العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#61
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الدقّة في العلم والتصرف
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الدقّة في العلم والتصرف الدكتور عثمان قدري مكانسي صفة في الإنسان تدلُّ على نباهة صاحبها وذكائه ، تصدر عنه الأمور بعد رويّة وتدقيق ، وحساب ومراجعة ، يتابع الأمور معتمداً على آليات ومعطيات موثوقة ، ويتحرى الأشياء قبل الحكم عليها ويحسب لكل شيء حساباً . وهذا لا يعني أنه موفق دائماً فالأمر بيد الله لكنّه يتعاطى الأسباب ، وغالب أفعاله توصله إلى ما يرميه . والقرآن الكريم يضع بين أيدينا كثيراً من الآيات التي تصف المولى عزَّ وجلَّ بالعلم المطلق ، والدقة الكاملة سبحانه وتعالى ، فلِمَ لا نسير على هداه ، ونقطف من جناه ، ونستقي من ضياه ، ونقبس من سناه ؟ . فهو سبحانه وتعالى يحكي عن ذاته العظيمة فيقول : { .... وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}(يونس) . فهناك إذاً ما هو أصغر من الذرة ، وقد اكتشف العلم الحديث ذلك . . { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)}(سبأ) . وكما أنه سبحانه يعلم كل شيء ، ولا يغيب عنه شيء : فهو سبحانه يحاسب على كل شيء ، مهما صغر أو كبر ، قال تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}(الزلزلة) . وقال سبحانه كذلك : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }(النساء) . كما أن الذي يؤمن بالله ، ويقرن الإيمان بالعمل يكرمه الله تعالى فيدخله الجنة ، ولا يُنقِص من ثوابه شيئاً مهما كان صغيراً ، كيف لا والمجازي هو الرحمن الرحيم ؟ قال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) }(النساء) ، والنقير : حفرة في ظهر النواة ، كرأس الدبوس ، لا تكاد تُرى . والله سبحانه وتعالى المتصرف في كل شيئ . أما المعبودات الأخرى فلا تملك شيئاً مهما حَقُر ، فضلاً عن أنها لا تملك نفسها ، فكيف يعبدها الضالون . قال تعالى : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ(13)}(فاطر) ، والقطمير : تلك القشرة الرقيقة بين الثمرة والنواة . أرأيت إلى هذه الدقة في التعبير ففي هذه الآية ذُكِرَ " القطمير " وفي الآية السابقة ذُكر " النقير " . فإذا وقفت في غابةكبيرة فيها مئات الآلاف المؤلفة من مليارات الأوراق ، وعشرات الآلاف من مليارات الحب والثمار ، قلتَ مَنْ يعلم عددها ونوعها ؟ . والله سبحانه وتعالى يعلم عددها وعدد ما سقط على الأرض منها . . . دقة عجيبة ، وحساب متقن { . . . . وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}(الأنعام) . وكل ما يفعله الله بقدر ، وهو مكتوب عنده في لوحه المحفوظ . قال تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)}(القمر) ، { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)}(القمر) ، وقال أيضاً : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}(يس) . والمشركون يأخذون كتبهم بشمالهم ، فيقرؤونها ، فلا يجدون إلا ما عملوه كاملاً لم ينقص شيئاً صغيراً كان أم كبيراً ، فيتملّك اليأس قلوبهم . أ ـ { وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ب ـ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا جـ ـ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}(الكهف) . وحين يرفع الله سبحانه وتعالى أولياءه الصالحين إلى الدرجات العلا ، يكرمهم ، فيرفع معهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإحسان ، إلى مراتبهم على الرغم من أن صلاح الذرية لم يبلغْ صلاح الآباء مَنّاً منه سبحانه وفضلاً ، دون أن ينقص من ثواب الآباء شيئاً ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ . . .(21 }(الطور) . ومن الدقة العجيبة كما مرَّ في "النقير" و "القطمير" ، "الفتيل" أيضاً وهو الخيط الذي في شق النواة . . لا يظلم الله المؤمنين في ثوابهم وأجورهم ، بل يكرمهم ويزيدهم ، فهو المنعم الوهاب . قال تعالى : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) }(الإسراء) . وتعالَ إلى الحساب الدقيق في السنوات ، فهؤلاء أصحاب الكهف لبثوا فيه ثلاثة مئة سنة ميلادية ، وهي تساوي ثلاث مئة وتسع سنوات هجرية . وعلى هذا لاحظ الدقة في الحساب { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) }(الكهف) . واقرأ معي هذه الآية وتمعن في بعض الأسباب تتابع الليل والنهار : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً أ ـ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ب ـ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) }(الإسراء) . فالدقة دليل على التمكن ، وطريق إلى التثبت . يتبع </b></i>
|
#62
|
||||
|
||||
جزاك الله خير
|
#63
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الوضوح في المعاملة
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الوضوح في المعاملة الدكتور عثمان قدري مكانسي ليس هناك أفضل من الوضوح في التعامل ، ففي الوضوح فوائد عديدة منها : 1 ـ أن يعرف كل من الفريقين حدوده ، فلا يتعدّاها . 2 ـ أنْ يلتزم المتعاملون بما اتفقوا عليه ، فترتاح النفوس . 3 ـ أنْ تنسدَّ أمام المتلاعبين طرق الاحتيال والفساد . والقرآن الكريم علمنا أن نعمل في ضوء الشمس ، دون مواربة أو ختل ، فنحن ندعو إلى الله بطريق واضحة ، يراها من يريد أن يراها ، ويتبعها من يريد اتباعها من أهل الفطانة والعلم ، والطويّة النظيفة . ـ والله سبحانه وتعالى علّمَ نبيّه الكريم أن يكون قدوة في الوضوح { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}(يوسف) . ـ أما شعيب عليه السلام ، أو الرجل الصالح في مدين ، الذي سقى موسى عليه السلام لابنتيه غنمه ، فقد أراد أن يزوج موسى ابنته ، فكان شرطه واضحاً ، قَبِـِلَـَه موسى عليه السلام: { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ 1 ـ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ 2 ـ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ 3 ـ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ 4 ـ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) 5 ـ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ 6 ـ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ 7 ـ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) }(القصص) . شروط واضحة ليس فيها لبس . . وعلى مثل عين الشمس فاشهد . ـ وتزوَّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ومكثت عنده فترة ، ثم لم يتفقا ، فطلّقها وكان زيد مملوكاً للسيدة خديجة ، وهبته للرسول الكريم حين تزوجها ، فأعتقه وتبنّاه ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر زيداً أن يمسكها ، فلا يطلِّقْها . وهو يعلم أن الله سيبطل التبنّي وأحكامَه بتطليق زينب من زيد ، وتزويجها للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وبما أن الدِّينَ لا يمكن أن يكون فيه غموض وإبهام نزلت الآيات ، موضحة الأحكام دون حرج ولا خجل ، فالحق أحقُّ أن يتبع ، ولا يصح إلا الصحيح: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)}(الأحزاب) . ـ وفتح الله سبحانه على نبيه وعلى المسلمين خيبر ، فملكوا الكثير الكثير ، ورأت نساء النبي صلى الله عليه وسلم كثرة المال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنه الزيادة في النفقة ، ليتمتعن بسعة الدنيا ونعيمها وبهرجها الزائل ، فتأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إلحافهن في السؤال ، وإلحاحهن فيه . فنزلت الآيات واضحة تبيّن ما على نساء النبي أن يكنّ: أ ـ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) ب ـ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) جـ ـ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) د ـ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) هـ ـ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) و ـ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) ز ـ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}(الأحزاب) فوضّح الله لهنّ مكانتهن العظيمة في بيوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأنهنّ قدوة لنساء المسلمين توضيحاً بيّناً . فرضين كلهن برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوجاً وحبيباً ، وقلن كلهن : بل نريد الله ورسوله والدار الآخرة . . . رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ . ـ وليس المسلمون والكفار سواء في المعاملة في المجتمع الإسلامي . . صحيح أن لغير المسلمين في مجتمعنا حقَّ المواطنة والعيش الكريم ، والأمان ، إلا أنهم لا ينبغي أن يكونوا على قدم وساق مع المسلمين ، لا في الدنيا ، ولا في الآخرة كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى . فقال في كتابه الكريم ، نافياً أن يعامل المجرمون في الآخرة بما يماثل معاملة المسلمين ، في كثير أو قليل : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)}(سورة القلم) . وقال سبحانه : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) }(سورة ص) . ـ وما أشد وضوح معاملة المطلقات في هذه الآيات : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ أ ـ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ب ـ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ جـ ـ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ د ـ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ هـ ـ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ ....(1) }(سورة الطلاق) . و ـ { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ز ـ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ...(2) }(سورة الطلاق) . ح ـ { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ...* ي ـ ... وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) }(سورة الطلاق) . * (لم يحضن لصغرهن ، عدتهن ثلاثة أشهر ) ـ وكثيرٌ من النساء هربن من المجتمع المكي المشرك إلى المدينة المنوّرة ، بعد صلح الحديبية ، فجاء أزواجهن أو إخوتهن يستردونهن بموجب الاتفاق المبرم ، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، اعتبر المتفق عليه بحق الرجال لا النساء ، وجعل لهن امتحاناً يَعرِف به المسلمون إن كنَّ مؤمنات حقاً ، أو هربن لأمر ما . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا 1 ـ إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ 2 ـ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ 3 ـ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا 4 ـ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ 5 ـ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا . . .(10) }(سورة الممتحنة) . 6ـ { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ..(11) }(سورة الممتحنة) . فهذه الآيات كانت موضحة تمام التوضيح لمعاملة النساء المسلمات ، اللواتي هربن إلى المجتمع المسلم ، والنساء اللواتي ارتددن إلى الكفر ، وكيف يدفع للمسلمات الجديدات مهرهن ، وكيف ـ إن كان ممكناً ـ استرداد ما دفعه المسلمون من مهور النساء اللواتي عدن إلى مكة مرتدات . . . وضوح ، وتنظيم ، ودقة في المعاملة ، كي يبتعد المسلمون عن الحرج . . . ـ ويجب البرّ بالوالدين ، ولو كانا مشركين ، ولا يكون الشكر لله إلا مقروناً مع الشكر لمن أحسن إليك ـ الوالدين ـ ولكنْ للبر حدودٌ لا يمكن تخطيها !! . خاصةً إذا كانت حدود الله تعالى . أ ـ { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ب ـ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ جـ ـ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) د ـ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا هـ ـ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا و ـ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . . . . (15) }(سورة لقمان) . ـ ونرى الوضوح كذلك في التعامل مع من يرتكب فاحشة الزنا : 1ـ فإن كان الزاني والزانية غير محصنين فكيف يعاقبان ؟ : . أ ـ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ب ـ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ جـ ـ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) }(سورة النور) . 2 ـ بمن يقترن الزاني والزانية ؟ : أ ـ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ب ـ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ جـ ـ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) }(سورة النور) . 3ـ ما عقوبة مَنْ يقذف المحصنات دون وجه حق ؟ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أ ـ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ب ـ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا جـ ـ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) }(سورة النور) . 4ـ فهل تبقى العقوبتان المعنوية في الدنيا والنار في الآخرة إن تاب القاذف ؟ { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوامِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) }(سورة النور) . لا ، إنما يعود الأمر إلى مجراه بعد التوبة ، فتنتفي عنه صفة الفسوق حين يعترف أنه أخطأ . 5ـ فإن كان القاذف الزوج نفسه فما يكون من الزوجين ؟ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ أ ـ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) ب ـ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أ ـ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) ب ـ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) }(سورة النور) . وهكذا يفرَّق بين الزوجين المتلاعنين فراق بينونة كبرى ، ويكون أحدهما قد باء بالخسران الأبدي إلا إذا كانت المرأة زانية ، واعترفت ، فرجمت ، فقد طهرت ، وتابت توبة نصوحاً . إن الغوص في أعماق القرآن والقراءة فيه بإمعان يجلي للقارىء كنوزاً من الأمثلة في كل اسلوب تعليمي من أساليب القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . يتبع
|
#64
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/اغتنام الفرص
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم اغتنام الفرص الدكتور عثمان قدري مكانسي كيف يغتنم المرء هبوب رياحه ؟ وهل تتاح الفرصُ كثيراً ؟ وماذا يسمى من أضاع شيئاً كان بين يديه ثم سعى وراء ما يهرب منه ويبتعد عنه ؟ . إن الله سبحانه وتعالى ينبهنا في قرآنه العظيم إلى اغتنام ما بين أيدينا ، والحرص عليه في مرضاة الله ، قبل أن نلقاه مفلسين خاسرين نادمين على ما فرطّنا فيه ، وما دمنا في الدنيا لم نغرغر بعد فلنغترف من الخير قبل الممات ، ففي الدنيا عمل ولا حساب ، وفي الآخرة حساب ولا عمل . قال تعالى يدعو إلى الإسراع إلى فعل الخير : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ . . . (148)}(البقرة) . ويمدح المؤمنين الفاعلين الخير المسرعين إليه قبل غيرهم : { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)}(المؤمنون) . أما أهل الغرف من جنات النعيم فهم الذين شمروا عن ساعد الجد واغتنموا الفرص فكانوا أهل الحظوة والقرب ، قال سبحانه : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)}(الواقعة) . والله سبحانه وتعالى ينادي عباده داعياً إلى التوبة واللجوء إليه : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)}(الزمر) . ويناديهم أيضاً منبهاً إلى حاجتهم إليه ، فليغتنموا الدنيا ولْيعملْ كل إنسان بما يفيده . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}(فاطر) . وما دام الله سبحانه قادراً على أن يفعل ما يشاء ولا حول لنا ولا قوة فعلامَ نستكبر عن عبادته؟ ولماذا نكفر به ونعصيه ؟ ـ ومن فضل الله سبحانه علينا أنه لا يعاقب إلا بعد أن ينذر ويوضح ، فيرسل رسله إلى الناس ، ويفسح لهم الفرصة ليغتنموها فإن أضاعوا حلَّ بهم العذاب { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}(الإسراء) . وقد جرت العادة أن يرسل الله رسولاً إلى المدن الكبيرة ، يبلغ رسالة ربّه ، وينذر الكفار ، فيقطع الحجج والمعاذير . حتى إذا أهلكهم لإصرارهم على الكفر والإنكار ، لم يدَعْ لهم حجة يتمسكون بها ، وهذا قمة العدل ، ومَن أكثرُ عدلاً من الله سبحانه ؟: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)}(القصص) . فالعاقل يغتنم الفرص التي يقدمها له الله سبحانه وتعالى ، ويؤمن به ، ويطيعه ، ويطيع رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ـ ومن الفرص التي يقدمها الله سبحانه وتعالى لعباده دائماً قوله سبحانه : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ . . . (26)}(الشورى) . فهو سبحانه : 1ـ يفتح أبواب التوبة مشرعات دائماً . 2ـ فإذا أخطأ الإنسان ـ وهو خطاء ـ ثم استغفر ، غفر الله له . 3ـ العاقل يستجيب لهذا العفو ، فيغتنم الفرصة ، ويتوب . 4ـ فإذا تاب وعمل صالحاً زاده من فضله وأكرمه . ـ ومن الفرص التي يقدمها الله تعالى فيتلقفها المسلم المؤمن دون أن تفلت منه ..الدعوة ُ المتكررة للإيمان بالله ، فالله سبحانه لا يفتأ يرسل المرسلين ـ سابقاً ـ والدعاة المخلصين ـ لاحقاً ـ مذكرين ، منبهين ، منذرين ، معلمين . . . ليستفيد منهم الناس قبل أن يفقدوهم . { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ... (26)}(يس) . فدخل الجنة ، وكسب رضوان الله لأنه رأى الفرصة مواتية فاغتنمها . . . ويغتنم المسلم وجود الدعاة المصلحين بين يديه فيلتزمهم ويتعلم منهم ، ويسألهم عما يفيده في دنياه وآخرته ، ليكون على نور من ربه . ـ ويدعونا الله تعالى إلى الإسراع إلى الفرص واكتسابها فيقول : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}(الصافات) . فيسرع المؤمنون إلى اقتناص ما يجعلهم فائزين ، ويعملون جادين مجتهدين . ويعرض الله سبحانه وتعالى السبيل الذي يصل فيه المسلمون إلى الفلاح ، وإرضاء الله ، ليهرع إليه أصحابه المريدون له : { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}(الروم) . . يهرعون ، فيدفعون زكاة أموالهم وصدقاتهم لمن ذكرهم اللهُ تعالى ، فينالون ما وعدهم من رضاه وفلاح . ـ وهذا سيدنا موسى وأخوه هارون – صلوات الله عليهما - يقدمان على فرعون ، ويدعوانه إلى عبادة الله وحده ، وترك البطر وادعاء الألوهية الكاذبة ، فينكر عليهما ذلك ، فيفجؤه موسى بالآيتين اللتين تبهرانه وأتباعه ، فيدعي أن موسى ساحر ، وأنّ أخاه يؤيده ، وأنّه سيبطل هذا السحر ، فعنده من السحرة الكثير ، ويضرب لموسى موعداً في يوم عيد للمصريين ، فيمهله موسى إلى ذلك اليوم . . .فيغتنم فرعون المهلة ، ويجمع السحرة والأعوان . { فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) }(طه) . { قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) }(الشعراء) . فإذا كان الفاسدون يغتنمون الفرص فنحن أحق منهم بذلك ، إننا أصحاب الحق ، والعاملون له . حتى إن السحرة اغتنموا حاجة فرعون لهم ، فطالبوه بمكاسب ووعدهم بتنفيذها ، بل وعدهم بأكثر مما طلبوا ، فال عز وجل: { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) }(الشعراء) . ـ وهذا سيدنا يوسف عليه السلام في السجن ، يأتيه رجلان ، رأى كل منهما حلماً ، يستفتيانه ، فلم يجبهما ابتداءً ، بل اغتنم فرصة حاجتهما إليه وإصغائهما إليه ، ودعاهما إلى الله تعالى ، وعبادته وتوحيده بشكل مفصل ، فلم يترك لهما حجة ، ثم أفتاهما فيما عرضاه : { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}(يوسف) . ـ وهذه ابنة الرجل الصالح ترى في موسى قوة وأمانة ، وقلّما تجتمع هاتان الصفتان في رجل . وأبوها بحاجة إلى مثله ، يرعى مصالحهم ، ويرعى الغنم ، فطلبت إلى أبيها أن يستأجره ، فهو مغنم يعز نظيره ،قال تعالى: { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}(القصص) ففعل أبوها ذلك ، أليس هذا اعتناماً رائعاً في اختيار زوج صالح للبنت وعامل أمين جلد يرعى الأسرة ويخدمها؟ . وفي سورة الكهف ، في قصة موسى والرجل الصالح نجد : أ ـ موسى يغتنم صحبة الرجل الذي آتاه الله رحمةً من عنده ، وعلَّمه من لدنه علماً ، فهو لا يتركه إلا أن يستفيد منه ما شاء الله له الاستفادة ، فيصحبه في أعمال ثلاثة ، ولا يفارقه إلا مضطراً . ب ـ الرجل الصالح نفسه يحاول منذ البداية أن يعتذر عن صحبة موسى ، لأن موسى لن يصبر عليه دون ان يعلم الأسباب الدافعة له في ما يفعل من أمر الله ، وحين يجرّبه ثلاث مرّات لا يصبر موسى فيها على قبول أفعالٍ لا يعرف لفعلها سبباً يعلن الرجل الصالح وجوب الفراق ، مغتنماً فرصة إخفاق موسى في الصبر دون سؤال إلى ان يخبره الرجل حين يريد . . فيفارقه . .(راجع سورة الكهف الآيات 66 ـ 82 ) . ونظرة ممعنة في آيات القرآن الكريم تجعلك أيها الأخ العزيز قادراً على الوقوف أمام عديد منها ، توضح لك اغتنام الفرص ، واقتناصها لتكون من الناجحين الفائزين . يتبع
|
#65
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/إيصال الأمر إلى أهله
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم إيصال الأمر إلى أهله الدكتور عثمان قدري مكانسي يقول الله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) }(الحجر) . هو أعلم بما جاء به ، فهو سبحانه صاحب القرآن ومنزله على رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهو الذي يحفظه من التحريف والتبديل والتلف ، والقادر على ذلك ، وهو الذي يأمرنا ـ سبحانه ـ إذا غاب عنا أمرٌ من الأمور أن نلجأ إلى من هو عالم به ، عارف بأحواله ، عنده الحل عن دراية وخبرة . ففي حالة المرض نلجأ إلى الطبيب لا إلى بائع الحليب . وفي الرغبة في بناء منزل جديد نلجأ إلى المهندس ومقاول البناء ، لا إلى المزارع وبائع الدبّاء . وفي الأمور الشرعية ـ إن استغلق علينا فهم حكم شرعي ـ نستفتي العالم والفقيه ، لا الصانع والتاجر النبيه . . . والقرآن كما علمنا ويعلمنا دائماً ينبه إلى إيصال الأمر إلى أهله فيقول : { ....فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (42) }(النحل) وليس المقصود بالذكر فقط الفقه والتفسير ، والسنّة . . إنما يتجاوز إلى الأمور الحيويّة والحياة المعيشيّة . وإن كانت الآية هنا تخصص هذه المقاصد لأن الحديث في هذه الآية عن الأنبياء وما يوحى إليهم . كما أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلّمه كي يعلِّم الناس ، ويوضح لهم هذا الدين ويشرحه ، ليكونوا عارفين به عالمين ، ويستطيعوا تطبيقه : {... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) }(النحل) . والقرآن الكريم يحضُّ المسلمين أن يسألوا العارفين بالبواطن والظواهر كي يعملوا على هدى وبصيرة . من أمثلة ذلك : { وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا . . (45)}(الزخرف) ، { ..... فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)}(الفرقان) . كما أنّ الإيمان يعتبر ناقصاً بل مفقوداً إذا احتكم المسلمون إلى غير كتاب الله ، وغير رسول الله ، ولا يكون إيماننا مقبولاً إلا إذا تبعنا هذا الرسول الكريم الذي يبعثه الله معلماً ومرشداً ، قال سبحانه: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}(النساء) ، وكيف يكون الحرج وأنت تسلم أمرك إلى المختص النبيه ، صلةِ الوصل بيننا وبين صاحب التشريع جلَّ شأنه ؟!. وإذا سألنا أنفسنا : لماذا يحتكم الناس إلى ربّهم ؟ فالجواب بديهي معروف ، إنه العالم بكل شيء ، والقادر على كل شيء . أ ـ { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ب ـ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ جـ ـ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ د ـ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا هـ ـ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ و ـ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) }(لقمان) . وقد نعى القرآن الكريم على المدَّعين الإسلام إحجامهم عن طاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإيغالهم في الابتعاد عن الاحتكام إليه ، فهذا ليس من شأن المسلم الصادق الإيمان ، بل هو من شأن أهل الأفئدة الضعيفة والقلوب المريضة . فكيف نبتعد عن النطاسيّ البارع ، وبيده الدواء الشافي ، والعلاج الناجع ؟!! . قال عز وجل: { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}(النور) . ففي طاعة أهل الاختصاص وأولي الأمر ، والاحتكام إليهم ، والنزول على أحكامهم الصائبة ، وتسليم الأمور لهم فوز أيّما فوز ، وفلاح أيما فلاح . ومن الآيات الواضحة جداً في هذا الباب قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ . . .(7)} (الحجرات) . فالمسلم المؤمن يسمع الخبر فلا يعجبه ، لأنه مخالف للحقيقة ، مجاف لها ، هكذا يحسُّه بفطرته ، فيتحرّاه ، ويسأل عنه ، حتى يتبيّنه على حقيقته ، فلا يجوز اتخاذ القرار إلا بعد معرفة حيثيات الأمر ، وإلا ظـُلِم أقوام ، وأوذي آخرون ، وندم المسلم على عملٍ عمِله دون البحث عنه وتحريه ومعرفته المعرفة التامة . ومن الآيات الواضحة وضوحاً بيناً كذلك قوله تعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}(النساء) . فالخبر يأتينا سواء كان مفرحاً أم محزناً ، مبشراً أم محذّراً فينشر خبره بين الناس انتشار النار في الهشيم ، ولا يصل إلى أهل العلم والدراية إلا متأخراً وقد لا يصل ، وكان أحرى بمن سمعه أول ما سمعه أن يحمله إليهم ليحللوه ، ويتأكدوا منه ، فإن كان إشاعة لبلبلة الصف طوَوْه ، ومنعوا وصوله إلى العامّة من سوئه وسمومه ، فضيعوا الفرصة على المغرضين ، المصطادين في الماء العكر ، وإن كان صحيحاً استعدوا له وحذّروا الناس منه . وكذلك يفعلون بالخبر الحسن . وإلا يفعل المسلمون ذلك ينزلقوا إلى المستنقع الآسن ، الذي أراده لهم أعداؤهم أن يقعوا فيه ، وأراده الشيطان لهم أن يسقطوا في أوساخه ، وتعلقَ بهم أوشابُه . لكنَّ رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ، وفضله عليهم نبههم إلى ضرورة إيصال الأمر إلى أهله ، فهم أولى به ، وأقدر على التعامل معه . يتبع
|
#66
|
||||
|
||||
جزاكم الله خيرا السبت 5 محرم 1432
|
#67
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ التزام الوقت
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم التزام الوقت الدكتور عثمان قدري مكانسي التزام الوقت يدلُّ على أن صاحبه دقيق في عمله ، ملتزم بأدائه في وقته ، صادق في وعده ، حريص على كسب ثقة الآخرين ـ وأخيراً ـ يعرف قيمة الوقت واستغلاله فيما ينفع ، وضرره إن لم يستفد منه . وقد قيل قديماً في التزام الوقت والاستفادة منه : ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) . والقرآن الكريم حافل بالآيات الشريفة التي تحضُّ على استغلال الزمن ، وسباقه في الوصول إلى الهدف الصحيح ، قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم . فالله سبحانه وتعالى خلق الكون كله في أيام ستةٍ ، أرضَه وسماءَه ، وما بينهما فقال : { اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }( الفرقان 59 ، والسجدة 4 ) وكرر هذه الآية لفظاً ومعنىً ، أو معنىً فقط سبع مرات في كتابه الكريم ، مع أنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى الزمن في أفعاله ، قال عز من قائل : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}(يس) . فلماذا خلقهما في ستة أيام إذاً ، وألزم نفسه هذا الزمن ؟ أليس فَعَلَ هذا ليعلّم عباده التوقيتَ لكل أمرٍ ، والاستفادة منه وعدمَ تضييع الزمن الذي تمضي عقاربه إلى الأمام ، ولا تعود أبداً إلى الوراء ؟ بلى إنه سبحانه : { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}(العلق) . وعلى الرغم من أن الله سبحانه خالق الزمن والمتصرف فيه ، قال عز وجل : {... وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}(الرعد) ، فقد فرض على نفسه التزام الزمن كي لا يترك للكافرين والمشركين ثغرة للتخلص من عاقبة كفرهم وإشراكهم ـ فهو سبحانه ـ يوبخ الكافرن الضالين الذين لم يعرفوا قدر الله تعالى وعظمته إلى أن هذا الكون العظيم من صنعه . فإلى أين يتيهون ؟ وقد خلقه في أزمان حدّدها ورتّبها ترتيباً رائعاً ؟ قال سبحانه : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}(فصلت) . وهؤلاء الكفار يكذبون أنبياءهم ، ويسخرون منهم ، ومن تهديدهم بالعذاب ، ويستعجلون العذاب الأبدي الذي واعدهم الأنبياء بهم ، فهل يأتيهم العذاب سريعاً ؟ لا ، فالله سبحانه وتعالى حدّد لهم يوماً لا مناص منه . { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) }(هود) . { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) }(العنكبوت) . والبشر هم الذين يغضبون وينفعلون فيبطشون ، ولكنَّ الله الحليم ـ وإن غضب ـ يلتزم بالموعد الذي حدده لهم ، وأنذرهم إياه : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) }(فاطر) . والكفار يستفزّون الأنبياء ويصفونهم بالكذب ، وإلا ـ على زعمهم ـ فلماذا لا يأتيهم العذاب أين هو ومتى يكون ؟ فيجيبهم القرآن الإجابة نفسها : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)}(سبأ) . ولهم أجل محدد يرجئون إليه { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } (النحل ، الآية 61 ، والأعراف الآية 34 ) . وتتجلّى شدة الالتزام بالوقت في الآية الكريمة التالية : { ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ .....(14)}(الشورى) . 1ـ فالغضب الشديد على الكفار واضح في الشرط لولا ـ حرف امتناع لوجود . 2ـ والشرط الموجود كلمة الله سبحانه بتحديد الساعة محققة الوجود . 3ـ فامتنع الجواب { لقضي بينهم } في الساعة التي يريد الكفار مستهزئين أن تأتيهم . 4ـ ولا بدّ من الانتظار إلى الأجل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى لمحاسبتهم وعقابهم . والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه حذروا أقوامهم هذا اليوم الذي لا يمكن تأخيره أبداً ، وحثوهم على الإسراع بالإيمان بالله قبل حلول هذا اليوم الشديد الوطأة على الكافرين ، قال عز من قائل : { يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }(القمر) . { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) }المدثر) . وهذا سيدنا نوح عليه السلام حين دعا قومه ، قال سبحانه : {. . . يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}(نوح) ولكن هل يعقلون ؟ هل يرعوون ؟ هل يستمعون النصح والإرشاد ؟. فلنقرأ شكوى نوح إلى الله كفرهم وعنادهم ، قال عز وجل : { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) نوح) . فإذا حلَّ ذلك اليوم الرهيب ـ نسأل الله العفوَ والعافية ـ ورأى هؤلاء المشركون مصيرهم المرعب نسوا أنهم أقسموا أنه ليس بعد الدنيا دار ، وأنكروا البعث والنشور ، فسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى الدنيا ، ويؤخر عنهم العذاب ، ولكنْ لا تغيير في الوعد ، ويوم الحساب له ميعاد لا يخلفه الله سبحانه ، إنما سينتقم فيه من المشركين الكافرين لا محالة .قال تعالى : { وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) }(إبراهيم) . وقال سبحانه: { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) }(إبراهيم) . إن الالتزام بالوقت ، والعمل الجاد المتوازن ، والإيمان الواعي المستنير يوصل إلى النجاة في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا هناء ، وسعادة وسمعة حسنة ، وفي الآخرة جنات النعيم ، ورضوان من الله أكبر . يتبع
|
#68
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإستبعاد
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الاستبعاد الدكتور عثمان قدري مكانسي استبعد الشيء : عدّه بعيداً ... لا يكون . وهذا أسلوب يتكرر في القرآن الكريم ، فيه شيء من التحدي والتعجيز ، وشيء من الرفض والتأكيد ، وفيه تهديد ووعيد وفيه استنكار وإثبات . فإذا جمعنا هذا إلى ذاك وجدنا تدافعاً بين فريقين ، كل منهما يحكم على شيء وينفي ضده . . . ولكنَّ الحقَّ يكون دائماً مع الله ، الحق الذي ينبّه إلى العاقبة ، ويخوّف من النكران ، ويحث على التزام الهدى والبعد عن الضلال . . أليس هو الله سبحانه مالك الملك وملك الملوك الذي شرَّع فأوفى وحكم فعدل . . ؟! فقد سمح الله تعالى للرجال أن يتزوّجوا من أربعة نساء ، لكنّه نبّه إلى الطبيعة البشرية الضعيفة ، التي لا يمكنها العدل بين النساء فحذر إلى الميل الشديد إلى بعضهن ، وترك الأخريات معلقات ، { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}(النساء) . وقد حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إيمان الناس جميعاً وأتعب نفسه في ذلك ، وهنا ينبهه الله تعالى أن عليه البلاغ ، فلا يحزن لإعراضهم ، فلو بذل كل شيء وبخع نفسه فأكثرهم كافرون ، ولن يستجيب له إلا من كتب الله له الهداية . أما موتى القلوب فحسابهم عند الله تعالى . { وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}(الأنعام). واستبعد القرآن إيمان هؤلاء الذين يصمون آذانهم عن قول الحق ، ويغمضون أعينهم عن رؤيته ، قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}(الحجر) . ويقول تعالى كذلك : { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}(النحل) . وهؤلاء المشركون لا يؤمنون بالنشور والبعث بعد الموت ، ويستبعدونه ، فال عز من فائل : { وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)}(مريم) ، وُيردّ عليه ، قال سبحانه : { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)}(مريم) ، وإعادة الخلق أسهل من إيجاده من عدم ، وكل شيء على الله سبحانه وتعالى هيّن . وحين أرسل الله تعالى سيدنا هوداً عليه السلام إلى قومه عادٍ كفروا به واستنكروا البعث بعد الموت فقالوا ساخرين : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)}(المؤمنون) ، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}(النمل) . { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)}(الملك) . ومعلوم أن الساعة من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ،قال عز وجل : { قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)}(الملك) . وتأمل معي عناد الكافرين وشدة كفرهم حين يشتطّون ويسخرون ويعاجزون ، قال سبحانه : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}(الإسراء) . ومهما فعل الكافرون فمصيرهم النار بين يدي الله سبحانه لا فكاك لهم ، قال تعالى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}(الأنفال) . ـ وتصوّر الكافر حين يأتيه ملك الموت وهو في الغرغرة ويرى حوله ما قيل له ، فيوقن أنه ذاهب إلى النار لا محالة ، فيطلب تأخير الموت ليصلح ما أفسَدَه ـ ولكن هيهات ـ فلكل أجل كتاب ، قال سبحانه : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }(الأعراف) . بل إن المؤمن العاصي الذي يرى أجله قد حان ولما يفعل من الخير إلا القليل ، يرغب أن يؤخّر أجله ليعوّض ما فات . قال تعالى : { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}(المنافقون) . وهل يغفر الله للمنافقين إن استغفر لهم المسلمون ؟! أو استغفر لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ اقرأ معي قوله سبحانه : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة) إنهم فسقوا وخرجوا من الإسلام ، فهم والكفار سواء . فلا فائدة ، إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، والعياذ بالله من مصيرهم المشؤوم . وقد أراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يستغفر لرأس المنافقين ابن سلول فنهاه الله تعالى عن ذلك ، فقال سبحانه : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة) . فامتنع الرسول الكريم عن الاستغفار له وقال : ( لو أعلم أن الله يغفر له إن استغفرت له أكثر من سبعين مرة لفعلت ) وليس المقصود من العدد السبعين هذا إلا لكثرة الدالة على عدم الغفران للمنافقين . وهؤلاء الكفار لا غفران لهم كذلك ، لأنهو صدوا عن دين الله ، وأصروا على الكفر { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)}(محمد) . وهذا الكافر نفسه كأخيه المنافق يود العودة إلى الدنيا ليؤمن بالله ، ويعمل صالحاً ، فهل ينفعه ذلك ؟ قال تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}(المؤمنون) . { فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)}(فصلت) . والله إنها لنهاية مأساوية ما بعدها من أسى ، فالنار من نصيبهم صبروا أم لم يصبروا ، وإن طلبوا من الله تعالى الرضا والصفح والغفران فلن ينالوا شيئاً ، بل يقال لهم : { . . . . اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}(المؤمنون) ، اللهم نجنا من مصيرهم الأسود . إن العذاب شديد ، شديد ، والمصيبة للكافرين والمنافقين والمشركين كبيرة ، كبيرة { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)}(يونس) . وفي آية أخرى تزاد كلمة { ومثله معه } للدلالة على شدة العذاب الذي لا يوصف ، قال تعالى : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ َمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}(الرعد) . وانظر معي إلى الظالمين قبل أن يدخلوا النار وهي أمامهم ـ والعياذ بالله منها ـ يريدون النجاة منها والعودة إلى الدنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملونه ، ثم بعد ذلك يعرضون عليها ، وهم خائفون ، أذلاء ، ينظرون إليها بأطراف عيونهم لأنها مرعبة ، ثم ينجو المؤمنون فرحين بنجاتهم. إن الخسارة الحقيقية ليست خسارة الأموال والدور ، وما يملكه الإنسان ، إنما هي خسارة النفس ولا حول ولا قوة إلا بالله { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)}(الشورى) . ولذلك نجد الكافر يتحسّر على ما فات ويودُّ لو يتخلّص من العذاب ، ولو كان يملك ملء الأرض ذهباً لدفعه راجياً خلاصه . . . ولكنْ ما مِن خلاص : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)}(آل عمران) . فإذا كان الأمر هكذا ، لا نجاة للكافر والمنافق من العذاب أفلا يعقل الإنسان ويرعوي ويصطلح مع الله . . . أم على قلوب أقفالها ؟! أقول : يــا إلـــه الــعــالــمــيــنـــا * يــا مــجــيــب الســائــلــيــنــا هـــب لــنــا مــنــك نـجـاة * وثــــبــــاتــــاً ويــــقــــيـــنـــاً ربَّ جــمَّــلــنــا بــفــضـل * واهـــدنـــا دنـــيــــا وديـــنـــا رب وفــقــنـــا بـــخـــيـــر * واغــرس الإيــمــان فـــيــنــا يـــــا إلــــــه الــعــــالـــــمــــيــــنــــا يتبع
|
#69
|
||||
|
||||
سلسلة رائعة من أساليب التربية في القرآن الكريم.
لكَ خالص الشكر والتقدير على الموضوع المميز.
|
#70
|
||||
|
||||
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/دحض الإقتراء
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم دحض الافتراء الدكتور عثمان قدري مكانسي العقل هبة من الله وتعالى لبني البشر لأنّه فضّلهم على كثير ممن خلق ، فلما كانوا من أصحاب العقول وجب عليهم أن يفكروا بها التفكير السليم ، ولا يتبعوا أهواءهم ، فالأهواء حجب تغطي العقل وتشده إلى البهيميّة . والمشركون والكفار اتبعوا هذه الأهواء التي تنأى بصاحبها عن الحق ، وتزين له الباطل ، فيصدر أحكاماً ليس لها من الحقيقة نصيب ، ويدّعون ما ليس بصحيح ، ويزينون لأنفسهم ولمن تبعهم أنهم قد أصابوا كبد الحقيقة ، والحقيقة أمامهم ، لكنهم لا يرونها ، أو يتعامون عنها . والقرآن الكريم يورد كثيراً من افتراءاتهم ويبين تفاهتها وسفاهتها بقول محكم تتجلى فيه الفكرة المقنعة ، والبرهانُ الساطع أو السخرية اللاذعة . . . فهلمّ إلى آي القرآن نقف على بعض منها : ـ فالكفار يرمون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالكذب والافتراء على الله حين يقرأ عليهم القرآن . فكيف كان ردّ القرآن الكريم على دعواهم الكاذبة هذه ؟ قال تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ أ ـ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) ب ـ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) جـ ـ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}(الأحقاف) . . . . فالردٌّ كان على ثلاث مراحل : الاولى : أن الله تعالى يعاقبه إن كان مفترياً عليه ، ولا تقدرون أنتم على ردّ عذابه ، فكيف أفتريه وأدّعيه لأجلكم وأتعرض لعقابه ؟ أنتم تقولون سحرٌ وشعر وغير ذلك من الطعن ، فالله شهيد على صدق دعوتي وحسن تبليغي ، ويشهد عليكم بالجحود والنكران ، فإن عدتم وآمنتم فهو يتوب عليكم ويرحمكم . الثانية : لست أول رسول جاء الناس بما جئتُ به ، فلأي شئ تنكرون عليّ ؟ ولا أدري بما يقضي الله عليَّ وعليكم ، فأنا متبع لا مبتدع ، ونذير لكم من عذاب الله . الثالثة : أخبروني يا معشر المشركين إن كان هذا القرآن من عند الله حقاً وكذبتم به ، كيف يكون حالكم ؟ ، ولقد عرَف أحد علماء بني إسرائيل صدقي ، فآمن بالقرآن ، وكفرتم أنتم . ألستم أضلَّ الناس وأظلمهم ؟ . إنّه ردٌّ رائع سدّ عليهم مسالك افترائهم . ـ ويعود الكفار إلى التكذيب ورمي الصادق الأمين بالافتراء على الله ، مدّعين أن القرآن صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال سبحانه: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) . والجواب المفحم يتضمّن ما يلي : 1ـ أنتم عرب فصحاء مشهود لكم بالبلاغة فهاتوا عشر سور مفتريات كما فعل محمد ـ على زعمكم ـ . 2ـ استعينوا بكل إنسيٍّ وجنيٍّ إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن من عند غير الله . 3ـ إذا لم تستطيعوا أن تفعلوا ذلك فاعلموا أن رسول الله بشر مثلكم ، لا يستطيع ذلك ، وما يقرؤه عليكم كلامُ الله سبحانه وتعالى . 4ـ والعاقل من يسْلِم حين يرى الحقَّ ساطعاً واضحاً . ـ بل إنهم يدَّعون أن رومياً علمه القرآن الكريم ، قال عز وجل : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}(النحل) . روى ابن إسحاق أنه كان في مكة فتىً أعجميٌّ قرب الصفا يبيع بعض السلع البسيطة يمر عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يمرُّ عليه الناس ، ويكلمه كما يكلمه الآخرون ، ولم يكن هذا الأعجمي ليتكلم من العربية سوى كلمات وجمل لا يكاد يبينها ، ولا يحسن نطقها . . . ادَّعى كفار مكة أنه علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحكمة !!. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء لا وزن له إلا أنّه ينبغي أن نشير إليه رادّين على تخرصات المشركين : 1ـ لو كان هذا الغلام ذا حكمة وفهم ما وضع نفسه في الموضوع الذي هو فيه ، يمر عليه الجميع من كبار وصغار ، وينظر الكثير منهم إليه نظرة ازدراء . 2ـ أنّى لهذا الفتى أن يعلِّم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحكمة - على فرض وجودها عنده - وأداة التعليم واللغة وحسن البيان ليست فيه ! وفاقد الشيئ لا يعطيه ؟!... 3ـ كان أحرى بهذا الأعجمي الذي اتصف بالعلم والحكمة ـ على حد قول الكفار ـ أن ينسب القرآن إلى نفسه ، فيفخر بذلك على أهل مكة ومن حولها ويتبوأ فيهم مركز الصدارة ، لا خانة النسيان !!. 4ـ لمَ تكاسلَ هؤلاء جميعاً فلم يتعلموا منه ـ إن صح زعمهم ـ فأفادوا واستفادوا ، ونافسوا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعوته ؟!! . 5ـ وعلى فرض أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسب ادعائهم ـ تعلم من ذلك الفتى الأعجمي القرآن والحكمة ، ثم صاغ ذلك بأسلوب عربي مبين ـ أما كان أهل قريش ـ وهم أفصح العرب أن يصوغوا الأفكار بقالب سامٍ من البلاغة شأنهم شأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟!!. لقد تحداهم القرآن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات فعجزوا . . . فأحرى بهم أن يصدقوا أنه كلام الله تعالى المنزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ـ قال تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) }(النحل) . 1ـ يقسمون بالله والعجيب أن الذي يقسمون به يكذبهم سبحانه . 2ـ ويؤكدون أن الميت لا يبعث . 3ـ وسبحانه قد وعَد ـ ووعده حق ـ أنهم سيبعثون ، فمن أصدق قولاً ؟!! إنه الله جلَّ وعلا . 4ـ البعث لأمرين اثنين : أ ـ ليوضح لهم ما اختلفوا فيه . ب ـ ليدفعهم بكذبهم وافترائهم على الله ورسوله إلى جهنم ، وبئس المصير . ـ وبعض الفاسقين الجلاوزة بل كلهم يأمرون الناس بالكفر ، ويدّعون أنهم يحملون عنهم العذاب في الآخرة ـ إن كان هناك يوم بعث ونشور ـ قال عز من قائل: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) }(العنكبوت) . فمن سنَّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة . ـ ويقول تعالى : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) }(الإسراء) . وكلنا يعلم ما يفعل الشركاء بعضهم ببعض من الدسائس والمكر وسعيهم إلى إقصاء من يستطيعون إقصاءه . ـ ويقول سبحانه أيضاً : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) }(الأنبياء) . فهل هذه الآلهة تدفع عنها هذه النار المحرِقة ؟!!. ويقول سبحانه مؤكداً الفكرة نفسها : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}(الفرقان) . فلماذا هم إذاً آلهة إن كانوا ضعافاً محكومين ؟!! . ـ ويتعجب الكفار أن يكون الرسول بشراً ، قال سبحانه : { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) }(الفرقان) . فيرد الله تعالى عليهم ببساطة متناهية : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ . . . (20) }(الفرقان) . ـ ومن العجيب أن صفاقة الكفار لا تقف عند حد ، فهم يدّعون أن الملائكة إناث . وأن الله أمرهم بعبادتها ، ولو شاء ما استطاعوا عبادتها !! ، قال عز وجل: { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}(الزخرف) . فيسخر الله تعالى منهم حين يسألهم هل حضرتم خلق الملائكة فرأيتموهم إناثاً ؟!! إن الملائكة ستكتب شهادتكم ، ويوم القيامة تحاسبون عليها . وهل أنزلنا عليهم كتاباً يقول مثل هذه التخرصات ؟!! لا ، بل إنهم رأوا آباءهم ضالين فسلكوا طريق الضلال هذا . . ـ والعجيب أنهم ينسبون إلى الله الخالق ما لا يرضونه لأنفسهم ، فهم يكرهون الإناث ، ويحزنون إن رزقوا بهنّ ، وينكفئون إلى بيوتهم خجلاً أن يسمعوا أحداً أو يشير إليهم أحد أنهم رزقوا بنات ، وقد يسعون إلى دفنهنّ أحياء ، ويجعلون الملائكة إناثاً وينسبوهن إلى الله بناتٍ ، قال تعالى: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}(النحل) . وأخيراً وليس آخراً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أميٌ لا يقرأ ولا يكتب فمن أين له أن يتعلم . . إن القرآن من عند الله سبحانه ، لا شك ، قال عز وجل: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)}(العنكبوت) . وقال سبحانه : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}(الجمعة) . إذاً ، فالقرآن يعلمنا أن نكون واعين نردُّ على الافتراءات التي ينثرها الأعداء هنا وهناك ـ ابتغاء التشكيك والطعن ـ بطرقٍ واضحة ودليل بيّن . يتبع
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |