![]() |
العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم بذل المساعدة الدكتور عثمان قدري مكانسي يقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . . )) . هذه دعوة إلى الخير ، ومساعدة الناس ، لما في المساعدة من إغاثة للملهوف ، وتخفيفٍ عن المكروب ، وعونٍ للمحتاج . وهي تدل على الأخوّة الصادقة في المجتمع الموحّد . وعلى التماسك القوي بين أفراده ، واللّحمة المتينة بين أنسجته ، فتزيد أواصره قوّةً ، وروابطه شدة . والقرآن الكريم سرد لنا بعضاً من صور المساعدة الفردية ، والمساعدة الجماعية ، لتكون لنا قدوة ودافعاً إلى التكاتف والمحبة . ـ فهذا سيدنا موسى عليه السلام يفرُّ هارباً من الظالمين الفراعنة ، ويسأل الله تعالى أن ينجيه منهم ، وينطلق متجهاً إلى الشام ، يرجو ربّه أن يهديه سواء السبيل ، فيصل آمناً إلى مدين ......{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}(القصص) . فشهامته على الرغم من خوفه ، وغربته ، وجوعه ، أبت أن يرى فتاتين تنزويان عن الرجال ، منتظرتين أن ينتهوا من سقاية أغنامهم ومواشيهم ، فتسقيان . وتعجَّب أن لا يكون لهما راعٍ ، فسألهما ، فعرف أنهما ابنتان لرجل هرم ، لا يقوى على السرح بالماشية ورعيها ، وليس في الأسرة رجال ، وليس في المقدور استئجار الرعيان ، فاضطرتا إلى فعل ذلك ، فتقدّم موسى فسقى الماشية بهمة وقوة ونشاط قبل الرعاة ، ودفع بها إلى الفتاتين ، فعادتا مبكرتين على غير عادتهما ، فسألهما والدهما عن السبب ، فأخبرتاه بما جرى ، فاستدعاه وزوّجه إحداهما ، ليعمل عنده في رعي الغنم . . . ـ وبذل المساعدة تتأثر بها النفوس ، والتصرف الحكيم يعدّل الموازين ، فتصفو القلوب ، وتأرز الأفئدة لصانع المعروف ، وتنقلب العداوة قرباً وصداقة ، والبغض محبة ووداداً . . قال تعالى : أ ـ { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ب ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ جـ ـ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) د ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا هـ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}(فصلت) . فالحسنة فعل تستحسنه النفوس وترجوه ، وتأنس إليه وتعظم صاحبه ، والسيئة فعل تستقبحه وتنفر منه ، وتكرهه وصاحبَه ، فإذا العدوّ القالي يصبح صاحباً ، وحبيباً ، مما تقدم له من عون ، وصفح ، ووجه بشوش ، وابتسامة جذّابة . ـ وهذا ذو القرنين ـ رضي الله عنه ـ مكّن الله له في الأرض ، شرقها وغربها ، فلم يتكبر ويتجبّر ، إنما كان مثالاً يُحتذى في البرّ والخير ، فلما فرغ من نشر الدعوة في الشرق والغرب ، انطلق إلى الشمال ، حيث الجبال الشاهقة ، حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين ، بمنقطع بلاد الترك وجد قوماً متخلفين ، لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم ، إلا بمشقة وعسر ، لبعدهم عن مخالطة غيرهم ، ولم يفهم كلامهم إلا بترجمان ، ولعل اعتداء قبيلتي يأجوج مأجوج الدائم وتجبرهم كان يخيف هؤلاء فلما رأوا ذا القرنين قادماً بجيشه العظيم حسبوه غازيا متجبراً كتلكما القبيلتين فانعقد لسان القوم من الخوف ابتداءً ، فلما اطمأنوا إليه أخبروه أن قبيلتي (( يأجوج ومأجوج )) قوم مفسدون ، بالقتل والسلب والنهب ، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ، ولا يابساً إلا احتملوه ، وسألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سداً يمنع غائلة المفسدين ، وأعلنوا أنهم سيتحملون التكلفة . فلم يأخذ منهم شيئاً ، فالله تعالى بسط له القدرة والمال ، فما يحتاجهم إلا بالرجال العاملين ، وبنى لهم السدَّ الحصين العالي المتين من الحديد المصهور ، والنحاس المذاب ، الذي صبه عليه فصار جبلاً صلداً ملتصقاً بعضه ببعض ، فما استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته ، ولا أن يعلوه ويتسوّروه لملاسته ونعومته ،قال تعالى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}(الكهف) . إن الأمان بسط ألسنتهم وحرك بالتفكير عقولهم . ـ وهؤلاء الأنصار أهل المدينة المنوّرة من الأوس والخزرج ـ رضي الله عنهم ـ يحجون مكة ، ويؤمن العشرات منهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويبايعونه على نصرته ، ونصرة المؤمنين من أهل مكة وغيرهم ، إن أقبل إليهم . . وهكذا كان . . فانتقل الرسول الكريم وأصحابه إلى المدينة ، فاستقبلهم إخوانهم من أهلها إستقبالاً حسناً ، شهد به القرآن الكريم ومدحهم بذلك ، فقد آمنوا بالله ورسوله ، وأكرموا المسلمين المهاجرين فأسكنوهم ديارهم ، وقاسموهم أموالهم ، وفضّلوهم في الغنائم على أنفسهم دون شحّ ، ولم يجدوا في أنفسهم غيظاً وحسداً مما أخذوا فاشتدت الألفة بينهم ، والحب والأخوة ، فأسسوا مجتمعاً طيباً ، ينتشر عبقه على مدى الدهور وكرَّ العصور { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر) . ـ وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأداء زكاة أموالهم للمحتاجين من إخوانهم ، وجعل أداءها ركناً من أركان الإسلام ، فأفاد أموراً كثيرة منها : 1ـ بناء مجتمع متكامل متراحم ، تسوده مشاعر المحبّة والالفة . 2ـ مَحْوُ الضغائن من قلوب الفقراء نحو الأغنياء . . . 3ـ تقليص الهوّة بين أفراد المجتمع وطبقاتهم ، فلا يكون أغنياءُ مترفون ولا فقراءُ مُعْدَمون . فأمر الله تعالى أن تدفع الزكاة في عديد من المصارف ، وحدّد الأهم فالأقل أهميّة لتحقّق وجود ذلك المجتمع المتجانس المتآلف { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60)}(التوبة) . وأمرنا أن نعطي الأقرب أولاً ـ فالأقربون أولى بالمعروف ـ ثم المسكين ، فهو عفيف اليد واللسان ، لا يسأل أحداً ، لكنَّ حياته ناطقة بمعاناته ، ثم ابن السبيل الذي انقطع عن بلده ولم يجد ما يبلّغه دياره ، قال تعالى : { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } ثم أعقبه بقوله : { ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}(الروم) . وهذا الرجل الصالح معلم سيدنا موسى ، يساعد الناس بأمر من الله تعالى ، وبطريقة لا نعرفها ، فهو يخرق السفينة ، وأهلها لا يعرفون ، فحين تقع في يد الملك ، ويريد أخذها منهم يرى الخرق ، فتعافها نفسه ويتركها . ويقتل الغلام ، لأن الله يعلم أن هذا الفتى إن عاش وصار رجلاً فسيرهق أبويه طغياناً وكفراً ، فيبدلهما الله خيراً منه فتاة تصير زوجة نبي من أنبياء الله ، ثم يبني الجدار في القرية على الرغم من امتناع أهلها أن يَقْروهما لأن صاحبي هذا الجدار ما يزالان طفلين ، وقد ينهدم الجدار وتحته كنز لهما ، فيضيع هذا الكنز بأيدي الجشعين . ويبقى الجدار ويظل الكنز خبيئاً تحته ، حتى يكبرا ، ويشتد عودهما ، وينتفعا بالمال . . سبحان الله . . . (عد الى القصة في سورة الكهف) إن المسلم يبذل ما في جهده لمساعدة إخوانه في بقاع الأرض كلها ليحقق معنى الأخوّة الإسلامية . يتبع
|
#22
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم النصيحة والحضُّ الدكتور عثمان قدري مكانسي النصيحة ، الوعظ بودٍّ وإخلاص .. والحضُّ : الحمل على الشيء والإغراء به ، والحث عليه والقرآن الكريم حرص على النصيحة ، فهي أسلوب يدفع إلى فعل الخير ، وركوب الطريق الصحيح ، فعلاً كان أم تفكيراً ، بطريقة تدع المنصوح راغباً دون شعور بالمساءة . وللنصيحة والحضّ عليها أساليب عدة ، سلكها القرآن ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : 1ـ الشرط : قال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }(البقرة) ، وقال سبحانه : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (النساء) . فالقرآن في هاتين الآيتين الكريمتين ينبه إلى أن النفس العظيمة تطلب الشيء النفيس الباقي ، وذلك باللجوء إلى الله تعالى وحده سبحانه ، والإيمان به ، وطلب الدار الآخرة . ونرى موسى عليه السلام ، ينصح قومه بالتوكل على الله : { إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ }(من الآية 84 يونس) ، وعلى هذا الأساس نرى الله سبحانه وتعالى يحضّ نبيه الكريم ، على التوكل على الله ، والاكتفاء به حسيباً : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} (التوبة ) . وأسلوب الشرط في إسداء النصيحة والحضّ على الخير كثير في القرآن الكريم . 2ـ لولا التحضيضيّة : { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ }(من الآية 16 هود) . فهلاّ . . . ولكنْ كان أولئك بعيدين عن التعقل والفهم ، ولم يكن منهم أول ألباب وعقول . . . . وفي حديث الإفك ، حضّ على التفكير للوصول إلى معرفة الحقيقة : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} (النور) . وحضهم على التزام شرع الله في الوصول إلى الحق ، وعودة إلى أول السورة نجد أنه ينبغي المجيء بأربعة شهداء لإثبات زنا المرأة : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) }(النور) . 3ـ النداء والأمر والنهي : وقد تجتمع في كثير من الآيات ، بل في أكثرها . . ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}(البقرة) . فاليهود يقصدون من كلمة " راعنا " المسبّة ، والشتيمة ، كما أنها قد توهم الجفاء ، أو التنقيص في مقام يقتضي إظهار المودّة والتعظيم . ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}(الأنفال) . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)}(الأنفال) . 4ـ ويجتمع النداء والنهي في القرآن كثيراً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }(من الآية 11 الحجرات) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ . . . }(من الآية 264 البقرة) . 5ـ ويجتمع النداء والأمر أيضاً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}(البقرة) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ . .}(من الآية 6 التحريم} . 6ـ ونرى المقارنة والاستفهام مجتمعَيْن : كقوله تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}(هود) ، وكأنه سبحانه يقول لأهل العقول : تذكروا وعوا . . . ومنها الاستفهام بـ (( هل )) كقوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) . ومنها الاستفهام بـ (( مَنْ )) كقوله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً . . . . }(من الآية 245 البقرة) . ومنها الاستفهام بـ (( الهمزة )) كقوله تعالى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}(المائدة) . 7ـ وقد نجد الأمر وحده : كقوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) }(البقرة) . 8ـ وقد نرى النهي والأمر معاً : كقوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}(النساء) . 9ـ الإخبار: في قصة السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت نجد الأفكار التالية التي يسمعها الرجل العاقل اللبيب فيمتنع أن يكون مثل أصحابها : أ ـ نبذ فريق من الذين أوتوا كتاب الله وراء ظهورهم . ب ـ جاءهم الحق ، فتناسوه كأنهم لا يعلمون . جـ ـ اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان . د ـ لم يكفر سليمان ، والشياطين كفروا . هـ ـ المتعامل بالسحر ما له في الآخرة من خلاق . فكان هذا الإخبار نصيحة وحضاً على التزام الطريق الصحيح . قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) }(البقرة) . وكذلك الإخبار في قوله تعالى : (( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) ))(آل عمران) . 10ـ الوصية : وهي أسلوب رفيع في النصيحة والحضّ عليها . وقد ذكرت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة في صيغ عديدة فيها الأدب العالي والأخلاق الرفيعة . . فمن أمثلتها : أ ـ ما وصى به الأنبياء أولادهم في التزام التوحيد . . قال تعالى : { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}(البقرة) . ب ـ ما وصّى به الله تعالى أولي العزم من الرسل حين شرع لهم ، قال تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ . . . }(من الآية 13 الشورى) . جـ ـ وفي ثلاث آيات من سورة الأنعام نجد وصايا متتالية ، مصابيحَ هداية تنير للسالكين دروب الهداية ، وسبل النجاة ، قال تعالى : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ 1ـ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 2ـ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا 3ـ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ 4ـ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ 5ـ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} . 6ـ { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ 7ـ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا 8ـ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى 9ـ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } . 10ـ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} (الأنعام) . وأساليب النصح في القرأن الكريم كثيرة ، كثيرة . . . بحسب اللبيب أن يراجع الآيات الكريمة بتفحص وإمعان ، ليجد فيها ما يساعده على الوصول إلى قلب السامع والمخاطب . . . يتبع
|
#23
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم المشورة الدكتور عثمان قدري مكانسي لماذا يستشير أحدنا غيره ، وهل من فائدة في المشورة ؟ . إذا استشرت فقد طلبت النصح ، لتصل إلى وجه الصواب ، وتستنير برأي الآخرين . ففي الاستشارة ـ إذاً ـ فوائد كثيرة منها : 1ـ الاستنصاح للوصول إلى الوجه الأكثر كمالاً . 2ـ عدم الانفراد بالرأي ، فالانفراد يعدُّ خطلاً وضعفاً . 3ـ تحميل الآخرين مسؤولية اتخاذ القرار ، والمشاركة فيه . 4ـ بناء مجتمع متماسك ، يشعر كل واحد فيه أنه لبنة مفيدة . والشورى ركن مهم من أركان المجتمع الإسلامي ، حضّ عليه ديننا العظيم ، فقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }(من الآية 38 الشورى) فلا ينفرد في القرار أحد ، ويتعاون الجميع على إنضاجه وإبرامه ، ليكون أكثر إحكاماً وسداداً . ـ وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة المشورة لأصحابه ، في أمور الحياة سلمِها وحربها وقد مدح الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، باللطف في معاملة أصحابه ، فالتفّوا حوله واجتمعوا عليه ، على الرغم من أخطاء الكثيرين منهم ، ولو لم يكن كذلك لتركوه ونفروا منه ، وقد أمره الله سبحانه ـ والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا ـ أن يعفو عنهم ويتجاوز عن إساءاتهم ، ويطلب لهم المغفرة من الله تعالى ، ويستشيرهم في جميع أموره ، ليقتدي بفعله الناس { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}(آل عمران) . ـ وكان التشاور ـ وما يزال ـ من شيم المجتمع الإسلامي حتى في الأمور العادية ، فإن طلق رجل امرأته ، وله منها ولد ترضعه ، فاتفقا ـ ليذهب كل واحد في سبيله فتتزوج هذه المطلقة ـ على فطامه قبل انقضاء الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة للولد بعد التشاور لم يكونا آثمين { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }(من الآية 233 البقرة) (الفصال:الفطام). فهذا مثال وإن كان مهماً فهو بالنسبة إلى غيره من الأمور يعتبر عادياً ، ومع ذلك فقد استحسن فيه التشاور ، فما خاب من استشار . ـ والمشورة ترتفع بالمستوى الإنساني إلى درجة عالية ، لا ينفرد بها المسلمون فقط ، إنما هي سمة عامة بالمجتمع الذي يريد أفراده الحياة الطيبة ، والوصول إلى المكانة اللائقة ، والطريق الصحيح الموصل إلى الغاية الصحيحة . فهذه ملكة سبأ ، يأتيها من سليمان عليه السلام ، كتاب يلقيه عليها الهدهد ، ففتحه فإذا أوله بسم الله الرحمن الرحيم ، ومضمونه دعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره وطرح التكبر ، والسفر إلى الشام مع وجهاء قومها مسلمين طائعين موحدين فجمعت كبار قومها وأهل الرأي والمشورة قائلة : { يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ }(من الآية 32 النمل). فبغير حضورهم ومشورتهم لا تقطع بأمر ، ولا تقضي بتصرف وعمل . قال القرطبي : ( أخذَتْ في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها ، فراجعها الملأ بما يُقر عينها ، فأعلموها بقوتهم وبأسهم ، ثم سلموا الأمر بعد المشورة إليها ، وهذه محاورة حسنة من الجميع ) . قال الحسن البصري : ( فوضوا أمرهم إلى امرأة ـ نعم إلى امرأة ـ فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم منهم رأياً وعلماً ، فقالت : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)}(النمل) وهكذا فعلت ثم رأت الحقَّ أحقَّ أن يُتبع ، فذهبت إليه ، وآمنت به ، وتزوجته ، فكانت من الناجين في الدنيا والآخرة ، وكانت فألاً حسناً لقومها ، وهادية لهم إلى الإيمان بحسن عملها . ـ وفعل فرعون ما فعلت ملكة سبأ من المشورة ، لكنّه بجبروته وتكبّره حاد عن الطريق وسقط في الحضيض . فحين جاء موسى وهارون يدعوانه وقومَه وبني إسرائيل إلى الإيمان بالله ، جادلهما فرعون ، وحاول إرهابهما وتخويفهما ، فردّ عليه موسى ردّاً عقلانياً يدلُّ على الإيمان العميق بالرسالة التي كُلّف بها ، وقارعه الحجةَ بالحجة . فلما أفلس هدّدَه بالاعتقال والسجن . . فما كان من موسى إلا أن أظهر آيتيه اللتين زوّده الله تعالى بهما ـ إلقاء العصا ، فتنقلب حيّة تسعى ، وإدخال اليد في فتحة القميص وإخراجها بيضاء تلمع وتضيء ـ ، فلما رأى فرعون هاتين الآيتين بُهِتَ أول الأمر ، ثم استعان بالأعوان ، لا ليدلّوه على الطريق الصحيح ، والدين القويم ، إنما ليعينوه بمكرهم ، ودهائهم على التصدي لهذا النبي الذي يملك سلاحاً قوياً كاد يعصف بفرعون وعرشه ، فلم يقل ما قالته ملكة سبأ : { أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } ، طالبة النصح والرشاد بل أعلن كفره بموسى ابتداءً ، فحرّض هؤلاء عليه حين قال : { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)}(الشعراء) ، فكان كما أراد فرعون ، فقد فهموا أنّه لا يريد نصيحة حين أوهم أنه يستشيرهم ، وعرفوا مرماه ، وكانوا كما قال تعالى ذامّاً إياهم : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}(الزخرف) ، فقالوا له ما وافقه وأرضاه وزاد في طغيانه وضلاله { قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)}(الشعراء) . وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى أغرقه وجنوده في اليم ، جزاءً وفاقاً على كفره وطغيانه وفساده { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}(الذاريات) ، فآمن ساعة لا ينفع الإيمان ، آمن وهو يغرق { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس) فكان من الهالكين . . . ـ وهذان سيّدانا إبراهيم وإسماعيل يضربان المثل الأعلى ، في الاستشارة وإن لم تكن استشارة حقيقية . . . فكيف ؟ . لما ترعرع إسماعيل وشبَّ وبلغ السنّ الذي يمكنه أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه قال له حين أُمر في المنام بذبحه : { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى }(من الآية 102 الصافات) . ورؤيا الأنبياء وحيٌ فعيونهم تنام ، ولا تنام قلوبهم ، فلما سأل إبراهيم ابنه : ما رأيك في الذي رأيت ، لم يكن يشاوره ليرجع إلى رأيه فهذا أمرٌ حتمٌ من الله وما سأله إلا ليعلم ما عنده ، فيثبت قلبه ، ويوطن نفسه على الصبر ، فأجابه ابنه بأحسن جواب : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) . وهذا جواب أولي الحلم والصبر والامتثال إلى أمر الله والرضا بقضاء الله . . جعلنا الله تعالى من أهل هؤلاء الكرام لتفوز برضا الله سبحانه وننجو من عذابه ، بل قل : لنكون من أهل الله . يتبع
|
#24
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم التلطُّف والاعتذار الدكتور عثمان قدري مكانسي يستطيع الإنسان أن يأخذ باللطف ما لا يستطيع أخذه بالعنفوان . وبالكلمة الطيبة ، والابتسامة اللطيفة ، يصل الإنسان إلى مأربه . والله سبحانه وتعالى خلق سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام ليناً هيناً مع الناس ليكون نموذجاً حسناً حياً للدعاة ، ولو كان عصبياً سريع الغضب ما ألفوه وتبعوه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . . . }(من الآية 159 آل عمران) . وأمره سبحانه أن يقبل من الناس ما عفا وتيسَّر من أخلاقهم ، وأن يحضَّ على فعل ما هو حسن ، وأن يتناسى جفاء الجاهلين ذوي القلوب القاسية { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(الأعراف) . بل إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يستغفر للمنافقين ، وظلَّ على هذا إلى أن نهاه ربه عن ذلك ، حين قال سبحانه : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة) . وأمره سبحانه وتعالى أن يتلطف في الدعوة إلى الله سبحانه : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 125 النحل) . فالإنسان عقل وكتلة مشاعر ، يحسن بالداعية أن يراعيها ويدخل إلى أصحابها من الباب المفتوح والطريق السهلة . ـ وحين شعر إخوة يوسف بضعف موقفهم ، حين استُخْرِجَتِ السقايةُ من رحل أخيه وأخذه ـ ظاهرياً ـ رقيقاً بشرع يعقوب ، فالسارق يُستعبد ، جاءوه بطرف منكسر ، ولطف حزين ، فقالوا يستعطفونه ويتزلفون إليه : {. . . يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}(يوسف) . وما عكموا حين رأوا أباهم عمي من شدة حزنه على يوسف من قبل ، وبنيامين من بعد ، إلا أن أعادوا الكرة ودخلوا على يوسف مستعطفين بما وصلت إليه حال أبيهم وبفقرهم { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} (يوسف) . وحين سقط في أيديهم وانكشفوا أمام أبيهم ، وكانوا قد انكشفوا أمام أخيهم ، فسامحهم ، قالوا لأبيهم معتذرين : {. . . . يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ(97)}(يوسف) . فنسي الأب أو تناسى إساءتهم - والأب عطوف رحيم بأبنائه - سامحهم فوراً فـ {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}(يوسف) . ـ وهذا سيدنا موسى يقابل الرجل الصالح ، الذي آتاه الله تعالى رحمة من عنده ، وعلّمه من لدنه علماً . فيسأله أن يرافقه ليتعلّم منه ما علمه الله ، فيشترط عليه الرجل الصالح أن لا يسأله عن شيء حتى يخبره هو به ، فلما ركبا في السفينة وخرقها أنكر عليه موسى فعلته ، إذ كيف يبادي خيرهم بشرٍّ ؟ !! ، فذكّره الرجل الصالح بما اشترط فقال موسى معتذراً : { ..لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}(الكهف) ، فالاعتذار تعبير عما في النفس من شعور بالذنب ، والكريم يغفر للكريم . ـ ودخل رجل على الخليفة هارون الرشيد ينصحه ، ويذكره بالآخرة ، فكان في نصحه عنفٌ ، فقال له هارون : لقد أرسل الله تعالى موسى وهارون ـ وهما خير منك ـ إلى فرعون ، وهو شرٌّ مني ، فقال لهما : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} (طه) فخجل الرجل من هارون الرشيد وانقلب الواعظ موعوظاً ، والموعوظ واعظاً . . فالقول الهين اللين يفعل الكثير ويفتح مغاليق القلوب . ـ وحين عاد موسى إلى قومه بعد أن كلّمه ربـُّه تعالى وجد بعضهم يعبدون العجل من دون الله ، ولم يستطع هارون أن يثنيهم ، فلم يكن قوياً ذا بأس كموسى فالتفت موسى إلى أخيه غاضباً ممسكاً بلحيته ورأسه و { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}(طه) فناداه : { يا ابن أم } متلطفاً معتذراً ، فسكت عنه غضب موسى ، ثم حرّق العجل ونسفه نسفاً . ـ وهذه بلقيس زوجة سليمان عليه السلام يأتيها الهدهد برسالة منه يأمرها أن تسلم وتأتيه خاضعة ، فاستشارت أهل الرأي وأصحاب الحلّ والعقد من أهل مملكتها ، فقالوا لها : نحن أقوياء ، وأولو بأس شديد ، ونحن رهن أمرك ، فافعلي ما تشائين ، فما كان منها ـ وهي الذكية الأريبة ـ إلا أن قالت : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}(النمل)، وما إرسال الهدية إلا نوع من اللطف وحسن التصرف . ـ وأخيراً نقف على اعتذار أصحاب الجنة الذين بخلوا على الفقراء فدّمرها الله تعالى جزاء وفاقاً فلما علم أصحابها أنهم أخطأوا لجأوا إلى الله سبحانه وتعالى يعتذرون وينيبون { قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)}(القلم) . وهكذا نجد صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يقول : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ) (رواه مسلم) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) (متفق عليه) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه ) (رواه مسلم) يتبع
|
#25
|
|||
|
|||
![]() بارك الله فيك
ويعطيك الله الف عافيه
|
#26
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم العتاب الدكتور عثمان قدري مكانسي عتب عليه وعاتبه : لامه وخاطبه مخاطبة الإدلال ، طالباً حُسْن مراجعته ، ومذكّراً إياه بما كرهه منه . ويقال : يُعاتَب مَنْ تـُرجَى عنده العتبى : مَنْ يرجى عنده الرجوع عن الذنب والإساءة . والعتاب الذي عوتب به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم يدل دلالة قاطعة ـ من ضمن الدلائل الأخرى ـ على أن هذا الكتاب العظيم من عند الله سبحانه وتعالى ـ { لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد }( من الأية 37 ق )ـ وإلا فكيف يعاتب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان القرآن ـ كما يدّعي السفهاء ـ من عند رسول الله ؟! . والعتاب أسلوب من أساليب التربية فيه : 1ـ إظهار عدم الرضا من تصرف ، كان غيره أولى أن يُتصرَّف به . 2ـ فيه مسحة كبيرة من حب واحترام صادرةٌ ممن عاتب . 3ـ فيه استمرار للعلاقة بين مَنْ عاتب ومن عوتب . 4ـ فيه رغبة في تصحيح الخطأ دون جرح مشاعر المعاتَب . وسأقدّم إن شاء الله صوراً من عتاب الله تعالى نبيّه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم صوراً من عتاب الله سبحانه المؤمنين الصالحين : 1ـ فقد قال الله سبحانه وتعالى معاتباً نبيّه الكريم متلطفاً في عتابه : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}(التوبة) . ففي غزوة تبوك استثقل المنافقون الخروج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعد الشُقّة ، فقال أناس منهم : استأذنوا رسول الله فإن أذن لكم فاقعدوا ، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا . . فقد كانوا مصرّين على القعود عن الغزو ، وإن لم يؤذن لهم . . . وقدّم الله تعالى العفو على العتاب إكراماً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً : عفا الله عنك ، ثم قال : هلا تركتهم حتى يظهر لك الصادقُ منهم في عذره من الكاذب المنافق ، ولم أذنت لهؤلاء المنافقين في التخلف عن الخروج لمجرّد الاعتذار ؟ . ثم أكد الله سبحانه وتعالى أن الذي يستأذن كراهية الجهاد في سبيل الله ليس مؤمناً بالله واليوم الآخر ، فالمؤمن يجود بالنفس والنفيس في سبيل الله ، مخلص في إيمانه مُتقٍ للرحمن . ـ ويقول الله سبحانه وتعالى في قصة أسرى بدر حين اختلفت آراء المسلمين في مصيرهم ، فقال بعضهم نقتلهم ، وكان منهم الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ حتى يعلم المشركون أنْ لا هوادة مع الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ، وقال بعض المسلمين ـ ومنهم الصديق رضي الله عنه ـ بل نـُبقي عليهم فيفتدون أنفسهم ، ولعلّ الله يهديهم إلى الدين القويم ، ويخرج من أصلابهم من يجاهد في سبيل الله . وكان الرسول الكريم الرحيم بالناس مع الفريق الثاني ، ثم نزلت الآيات تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم لإبقائه على الأسرى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }(الأنفال) ، فلا ينبغي للنبي أن يأخذ الفداء من الأسرى إلا بعد أن يكثر القتل في المشركين ، ويبالغ فيهم ، فالفداء حطام الدنيا الزائل ، والله يريد لنا العز الباقي ، ثواب الآخرة . ولولا أن الله تعالى كتب على نفسه أن لا يأخذ المجتهد في خطئه لمسَّ المسلمين عذابٌ أليم . وروي أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ( لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر ) . ويقول الله تعالى مؤكداً ما سبق المعنى نفسَه في سورة القتال : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا . .}((من الآية 4(محمد/القتال)) . ـ جاء عبد الله بن أم مكتوم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشغول مع جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام ، فعبس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجهُهُ وأعرض عنه فنزل القرآن الكريم بالعتاب : { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) . . . }(عبس) . وجاء الحديث بلغة الغائب تلطفاً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الأعمى ـ ابن أم مكتوم ـ حين جاءه وهو يحاور المشركين كره الرسول مجيئه حتى لا يقطع حديثاً كان يظن أن المشركين ـ من ورائه ـ يمكن أن يؤمنوا . وابن أم مكتوم كان يريد أن يتعلم ، ويتطهر من ذنوبه بما يتلقّاه من موعظة الرسول الكريم . ولعله يريد أن يتعظ بما يسمع فكان الأولى أن يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ويهتم به ، أما الكفار فهؤلاء لا يريدون الإيمان والتطهر من دنس الكفر والعصيان ، وليس الرسول صلى الله عليه وسلم مطالباً بهدايتهم إنما عليه البلاغ فقط . 2ـ وفي حديث الإفك يعاتب الله سبحانه وتعالى المؤمنين ، حين سمعوا هذا الافتراء على الصدّيقة عائشة زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم ينفوا هذه التهمة ـ وكان أولى بهم أن يظنوا الخير فيها ـ وهي المرأة الحصان الطاهرة زوجة نبيهم ، وهلاّ قاسوا الأمر عليهم ؟ فهل يفعل الرجل المسلم ما ظنوه في أخيهم صفوان بن المعطل ؟! وهل تفعل المرأة المسلمة ما ظنوه في أمهم عائشة ؟!! . والله تعالى أمرهم أن لا ينشروا أمثال هذه الافتراءات ، بل عليهم أن يسألوا المفترين الطاعنين عن أربعة شهداء ، يشهدون أنهم رأوا رأي العين ما افترَوه على السيدة عائشة ، وإلا فهم كاذبون ، والله تعالى يشهد على كذبهم ، قال تعالى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}(النور) . وأترك للأخ القارىء أن يعود للآيات التي تلي الآيتين السابقتين ، ليرى ذلك العتاب الذي ساقه الله تعالى مرشداً وهادياً المسلمين أن لا يتأثروا بالشائعات ، وأن يتحكموا بعاطفتهم وأن يحكّموا عقولهم قبل أن يُصدِروا آراءهم وينغمسوا فيما أراد المنافقون لهم من سوء . ـ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة ، فأقبلت عير من الشام بطعام قدم بها ( دحية الكلبي ) وكان أصاب أهلَ المدينة جوعٌ وغلاء سِعْر ـ وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها ـ فلما دخلت العير كذلكَّ انفضَّ أهل المسجد إليها ، وتركوا رسول الله قائماً على المنبر ، لم يبقَ معه سوى اثني عشر رجلاً ، فنزلت الآية تدل على أن ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، فليطلبوا الرزق من الله وليبتغوا مرضاته : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا 1ـ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) 2ـ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) 3ـ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا 4ـ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}(الجمعة) . فكانت هذه الآيات عتاباً مرشداً ، وتأنيباً خفيفاً مناسباً ، يعلّم المسلمين ملازمة الخير الأبدي والفضل الدائم . ـ نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى. . . لما تطاول عليهم الزمن بدّلوا كتاب الله الذي بين أيديهم ، ونبذوه وراء ظهورهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، فعاتبهم قائلاً : أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم وتلين لمواعظ الله ، ولما نزل به الكتاب من الآيات الواضحة ؟ . . . { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}(الحديد) . فقال المؤمنون الصادقون : (( لقد آنَ لنا يا رب لقد آنَ )) . والعتاب من المحب للمحبوب يفتح القلوب للخير ، والأفئدة للصواب والعقول للحق ، دون استثارة أو حنق . يتبع
|
#27
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم عدم التدخّل فيما لا يعني الدكتور عثمان قدري مكانسي ما أبلغ القول : (( رحم الله امرأ عرف حدّه ، فوقف عنده )) . هذا دعاء لإنسان حفظ نفسه ، وُجودَه وغيبته ، وامتنع عن الخوض في أمر لا يخصه ، فاستراح من تجريح الناس وانتقاداتهم ، سلبيّة كانت أم إيجابيّة ، ولم يترك لهم مجالاً ينفذون منه إليه . وقد قيل قديماً : ( من تدخّل فيما لا يعنيه وجد ما لا يرضيه ) . ولكننا هنا ـ أيضاً ـ نلفت النظر إلى آداب إسلامية ، وقيم إيمانيّة هي : 1ـ أن يفكر الإنسان فيما حوله ، ويتدبّر ما يراه دون أن يقحم نفسه في أمور لم تطلب منه ، ولا تعود بالنفع على مجتمعه . 2ـ أن ينأى بنفسه عن المواقف المحرجة ، فإن كان لا بد فاعلاً كأنْ يناط به مهمّة ما ، فليتدخل بمقدار ما تسمح له الحاجة ، على أن يتسلح بالأسباب ، ويقدّم الأعذار التي توضح موقفه . 3ـ أن يوطن نفسه على ردود فعل قد تناله بما لا يسرّه ، فيتحمَّلُها بصبر ويستوعبها بحكمة ، ويمتصها بوعي ، ثم يوجهها الوجهة المناسبة ، أو يتغاضى عنها كأْنْ لم تكنْ ، فهو إذ ذاك يمتلك الموقف مبرئاً نفسه أو موضحاً موقفه . وباب هذا الأسلوب القرآني التعليمي قوله تعالى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}(الإسراء) . وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ }(من الآية 101 المائدة) فكل شيء يأتي في الوقت المناسب للأمر المناسب . ولا ينبغي أن نفرض رأينا فيما لا نعرفه فهؤلاء المشركون استنكروا أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً واقترحوا أحد هذين الرجلين (( الوليد بن المغيرة )) في مكة ، أو (( عروة بن مسعود الثقفي )) في الطائف رسولاً إليهم من ربهم فهما من كبار عظماء مكة والطائف ، ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقير يتيم ، ظناً منهم أن العظيم ذو الجاه والمال ، وفاتهم أن العظيم عند الله له مقاييس العظمة التي تؤهله لرضى الله سبحانه وتعالى من سموٍّ الروح ، وعظمة النفس ، وامتلاك نواصي الخير ، وليس لأحد أن يقترح الرجل الذي يريده ،قال تعالى : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}(الزخرف) . وليس لأحد حتى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزيد فيما كلّف به أو يتقوّل ما لم يؤمر به { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)(الحاقة) . ولم يدّع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يفعل ما يشاء ، أو يعلم الغيب فله حدود لا يتخطاها { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ }(من الآية 50 الأنعام) ، { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}(ص) . ولما كذّبوا بما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَوعدهم العذابَ ، فتحدَّوْه قائلين قل لربك يرسل علينا عذابه ، فكان جواب القرآن الكريم : { قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}(الأنعام) . فليس لرسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ أن يحاسبهم ، أو يستعجل لهم العذاب ، أو ينأى عنهم ويهجرهم ، فهو مرسل يفعل ما يؤمر ، وينفذ أوامر ربه ، قال تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ . . }(من الآية 128 آل عمران) ، وقال سبحانه : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّاالْبَلَاغُ }(من الآية 48 الشورى) ، وقال سبحانه منبهاً رسوله أنه منذر ومبلغ فقط : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)}(الأحقاف) . وما دور الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا الإنذار فهو مرسل فقط لا يستطيع أن يفرض على الناس الإيمان ، فهو هبة من الله سبحانه وتعالى للناس ، قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)}(الغاشية) ، وقال سبحانه : { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)}(الجن) ، وقال سبحانه : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }(من الآية 6 الشورى) ، وقال تعالى: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)}(فاطر) . وحين رأى المشركون أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين آمنوا به ، من ضعفاء مكة وعبيدها قالوا له : اطردهم من مجلسك لنأتيك ، فنحن لا نجلس مع هؤلاء !! فما كان من القرآن الكريم إلا أن أعلن عكس ما يريدون فقال سبحانه : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أ ـ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ب ـ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ جـ ـ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} (الأنعام) . بل إنه سبحانه عظّم هؤلاء المؤمنين وأمر رسوله الكريم أن يتباسط لهم ، ويكرمهم فقال : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ . . .}(من الآية 54 الأنعام) . وأمر الله رسوله ـ وهو قدوتنا وعلينا أن نفعل مثلما يفعل لنكون قريبين منه ـ أن لا ينظر إلى متاع الدنيا وان لا يتمنّاه فهو فتنة فقال : (( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}(طه) . وهؤلاء الناس تجادلوا في عدد أهل الكهف ، وما يُجدي معرفة عددهم ؟ وهل ترفع هذه المعرفة صاحبها ؟ لا . . . ما هو إلا مراء لا غنىّ فيه (( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}(الكهف) . ولعلَّ من الإعظام لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أن ننوّه إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على إيمان الجميع ، خوفاً عليهم من نار جهنّم وراغباً أن يكونوا من أهل الجنّة فهو رؤوف بالمسلمين ، رحيم بهم { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}(التوبة) . فتراه يهتم إن رآهم معرضين ، حزيناً كاسف البال ، فينبه الله سبحانه بلطف إلى أنه لن يؤمن إلا القليل ، فلا يهلك نفسه حزناً عليهم ، ولا يتحسر عليهم { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}(الكهف) ، { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }(من الآية 8 فاطر) . وأعظِم بهذا الرسول الحبيب ، اللهم شفـّعه فينا واحشرنا تحت لوائه اللهم آمين . يتبع
|
#28
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الكتمان والسرية الدكتور عثمان قدري مكانسي يقولون : إذا ذاع السر بين اثنين فقد فشا . ويقولون : إذا لم تستطع حفظ سرك في صدرك ، فلا تلومنَّ على بثّه أحداً . والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : (( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان )) . ولحفظ السر فوائد عديدة منها : 1ـ أن عدوّك لا يعرف ما نويته أو خططت له ، فهو منك دائماً على حذر . 2ـ أن أمرك يظل في يديك ما دمت تحفظ سرك فإن ذاع انكشفت . 3ـ أن أصدقاءك يأتمنونك على أسرارهم فأنت ثقة عندهم . وفي القرآن الكريم عدة مواضع فها أمر بالكتمان ليظل الموقف سليماً مستوراً . فقد رأى يوسف في المنام رؤيا قصها على أبيه يعقوب . . فما هي ؟ { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}(يوسف) ، فعلم الأب أن يوسف سيكون نبياً ، يبلّغه الله مبلغ الحكمة ، ويجعله ممن اصطفاهم ، ويعلمه تفسير الأحلام ، وأن إخوته حين يعلمون أنه سيكون نبياً من دونهم سيحتالون لإهلاكه حسداً وغيرةً منه فـ { قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) }(يوسف). وقد دعته امرأة العزيز وراودته عن نفسه فأبى ، فحاولت أن تكيد له فادّعت أنه هو الذي راودها ، فبرّأه من كيدها إن كان قميصه قُدَّ من دبر ، وأنّ واحداً من أهلها شهد ببراءته ، وأن النساء قطَّعْنَ أيديهن دهشة لجماله ، وما عُدْنَ يصبرن عن لقائه ، فقال العزيز : نسجنه كتماناً للقصّة أن تشيع في العامة { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }(يوسف) . وتمر الأيام وتنقضي السنون ، ويصير يوسف عليه السلام الوزير المؤتمن على خزائن الأرض ، ويأتيه الناس من أصقاع الأرض للميرة ، ومن بينهم إخوته أولادُ أبيه الذين أرادوا إهلاكه ، فأكرمهم ، لكنّه أخبرهم أنه لن يميرهم في المرة القادمة إلا ومعهم أخوهم بنيامين ، وهو أخوه الشقيق ، واستعجالاً لعودتهم جعل ثمن البضاعة داخلها ، وكأنّه نسيها معهم فاضطروا للعودة ومعهم بنيامين بعد أن أخذ منهم أبوهم العهد أن يحافظوا عليه فلا يغدروا به . . { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)}(يوسف) فاستكتمه ، ذلك أنه أراد أن يعلّم إخوته أنهم أخطأوا في حقه . وقد أحسن يوسف إذ وصّى أخاه أن يكتم سرّهما ، فما علموا أن أخاهم سرق حتى افتروا على يوسف قائلين : { إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.. }(يوسف من الآية 77) فهل أظهر يوسف لهم حقيقته يوبخهم ويعريهم بكذبهم هذا ؟ لا فما تزال القصة في أولها { ...فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ }( يوسف من الآية 77 ) وهذا يدل على فكر سديد وحكمة بالغة وصبر على المكاره . ـ وهؤلاء أصحاب الكهف الذين فروا بدينهم إلى الله ينامون فيه ثلاث مئة وتسع سنوات ، وحين يأذن الله بيقظتهم يشعرون بالجوع ويقولون بعضهم لبعض : { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)}(الكهف) . إذاً فللسرية والكتمان : 1ـ يرسلون واحداً فقط لشراء الطعام . 2ـ ويتلطف في دخول المدينة . 3ـ ويتصرف بهدوء وحكمة حتى لا يتعرف عليه أحد . وهكذا نجدهم حذرين ، راغبين أن لا يعرفهم أحد فيوصِل خبَرَهم إلى الملك الكافر المتجبر . ـ وحين وُلِد موسى خافت عليه أمه أن يقتله فرعون فأوحى الله تعالى إليهما أن ترضعه وتلقيه في اليم ، وهو سبحانه المتكفل بإرجاعه إليها . . فلما وقع بيد فرعون كاد يقتله لولا أن زوجة فرعون أحبته ، ورجته أن يكون قرّة عين لها ، وسمعت أم موسى بوصول الوليد إلى قصر فرعون ، فجزعت خوفاً وشفقة على ابنها وكادت تبوح بأنها أمه ، لكن الله تعالى ثبَّتها وألهمها الصبر ، وهذا نوع من أنواع الكتمان وحفظ السر{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)}(القصص) . وتتبعه أخته على الشاطىء الآخر ، تقص أثره مستخفيةً ، فرأته اتجه إلى قصر فرعون ، وعُرِضَتْ على موسى المراضع فأباهن ، فلما خرج الخدم يبحثون عن مرضع له خارج القصر دلّتهم أخته على أمه ، فجاءت ، فلما وجد ريح أمه أقبل على ثديها فقال فرعون : مَن أنتِ فقد أبى كل ثديٍ إلا ثديك ؟ فكتمت سرّها وقالت : إني امرأة طيّبة الريح ، طيّبة اللبن ، لا أكاد أوتى بصبي إلا قبلني . فدفعه إليها ، فرجعت إلى بيتها ومعها ابنها { وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}(القصص) . ـ أما المنافقون في المدينة فقد كان كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحده يعرفهم بأعيانهم ، أمة بقية الصحابة والمسلمين فكانوا يشعرون بهم غير متأكدين منهم ، يشعرون بهم من تصرفاتهم المريبة ونشرهم للأراجيف ، والأكاذيب لبلبلة الأفكار ، وخلخلة الصفوف ، ونشر أخبار السوء ، وينضم إلى هؤلاء المنافقين ضعافُ الإيمان ، أصحابُ الفجور . فهل يترك هؤلاء يعيثون فساداً في مدينة الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ لا . . فقد هددّهم الله بكشف خباياهم وفضحهم على الملأ ثم إخراجهم من المدينة ، وقتالهم لأنهم يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر . . . لم يفضحهم الله عزَّ وجلَّ بل كتم حالتهم عساهم يؤمنون . . . والله بعباده رحيم { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)}(الأحزاب) . والكتمان يدل على الإرادة الحازمة لصاحبه ، والقدرة على تحمل المسؤولية ، ومن ثمَّ التصرف السليم في الأحوال العادية والعصيبة . يتبع
|
#29
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم المعاملة بالمثل الدكتور عثمان قدري مكانسي لن تكون ظالماً إذا عاملت المسيء بمثل ما عاملك به من سوء ، بل تكون عادلاً،قال تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }(من الآية 194 البقرة) . فإذا ما كلت له الصاع صاعين دونما حاجة إلى ذلك كنت ظالماً ، أما إذا نويت أن تردعه عن غيّه وفساده ، وزجَره عن إساءته فلا بأس في ذلك . أما إذا أحسن إليك أحدهم فرددت عليه إحسانه دونما زيادة كنت عادلاً كذلك ، فإن زدته في الخير وأكرمتَه كنت محسناً . . والإسلام يحثنا على ذلك : قال تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }(من الآية 86 النساء) ، وقال سبحانه: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (من الآية 26 يونس) . والقرآن الكريم مليء بكثير من هذه الآيات التي تدعو الإنسان أن يتفكر ويتدبّر ، فلا يقدم على الإساءة إلى نفسه والآخرين كيلا يرى جزاءً وفاقاً لما قدَّمت يداه ، وليقدم على الإيمان وفعل الخير والإحسان لينال الفضل والرضوان . قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }(من الآية 20 المزمل) . وقال سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)}(المدثر) ، فإن كسبت خيراً لقيت خيراً وإن كسبت شراً لقيت شراً ، وقال سبحانه : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}(الأحقاف) . وتأمل هاتين الآيتين الكريمتين ، تصف الأولى المنافقين والمنافقات ونسيانهم الحقَّ ، وتصف الثانية المؤمنين والمؤمنات وعملهم الذي يثابون عليه : 1ـ { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أ ـ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ب ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ جـ ـ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ د ـ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ هـ ـ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)}(التوبة) . إذاً نسي المنافقون الله فنسيهم . . . ووعدهم النار ولعنهم فهم مقيمون فيها خالدين . 2ـ { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أ ـ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ب ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ جـ ـ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ د ـ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ هـ ـ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}(التوبة) . إذاً فالمؤمنين أولياء لله سبحانه يطيعونه وهو سبحانه سيرحمهم . . . ووعدهم الجنات الرائعة والمساكن الطيبة بالإضافة إلى ما هو أكبر من ذلك . . رضوان الله سبحانه . وهل هناك أعظم من هذا الفوز ؟ لا والله ، فلكلٍ جزاؤه حسب عمله . . . وهاتان الآيتان صريحتان في مبدأ المعاملة بالمثل . قال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}(النساء) فلماذا ؟ . . لأن الله تعالى العادل الذي لا يظلم أحداً قرّر ، وأمره نافذ : أ ـ { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) ب ـ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) جـ ـ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) د ـ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}(النجم) . وإليك الأمثلة تترى : قال تعالى : { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}(النساء) . وقال سبحانه : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}(الأنعام) . إنَّ الذين يمكرون بالمؤمنين ، ويكذبون دين الله ورسله يهددهم الله سبحانه أن يكون عقابهم شديداً ، بل قد يكون متنوعاً على قدر سوء أعمالهم سواءً بسواء . قال تعالى : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أ ـ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ب ـ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) جـ ـ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) د ـ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}(النحل) . وهذا ذو القرنين حين خيّره الله سبحانه وتعالى تعذيب من قاتله أو الإحسان إليهم سار على القاعدة نفسها ، قال تعالى: { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}(الكهف) . فهناك إذاً إكرامان : في الدنيا القول الحسن وما يناسب ، وفي الآخرة الجنة والحسنى . وعذابان : في الدنيا عذابٌ بيد المؤمنين ، وفي الآخرة عذاب الله تعالى . ـ ماذا حلَّ بمن خالف نبيَّ الله صالحاً عليه السلام ، فكفر به ، وقتل الناقة ، وتآمر على قتل النبي نفسه وأهله . . إنه الجزاء من جنس العمل : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} (النمل) . فقد أصر هؤلاء المجرمون على : أ ـ قتل النبي وآله . ب ـ وإنكار فعلتهم الشنيعة . فماذا كان من أمرهم ؟ . . . هم يدبرون والله تعالى يدبّر وينفّذ ويحمي رسوله الكريم صالحاً وأهله المؤمنين . أرسل على ثمود صيحة قويّة دمّرتهم جميعاً ، وما تزال بيوتهم خاوية تشهد على ظلمهم أنفسهم ، وعلى قدرة الله فيما يريد . . ولا رادَّ لقضائه . ويقول سبحانه : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}(النمل) . فصاحب الحسنة : 1ـ يأخذ أفضل مما عمل . 2ـ لا يخاف العذاب يوم الآخرة حين يخاف الناس . وصاحب السيئة : 1ـ يلقى في النار على وجهه خائباً خاسراً . 2ـ يوبّخ على سيئته ويقرّعُ عليها . وقال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}(الجاثية) . وقال سبحانه : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}(الشورى) فهو الغفور الرحيم . ـ وحادثة الإفك مشهورة تولّى كبرَها المنافقُ عبد الله بن أبي بن سلول الأب ، كبيرُ المنافقين ، حين قال كلمته الفاسقة عن زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تلك الزوجة الطاهرة الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وعن الصحابي الفاضل صفوان بن المعطل ، وكل مَنْ خاض في هذه الحادثة له نصيب مما فعل . . وقد كانت درساً كبيراً تعلم فيه المسلمون أن يعتقدوا الخير في الرسول وآله ، والخيرَ في المسلمين عامة وأن يمحِّصوا كلَّ ما يسمعون قبل إذاعته . . قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)}(النور) . أما اليهود أخزاهم الله تعالى فقد أكرمهم الله عزّ وجل ، فأرسل إليهم سيدنا موسى عليه السلام وأخرجهم من الذل الذي كانوا فيه عند الفراعنة في مصر ، وهيألهم دخول القدس ، وبذل لهم من نعمائه الشيء الكثير فما كانوا ليؤمنوا ، فعاقبهم بما يستحقون . وعودة إلى سورة الأعراف الآيات [ 160 ـ 165 ] تجد هذه النعم الكريمة الوافرة التي وهبهم الله تعالى إياها ، فما رعوها حقَّ رعايتها فعاقبهم بما يستحقون ، قال عز وجل: { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(من الآية 160 الأعراف) . { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}(الأعراف) . { . . . . كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } (الأعراف) ، { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)} (الأعراف) . وأخيراً يأمرنا الله تعالى إذا عاقبنا أن يكون العقاب مساوياً للجريمة ، وينبهنا إلى أن العفو خير وأجدى ، ولأنّ الله سبحانه يجزي الصابرين الأجر الجزيل ، ويعوض العافين الخير الوفير . أ ـ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ب ـ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) جـ ـ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ د ـ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) هـ ـ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}(النحل) . فالعفو عند المقدرة شيء رائع فهو : 1ـ استعلاء على تفاهات الحياة . 2ـ تعظيم للمسلم في أعين الناس . 3ـ تشجيع للآخرين أن يكونوا مثله ويتبعوه . ولكنْ لا تثريب عليك أن تعامل الآخرين بالمثل . يتبع
|
#30
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الترغيب والترهيب الدكتور عثمان قدري مكانسي القرآن الكريم كتاب ربنا سبحانه وتعالى إلينا ، يهدينا بما فيه من حقٍ ووضوح إلى صراط الله المستقيم ، ويفتح لنا بفضله وكرمه آفاق الحياة على نهج مضيء ، وسبيل واضح . في الإنسان بذرة خير إن تعهدها بالعناية والرعاية زكت ونمت ، فأضفت على صاحبها من حوله الأمن والأمان والسعادة والهناء . وفيه بذرة شر إن أهملها ، ولم يلق إليها بالاً ، زاحمت بذرة الخير ودافعتها ، فإذا ساعدتها نوازع فاسدة ، كامنة في حنايا الإنسان اشتدت واستفحلت ، وبدا خطرها على صاحبها ومَنْ حوله ، فدبت الفوضى وضربت أطنابها في المجتمع . ومن طبْع الإنسان أن يعمل الخير ، لأن الله تعالى فطره على الهدى والصلاح ، ودله على طريقه . ومن طبعه أن يقع في الخطأ والتفلت والتهاون ، لأن الله تعالى خلقه من عجل ، وخلقه ضعيفاً يصيب الذنوب والآثام . لذلك كانت الجنة للتائبين العائدين إلى ربهم ، والنارُ للعاصين المتنكبين سبيل الهدى والرشاد. ونرى القرآن العظيم يستعمل أسلوب الترغيب والترهيب بمقدار ما يقوّم سلوك الإنسان ، فيمضي به إلى ما يرضي الله تعالى ، حتى إذا لقيه أجزل له الثواب ، ونجّاه من العقاب . وليس في القرآن ـ على الأغلب الأعم ـ آية ترغيب إلا تبعها ما فيه ترهيب ، وما من آية فيها ترهيب إلا تبعها ما فيه ترغيب . فالترغيب والترهيب متلازمان ، والحكمة في ذلك : 1ـ التذكير الدائم بالثواب والعقاب ليظل الإنسان حريصاً على نيل المثوبة والبعد عن العقوبة . 2ـ أن مَنْ لا يؤثر فيه الترغيب وثوابُه ، يؤثر فيه الترهيب وعقابُه . وإني لأعجب ممن يدعون الباع الطويل في التربية ، والخبرة المديدة في مضمارها أنهم يرفضون الترهيب أسلوباً للتربية ، ويكتفون بالترغيب زاعمين أن الخوف من العقاب يجعل صاحبه يلتزم ما يؤمر به ، وينتهي عما نهى عنه بالإكراه ، فإذا زال سبب الخوف تصلّف وعاد سيرته الأولى ، فهم ـ لذلك ـ يدأبون على نوع واحد من التربية هو الترغيب ، ويقولون إن الترهيب يخلق جيلاً جباناً معقداً . . . والردّ عليهم بسيط لأنه جواب الفطرة : أولاً : إن الله تعالى أعلم بالإنسان وما يقوّمه ، فهو الذي خلقه فقدّره ، يعلم ما يصلحه ، والقرآن الكريم الذي أنزله مَنْ يعلم السرَّ وأخفى مليء بالترغيب والترهيب . ثانياً : التربية غير محددة بزمان ولا مكان حتى نقول : إذا زال الخوف تفلّت وعاد سيرته الأولى ، فهما مستمرّان إلى آخر يوم من حياة الإنسان . كما أن الترغيب والترهيب لا ينبغي أن يكونا طارئين على حياة الإنسان ، إنما يجب أن يكونا من مكوّنات نفسه يصحبانه في حياته ، ويكونان دافعاً ذاتياً إلى الخير ، وكابحاً ضمنيّاً عن الشرّ . ثالثاً : إن الواقع ليكذَّب ادعاءاتهم ، فالحوافز ذات تأثير كبير في بذل الجهد للوصول إلى الهدف . لكنَّ الخوف من الوقوع في المحظور أكبر تأثيراً ، فقد تجد أناساً يبذلون الجهد ، ويسعَوْن بخطا حثيثة للوصول إلى الأحسن ، لكنك ترى عامّة الناس يبذلون الجهد ويثابرون على أمرٍ ما خوفَ الانتكاسة والعودة إلى الوراء ، والسقوطِ فيما يحذرونه ويتجنّبونه . فالترهيب كالترغيب تأثيراً ، والقرآن الكريم يتناولهما بمقدار يناسب المطلوب ، لأنهما كجرعة الدواء ، ينفع إذا استعمل بحكمةٍ ، ويضرُ إن زاد عن الحد . ـ فمن الأمثلة عليهما ، قوله تعالى مخاطباً الكفار الزاعمين أن القرآن مفترى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا أ ـ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ب ـ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) جـ ـ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) }(البقرة) . فهم لا يستطيعون إيجاد سورة واحدة تشابه صور القرآن الكريم ، ولو استعانوا بكل المخلوقات إنسهم وجنّهم . ولما كانوا ـ هكذا ـ عاجزين فليعلموا أن القرآن منزل من رب العالمين ، أما جزاء الكافرين فنار الله التي تأكل الحجارة لقوتها وشدتها ، فضلاً عن المجرمين الكافرين ، الذين عصوا الله ورسوله . ونعوذ بالله من عصيانه ، نشهد أنه الملك الجبار ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد . . . إنها كلمات تهزّ أرباب النهى وأصحاب العقول . فإذا ما أحسَّ الإنسان تلك الرعدة في قلبه جسمه ، وعلم أنه عاجز ضعيف التجأ إلى القوي العزيز فسمعه يقول : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أ ـ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ب ـ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ جـ ـ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا د ـ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ هـ ـ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}(البقرة) . فالآية : فيها بشرى للمؤمنين الذين يعملون الصالحات . وهذه البشرى جنات ، وليست جنَّة واحدة ، فيها الماء الكثيرُ الزلالُ ، ثمارها تشبه في الصورة ثمار الدنيا ، ولكنَّ طعمها ولذّتها لا يعدِلُهما شيء . لهم في هذه الجنات نساء طاهرات زاكيات ، لسن كنساء الدنيا المرهقات بمطالبهن ، الكثيرات في إيذائهن حاشا الصالحات منهنّ. وليس في الجنة موت ، بل نعيم خالدٌ ، وحياة رغيدة تدوم أبد الآبدين ، وتزداد خيراً وفضلاً . . نسأل الله أن يجعلنا من أهلها . فحين تعتري الإنسان هزة الخوف ، ويرتعد من عذاب الله إن كفر وضلَّ يجد السكينة والأمان في الإيمان بالله ، والعمل على مرضاته . ترغيب وترهيب يصوغان فكر الإنسان ، ويدفعانه للصواب والرشاد . ـ وتأمل معي التمازج الرائع بين الترغيب والترهيب في هذه الآيات الكريمة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}(آل عمران) . فالجملة الأولى تحذير ، الثانية ترغيب والثالثة تحذير والرابعة ترغيب .تتابع الجمل محذرة ومرغّبة ، فتندمج الرغبة والرهبة في نفس المتلقي لتكوّن في ذبذباتها الصاعدة الهابطة انفعالاً في النفس المؤمنة ، فيتولد الحذر من سوء العاقبة ، والأمل في مآل طيّب حميد . ـ وقارن معي هاتين الآيتين في الوعد والجزاء : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} (المائدة) . أ ـ فالذين آمنوا يقابلهم الذين كفروا . ب ـ والذين عملوا الصالحات يقابلهم الذين كذّبوا بآياتنا . جـ ـ والذين نالوا المغفرة والأجر العظيم يقابلهم أصحاب الجحيم . فاختر لنفسك ما يناسبك أيها الإنسان . ـ وانظر معي إلى هذا البيان الإلهي الدويّ : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)} (المائدة) . هل جاءكم هذا البيـان ؟ * وهل سمـعتُم الأذانْ ؟ إمــا عـــقــاب مـا حـقٌ * مـا بـيـن نـار ودخـانْ أو رحمة لمـَن أطـاع * الله في روض الجنـان * ـ ومن الأمثلة في الترغيب والترهيب قوله تعالى : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أ ـ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ب ـ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا جـ ـ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}(الأنعام) . والبصيرة هنا القلبُ المستنير والعقلُ المدرك تأتيه الآيات البينات من ربه فَمَنْ آمن بها وعمل بتعاليمها أفاد نفسه ونجا ، ومن ضلَّ عنها وأنكرها خاب وخسر . . . وما على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا البلاغ . ـ ونجد في المعنى نفسه قول الله تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ أ ـ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 8 ) ب ـ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} (الأعراف) . وهل أشد خسارة من أن يخسر الإنسان نفسه في جهنّم خالداً فيها . . ؟ !!. ـ وتعال معي أيها الإنسان ـ إن كنت لبيباً ـ إلى هذه الصورة ذات الشقين المختلفين : الصورة الأولى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} (الأعراف) . هذه صورة النعيم للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله ، فما صورة الكافرين ؟! . الصورة الثانية : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)} (الأعراف) . فمن صد عن سبيل الله لعنه الله ، ومن لعنه الله كان من الخاسرين . . . ـ ومن الأمثلة الشديدة الوضوح قوله تعالى : أ ـ { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ب ـ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ جـ ـ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) أ ـ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ب ـ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا جـ ـ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)} (يونس) . فمن أي الفريقين أنت أيها القارىء الذكي ؟ !! . ـ والأشقياء مأواهم النار لهم من شدة كربهم زفيرٌ لا يخرج من نفوسهم إلا بشدة ، وقال بعض المفسرين : إن صراخ الكافرين في جهنم وأصواتهم صوت الحمير أوّله زفير وآخره شهيق ـ والعياذ بالله ـ قال تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } (هود) . والسعداء ـ جعلنا الله منهم ـ خالدون في جنة يأخذون ما آتاهم ربهم من فضل وعطاء يتزايدان . . وعطاء الله لأوليائه يستمر أبد الآبدين . { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} (هود) . ـ وفي سورة الرعد مقدَّمة ُترهيب وترغيب ثم ذكرُ أسباب دخول الجنّة ، ثم بيانٌ لعذاب أهل النار مما يجعل أهل الألباب يسارعون إلى مرضاة الله . . ولكنْ إذا ضيّع الناس عقولهم ما يصنعون ؟ إنهم يقتدون بكل شيء دون فائدة . { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) أ ـ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) ب ـ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ جـ ـ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ د ـ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) هـ ـ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ و ـ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ز ـ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ح ـ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) }(الرعد) . أ ـ { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ب ـ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ جـ ـ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}(الرعد) . فلينظر أحدنا أيُّ الصفات تنطبق عليه ؟ وليعملْ لما ينجيه من عذاب الله . ـ ونسمع هنا صوت المولى عزَّ وجلَّ ـ نسمعه بأسماع القلوب الحساسة والأفئدة الصافية ـ يطلب إلى رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخبر عباده بقدرته على العفو والمغفرة ـ لمن آمن واتقى ـ والعذاب والويل لمن كفر وطغى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}(الحجر) . جملتان قصيرتان في اللفظ مليئتان في المعنى . . يــا ربّ فـاغـفــر ذنـبـنـا * أنــت الـكـريـــم الـغـافــر وارحــم إلــهـي ضـعـفنا * أنــت الـرحــيـــم الســاتر واهـد القـلـوب الحائرات * فـــأنـــت هـــــادٍ قـــــادر واكتـب لنا الجنات فضلاً * إن فــــضـــلــــك وافــــر واغـفـر بـحق المصطفى * ذنــبي فضعفي ظاهر* ـ يا أيها الإنسان إن كنت تريد الدنيا فقط فربما أعطيناك وربما منعناك ، وكنت من أهل النار تصلاها خاسئاً خائباً ، وإن كنت إنما تريد الآخرة وتعملُ لها بقلب مؤمن شكرنا لك همتك ، وأوصلناك إلى ما تريد ، قال تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} (الإسراء). ـ وهذه صورة أخرى توضح خاتمة كلٍّ من الفريقين . ( فاختر لنفسك يا إنسان ما نفعا ) . { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)} (الكهف) . ـ وافتح أيها الأخ الكريم شاشة العرض ، علك ترى فترعوي ، فليس راءٍ كمن سمعا ، وتدبّر فأنت في دار الاختيار ، فاختر ما ينفعك في آخرتك ، وتعرّف على أحوال الكافرين ، وخذ العبرة منهم ، والتصق بالمؤمنين الأتقياء عسى الله أن يُلحِقَك بركبهم فتكون من المقبولين : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} (الكهف) . ـ وعاين أيها الأخ الحبيب مآل من كذّب باليوم الآخر ـ والعياذ بالله . أ ـ { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ب ـ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) جـ ـ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) د ـ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) هـ ـ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) }(الفرقان) فهم حين أنكروا يوم البعث والنشور لم يعملوا له ، وأهملوه فكانت النتيجة : أ ـ أن جهنّم صارت لهم مآلاً . ب ـ يسمعون غضبها وغليانها من بعد بعيد وهي تراهم وتتشوق إليهم وتنتظر الأمر بالتقاطهم . جـ ـ يدخلونها مصفدين ، أيديهم إلى أعناقهم . د ـ يلقون فيها في مكان ضيّق يخنقهم . هـ ـ يدعون على أنفسهم بالموت والهلاك دون فائدة . و ـ يسخر منهم الزبانية قائلين : ادعوا على أنفسكم كثيراً . { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)} (الفرقان) . فالمؤمنون نجوا من مصير الكفار المرعب ، وربحوا الجنّة وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فكانوا أهلها ينالون كل ما يتمنّون ، فالله تعالى وعد المؤمنين بها ، وكان حقاً عليه ما وعدهم إياه سبحانه وتعالى . اللهم اجعلنا من أهل خاصتك في الجنّة يا رب العالمين . ـ وفي سورة السجدة وصف للمؤمنين يؤهلهم لجنات الله ورضوانه عسانا نكون منهم { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا أ ـ خَرُّوا سُجَّدًا ب ـ وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ جـ ـ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) د ـ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ هـ ـ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا و ـ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) . وتعال إلى وصف أهل النار أعاذنا الله من مصيرهم { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ أ ـ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ب ـ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}(السجدة) . ـ ولفتة سريعة إلى صورة رائعة للمؤمنين في الجنة { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}(القيامة) . ـ ولفتة سريعة أخرى إلى لوحة كئيبة مزرية للكافرين في النار { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} (القيامة) . الأولى : صورة الأبرار من أهل السعادة ، وجوهم مشرقة مضيئة من أثر النعيم ، تنظر إلى جلال ربها ، وتهيم في جماله ، وهذا أعظم نعيم لأهل الجنة ، رؤية المولى جلّ وعلا بلا حجاب . . اللهم اجعلنا منهم ، فأنت ذو الفضل والكرم والعطاء والمنن . الثانية : صورة الكفرة ذوي الوجوه الكالحة العابسة ، وجوه الأشقياء من أهل الجحيم . يتوقعون أن تنزل بهم داهية عظمى ، تكسر فقار ظهورهم . . نسأل المولى النجاة من هذا المصير المرعب . وهكذا تتوالى آيات الترغيب والترهيب موضحةً نهاية كل من المؤمنين الصادقين والكافرين الضالين . تنذر وتحذر ، وتبشر وترغّب . . أما أهل البصائر ومَنْ هداهم الله فإلى رحمة الله ، وأما الآخرون ممن حقت عليهم كلمة العذاب ففي خسران : يــا رب إنـي مؤمـن * أجـوك أن تـغـفـر لـي أحـب أن تـعـفوَ عن * ما قـد بـدا مــن زلـلـي وحبُ طه واتباع الحـق * يـــحـــيـــي أمـــلــــي إنــي إلــيـه أنـتـمــي * فهبني حسن العمل** الهوامش: * الأبيات للمؤلف ** من كتاب صور من تأذي الرسول في القرآن الكريم ص 87
|
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |