العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#41
|
||||
|
||||
القصة العشرون
الحمامة الذهبية بقلم الكاتب: عز الدين جلاوجـي ما إن فرغَ جدُّنا من صلاة العشاء حتى أحطْنا به وأمسكنا بعنقه نُلِحَّ في أن يقصَّ علينا قصة طريفةً كما تعود كل ليلة…وجدُّنا طيب القلب لا يمكن أن يرفض لنا طلبا… ضحك من أعماق قلبه… عدل كوفيته جيدا فوق رأسه وقال وقد علا وجهَهُ حزنٌ عميقٌ: -سأقص اليوم عليكم ياأحفادي الأعزاءَ قصةَ الحمامةِ والقردِ والخنزير … يُروَى أن حمامة بيضاءَ ناصعةَ البياض لها رأس ذهبيُ اللونِ وجناحان خضراوان، وهي كما تلاحظون تحفةٌ عجيبةُ لم ترَ الخليقةُ مثلها قطُ وكانت هذه الحمامة تعيش آمنةً مطمئنةً في حضن شجرة زيتون وارفة الظلال كثيرة الثمارِ، ولم يكن لتلك الحمامةِ ما يشغلها غير الهديلِ والتحليق على التلال والتمتعِ بروعة الطبيعة أو كانت تقضي وقتها مع فراخها الصغارِ، تناغيها وتداعبها أو تقص عليها القصص الطريفةَ الجميلةَ، وحدث ذات يومٍ أن فاجأها قرد أبيضُ وجدته ممددا على فروع شجرة الزيتون النضرةِ، وهاجت الحمامةُ ذاتُ الرأس المذهَّبِ وصاحت في القرد: الشجرةُ شجرتي، عشت فيها منذ طفولتي، وفيها عاش آبائي وأجدادي، فما الذي جاء بك إليها؟ أظهر القرد غضبه الشديدَ وقال: ما ينبغي لك أيتها المعتوهة أن تنطقي، أنت ضعيفة وأنا قوي ولا حيلة لك سوى أن تغادري هذه الشجرة . وهزت الدهشة الحمامةَ فرفرفت قريبا منه وقالت: - أنت تهددني ظلما وعدوانا أيها المغتر بقوته، ولكن لا تنس أنني أقوى منك. ضحك القرد حتى ظهرت أضراسه المسوسة وقال: كم أنا نهم إلى رأسِكِ المذهب وجناحيك الخضراوين. خشيتْ الحمامة على نفسِها فحملت أولادها ورفرفت بهم بعيدا إلى أعلى غصن في الشجرة، وباتت مرتجفة بعيدة عن عشها… ولكنها باتَتْ تفكر في كيفيةِ الخلاصِ من هذا القرد اللعين، واهتدت في الليل إلى حيلة ذكيةٍ قررت أن تنفذها في تلك الليلة. وما كاد الظلام يخيمُ ويشتد حتى تركت الحمامة فراخها حيث هيَ، ونزلت إلى الأرض فاختارت صخرةً كبيرةً، وراحت تحدد منقارها عليها حتى إذا تأكدت من حدَّتِه رفرفت بهدوء إلى حيث يغط القرد في سبات عميق، واختارت عينَه اليمنى وبقوة نقرتها نقرة حادةً، وارتفع عويل القردِ وصياحُه يشقُّ عتَمَةَ الليلِ متألما، وقفزَ إلى الأرض … فرِحت الحمامةُ المذهبةُ الرأس بهذا الانتصارِ وصاحت: أرني قوتَك أيُّها المُغترُّ بنفسه وبضخامة جثتِه... وراح القردُ يتمرغُ ويهدد، فلم تجبه الحمامة المذهبة الرأس، ورفرفت بجناحيها الخضراوين إلى قمة الزيتونةِ، فحملت فراخَها، وعادت بهم إلى عشِّها الهادئِ الآمنِ. في الصباح حين أشرقت الشمسُ الذهبية استيقظت الحمامة من نومها، وأيقظَت فراخها الصغيرةَ ليبدؤوا جميعا يوما جديدا سعيدا لكنَّهم فوجئوا بصياح القرد مهددا: - لن أدَعَكِ تهنئين بهذه الزيتونة المباركة، وإني عائدٌ إليك لا محالةَ، كل حلمي أن أحصل على رأسِك المذهب وجناحيك الخضراوين. ضحكتْ منه الحمامةُ وقالت: لقد أشفقت عليك ففقأتُ أحدَ عينيك، وتركت لك الأخرى، فإنْ عاندت وعدتَ فقأتُ عينك الثانيةَ وتركتك أعمى لا تبصر شيئا، فلا تفكرْ في العودة أيها الشقيُّ. و لم يبرحِ القردُ المكانَ إلا وهو يهددُ الحمامةَ بالويل والثبورِ، وأنه عائدٌ لا محالةَ لينتقم منها ويستوليَ على الشجرةِ المباركةِ. فكَّر القردُ كثيرا حزينا منكسرَ البالِ والدمُ ينزفُ من عينهِ المفقوءةِ، ولمعتْ في ذهنِه فكرةٌ جهنميةٌ فصرخَ بأعلى صوتِه: قضيتُ عليكِ أيتُها الحمامةُ، قضيتُ عليك. وراح يحدِّث نفسه، لا حيلة لي إلاَّ أن أستعينَ بصديقي العزيزِ في تحقيقِ هدفي، هو لنْ يردَّ لي طلبا إذْ طالما خدمتُه خدَماتٍ جليلةٍ. وانطلق القردُ يطوي الجبالَ والوديانَ حتى وصلَ إلى بيتِ صديقِه، دقَّ البابَ مرةً وثانية وثالثةً، فلما يئِسَ ولَّى راجعا، وإذا بالباب يُشقُّ ببطءٍ شديدٍ وحذرٍ كبيرٍ، ويطلُّ منه رأسُ الخنزيرِ الأسودِ، وماكادَ يتعرفُ على الطارقِ حتى خرجَ إليه وارتمى في حضنِه قائلا: - لا تلُمْني ياصديقي أنتَ تعرفني كثيرَ الحرصِ والحذرِ، ضحكَ القردُ متناسياً آلامَه وقال: - أهو الحذرُ أمِ الجبنُ أيها الرِّعديدُ؟ ثم سكت فجأةً، ووضع يدَه على عينه المفقوءةِ، وراحَ يئِنُّ ويتألمُ قائلا: أنا في ورطةٍ يا صديقي العزيزَ، تصورْ مجردُ حمامةٍ لعينةٍ فقأتْ عيني بهذا الشكلِ المَشينِ، لقد ذهبْت إليها، أتَرَجاها مرةً، وأُرْهِبُها مرةً، كي تتنازلَ لي عن شجرةِ الزيتونِ المباركةِ التي تسكنُها في أعلى الربوةِ، فرفضتْ ذلك وقابلتُ أنا الأمرَ باستهزاءٍ وإذا بها تباغِتُني ليلاً فتفقأ عَيني. صاحَ الخنزيرُ هلعًا وقال: ما أشرسَها ! ، حمامةٌ هذه أم أفعى سامةٌ؟ وأنتَ يا صديقي العريزَ ما الذي قرَّبَك من هذه الحمامةِ؟ حزنَ القردُ لما سمعَ هذا الكلامَ وقال بغضبٍ: - تَعسًا لك أيُّها الجبانُ، وأنا الذي قلتُ لن يأخذَ بثأري، ولن يشفيَ غليلي إلا صديقي العزيزَ الخنزيرُ الشجاعُ الجميلُ. - وأحسَّ الخنزيرُ أن القردَ يغريهِ كيْ يحققَ بهِ حلمَه، ففتحَ فاهُ ليرفضَ فكرةَ صديقِه، لكن القردَ قاطعَه مواصلا كلامَه: ولقدْ أشفقتُ عليك لا تنسَ أنك لا تملكُ بيتاً، وأنت مطاردٌ في الأرضِ، منبوذٌ محتقرٌ، وهذا الغارُ الذي تسكنُه الآن ليسَ ملكَك، وقد تُطردُ منه في أيةِ لحظةٍ. كان الخنزيرُ يستمعُ إلى صديقِه والحزنُ يجلِّلُه، حقيقةٌ أنه يعيشُ من زمنٍ طويلٍ مشرداً منبوذاً هائماً كأنَّ لعنة الله قد حلَّتْ به … وفطنَ من شرودِه والقردُ يكملُ حديثَه بقوله: - أما إذا تغَلبتَ على الحمامةِ المذهبةِ الرأسِ الخضراءِ الجناحينِ فإنك ستأخذُ بثأري أولاً، وتعيشُ في شجرةِ الزيتونِ المباركةِ هانئاً آمناً يحترمُك الجميعُ ويقدرونَك. ردَّ الخنزيرُ وقد اختلطَ عليه الطمعُ والخوفُ: فكرةٌ جميلةُ ياصديقي العزيز ولكنَّ فرائصِي تصطَكُّ من شدةِ الخوفِ، لقد فقأتُ عينَك، وأخشى أن تفقئَ لي عينيَّ الاثنتين. طمأنَه القردُ وأكَّدَ له أنه سيمُدُّه بالدعمِ الكاملِ مادياً ومعنوياً، وأنه سيكونُ إلى جانبِه في السرَّاءِ والضراءِ مادامَ عدوُهما مشتركاً، وانطلق القردُ من ساعته قاصدا التلةَ الجميلةَ التي تعرشُ فوقها الزيتونةُ المباركةُ، حينما وصلَها لم يجد فوقها الحمامةَ، فصعدَ بسرعةٍ، وقام برميِ الفراخِ بعيدا عن العشِ، ثم قام ببناء بيت محصنٍ فوق الشجرةِ التي بدت حزينةً كئيبةً. عادتِ الحمامةُ في المساءِ منسابةً في الهواء، محلقةً في الجوِّ، حالمةً بعشِّها الدافئِ وبفراخها الصغارِ، وما كادت تقتربُ حتى هزتها المفاجأةُ، لقد رأتْ عشَّها متناثرا، وفراخَها على الأرض العراءِ يبكون، اشتد غضبُها حين علمتْ بالحقيقةِ، وزاد غضبُها حين خاطبها الخنزيرُ من داخلِ بيتِه الذي ابتناه فوق الشجرةِ قائلا: - انتهى أمرُكِ أيتُها الحمامةُ المغرورةُ، لقد أصبحتِ الشجرةُ مِلكي، ولا تعتقدينَ أنني سهلُ المأخذِ كالقردِ فقأتِ عينه اليمنى بِيُسْرٍ، اذهبي بعيدا وابحثِي لك عن مكانٍ آخرَ تعيشين فيه … انتبهتِ الحمامةُ إليه والشررُ يتطايرُ من عينيها وصاحتْ فيه: إنك أجبنُ من القردِ وإلَّا ما كنتَ تحدثني من داخلِ البيتِ، انزلْ وسترى ما أفعلُ بك. لم ينطقِ الخنزيرُ ولم يخرجْ إليها، سلامتُه في الاحتماءِ بجدرانِ بيته الحصينِ، وحينَ يئستِ الحمامةُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحين حملت فراخَها واختارَت لهم مكاناً آمنا في سفح الجبلِ، ثم ضمتْهم تحت جناحَيها وهم يرتعدُون من البردِ والخوفِ، وقضتِ الحمامةُ ليلَها تواسيهُم وتشجعُهم وتعِدُهُم بالعودةِ. ومضتِ الأيامُ الطويلةُ، تذهبُ الحمامةُ إلى الشجرةِ تصيحُ في الخنزيرِ القذرِ أن يخرجَ إليها، لكنه كان يرفضُ، يُرهبُها مرةً، ويبصقُ عليها مرةً ثانية، ويُغْريها أحياناً بأن يسمحَ لها بالعيْشِ في أسفلِ الشجرةِ مع فراخِها شريطةَ أن تخضعَ له وتكفَّ عن معاداتِه، وتعودَ الحمامةُ كلَّ مساءٍ إلى فراخِها الصغارِ يائسةً حزينة، تقصُّ عليهم وتواسِيهم، وتزرعُ في قلوبهم أملَ العودةِ إلى الشجرةِ المباركة. وانصرفتِ الحمامةُ عن الذهاب إلى الشجرةِ، واكتفتْ بالبقاءِ ليلا ونهارا مع فراخِها لعلَّها يئستْ وصرفتْ تفكيرَها في الأمرِ. تنهضُ الحمامةُ كلَّ صباحٍ باكرا فتوقظَ أطفالها، فتصعدَ بهم إلى الجبلِ تعلمُهم الطيرانَ والعملَ والقدرة على مواجهةِ المصاعبِ والشدائدِ. مرتْ الأيامُ، غَدَتْ بعدَها الفراخُ قويةً تحسنُ الطيرانَ والتحليقَ والعملَ ومواجهة المتاعبِ كلِّها … ومساءً ذاتَ يومٍ جمعتهم جميعا في سفحِ ذاك الجبلِ، وراحت تذكرُهم أن بيتهم الحقيقي هو شجرةُ الزيتونِ التي اغتصبَها الخنزيرُ القذرُ، وأن الواجبَ يدعوهم إلى أن يعودوا إليه، وأن يسترجعوها، ولو كلَّف ذلك موتَهم جميعا. وذكَّرَها أحدُ فراخها أن الخنزيرَ القذرَ ضخمَ الجثةِ، وأنه لا يخرجُ من حصنِه الذي أقامَه، وبالتالي فإن استردادَ الشجرةِ أمرٌ مستحيلٌ، ولا حلَّ إلا أن نبقى حيثُ نحن في عراءِ هذا السفحِ خاصةً وقد تعودْنا عليه، أو أن نقبلَ بفكرةِ الخنزيرِ فنعيشَ في أسفلِ الشجرةِ معه. ولم تمتلِكِ الحمامةُ نفسَها فصفعَتْ ابنَها حتى أسقطتْه أرضاً، فلزمَ إخوانُه الصمتَ، ولم ينطقْ هو ثانيةً، بل قامَ من مكانِه ووقفَ صامتاً معهم. صمتَتِ الحمامةُ لحظاتٍ تتجرعُ حزنا غاضباً وقالت: اسمعوا يا أولادي سنذهبُ هذه المرةَ جميعا، ولن نعودَ حتى ننتصرَ، فإن الله لا يخيِّبُ كلَّ مطالبٍ بحقِه … صمتتْ برهةً ثم واصلَت: لقد استقرَّ تفكيرِي على حيلةٍ، إن الخنزيرَ في الشجرةِ ينزلُ ليلا لينالَ طعامَه، وطعامُه يوفرُه له القردُ اللعينُ، وأنا أخطأتُ أولَ الأمرِ حينَ حاربتُ الخنزيرَ نهارا ونسيتُه ليلا، وحين حاربتُ الخنزيرَ ونسيتُ القردَ. واستبشرَ الأولادُ خيرا، وانطلقوا مع أمِّهم، وكلُّهم إصرارٌ على النصرِ، وما كادوا يقتربونَ من الشجرةِ المباركةِ حتى كَمَنوا ينتظرونَ الليل، وماكادَ يظلمُ حتى لمحوا من بعيدٍ القردَ الأعورَ يتعثرُ في مِشيتِه، يسقطُ وينهضُ، وهو معبأُ بأكياسِ الطعامِ، وأعطتِ الحمامةُ إشارةَ الانطلاقِ فانطلق أبناؤها بكلِّ عزمٍ صوبَ القردِ الأعورِ، ونزلوا فيه ضرباً مبرحاً، وهو يصيحُ ويستغيثُ حتى أسقطوه أرضاً جثةً هامدةً لا حراك بها. وانتظرَ الخنزيرُ صديقَه القردَ تلك الليلةَ فلم يحضرْ، وثانية وثالثة حتى يئسَ واشتدَّ به الجوعُ فتحَ البابَ بحذرٍ شديدٍ، وتسلَّل خارجا، لكنه ما كادَ يحسُّ بوجودِ حركاتٍ غريبةٍ حتى عادَ وأغلقَ البابَ خلفَه وهو يصيحُ: - أين أنت يا صدِيقي القرد أنقذنِي.. كدت أموتُ جوعا؟ أين أنت ياصديقي لقد وعدْتني بالمساعدةِ فلماذا تخليتَ عني؟ ولم يجبْه أحدٌ، عندَ ذاك نطقتِ الحمامةُ وهي تحلقُ قريبا منه: إما أن تخرجَ لنقتلَك أيُّها القذرُ، أو أن تبقى خلفَ جدرانِ حصنِك لتموتَ جوعاً … وانفجرَ الخنزيرُ القذرُ باكياً نادباً حظَّه التعيسَ صائحا: أين أنت أيها القردُ الحقيرُ؟ تبا لك لقد ورَّطْتَنِي أين أنت أيها القرد الحقير؟ الكلُّ كان يسمعُه، وكانت الجبالُ المحيطةُ ترددُ صياحَه وصراخَه ونداءه لكن القردَ لم يكن يسمعُه أبدا. ضحكتِ الحمامةُ البيضاءُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحينِ وقالتْ لأبنائها: - هل رأيتم جزاءَ الظالمِ المغترِّ بقوته؟ تستطيعون قهرَ كلِّ الظالمين بإصرارِكم وإرادتِكم. بقيَ الخنزيرُ أياما بلياليها سجيناً يتألمُ من شِدةِ الجوعِ منتظرا قدوم صديقه القردِ، ولما يئسَ وخارتْ قوَاهُ لجأَ إلى الحيلةِ فطلبَ من الحمامةِ أن تسمح له بمغادرة البيتِ، وأقسم بأغلظِ الأيْمان أنه لن يعودَ إلى فعلته أبدا، بل سيكونُ صديقا حميماً وسيعوضُها عن كلِّ ما لحق بها. فرح الفراخُ بهذا العرضِ وطالبوا أمَّهم أن تقبَله لمِاَ يعودُ عليهم مِنه من الفائدةِ الجَمَّةِ. غضبتِ الحمامةُ غضباً شديداً، وردَّتْ على أبنائها: إياكم أن تنتظروا من عدوٍّ خيرا وإياكم أن تثقُوا بماكرٍ مخادع. صمتَ الأبناءُ مقتنعينَ بقولِ أمِّهم، وفي هذا الوقتِ فتحَ الخنزيرُ القذرُ باب حصنِه بهدوء تامٍ، وتسلَّل منه دون أن يفطنَ إليه أحدٌ، ثم رفعَ جثتَه الغليظةَ إلى الأعلى وقفزَ ليسقطَ فوق الحمامةِ وأبنائِها فيسحقَهم جميعا، ياله من ماكر ! غيرَ أن الحمامةَ كانت يقظةً فدفعتْ أبناءَها بعيدا وطارت محلقةً. كانت السقطةُ قويةً جدا تكسرتْ معها عظامُ الخنزيرِ وسال دمُه … اجتمعَ الفراخُ حولَ الخنزيرِ والغضبُ يتطايرُ من أعينِهم، وطلبوا من أمهم التعجيلَ بقتلِه، لكن الحمامةَ المذهبةَ الرأسِ الخضراءَ الجناحين قالت في هدوء: الدفاعُ عن الحقِّ لا يعني الحقدُ دعوه لقد نال جزاءَه. تدحرجَ الخنزيرُ بعيدا والدماءُ تنزفُ من جسدِه كلِّه إلى أن وصل إلى حافةِ الوادي فهوى إلى أعماقِه حيث قضى نحْبَه. حلقتِ الحمامةُ مع فراخِها سعداءَ باسترجاع الزيتونةِ المباركةِ وكلُّهم عزمُ على تنظيفِها والاعتناءِ بها والدفاعِ عنها بكلِّ ما يملكون. الجزائر في: رمضان 1421 /ديسمبر 2000 تبارك الله على الغصْنِ كانتْ حمامه وكان أبى فى صلاةٍ وكنْتُ إمامَه، أردَدُ "الله أكْبْر" فأسمعُ منها هديلاً، ينيرُ المدى وظلامَه، ويُنْسى الوجودَ منامَه. ورتَّلْتُ قرآنَ فجْرٍ، وحينَ قرأتُ "تباركْ" سَمعْنا "تباركَ ربَى" وليْس سوى الماءِ والزرْعِ جنْبى، ووخْزِ الضيا فى ظلام الفضاءْ فزدْتُ الدعاءْ إلى "حسْبُنا أنْتَ" قالت "وحسْبى" نَظرْتُ إليها بعينى وقلْبى فكان جناحُ الحمامةِ نحْو السماءُ ككف تلبّى، فسبّحتُ ربَى، ودمعى على الخدّ يجرى وَلُبّى مَن الأمْرِ ما عاد لُبّى سجدْتُ وقمْتُ، جلسْتُ، وقلتُ "السلامُ عليكمْ" وقال أبى وسَمِعْنا "السلامُ عليكمْ" وطارتْ
|
#42
|
||||
|
||||
القصة الواحدة والعشرون:
أرنوب والتفاح بقلم الكاتب: ضرغام فاضل في الطريق .. وبينما كان أرنوب مع أمّه عائدين إلى بيتهما ، صادفتهما السلحفاة .. فبادرتها أمّ أرنوب بالتحيّة : - مرحباً يا صديقتي السلحفاة . إلى أين تذهبين ؟ أجابتها السلحفاة : - إلى ضفة النهر. فقد سمعت من جارتنا السنجابة أنّ ثمار التفاح قد سقطت من أشجارها على الأض ، وأولادي يحبّون التفاح قالت أمّ أرنوب : - ولكنّ الوقت متأخّر، والشمس شارفت على المغيب. لماذا لا تنتظرين حتّى الصباح؟ أجابتها السلحفاة : - لو ظلّ التفّاح على الأرض حتّى الصباح، فإنني أخشى أن تصل إليه دودة الأرض قبلي. ما إن سمع أرنوب بكلمة ( تفاح ) حتّى لعق شفتيه بلسانه، وتوسّل بأمّه قائلاً : - ماما.. أرجوك..أنا أحبّ التفّاح..دعيني أذهب مع عّمتي السلحفاة . أجابته الأمّ : - ولكن يا أرنوب .. قاطعتها السلحفاة : - سترافقاني أنتما الاثنان . فهذا سيخّفف علّي وحشة الطريق . قالت أمّ أرنوب : - اعذريني يا صديقتي السلحفاة. فزوجي سيحضر بعد قليل، وعليّ أن أعدّ له الطعام . قال أرنوب : - لقد سئمت أكل الجزر،وأشتهي أن آكل التفّاح . قالت السلحفاة : - إذن سترافقني بعد أن تسمح لك أمّك بذلك . بعد أن أوصت الأرنبة ابنها الأرنوب أن يسمع كلام عمّته السلحفاة، وتعهّد لها بذلك، صعد أرنوب على ترس السلحفاة، متوجّهين إلى ضفة النهر. وفي الطريق شعر أرنوب أنّ السلحفاة بطيئة في مشيها، فنزل من على ترسها وهو يقول : - ما هذا يا عمتي السلحفاة ؟! لو بقيت تمشين هكذا فإنّنا لن نصل إلى ضفة النهر قبل الصباح . ابتسمت السلحفاة قائلة : - لا تتعجّل يا أرنوب .. لم يبقَ إلاّ القليل . فقال أرنوب : - لا .. سأسبقك إلى هناك .. لأجمع التفّاح وأبقى بانتظارك . ابتعد أرنوب عن السلحفاة مسرعاً، بينما ظلّت السلحفاة تناديه : - ارجع يا أرنوب.. لقد تعهّدت لأمّك بأن تسمع كلامي . صاح أرنوب : - لقد مللت من خطواتك البطيئة . كان ثعلوب يستلقي على بطنه, وهو يقاوم الجوع.. بانتظار الحصول على وجبة من الطعام, يملأ بها معدته الفارغة. وفي هذه الأثناء أحسّ برائحة بدأت تنفذ في أنفه. فنهض وهو يحكّ أنفه ويقول : - هذه الرائحة أعرفها .. إنّها ليست غريبة عنّي. فأنفي لا يخطيء أبداً . ثمّ داعب بطنه وهو يضحك ويقول : - لقد أتتك وجبة شهيّة يا معدتي العزيزة . آه .. ما أشهى طعم الأرانب!! . ما إن مّر أرنوب من أمام العشب الذي كان يختبيء فيه ثعلوب، حتى قفز عليه وأمسك به بأسنانه .ارتعب أرنوب، وصار يصرخ بأعلى صوته : - النجدة .. النجدة .. الثعلب سيأكلني .. أنجدوني .. ولكنّ أحداً لم يسمع صيحات أرنوب واستغاثته. بعد أن وصلت السلحفاة إلى ضفة النهر ، ورأت ثمار التفاح تملأ الأرض، عرفت أنّ أرنوب لم يصل إليها .. وأنّه ربما يكون بحاجة للمساعدة . فقّررت أن تخبر صديقتها الأرنوبة بذلك ..لكنّها فكّرت ثم قالت : - ولكنّ رجوعي إلى بيت الأرنوبة سيستغرق وقتاً طويلاً ، وربّما يكون أرنوب في خطر . عليّ أن أتصرف بسرعة . في بيت ثعلوب كان أرنوب يصرخ متوسّلاً : - أرجوك يا ثعلوب .. لا تأكلني .. أنا خائف .. فضحك ثعلوب وهو يقول : - وأنا جائع .. كفاك ثرثرة ودعني أهيء مائدة الطعام . وراح ثعلوب يعدّ مائدته لاستقبال وجبة شهيّة . وضع الصحون والسكاكين .. لكنّه عندما بحث عن الشوكة لم يجدها . فصاح : - ترى أين اختفت الشوكة ؟ لم يشعر ثعلوب إلاّ والشوكة تنغرس بقوّة في رجله ، وصوت يأتيه من الخلف يقول : - هذه هي شوكتك يا ثعلوب .. إيّاك أن تغدر بأصدقائك الحيوانات بعد الآن . قفز ثعلوب من شدّة الألم فصاح : - آه .. آه رجلي .. سارعت السلحفاة لإنقاذ أرنوب من الحبل ، وخرجا من بيت ثعلوب الذي انشغل بمعالجة رجله . احتضن أرنوب عّمته السلحفاة وهو يقول لها خجلاً : - لقد كنت بطيئة في مشيك يا عّمتي السلحفاة ، لكنّك كنت سريعة في إنقاذي . إني نادم على فعلتي هذه . ومن الآن لن أعصي كلام مَن هو أكبر منّي أبداً .
|
#43
|
|||
|
|||
أستاذنا الفاضل عدنا والعود أحمد إلى واحتك الغناء نبحث فيها عن الراحة والابتسامة والفائدة الجمة أسعدني الرقم (21) هو رقم القصة الأخيرة أتمنى أن أراه يتعدى الخمسين وأن لا ينقطع هذا الخير اختيارك هذه المرة ربما طغى عليه تأثرك بما آلت إليه أحوال العرب والمسلمين قاطبة الأربع قصص الأخيرة لمست فيها شيئا من ذلك كبر الصغار في قسمك يا أستاذي وماعاد عالمهم عالم اللهو واللعب في القلم الساحر رغم أن القصة تدور في قرية لا تمت إلى قرانا بأي صلة إلا أنني وجدتنا نحن اهل تلك القرية استطاع توما أن يطرد الخوف من قلوبهم ويزرع الشجاعة فهل من توما في قرانا ؟ وهل لأقلام مثل أقلامنا تفكر في الحرف ألف مرة ، هل تخطه ؟ أقلامنا أستاذي أكثر منا رعبا وخوفا وربما نحن أكثر منها شجاعة نحن من يجبرها على أن تكتب ، تتكسر في أيدينا فنقوم ببريها مرة أخرى ونخط بها ما نريد . سؤال في اللغة : كلمة ( شاف ) وردت بمعنى نظر وهي اللفظة التي نتخاطب بها ( شفت ، شف ، ماشفتو) هل هي من العربية الفصحى أم لهجة دارجة ؟ معنى القوة أب حكيم عرف كيف يوجه ابنه باسلوب يفتقر إليه الكثير من الآباء اليوم أنت أستاذي وجهت القصة إلى الأشبال ليعرفوا معنى القوة وأنا أوجهها إلى الكبار ليروا كيف نربي أبنائنا وكيف ننظر فيما يستهويهم ويشدهم فنستغله في تعليمهم وتوجيهم الحمامة الذهبية والزيتونة المباركة لن أسجل هنا إلا أن النصر آت لكنه يريد حمامة تعمل من أجله ، لا تنسى أن لها حقا مسلوبا أما تصفع ابنا متخاذلا وتحمل الأخرون على العمل بجد من أجل استعادة زيتونة سلبها يوما عدوا غادرا أرنوب والتفاح أسجل بِدءا اعجابي بأم أرنوب نعم الزوجة الصالحة هي ثم العمة السلحفاة جمعت الأناة والحكمة والشجاعة تستحق تحية من قسمك ذكرتني قصتك بقول الشاعر : قد يُدرِكُ المتأني بَعضَ حاجَتِهِ *** وقد يكونُ مع المُستَعجِلِ الزَّلَلُ شكرا لك تقبل تحيتي دمت بحفظ الله
|
#44
|
||||
|
||||
الأخت الفاضلة ماء الورد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرحب بعودتك الميمونة مرة أخرى إلى قسم القصص والروايات لتتحفينا بتعليقاتك الجميلة على هذه النماذج القصصية في أدب الأطفال. ويسعدني أن تكون هذه بمثابة الواحة التي ترتاحون فيها وتنهلون منها الحكم والفوائد الجمة. وسوف أواصل معكم تقديم هذا النوع من القصص الرائع في أدب الأطفال وإن شاء الله يتعدى الرقم الخمسين. واختيارنا لهذه القصص الأربع كنوع من التغيير والتنوع في سرد القصص وللإلقاء نظرة على واقع المسلمين قاطبة. وربما يكون في قرانا مثل توما ولكنه قليل جداً لأن أسلوب التربية تختلف كثيراً. وأما عن سؤال اللغة في كلمة شاف فهي لهجة دارجة وإليك نبذة عن ذلك: اللغة المصرية القديمة المنطوقة والمكتوبة لم تكن تعتمد على الحروف الأبجدية وتكويناتها كما هو الحال في اللغة العربية اليوم .. بل كانت تعتمد أساسا على المكونات الصوتية الثنائية النغمة ( المثاني) .. بالإضافة إلى الحروف الأبجدية . لذلك نجد أن هناك العديد من الكلمات المصرية تتكون من حرفين اثنين فقط ولها معاني محددة وقاطعة .. والأمثلة بالمئات : بـص : بمعنى انظر / نظر أو يرى أو شاهد .. وأيضا كلمة ( شوف / شاف ) شـب : بمعنى قـم أو انهض .. أو بمعنى فتى يافع أر : بمعنى حسد .. أو تمنى زوال النعمة لأ : بمعنى لا للنفي مـش : أيضا بمعى لا للنفي .. مثل : مش عايز - مش زعلان - مش جاي - مش شايل .. إلخ نش : بمعنى بمعنى تحريك الهواء .. أو طرد الحشرات الطائرة زن : بمعنى طنين .. أو يكرر الكلام مرات عديدية دش : بمعنى الثرثرة أو كسر الأشياء سـو : بمعنى سيئ أو سوء أو شؤم ضب : بمعنى فـك غليظ وهكذا نستطيع أن نذكر مئات بل آلاف الكلمات الثنائية المصرية (المثاني) التي يتحدث بها الشعب المصري والتي لم ترد في أي مراجع عربية فصحى . لذلك كانت أحد العناصر الهامة في نظرية أسامة السعداوي هي : اللغة المصرية هي اللغة الوحيدة التي تتكون فيها جذور الكلمات من الـمـثـانـي المكونة من حرفين اثنين فقط أمثلـة : قد - غد - رد - در - أر - من - نم - جن - هل - بل - بص - صب - صر - لص - صد - شب - شن - نص - تم - ضم - شم - شق - شك - شل - ضن - أم - أل - لأ - أش - أو - ء ف - نج - خر - غر - رغ - رخ - رش - نش - مص - سم - حم - مح - دم زم - مز - حل - خل - غل - دل - سد - دس - حد - زد - سب - بس - لم - بم - كم - كش - تل - مل - كل - زل - ول - لو - بو - نو - سو - ون - ور - وش - نف - تف - فن - هو - هم - هس هب - هن - هر - هش - حض - ضح - دش - مش - خط - غط - عط - بط - طز - حظ - حز - بز - شز - جز - زك - نز - لن - لب - سر- تب - بت - ود - ست - تص - رج - جر - رص - رض - جب - بج - قن - قر - فـع - إلخ . حذفت كلمتين من هذه الكلمات أعلاه لأن لفظيهما غير مناسب هنا. وإن أردت المزيد عن هذا الموضوع فسوف أورد ذلك لاحقاً. وأنا معك في معنى القوة بأن نوجهها للكبار لكي يتعلموا منها كيف تكون تربية الأبناء. والحمامة المباركة والزيتونة والنصر آت لا محالة إن شاء الله ولا بد من العمل بجد كما سبق وتفضلت بذلك. وأم أرنوب كانت مثالاً للزوجة الصالحة في الشجاعة والحكمة والقصة لا تخلو من الفكاهة في أسلوبها. وفي الختام أشكركِ جزيل الشكر على مروركِ وتعليقكِ الرائع على هذه القصص. دمتِ بحفظ الله ورعايته.
|
#45
|
||||
|
||||
تعلم يا صغيرى
بقلم الكاتب: جابر البسيوني
مــن كتـاب العلم فانْهلْ= يــا صغيـــــرى وتَعَلَّــــمْ
خَيـــــْرُ ردٍّ حيــنَ تُسْـــألْ=خيْـــرُ خــــلٍّ يتكـــلَّــمْ كم من البلدان هانت=حين ضـاع العلمُ منها تـركتْــــــــهُ واستهـــانت=فنأى الإشراقُ عنهــــا اقـــرأ التــــاريخَ ينطقْ=إنَّ للعــــلْـم بقـــــــــــاءْ أىُّ عقــلٍ أىُّ منطـــقْ=يــرفــعُ العلَــمَ لــــــواء لو أردْتَ النصرَ- دوما=خُذْ من العلمِ طريقــاً وإذا نـاقشْــت خصمـــا=صـــار بالعلْمِ صديقـــا واسْتشرْ أهْــلَ العلــــومْ=فى كثيــــرٍ أو قليــــلْ كـــلُّ أنــــواعِ الغيــــوم= ستــراها فى رحيـــلْ خشيـــةُ العـــالـمِ كـانت=خيْرُ ذكْرٍ فى الكتابْ كم من الأسرارِ دانـت=بالهُــدى بعْد الغيـاب ورســـولُ اللهِ أوْصــــى=بإتخاذِ العلْمِ ذرعـــــا من كتاب العلم فانهلْ=يـــا صغيــرى وتعلَّـــمْ خيرُ ردٍ حيـن تُـسْــــأل=خيــرُ خــــلٍّ يتكلَّـــمْ
|
#46
|
||||
|
||||
القصة الثانية والعشرون
لولو تكتشف الطبيعة بقلم الكاتب: يحيى الصوفي وصلت لولو برفقة والديها المنطقة الريفية الجميلة القريبة من المدينة فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرتين العشب الأخضر الرطب فتثير من حولها المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة والتي بدأت بالهروب تاركة الزهور البرية المتناثرة بينها، وقد شكلت بتموجاتها الداكنة لوحة متقنة مليئة بالألوان تشبه تلك التي تغمس ريشتها الصغيرة بها عندما تحب أن ترسم على الأوراق البيضاء في حضانتها التي بدأت ترتادها منذ أول العام. فجأة وقع نظرها على عينتين كبيرتين تنظران إليها بدهشة واستغراب !. اقتربت لولو منهما متفحصة بفضول... فهي لم تشاهد مثلهما من العيون ملقاة على إحدى الزهور دون رأس أو جسد من قبل !. مدت إصبعها الصغير تحاول أن تتعرف إليهما باللمس أكثر فانطبقتا على بعضيهما البعض ليصبحا عينا واحدة ؟ .قبضت لولو على تلك العين الغريبة المسطحة بإصبعيها الصغيرتين فسمعت من يصيح بها - أي ...أي ...أنت تؤلمينني ...اتركيني...اتركي جناحي !!!. استغربت لولو من ذلك الصوت وتركت العين الرقيقة لتتفاجأ بها اثنتين تصفقان وتطيران بعد إن تركتا أثارا تشبه البودرة الناعمة على إصبعيها !؟. صاحت لولو مستغربة: - عيون تطير ضحكت نبتة للورد قريبة منها وقالت: - فراشة...تلك العيون اسمها فراشة، كانت ضيفتي تتناول من رحيق أزهاري فطورها، لقد أفزعتها...هربت منك ؟. لولو مستغربة: - ولكن لها عينتين كبيرتين نبتة الورد وهي تبتسم: - أنها عيون وهمية مرسومة على جناحيها الرقيقين تتخفى خلفهما حتى تخيف وتبعد عنها الطيور !. سألتها لولو: - تطعمينها لماذا ؟. نبتة الورد: إنها كغيرها من الفراشات تسدي لي خدمة جليلة !. لولو: كيف؟. نبتة الورد: تنقل ما لدي من غبار الطلع إلى زهرات أخرى لتختلط وتلقح... إنها وسيلتنا للملامسة والتزاوج تشبه القبلات عندكم... وهكذا وبعد كل قبلة تنضج بذرة تعطي إذا ما زرعت نبتة وزهرة جديدة. لولو: وأنت ما اسمك ؟ نبتة الورد: أنا يسمونني الأقحوان، يأخذون مني الدواء والعطور والألوان. أجابتها لولو وقد لحظت حشرة ملونة تسعى على إحدى أوراقها: - وهذه تطعمينها أيضا، إنها صغيرة جدا تنزلق انزلاقا لا أرى لها أرجل ؟. الأقحوان: إنها خنفساء تعرفينها من النقاط السود المبعثرة بانتظام على ظهرها الأملس الأحمر الذي يشبه الدرع، هي تأكل عندي أيضا ولكن من حشرات المن السوداء الصغيرة المتخفية تحت أوراقي، لولو: ولكن البقع السوداء ولونها الأحمر لا يخيف كيف تتخفى عن أعدائها ؟ الأقحوان: أنها تنذرهم بلونها الصاخب لتقول لهم بأنها لا تصلح للأكل، فان هاجمها عصفور ما انقلبت على ظهرها وتظاهرت بالموت حتى يذهب عنها الخطر . ! أمسكت لولو بإحدى الأوراق تقلبها فوجدت جيش من النمل يرسم خطا طويلا قادما من الأرض نحو عش للمن فاستغربت من ذلك وقالت: والنمل أيضا ؟. الأقحوان: النمل يا صغيرتي لا أحبه أبدا هو يأتي ليحلب المن ويحمل ما يستخرجه من بطونها من عسل إلى العش ليطعم صغاره... وهو يحميها ويربيها تحت أوراقي ولهذا فهو ليس من أصدقائي !. لولو: هل تتألمين عندما يقضمون أوراقك ؟ ضحكت الأقحوان منها وقالت: - نحن النباتات لا نتألم، ليس لنا جهاز عصبي مثلكم لنحس به ولا جهاز للهضم، ! ولكن قد نصاب بالمرض أو نموت من الجوع أو العطش، أو بكل بساطة نختنق من قلة النفس. استغربت لولو منها وقالت: - تتنفسين وتأكلين وتشربين ؟ لا أرى فماً لك فكيف تفعلين؟ قهقهت الأقحوان وقالت: - أنا أتغذى واشرب من التربة عن طريق جذور لي مدفونة فيها ؟ لولو: غريب فمك تحت التراب ؟ الأقحوان: لا... أنا لا فم لي... أنا لي جذور تشبه القصبة الرفيعة التي تشربين العصير بها، واطرح عن طريق أوراقي ما يزيد من الماء ولهذا تجدينني غضة وطرية ونضرة وأزهاري جميلة تحوي كل الألوان... ومنها تعرف الإنسان عليها وأخذها ليخط بها ويرسم لوحاته بإتقان... ولون بها الشفا والخدود لتصبح كل فتاة رقيقة مثلك أخاذة للجمال... وصنع من أريجنا العطر ليفتن بها الروح ويقرب القلوب ويطهر الأبدان. مدت لولو يدها الصغيرة تتفحص أوراقها الخضراء وزهورها الصفراء الجميلة ثم قبضت عليها براحة كفها وهزتها برفق ثم قالت: -لا تقولي بأنك تتنفسين كما تتكلمين معي وتتفصحين ؟ !. أخذت نبتة الأقحوان تتمايل بدلال وهي تضحك وتقول: - أنت تدغدغينني وعلى ما يبدو لم تصدقينني... ما رأيك إذا قلت لك بأنك بحياتك لي تدينين ؟ تفاجأت لولو بها وبغرورها بعد أن أطلقت سراحها وقالت: - كيف ؟ ! بهذا أيضا تتدخلين ؟. الأقحوان بفخر: لما لا فانا التي اصنع الأكسجين وأنظف جو المدينة المقيت المليء بالمازوت والكربون لأصنع به غذائي وأعطي بدلا منه الهواء النظيف التي تتنفسين. لولو وقد شعرت بالغيرة: - وان قطفتك ولوالدتي هديتك فماذا تفعلين ؟ الأقحوان بشيء من الزهو: - تكوني قد أكملت عطائي وزينت المائدة بزهوري... فنحن نطعم ونفرح وفي كل يوم نعطي الآلاف منا دون أن نكل أو نمل أو نستكين. وما إن همت لولو بقطاف الأقحوان حتى وجدت نفسها بين ذراعي والدها وهو يصيح بها: - أين ذهبت تعالي لكي تتناولي فطورك... وهو يطبطب على ظهرها برفق: هيا ...هيا سرت لولو وقد وجدت المائدة جاهزة تتوسطها كأس فيها ماء وبعض من أزهار الأقحوان فقالت وهي تمسك صحنها المزخرف: -فراشة انظر بابا هذه فراشة... ثم أشارت إلى الناحية الثانية منه وقالت: خنفساء هذه خنفساء ماما أليس كذلك ؟... وتلك أزهار الأقحوان جميلة هي ورائحتها عطرة ويوجد منها العديد من الألوان. تفاجأت والدة لولو بها وقد تعرفت على الرسوم وقالت: - من علمك كل هذا ؟ نظرت لولو إلى أزهار الأقحوان فرأتها تبتسم وتشير إليها بان تحفظ سرها... سر الحياة... سر الوجود...إذا كان لسرهم في قلبها من مكان... فرددت ببراءة: - ماما هذه فراشة وهذه أقحوان...
|
#47
|
||||
|
||||
القصة الثالثة والعشرون
لماذا سكت النهر؟ بقلم الكاتب: زكريا تامر كان النهر في الأيام القديمة قادراً على الكلام، وكان يحلو له التحدث مع الأطفال الذين يقصدونه ليشربوا من مائه ويغسلوا وجوههم وأيديهم، فيسألهم مازحاً: "هل الأرض تدور حول الشمس أم الشمس تدور حول الأرض؟". وكان النهر يبتهج لحظة يسقي الأشجار فيجعل أوراقها خضراء. وكان يهب ماءه بسخاء للورد كي لا يذبل. ويدعو العصافير إلى الشرب من مائه حتى تظل قادرة على التغريد. ويداعب القطط التي تأتي إليه فيرشقها بمائه، ويضحك بمرح بينما هي تنتفض محاولة إزالة ما علق بها من قطرات الماء. وفي يوم من الأيام أتى رجل متجهم الوجه يحمل سيفاً فمنع الأطفال والأشجار والورد والعصافير والقطط من الشرب من النهر زاعماً أن النهر ملكه وحده. فغضب النهر، وصاح: "أنا لست ملكاً لأحد". وقال عصفور عجوز: "لا يستطيع مخلوق واحد شرب ماء النهر كله". فلم يأبه الرجل الذي يملك سيفاً لصياح النهر وأقوال العصفور إنما قال بصوت خشن صارم: "من يبغي الشرب من ماء نهري، يجب أن يدفع لي قطعة من الذهب". قالت العصافير: "سنغني لك أروع الأغاني". قال الرجل: "الذهب أفضل من الغناء". قالت الأشجار: "سأمنحك أشهى ثماري". قال الرجل: سآكل من ثمارك متى أشاء، ولن يستطيع أحد منعي". قال الورد: "سأهبك أجمل وردة". قال الرجل ساخراً: وما الفائدة من أجمل وردة؟!. قالت القطط: "سنلعب أمامك كل صباح ارشق الألعاب، وسنحرسك في الليل". قال الرجل: "لا أحب ألعابكم، وسيفي هو حارسي الوحيد الذي أثق به". وقال الأطفال: "نحن سنفعل كل ما تطلب منا". فقال الرجل: "لا نفع منكم فأنتم لا تملكون عضلات قوية". عندئذ استولت الحيرة واليأس على الجميع بينما تابع الرجل الكلام قائلاً: إذا أردتم أن تشربوا من ماء نهري، ادفعوا لي ما طلبت من الذهب". لم يحتمل عصفور صغير عذاب العطش، فأقدم على الشرب من ماء النهر، فسارع الرجل إلى الإمساك به ثم ذبحه بسيفه. بكى الورد. بكت الأشجار. بكت العصافير. بكت القطط. بكى الأطفال، فهم لا يملكون ذهباً، وليس بمقدورهم العيش دون ماء، ليكن الرجل الذي يملك سيفاً لم يسمح لهم بالشرب من ماء النهر، فذبل الورد، ويبست الأشجار، ورحلت العصافير والقطط والأطفال، فغضب النهر، وقرر الامتناع عن الكلام. وأقبل فيما بعد رجال يحبون الأطفال والقطط والورد والأشجار والعصافير، فطردوا الرجل الذي يملك سيفاً، وعاد النهر حراً يمنح مياهه للجميع دونما ثمن غير أنه ظل لا يتكلم، ويرتجف دوماً خوفاً من عودة الرجل الذي يملك سيفاً.
|
#48
|
||||
|
||||
القصة الرابعة والعشرون
رندا تلعب رسمت رندا بطباشيرها الملونة على الحائط ولداً صغيراً، ولما تأملته الفته عابس الوجه، فسألته: "ما اسمك يا ولد؟". قال الولد العابس الوجه: "اسمي وضاح. لماذا تسألين؟". قالت رندا: "أنا أبغي مساعدتك. لماذا أنت حزين؟". قال وضاح: "ضاعت طابتي". فضحكت رندا، وبادرت إلى رسم طابة كبيرة ذات ألوان حمراء وزرقاء وبيضاء، ففرح وضاح، وسارع إلى اللعب بها، فقالت له رندا: "دعني ألعب معك". فلم يوافق وضاح، فغضبت رندا، ورسمت بالطباشير نهراً أزرق كثير المياه. رمي وضاح الطابة بقوة إلى أعلى، فطارت ثم سقطت في النهر، فبكى وضاح منادياً الطابة التي حملتها مياه النهر بعيداً عنه. قالت رندا: "لا تبك". ظل وضاح يبكي حتى أشفقت رندا عليه، ورسمت دراجة لها ثلاثة دواليب، فشهق وضاح مغتبطاً، وامتطى الدراجة مطلقاً صيحات قصيرة حادة مرحة، ولكنه فجأة زال فرحه، وعبس وجهه، فسألته رندا: "ما بك؟". قال وضاح: "أنا جائع". قالت رندا: "اذهب إلى بيتك وكل". قال وضاح: "لا بيت لي". قالت رندا: "إذن اذهب إلى مطعم". قال وضاح: "لا نقود معي". قالت رندا مبتسمة: "أنا مثلك جيوبي فارغة خاوية". فبكى وضاح مردداً: "أنا جائع. أنا جائع". احتارت رندا ولم تدر ما تفعل، ولكنها بعد تفكير قليل، أخرجت من جيبها منديلاً، وبللته بماء النهر ومسحت به ما رسمت على الحائط، فتلاشى عندئذ وضاح والدراجة والنهر، وظلت رندا تقف وحدها محنية الرأس حزينة لأن ولداً صغيراً لم يجد ما يأكل.
|
#49
|
||||
|
||||
القصة الخامسة والعشرون
القط الذي لا يحب المطر القط الصغير يلعب مبتهجاً، والرجال الذين يحبون الأشجار الخضراء يحرثون ويبذرون حبات القمح ثم يتوسلون إلى الريح أن تأتي الغيوم. وأقبلت الغيوم رمادية اللون، وهطل المطر، وركض الفرع عبر الحقول مطلقاً صيحات عالية مرحة. فرح التراب العطشان، وشرب بنهم من ماء النهر. فرحت حبات القمح لأنها ستصير سنابل خضراء. فرح الرجال الذين حرثوا الأرض، فسيحصدون القمح في الصيف، وعندئذ يصبح باستطاعتهم شراء ما يحتاج إليه أولادهم من طعام وثياب وكتب. فرحت الغيوم لأنها تخلصت من ماء يتعبها حمله، وصار بإمكانها التنقل برشاقة من مكان إلى مكان. فرح العصفور إذ غسلت الأمطار ريشه، وحين ستسطع الشمس، سيحط على غصن شجرة، ويغرد فخوراً بريشه النظيف. وهكذا عمّ الفرح، غير أن القط الصغير الذي لم يكن يملك مظلة، غضب لأن الأمطار بللته، وهرع إلى أمه ساخطاً مرتجف الذيل، وقال لها: "أنا لا أحب المطر". فنظرت إليه الأم مؤنبة مستنكرة، وقالت: "يجب أن تحب ما ينفع الجميع". صاح القط الصغير: "لن أحب المطر". قالت الأم بهدوء: "يجب أن تكره ما يؤذي الجميع". فقال القط الصغير بإصرار: "أتمنى ألا يهطل المطر أبداً" وبعد أيام، تحقق ما تمنه القط الصغير، فقد رحلت الغيوم، وكّف المطر عن الهطول قبل أن تنال حبات القمح ما تحتاج إليه منا ماء، وحينئذ سارع التجار إلى زيادة ثمن القمح حتى يتكاثر ما يملكون من مال، وبات الخبز لا يستطيع شراءه إلا الأغنياء، ولم يعد بمقدور القطط الحصول على الخبز، فالقطط فقيرة لا تملك سيارات أو أبنية. جاع القط الصغير، فقال لأمه باكياً: "أنا جائع". فقالت له أمه بحزن: "ماذا أفعل؟ لا يوجد خبز في الأسواق". فقال القط الصغير متسائلاً: "وأين الخبز؟". فأجابت الأم مبتسمة: "الخبز يصنع من القمح، والقمح لا ينبت إلا إذا شرب الكثير من المطر.. المطر الذي لا تحبه". فخجل القط الصغير، وعاهد أمه على أن يحب المطر. ***********
|
#50
|
||||
|
||||
القصة السادسة والعشرون
الريح قال الغزال الصغير للريح: "احمليني إلى شاطئ البحر". فضحكت الريح، وقالت بلهجة مؤنبة: "أنت كسول، فلماذا أحملك ما دمت سريع الركض؟.". قال الغزال: "أنا متعب جداً فهيا ساعديني". قالت الريح: لا أستطيع تلبية طلبك، فأنا لا أشتغل في الصيف". قال الغزال بغيظ: "إذن متى تشتغلين؟". قالت الريح: "اشتغل في الشتاء فقط". قال الغزال متسائلاً بهزء: "وما هو عملك؟". فأجابت الريح بصوت دهش مستنكر: "ألا تعلم؟ أنا أخلص الأشجار من أوراقها الصفراء اليابسة، وأنا أثقل الغيوم المحملة بالمطر إلى الحقول العطشى". غضب الغزال، واتهم الريح بأنها لا تريد مساعدته، وأبلغها أنه لم يتحدث معها، غير أنه ابتسم حين أبصر أرنباً يتواثب مرحاً، فصاح به: "أنا أسرع منك في الركض". قال الأرنب فوراً: "ماذا تنتظر؟ هيا نتسابق". وانطلق الغزال والأرنب يركضان، وهمت الريح أن تتحداهما وتشترك في السباق، ولكنها ظلت صامتة هادئة إذ تذكرت أنها لا تشتغل في الصيف إنما تستسلم للراحة منتظرة الشتاء.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |