة دول مستقلة، عندما دخلوا في ميثاق «صحيفة المدينة»، فأصبحوا، في أمور الحرب والسلم، وأمور الأمن والخوف، وأمور السياسة الخارجية، تابعين تحت القيادة الإسلامية. هذا يشبه الـ( Commonwealth )، الذي هو جماعة من الدول تحت رئاسة وقيادة دولة قيادية، ولا يشبه الأحلاف العسكرية الحديث بحال من الأحوال. وأما ما رواه احمد وابو داود وابن حبان وابن ماجة، بأسانيد ظاهرها الصحة، عن ذي مخبر، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستصالحون الروم صلحاً تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، وهو حديث كثر الاستشهاد به هذه الأيام على ألسنة بعض المفتونين من أدعياء العلم، من أمثال «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال في محاولة يائسة لتبرير جريمة آل سعود ومشاركتهم في تدمير العراق، فتمام الحديث هو: «... فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر به القوم ويكون الملاحم، فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف»، فيلاحظ على هذا الحديث مايلي: (1) لم يخرجه أهل الصحاح ــ البخاري ومسلم ــ وإنما أخرجوا: ــ حديث عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، وأحد ألفاظ البخاري هو: «اعدد ستًا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس. موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً»، والهدنة إنما تكون بين الأطراف المتحاربة لإيقاف القتال، لا بين الأحلاف. وأخرج مثله عن عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، بألفاظ متقاربة كذلك ابن ماجة والحاكم والطبراني ونعيم بن حماد في الفتن، ــ كما أخرج أحمد والطبراني في الكبير عن معاذ رضي الله عنه مثله حيث يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «... موت يـأخذ في الناس كقعاص الغنم، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بنداً تحت كل بند اثنا عشر ألفا»، وهذا الغدر إنما هو نقض العهد بالهدنة، كما هو مشار إليه في حديث معاذ، رضي الله عنه، ومصرح به في حديث عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، السابق، ــ ومصرح به كذلك في الحديث الآتي الذي أخرجه الحاكم عن أبي هريرة: «... وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت مسلم إلا دخلها، ثم يكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة فيغدرون فيسيرون في ثمانيين غاية تحت كل غاية إثنا عشرة ألف»، ــ كما أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «.. وموت كقعاص الغنم ــ أربع، وهدنة تكون بينكم بين الأصفر يجمعون لكم تسعة أشهر كقدر حمل المرأة ثم يكونون أولي بالغدر منكم، خمس، وفتح مدينة..». فحديث عوف بن مالك هو الأصح، سنداً ومتناً، و يعضده حديث أبي هريرة وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص، لا يذكر مشاركة للروم في الغزو والقتال، فالأرجح أن تكون قصة المشاركة في القتال الواردة في حديث ذي مخبر شاذة غير محفوظة لمعارضتها لما هو أصح من الأحاديث، فالحادثة واحدة ولا شك، وهي تلك الأحداث والملابسات الجسام المؤدية إلى الملحمة الكبرى، ويتعذر الجمع بين تلك الروايات المتناقضة إلا برد تلك الجزئية من حديث ذي مخمر. (2) وحتى على فرض صحة الحديث فهو لا يحتوى حكما شرعيا مناقضاً لما اسلفناه، لأنه اخبار عن عمل يقوم به المسلمون في آخر الزمان، وليس ثمة مانع أن يكون عملهم هذا على خلاف الحكم الشرعي، وأنه معصية، وذكر غدر الروم قرينة على ذم هذا العمل وأنه سيجر على الأمة أوخم العواقب من الفتن والملاحم العظيمة. (3) وحتى على فرض صحة الحديث فإن قوله: «تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، يحتمل أن يكون المقصود: (أ) افراد الروم وليس دولتهم أو دولهم، (ب) أو على أقصى تقدير جماعات وكيانات في حكم الأفراد، لأنها تحت الراية الإسلامية، والقيادة الإسلامية، وذلك بقرينة رفع أحدهم للصليب، مما يدل على أن الصليب لم يكن قبل ذلك ظاهراً مرفوعاً. وهذه قرينة قوية على أنهم كانوا حتى ذلك الغدر تحت راية المسلمين وقيادتهم، لا يرفعون الصليب ولا يظهرونه (وذلك على النقيض التام لحال القوات الامريكية التي احتلت دول الخليج مؤخراً فالصليب مرفوع ظاهر جهاراً في رايات عدد من الدول، مثل: بريطانيا، وهو على كتف كل جندى امريكى، ومعلق في عنق كل مجندة). كل ذلك يؤكد أن المراد بالحديث الروم افرادا، لا كدولة، أو على أقصى تقدير جماعات وكيانات في حكم الأفراد، تحت القيادة الإسلامية والراية الإسلامية، ويوجب حمله على هذا إذا كان ذلك حصل من المسلمين وفق الأحكام الشرعية، هذا إذا لم يكن ذلك الصلح والحلف المشؤوم إنما تم بالمخالفة للأحكام الشرعية، فهو معصية من المسلمين جرت عليهم الكوارث والملاحم العظيمة. (4) إن حديث ذي مخمر يقول: «تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، فالغزو هنا لعدو مشترك، وهذا يقتضي ضرورة أنه أشد كفراً، وشركاً، وشراً من الروم الكفار، فيلزم ضرورة أنه عدو حربي كافر، ولا يمكن أن يكون من المسلمين مطلقاً، لأن المسلم ولي وصديق أبداً، ولا يكون عدوا مطلقاً، كما سبقت البرهنة عليه، فمن المحال الممتنع أن يحتج به في جواز التحالف مع المشركين ضد المسلمين، أو الاستعانة بالمشركين ضد المسلمين أو الاستنصار بالمشركين على المسلمين، كما حاول عميل آل سعور «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال، أبعده الله. وكل ما سبق إنما هو على فرض صحة متن حديث ذي مخبر، والقوي الأرجح أنه متن شاذ لمخالفة الثقة لمن هم أحفظ منه وأوثق، لذلك فالأصل هو رده، وعدم جواز التدين به. وقد استمات عميل آل سعور «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال في محاولة استنقاذ أسياده من آل سعود من حمأة الردة والكفر التي تورطوا فيه بقتالهم العراق تحت الراية الأمريكية، ومشاركتهم في تدميره، وإبادة أهله، وحصارة على مدار السنوات العشرة الفائتة فاستشهد بعجائب منها: دخول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة في جوار المطعم بن عدي، وكذلك دخول أبي بكر رضى الله عنه في جوار ابن الدغنّة، ودخول المسلمين بعد هجرتهم إلى الحبشة تحت سلطان النجاشي، وحماية أبي طالب طوال حياته لرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومناصرة بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه في مواجهة حصار قريش، وتوجه، النبـى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلى الطائف، وإلى القبائل المختلفة في موسم الحج طالبا للنصرة، واستئجار رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأبن أبي أريقط دليلا في هجرته إلى المدينة، وبقصة سراقة بن مالك الذي كان أول النهار كما قال أنس: (.... جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخر النهار مسلحة له) أي حارساً، و «صحيفة المدينة»، وغيرها من الفضائح. فأما دخول النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مكة في جوار المطعم بن عدي، فلا محل له ها هنا لأنه يدل على جواز دخول الفرد المسلم في جوار وحماية أهل المنعة من الكفار، ولا علاقة لهذا بالأحكام المنظمة لعلاقة الدولة الإسلامية بدول الكفر وأفراد الكفار، ولا علاقة له بأحكام الحرب والقتال، أو الموالاة والمعاداة، أو النصرة والاستعانة. فالمطعم بن عدي هو الذي لبس سلاحة واستعد للقتال دفاعاً عن النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ضد المشركين لو اعترضوه. وكذلك دخول أبي بكر رضى الله عنه في جوار ابن الدغنّة أيام اشتداد البلاء بالمسلمين في مكة قبل الهجرة إلى المدينة ــ كما أخرجه البخارى ــ فهو من هذا الباب كسابقه تماماً، أي كجوار المطعم بن عدي لمحمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا علاقة له بموضوعنا هذا. وكذلك دخول المسلمين أفراداً بعد هجرتهم إلى الحبشة تحت سلطان النجاشي لا علاقة له بموضوعنا هذا، وهو دليل على جواز دخول المسلم تحت سلطان الكفر واقامته في دار الكفر إذا أمن على دينه ونفسه. كما أنه دليل على جواز طلب الجوار والحماية (اللجوء السياسي) لأفراد المسلمين من دولة كافرة، ولا علاقة لهذا بموضوع الإستعانة بدول الكفر في قتال المسلمين، ولا بقتال المسلم تحت رايتهم أصلاً: لا ضد المسلمين ولا ضد الكافرين، بل هم الذين قد يقاتلوا لحمايته. ويشبه ذلك حماية أبي طالب طوال حياته لرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بدافع من العصبية والنخوة بالرغم من كونه مشركاً، وكذلك مناصرة بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه في مواجهة حصار قريش لهم في شعب بني عامر بناءاً على صحيفتهم الظالمة، فذلك كله جائز ولا علاقة لهذا بالإستعانة بدول الكفر في القتال ضد المسلمين. وكذلك توجه، النبـى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في السنة العاشرة من البعثة بعد اشتداد أذى قريش له بعد وفاة عمه أبى طالب وخديجة رضى الله عنها إلى الطائف طالبا النصرة، قبل التوجه إلى الطائف، وبعده، إلى القبائل المختلفة في موسم الحج طالبا للنصرة لا علاقة له بموضوعنا هذا، لأن طلب النصرة من الطريقة الثابتة في حمل الدعوة لاقامة الدولة الإسلامية فهو من أعمال حامل الدعوة قبل وصوله إلى إقامة الدولة. وطلب النصرة ها هنا إما طلباً للحماية الدائمية كالتي تبرع بها المطعم بن عدي، أو طلب التصديق به والدعم له وتسليم السلطة إليه كي يصبح رئيساً للدولة، كما فعل الأنصار. مما سبق يتبين، كذلك، بطلان ما استدل به «الدكتور» ربيع المدخلي الدجال، من استئجار رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأبن أبي أريقط دليلا في هجرته إلى المدينة، فهذا يدخل تحت حكم الاجارة، وهذا جائز من المؤمن للكافر ومن الكافر للمؤمن، فضلاً عن ان عقد الاجارة وقع على فرد كان خاضعاًَ لأوامر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتوجيهاته، وليس على دولة ذات سيادة وراية مستقلة، ولم يكن موضوع الإجارة هو القتال، وإنما كان الإعانة في السفر، والدلالة على الطريق. والعجيب أن «الدجال» ربيع المدخلي استشهد بهذه القصة ثم ختم قائلاً: (... ثم أرأيت لو أن عدواً اعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طريق الهجرة وشرع في قتاله وأراد عبد الله بن أريقط أن يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عنه، أكان يمنعه من مشاركته في هذه المعركة ؟) ولا ندري هل أصبح هذا «الدجال» ممن يعلم (مالم يكن لو كان كيف يكون)؟؟ ولو أراد الله أن يشرع ذلك، لأذن لمثل هذه الواقعة أن تحدث حتى يشرع ما يناسبها. ولكن هذا شأن المفتونين الهلكى من أمثال المدخلي: يقوِّلون ربهم ما لم يقله، أو يتخيلون وقائع لم تقع، كأنه فات على الرب، جل جلاله، أن يأذن بوقوعها ليشرع ما يلزم لمثل أحوالها، فيستدركون عليه ما فاته بزعمهم، سبحان الله وتعالى عن قول الظالمين علواً كبيراً. ولا عجب أن يصدر هذا من المدخلي وأمثاله، فهو دجال منافق مفتون، من منافقة «القراء»، وليس بعالم، ولا يستحق أن يطلق عليه لقب «عالم»، ولكن العجب من مقلديه الذين يتبعونه اتباع الدواب لقائدها. ثم لو وقعت، كما تصوره المدخلي بخياله المريض، لكانت دليلاً على جواز اشتراك أفراد من المسلمين المطاردين الذين ليس لهم دولة تحميهم أو كيان يأويهم، مع أفراد من المشركين، في دفع عدو صائل، بل في دفع أخبث أنواع العدو الصائل ألا وهو: قوة قبيلة أو دولة أو كيان مشرك يريد فتنة أفراد عن دينهم وقتلهم إن لم يرتدوا، فإي علاقة لهذا المناط مع قتال دولة قائمة، تزعم أنها «مسلمة»، لها راية، تحت راية الكفار ضد مسلمين لتدميرهم وإذلالهم؟ ثم المشاركة بعد ذلك على مدى سنوات طوال في حصارهم وتجويعهم والإمعان في تدميرهم وإذلالهم؟؟ أما بالنسبة لقصة سراقة بن مالك الذي كان أول النهار كما قال أنس: (.... جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخر النهار مسلحة له) أي حارساً، وقال الدجال ربيع بن هادي المدخلي نفسه: (لقد علمت كيف بذل ماله للرسول صلى الله عليه وسلم ثم تحول وهو على شركه إلى جندي، قام بما لم يقم به الجيش في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له أبو بكر بهذا العمل العظيم، وشهد له بالوفاء). فهل في وضع سراقة بن مالك وهو فرد واحد تحول من طالب لجائزة قريش إلى جندي وحارس للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو فرد جند نفسه لحراسة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يأتمر بأمره ويخضع لتوجيهه، هل في هذا الوضع أدنى مشابهة لجحافل قوات دول الغرب الكافرة التي جاءت تحت راياتها الكفرية، ورايتها مرفوعة خفاقة، واستعمرت جزيرة العرب، ودمرت العراق، ومازالت تحاصره؟؟؟ إن استشهاد الدكتور المدخلي ــ وأمثاله من المنافقين المفتونين وفقهاء السلاطين ــ بمثل ذلك لهذا مصداق لقوله تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}!!! وهو كذلك تأكيد أن هذه الأمة ليست بمنجى مما ابتلي به بنوا اسرائيل، في أحبارها، من تحريف الكلم عن مواضعه، وإبراز ما يعجبهم من كتاب الله وإخفاء ما لا يناسب أهواءهم ومقاصدهم. أما ما نصت عليه صحيفة المدينة فان واقعها لا ينطبق على واقع الحال فيما جري في الاحداث الأخيرة أثناء أزمة الكويت من استقدام لدول الكفر، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى المدينة وكان اليهود والأنصار أهل الدار من قبله، وإنما كان دخيلاً عليهم، ومع ذلك فقد خضع اليهود بموجب هذه الصحيفة لسيادة الإسلام، تحت حكم الله ورسوله، وقد أنشأت «الصحيفة» ما يشبه ( Commonwealth ) تحت قيادة الدولة الإسلامية، وتفردها خاصة في الشؤون الأمنية، فكان من الخطأ الفادح مقارنة هذا المناط مع مجريات الأحداث الآخيرة والتي بموجبها استدعى الكفار من وراء البحار وصارت لهم الهيمنة والسيطرة على المسلمين وبلادهم، بل أصبحوا يشكلون جيش احتلال اجنبي كافر. وبذلك يتبين أنه لا يوجد دليل صحيح، يسلم من المعارضة، يدل على جواز التحالف مع المشركين حال كونهم كدولة، لها قيادة وراية مستقلة، بل الادلة صريحة قاطعة في عدم جواز ذلك مطلقاً. ما ذكرناه أعلاه ينطبق على كل تحالف مع الكفار، حتى ولو كان عقد التحالف مخصوصاً بنصرتهم على كفار آخرين، وينص على استثناء مقاتلة المسلمين. ولكن هذه حالة شاذة، بل غير موجودة، وليست هي الواقعة هذه الأيام، لأن جميع التحالفات الموجودة في العالم الآن تلزم أعضائها محاربة العدو المشترك لأعضاء الحلف، أو رد العدوان المشترك على أحد أعضاء الحلف، ولا تستثني شعباً معيناً أو أهل دين معين. وبالضرورة نعلم أن العداوة والحرب بين بعض الدول الكافرة العضو في الحلف وأحد البلاد الإسلامية واقعة لا محالة، كما هو محسوس مشاههد، أو ستقع في المستقبل القريب أو البعيد. بل إن أكثر الأحلاف الموجودة اليوم، بعد سقوط الإتحاد السوفييتي، إنما هي في الحقيقة موجهة ضد المسلمين تحت غطاء ما يسمُّونه صراحة بـ«الإرهاب» الإسلامي. لذلك فإن واقع جميع الأحلاف المعاصرة مع الكفار يتضمن لا محالة «الموالاة» المكفرة، ألا وهي (نصرة الكفار الحربيين، ومحالفتهم، وإعانتهم، ودعمهم، وتأييدهم على المسلمين، أو إفشاء أسرار المسلمين العسكرية والأمنية للكفار، أو تحريض الكفار على قتال المسلمين، أو معونتهم في الإعداد لحرب المسلمين، ونحو ذلك). فإذا كان الحال كذلك فإن حرمة هذه الأحلاف تتغلظ، بل وينتقل حالها «نقلة نوعية» فتصبح من أعمال الكفر، وليس من المعاصي أو كبائر الذنوب فحسب، وذلك لأن الحلف يصبح يقيناً من «الموالاة» المكفرة، بل هو أخص وأعلى لون من ألوان الموالاة: ألا وهي النصرة بالقوة المسلحة ضد المسلمين. وقد حرم الله موالاة الكفار تحريماً قطعياً، إلا ما اسثني منها كما أسلفنا أعلاه، وهي «التقاة» فقط لا غير. وليست الأحلاف العسكرية مما استثني بكتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس منضبط بعلة شرعية منصوص عليها! لهذا كله لا يجوز أن تكون هناك أدنى شبهة في حرمة الأحلاف العسكرية مع الكفار، تحريماً مغلظاً أبدياً. كما أن كل ما قيل عن الأحلاف مع الكفار، يقال عن تأجير القواعد العسكرية، أو منحها، لهم، بل هذا أقبح وأنكر، لأنه يمكنهم، فوق ذلك، وبعد ذلك، من السيطرة على أرض إسلامية، ورفع راية الكفر خفاقة عليها. وتتضاعف الجريمة، ويتأكد الإثم، ويزداد الكفر، إذا كانت القواعد العسكرية الكافرة في جزيرة العرب، التي حكم الله، ولا أحسن من حكمه، على لسان رسول الله، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو على فراش الموت، في السياق الأخير: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب!»، وكذلك، في أيامه الأخيرة: «أن لا يجتمع فيها دينان»، و«أن يخرج منها اليهود، والنصارى، حتى لا يبقى فيها إلا مسلماً»، و«أن يُخْرَج منها المشركون»! لكن آل سعود، وفقهائهم الأشرار، أبوا إلا أن يضربوا بذلك كله عرض الحائط، فأقروا بمواثيق منظمة الأمم المتحدة الكفرية، وصادقوا، وتولوا، وتحالفوا مع دول الكفر، وقاتلوا تحت رايتها، ثم «توَّجوا» جرائمهم الشنيعة بتمكين الكفار الحربيين من احتلال جزيرة العرب، ورفع راياتهم، رايات الكفر، عليها. وها هم الأمريكان، الذين هم بالقطع كفار حربيون، وحلفاؤهم: يحاصرون العراق، ويدمرون بنيته التحتية، ويقتلون أهله، ويذلونهم، ويقاتلون الآن المسلمين الأفغان، ويذلونهم، ويطاردونهم إلى رؤوس الجبال، وأعماق البحار، ويستكملون توفير الغطاء الأمني للكيان الصهيوني الخبيث الغاصب في فلسطين، ويعلنون جهاراً نهاراً بأنهم يخططون لضرب العراق وإيران والصومال، وربما بلاد أخرى، وهم يبيضون ويفرخون، ويلاوطون، ويزنون، ويساحقون، ويتسافدون تسافد الحمر، وما من حسيب أو رقيب! بل إنهم، أي آل سعود، أنفسهم الآن، عند كتابة هذه السطور، مشاركون مشاركة فعالة في القتال مع الكفار ضد المسلمين بتمويل الحملة الأمريكية الشرسه على أفغانستان، وتقديم الدعم الاستخباراتي والتمويني (أي: اللوجستيكي) للكفار، حيث تدار العمليات العسكرية الإجرامية الوحشية ضد أفغانستان من قاعدة «الأمير سلطان»، في مدينة الخرج، في إقليم نجد، من قلب جزيرة العرب. كل ذلك فعله آل سعود من أجل شهوات البطون والفروج، وحب التسلط، والملك: وإن ملكهم لزائل!! v فصل: جواز قتال الكفار تحت الراية والقيادة الإسلامية ابتداءً نقول أننا لا نعلم احدا من الأئمة المتبوعين أو الفقهاء المعتبرين نظر في الاستعانة بدول الكفر، وكيانات الكفر على المسلمين قط، ولا خطر لهم ذلك على بال مطلقاً في يقظة، ولعلهم ما رأوه في منام إلا أن يكون من الكوابيس المزعجة، التي يستعاذ بالله منها، وانما كان بحثهم في جواز الإستعانة بالكفار على الكفار فحسب، أو في جواز الاستعانة بأفراد من الكفار من أهل الذمة أو المستأمنين على البغاة الخارجين على الإمام، ونحو ذلك. فقد رأى الإمام الشوكاني وبعض اهل العلم قديما عدم جواز الإستعانة بالكافر في القتال مطلقا. أما جمهور الفقهاء فقد أجازوا الإستعانة بالكافر على الكافر بشرط أن يكون فرداً وتحت راية المسلمين. واختلاف الفقهاء في ذلك يرجع أكثره إلى أن القضية ليست مسألة واحدة، وإنما هي في الحقيقة مسائل مختلفة تحتاج إلى تفصيل. وتفصيل ذلك أنه: (أ) يجوز أن يستعان بالكفار بوصفهم افراداً، وبشرط أن يكونوا خاضعين للقيادة الإسلامية، تحت الراية الإسلامية، بغض النظر عن كونهم ذميين أو غير ذميين، سواء أكانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم لم يكونوا. وكذلك يجوز الاستعانة بالكيانات الكافرة إذا انطبقت عليها نفس الشروط: أن يكونوا خاضعين للقيادة الإسلامية، تحت الراية الإسلامية. (ب) اما الإستعانة بهم كطائفة معينة، لها كيان مستقيل عن الدولة الإسلامية، لها قيادتها المستقلة، تحت رايتها المستقلة، فلا يجوز مطلقا، فيحرم أن يستعان بهم بوصفهم دولة مستقلة، كما هو مفصل في فصل مستقل عن تحريم «الأحلاف العسكرية» مع الكفار. والدليل على جواز الإستعانة بالكافر في القتال أفراداً، خاضعين للقيادة الإسلامية، تحت الراية الإسلامية: (1) أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار، حملة لواء المشركين، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر». أما القول بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلم بمشاركة قزمان في القتال إلا لاحقاً، فهو قول ضعيف ساقط، لأنه علم بعد ذلك وأقره، ولم ينكر على المسلمين تركهم لقزمان يشارك، ولم ينكر عليهم عدم اخباره بذلك، بل لم ينكر على المسلمين شيء على الإطلاق، ولم يروى عنه قط أنه أنكر ذلك، ولا قال لا تعودوا لمثلها، أو نحوه إطلاقاً. بل قال فقط: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر». وحتى لو سلمنا جدلاً أن النبي، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، لم يعلم به، فقد علمه، قطعا ويقيناً، الذي أحاط بكل شئ علماً، والقرآن ينزل، فهلا نزل في ذلك شئ؟! (2) كما يستدل بأن قبيلة خزاعة خرجت مع النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عام الفتح لمحاربة قريش، وكانت حينئد لا تزال مشركة، حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يا معشر خزاعة، ارفعوا ايديكم عن القتال، فقد كثر القتل ان نفع، لقد قتلتم قتلاً لأدينّه». غير أن هذا الاستدلال لا يخلو من المعارضة، لأن بعض الباحثين يؤكد أن خزاعة قد أسلمت عن بكرة أبيها، أو أسلم جمهورها، قبل فتح مكة. راجع، على سبيل المثال، «زاد المعاد»، (الجزء الثالث ص392) للإمام ابن قيم الجوزية. (3) ما جاء في المغازي والسير أنه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، استعان بأفراد من اليهود يوم خيبر. فهذه الروايات، وأكثرها ثابتة صحيحة، تدل دلالة صريحة على جواز الإستعانة بالكفار افراداً، أي على جواز ان يكون الكافر في جيش المسلمين، تحت الراية الإسلامية والقيادة الإسلامية، يقاتل العدو الكافر مع المسلمين. الا أنه لا يجبر الكافر على أن يكون في الجيش، ولا يجبر على القتال، لأن الجهاد ليس فرضاً عليه، وقال بعض الفقهاء أنه يسهم له من الغنيمة كالمسلم سواء بسواء، وقال آخرون أنه لا يعطى سهماً من الغنيمة، ولكن يرضخ له، أي يعطى له قدر من المال، وهذا خلاف هين، يشبه أن يكون جدلاً لفظياً، لا جوهر له ولا حقيقة. فاذا طلب الكافر أن يحارب مع المسلمين، أي أن يكون في جيش المسلمين، من غير إكراه وبإرادته واختياره الحر، جاز ذلك في كل ناحية من نواحى الخدمة في الجيش حتى في استخبارات الجيش وجاسوسيته. ــ واما ماورد عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: خرج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة ادركه رجل، قد كان تذكر منه جرأة ونجدة، ففرح به اصحاب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأوه فلما ادركه قال: جئت لا تبعك فأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تؤمن بالله ورسوله، قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال أول مرة، فقال :لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قال: فرجع فأدركه بالبيداء، قال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. فقال له: فانطلق (رواه مسلم). فان هذا الحديث الصحيح لا يتعارض مع الثابت انه صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعان بمشركين، وذلك لأمرين: (أ) أن هذا الرجل اشترط ان يحارب ويأخذ الغنيمة فانه قال: (جئت لاتبعك فأصيب معك)، والغنيمة لا تعطى الا للمسلمين، فيجوز أن يكون رفض النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مشاركته في القتال لهذا السبب، (ب) كما أن الاستعانة بالكفار افراداً موكولة لأجتهاد الإمام ان شاء استعان، وان شاء رفض. (ج) كما أن هذا تصرف، أي فعل من أفعاله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأفعاله على الائتساء بها، وليست على وجوب العمل بمثلها، إلا ما جاء إنفاذاً لحكم أو بياناً لأمر، ونحوه. ــ واما ما ورده عن خبيب بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده قال: (أتيت النبى، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهويريد غزواً، أنا ورجل من قومى، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي ان يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال اسلمتما؟ فقلنا: لا، فقال: إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، فأسلمنا وشهدنا معه). رواه أحمد والحاكم وصححه. فان هذا الحديث يحمل، كما هو واضح من ظاهره، على ان الاستعانة بالكفار موكولة لرأي الإمام إن شاء استعان وان شاء رفض، وكل ما قاله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه لا يستعين بالمشركين على المشركين، أي أن هذا اختياره هو، ولم يصرح أن الله حرم ذلك عليه، أو على المؤمنين، وليس في الحديث مطلقاً ما يفيد ذلك التحريم، لا في منطوقه، ولا في مفهومه. ــ وأما قول البيهقي: [والصحيح ما اخبرنا الحافظ ابوعبد الله، فساق بسنده الى أبي حميد الساعدي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا خلَّف ثنية الوداع، إذا كتيبة قال: «من هؤلاء؟» قالوا: (بنو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام) قال: «او تسلموا؟» قالوا: (لا). فامرهم أن يرجعوا وقال: «انا لا نستعين بالمشركين»، فأسلموا) كما أخرجه الحاكم في المستدرك، واسحاق بين راهوية في مسنده، والطحاوي في مشكل الآثار، والواقدى في المغازى. فمن المحتمل، وهو الأرجح، ان الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما رد رهط عبد الله بن سلام من بني قينقاع لانهم جاءوا طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة، وجاءوا تحت رايتهم، باعتبارهم من بني قينقاع، التي بينها وبين الرسول معاهدات، وكانت كدولة، ومن أجل ذلك رفضهم، لأنهم جاؤوا كحلفاء مساوين في المرتبة، مستقلين بقيادتهم. فرفضهم كان لكونهم جاءوا تحت رايتهم وفي دولتهم، مستقلين بقيادتهم، بدليل قبوله صلى الله عليه وسلم الاستعانة باليهود في خيبر حين جاءوا افراداً. وحديث ابي حميد هذا يتضمن علة شرعية اذا وجدت وجد الحكم واذا عدمت عدم الحكم، والعلة في الحديث ظاهرة في نص الحديث فإنه يقول: «.... إذا كتيبة، قال من هؤلاء؟! قال رهط عبد الله بن سلام...» فإن معنى أنه كونه كتيبة أي جيش مستقل، وراية مستقلة، لأن لكل كتيبة راية. فصار كونهم كتيبة كافرة، لها راية مستقلة، ومن بني قينقاع اليهود الذين هم بمقام دولة، بينهم وبين الرسول معاهدات، هو علة ردهم، لا كونهم كفاراً فقط، بدليل أنه أمرهم أن يرجعوا بناء على ذلك وعلى رفضهم الإسلام، لا على رفضهم فقط، هذا على فرض ثبوت الحديث، وهو ثابت إلا فيما يتعلق بلفظة: «فأسلموا»، لأن فيها نكارة واضحة، من حيث أنه لم يحفظ قط أن كتيبة بأكملها من بني قينقاع قد أسلمت، ولو حدث ذلك لتداعت الهمم إلى نقله، بل لنقل بالتواتر، فالأرجح، إن كان أصل القصة محفوظاً، أن يكون أحد الرواة وهم فقال: «أسلموا» بدلاً من «لم يسلموا»، أو هي «فأبوا» وتصحفت على بعض النساخ، ومهما يكن فهذا لا يؤثر على الاستدلال بالحديث، والله أعلم على كل حال. ومن المحتمل أنهم أرادوا الدخول تحت قيادته ورايته، ولكنه رفض، كما رفض مشاركة بعض الأفراد، اجتهاداً يتطلبه الموقف، لأن الاستعانة الاستعانة بالكفار موكولة لأجتهاد الإمام ان شاء استعان، وان شاء رفض. وقد ذكر الإمام البيهقي عن الإمام الشافعي قوله: (ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء اسلامهم فصدق الله ظنه)، فسواء صح تحليل الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أو لم يصح فقوله موافق لقولنا أن الأمر موكول لاجتهاد الإمام ينتهج السياسة الأمثل والأفضل لمصلحة الدعوة الإسلامية، ومتطلبات الحرب الاستراتيجية والتكتيكية. والرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سكت عن مشاركة الكفار بأحد، واستعان بهم في فتح مكة، ورفض الاستعانة في بدر، ورفض الإستعانة بخبيب والرجل الذى معه حتى اسلما، ورفض الاستعانة بكتيبة بني قينقاع، واستعان بأفراد من اليهود في خيبر، فكون الرسول ثبت عنه انه استعان بأفراد من الكفار وهم على كفرهم، وثبت أنه رفض الإستعانة بأفراد حتى أسلموا، دليل على الإستعانة بأفراد في القتال جائزة وانها موكولة لرأي الإمام، أو القائد، ان شاء قبل الاستعانة وان شاء رفضها. ولا فرق بين قتال الأفراد المذكور آنفاً تحت الراية والقيادة الإسلامية، وقتال الدول، والجماعات والقبائل والمدن التي هي بمثابة دول، ما دامت تحت الراية الإسلامية، وهم خاضعون للقيادة الإسلامية العليا، فالواقع واحد، والحكم إذا ضرورة واحد، وهو الإباحة، مع كونها خلاف الأولى. ولكن لا بد أن تكون الحرب، التي يشارك فيها هؤلاء، حرباً إسلامية مشروعة: فالحرب حربنا، والقضية قضيتنا، والقيادة قيادتنا، والراية رايتنا: فيكون المسلم هو القائد والسيد المخدوم، في حقيقة الأمر لا بالإسم أو الرمز والصورة، والكفار هم الذين نصروه وخدموه، فهم الجنود والخدم والمعاونون. نعم: من الصعب تصور مثل هذا الواقع في حق الدول عادة، فلا يتحقق مثل هذا إلا نادراً، كأن تكون الدولة محل النظر دولة تابعة للدولة الإسلامية، خاضعة للقيادة الإسلامية العليا، كما كان حال دويلات اليهود في المدينة تحت قيادة النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث كانت علاقتهم معه تشبه ( Commonwealth) ، أو عندما دخلت خزاعة في صلح النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ كانت خزاعة حاضرة حين كتبت معاهدة الصلح بين قريش وبين المسلمين في عام الحديبية، فحين ورد في المعاهدة النص: (انه من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه) وبناء على هذا النص تواثبت خزاعة فقالوا: (نحن في عقد محمد وعهده)، وتواثبت بنو بكر بن كنانة فقالوا: (نحن في عقد قريش وعهدهم). فصارت خزاعة مع المسلمين في هذه المعاهدة التي بين قريش والمسلمين، وأدخلها الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في حمايته، وتحت رايته، كجماعة من دولته بحسب المعاهدة، أو كدولة تابعة له وتحت قيادته. ولعله لم يخف على فطنة القاريء أن كل ما درسناه آنفاً من النصوص إنما هو حصراً في مشاركة الكافر للمسلمين في قتالهم للكفار، أي في (الاستعانة بالمشركين على المشركين) ، التي كرهها النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأبى أن يمارسها، مع بياننا أنها مع ذلك جائزة، وإن كان مع الكراهة. وليس فيما سلف حرف واحد يتعلق بـ(الاستعانة بالمشركين على المسلمين)، فمن باب أولى تكون هذه مكروهة، بل ولعلها محرمة؟! قلت: حجة المجوزين لذلك، أي (الاستعانة بالمشركين على المسلمين)، هو أنه إنما وقع في قتال مشروع، كقتال العصابات الإجرامية والبغاة ونحوه، والقتال هو قتالنا، وهو مشروع في ديننا، والقضية قضيتنا، والقيادة قيادتنا، والراية رايتنا، ونحن نعلم حدود وشروط وآداب ذلك القتال، ومن شارك معنا من غير المسلمين يعلم ذلك ويلتزم به إذ هو تحت قيادتنا ورايتنا، مطيع لأمرنا ونهيننا، فجوهر الموضوع هو أن يكون القتال مشروعاً، وأن يتم بالكيفية والحدود المشروعة، بغض النظر عمن هو «المقاتَل»، بفتح التاء، أي من هو الذي تتم مقاتلته ومحاربته، ما دام مستحقاً لأن يحارب ريقاتل، وبغض النظر عمن هو «المقاتِل»، بكسر التاء، أي الذي يباشر القتال ويقوم به، ما دام ملتزما بالأوامر والنواهي، خاضعاً للقيادة الشرعية، تحت الراية الإسلامية الشرعية، معترفاً بالسيادة الإسلامية. هذه حجة قوية وجيهة، وهو الرأي الذي ندين الله به، ولكننا نسارع فنؤكد أنه: لا بد أن يكون المسلم في قتال مشروع ضد مسلمين آخرين، كالمحاربين من قطاع الطرق والقراصنة وتجار المخدرات الذين استفحل حالهم حتى أصبحوا طائفة ممتنعة لا تعالج إلا بالقتال، أو الخوارج المكفرين بالذنوب، أو البغاة الخارجين على السلطان بالقوة المسلحة بعد مناظرتهم ودحض حججهم أو حل مشاكلهم ورفع مظالمهم، أو فئة باغية أصرت على الشر والقتال بعد السعي في إصلاح ذات البين، ونحو ذلك، فلا بد أن تكون الحرب حرب المسلمين، ويكون القتال قتالهم، والقضية قضيتهم، والراية رايتهم، والقيادة قيادتهم، والكفار هم الذين نصروهم وخدموهم، فهم الجنود والخدم والمعاونون، والمسلمون هم القادة والسادة والمخدومون، في حقيقة الأمر لا بالرمز والصورة، فما أسهل تزوير الرموز والصور. اما عدم جواز أن يستعان بالكفار في القتال بوصفهم دولة مستقلة، ذات قيادة وراية مستقلة، أو ماهو في حكم الدولة المستقلة، كالقبيلة، والجماعة الممتنعة، والمدينة ذات السيادة والمنعة، ونحو ذلك، كما هو الحال في «الأحلاف العسكرية»، ونحوها، فظاهر من أن ذلك يستلزم، ويقتضي، ضرورة، إما: (أ) أن يكون للكفار سبيل وهيمنة على المسلمين، وهو محرم تحريماً أبدياً قاطعاً، كما هو مفصل في الفصل المخصص لبيان حرمة «الأحلاف العسكرية» مع الكفار، أو (ب) «موالاة الكفار»، وهو محرم تحريماً أبدياً قاطعاً، بل هي من أعمال الكفر، يوجب ردة فاعله، وحبوط عمله، كما مبرهن عليه في موضعه، وبالله التوفيق. فالثابت المقطوع به، الذي لا يجوز أن تكون فيه شبهة، هو أن الله حرم الإستعانة بالكفار حال كونهم طائفة مستقلة، ذات قيادة مستقلة، تحت راية الكفر. هذا كله بالنسبة للاستعانة بالكافر أن يقاتل بنفسه مع المسلمين، تحت القيادة الإسلامية والراية الإسلامية، أما الإستعانة بالكافر بأخذ السلاح منه، فانه يجوز سواء أكان السلاح من فرد أو من دولة، على أن يكون ذلك إعارة مضمونة، لما روي أنه لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير الى هوازن ليلقاهم ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً فارسل إليه وهو يومئد مشرك فقال: (يا أمية! أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً، فقال صفوان: أغصبًا يامحمد؟ قال: بل إعارة مضمونة حتى نؤديها لك، فقال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درع بما يكفيهامن السلاح، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل). فهذا واضح فيه أن الرسول استعان بكافر بأخذ السلاح منه، وهو وإن كان فرداً الا أنه رئيس قبيلة. على ان مجرد اخذ السلاح من كافر دليل على جواز اخذه من الكافر مطلقاً مالم يرد دليل يخصص عدم الإستعانة بهم كدولة كما هي الإستعانة في القتال. لكنه لم يرد دليل يمنع اخد السلاح من دولة فيظل على إطلاقه من جواز أخذه من الكافر مطلقاً إعارة مضمونة، اوشراء بالثمن، أو حتى قبولاً لهدية غير مشروطة. على ان أخذ الدولة السلاح إنما يحصل غالباً من دولة. وعليه يجوز الاستعانة بأخذ السلاح من دولة كافرة، مع أن الأصل أن يصنع المسلمون سلاحهم بأنفسهم فلا يحتاجون من غيرهم سلاحاً مطلقاً. ونكرر القول أنه لم يحدث ابداً في عهد رسول الله أن إستعان بكافر على مسلم أو أنه أجاز ذلك، وإنما كانت الإستعانة إن وجدت على كل حال على الكافرين والمشركين، ولم تكن على مسلم قط، ويشهد لذلك امتناع أبي بكر رضي الله عنه عن محاربة بعض المرتدين ببعض، لا بل أنه رفض الاستعانة ببعض من ارتد سابقاً، حتى بعد عودتهم إلى الإسلام، ولا حتى في حربه ضد فارس والروم رغم حاجته الماسة الى الرجال! ومن أراد الاستزادة من فقه هذا الباب فعليه بالرجوع إلى الكتب المختصة ومنها: (1)ــ (الإستعانة بغير المسلم) للدكتور عبد الله الطريقى (رسالة دكتوراه). (2)ــ (احكام أهل الذمة) للأمام ابن القيم. (3)ــ (المغنى) للأمام ابن قدامة في أبواب قتال أهل البغى، وأبواب الجهاد، والغنيمة. (4)ــ (نيل الأوطار) للأمام الشوكاني الجزء الثامن ــ باب الإستعانة بالمشركين. (5)ــ (نقد القومية العربية) للشيخ عبد العزيز بن باز ، ص 29 وما بعدها، نشر المكتب الإسلامي - الطبعة السادسة 1408هــ. لاحظ أن الرجل هنا قد غلا غلواً شديداً فحرم استخدام أفراد المشركين أوالإستعانة بهم في أعمال الهندسة والطب وغير ذلك، ولم يأذن بذلك، ولا حتى في حالة الضرورة، وهو مذهب باطل على التحقيق. كل ذلك كان «حقاً» عندما كان المقصود هو إحراج جمال عبد الناصر، ولكن عندما احتاج «أسياده» من آل سعود لأسيادهم الأمريكان نكص الشيخ على عقبيه وأصدر هو، وغيره من مشايخ آل سعود، فتواهم الشنيعة التي استند عليها آل سعود في تنفيذ جريمتهم النكراء، نعوذ بالله من الخذلان! (6)ــ (الإستعانة بغير المسلمين في الجهاد الإسلامي) دكتور عثمان محمد شبير، مقالة في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ــ السنة الرابعة العدد السابع ــ شعبان 1407هـ. (7) الموالة والمعاداة: للدكتور محمد بن عبد الله المسعري، (من منشورات لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية). [تابع: محاكمة حاطب] __________________ الدكتور محمد بن عبدالله المسعري أمين عام تنظيم التجديد الإسلامي، والناطق الرسمي له. [email protected]
|
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حكم معاونة الكفار المحاربين | قلب القصيم | المنتدى الإسلامي | 1 | 13-02-05 03:06 AM |
الدخول في تحالفات استراتجية مع الكفار أخف الضررين؟ | حمد القطري | المنتدى الإسلامي | 1 | 12-02-05 07:28 PM |
الارهاب..الاسلام..الكفار.. قضية مترابطة تدعوا للنقاش.. | كركور | ملتقى الحوار الفكري المفتوح | 0 | 21-04-04 09:04 PM |
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |