![]() |
العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() تطوير فن المقامة:
على الرغم من أن الدكتور شوقي ضيف يرى أن التعقيد اللغوي في كتابة المقامة عند بعض الأدباء في العصر الحديث من أمثال اليازجي قد يكون هو "السبب الحقيقي في أدباءَنا المحدثين نفروا من الجري والسبق في هذا المضمار، وكأنهم وجدوه لا يلائم الذوق الحديث.."، فإن فن المقامة قد ظل له بين الأدباء من يجرّب الكتابة فيه كلّما رأى ذلك مناسباً وإذا كان بعض الدارسين من أمثال الدكتور عبدالرحمن ياغي يرون أن "العنصر الدرامي أو المسرحي في هذا الفن يقف قوياً .. ظاهراً .. إلى جانب العنصر اللغوي، بحيث يفوق الكثير من العناصر القصصية، فهو إلى المسرحية أقرب منه إلى القصة". فإن بعض المقامات المشهورة للبديع والحريري قد مُثلت على المسرح أو من خلال التلفاز، وذلك بعد إجراء لمسات مناسبة عليها، والحق أن فن المقامة في هذا العصر ما زال له تميّزه وسحره الخاص عند المثقفين، على نحو يدعو إلى تطوير قواعده، بما يتناسب وهذا العصر، وما ظهر فيه من وسائل تمثيل، مثل: السينما والتلفاز، فضلاً عن المسرح، ونحن نرى أن تطوير فن المقامة ينبغي أن يتلاءم مع هذه الوسائل الحديثة، فضلاً عن التلاؤم مع الذوق المعاصر، وذلك يكون بالابتعاد عن الألفاظ المتأبدة الغريبة، وبالابتعاد عن التعقيد البلاغي في الأسلوب، ولا بأس هنا من الإبقاء على السجع، من أجل الموسيقى، شريطة أن يكون هذا السجع طبيعياً غير متكلّف، كذلك لا بأس من مراعاة الحوار المسرحي التمثيلي الحديث، والابتعاد عن أسلوب "قال وقلت القديم"، وإذا كان لا ضير من الابقاء على دور الراوي في المقامات فإن من الأفضل عدم الإبقاء على وحدة البطل، ذلك أن التنويع في الشخصية الأساسية قد يكون شائقاً أكثر، لأنه أقرب إلى طبيعة الواقع، وأبعد عن التكلف، الذي يضطر الكاتب خلال مقامات كثيرة إلى أن يُلبس بطله الواحد لبوس حالات عدة، والحق أن من أوائل الدارسين الذين تنبهوا إلى هذا هو الدكتور زكي مبارك، إذ نجده يقول: "من مظاهر الضعف عن بديع الزمان ومن حاكاه وقوفه عند شخصية واحدة، فأبو الفتح الاسكندري يتنقل من قصة إلى قصة، وعيسى بن هشام يحدثنا في كل مرة عن دهشته من كشف شخصيته، مع أنه كان يكفي أن يشتبه عليه أمره مرةً أو مرتين، ولكنه في جميع الأحوال يصل فيه عرفانه، ولا يتبينه إلا بعد كشف اللثام. وأخيراً فلا بأس على فن المقامة الحديث من أن يتحرر من إسار موضوع "الكُدية" القديم، لينطلق ويعالج المشكلات الاجتماعية المعاصرة المختلفة المتنوعة؛ فهذا أجدى للقارئ وأكثر متعة ... وبعد .. فإننا في دعوتنا إلى الاهتمام بفن المقامة وتطويرها بما يتناسب والعصر الحديث، لسنا بأوّل المبادرين، ذلك أننا نجد الدكتور شوقي ضيف يحرص على أن ينهي كتابه "المقامة" بهذه الدعوة إذ يقول: ".. إننا لنأمل أن يجد هذا الفن بين الشباب من يُعيد إليه الحياة، ومن يهب له حيوية خصبة، لا في إطاره السابق، بل في إطار جديد، لا يرتبط بالموضوع البسيط القديم، ولا بأبطاله الشحاذين، وإنما يرتبط بحياته الاجتماعية الحديثة، وما بها من لواذع السخرية في الكلِم والمواقف.
|
#12
|
||||
|
||||
![]() أقوال في أسباب نشأة المقامة:
الظروف السياسية: أطل القرن الرابع الهجري على الدولة الإسلامية فوجدها من الوجهة السياسية تفاريق وأجزاء. عصفت بها رياح الخلاف والاختلاف. أسهم بعض خلفاء الدولة العباسية في قيام دويلات ساهمت في الإغراء بقيامها إغراءً قوياً شديداً. هذه الدويلات التي أنشئت حركت الدوافع الكامنة في نفوس كثير من الأجناس، والقوميات التي يتشكل فيها جسم الدولة على أساسات مختلفة. في ظل هذه الظروف السياسية، وما أصاب الدولة الإسلامية من تدهور سياسي مريع برز فن المقامة واستوى ناضجاً له أصوله ومقوماته ملامحه وسماته. برزت الحركة الأدبية بروزاً واسع النطاق في عصر كثرت به المشاكل والفتن بالإضافة إلى تغييرات في المجتمع العباسي في أساليب البناء والأكل والغناء والحياة بأسرها هي التي أصبحت الأساس التي قام عليها المجتمع العباسي الجديد، والتي جهد في تصويرها بديع الزمان الهمذاني من خلال مقاماته. الظروف الاجتماعية: اتشحت الحياة الاجتماعية برداء الحياة السياسية الخلق وراح أمراء تلك الدويلات المتناثرة على بقعة الأرض العربية الإسلامية يتنافسون في ابتداع ألوان من السرف، ويفتنون في ابتكار ضروب من الترف، قد يستطيع العقل أن يتخيلها، ولكنه يعجز تماما عن أن يحققها. كان من الطبيعي أن تكون هذه الحياة البذخة الممزقة باهظة التكاليف، وهذه التكاليف الباهظة يجب أن يتحملها الشعب المقهور كي لا يفسد على سادته متعتهم وينغص عليهم مسرتهم وعيشهم. في ظل هذه الحياة اللاهية العابثة من جانب، والقاسية من جانب آخر كان من الطبيعي أن تكثر المجاعات وتنتشر السرقات وتفشي ألوان من الفسق والفجور وتشيع الكدية والاستجداء. لم يكن حال الأدباء في هذا العصر أفضل من حال مواطنيه فقد انقسموا إلى صنفين: 1. صنف أتيح له أن يتصل بالأمراء، ويخالط الوزراء ويحيا على أكتافهم ينعم بلذائد الحياة المادية ما وجد إلى ذلك سبيلا. 2. صنف آخر لم يتح له النجاح في تحقيق الصلة مع الأمراء، والوزراء أو عافت نفسه ذلك الاتصال هؤلاء قاسوا شظف العيش وضنك الحياة وعانوا لذع الحرمان ومرارته. شاعت في هذا العصر ثلاث ظواهر في المجتمع آنذاك شيوعا كبيرا: 1. الظاهرة الأولى: الاستكثار من الجواري والغلمان. 2. الظاهرة الثانية: انتشار مجالس اللهو والمجون. 3. الظاهرة الثالثة: ظهور طائفة من الأدباء الفقراء يجوبون البقاع يتكسبون بأدبهم ويتسولون به لقمة العيش لأولادهم ويحتالون في سبيل ذلك احتيالا بالغاً، وقد يستغلون سذاجة البسطاء من عامة الناس عرفت هذه بأهل الكدية وهو ما صرح عنه بديع الزمان في بعض مقاماته. الظروف الثقافية: تحول كثير من الأدباء في هذا العصر إلى ندماء في قصور الخلفاء أو مستجدين لأموالهم بواسطة المديح إلا أن هذا الجانب وحده لا يعطي صورة حقيقة للحركة الفكرية. لم يقتصر العباسيين في فكرهم على الفكر العربي الإسلامي الخالص بل فتحوا الباب واسعاً أمام التيارات الثقافية المختلفة المعروفة آنذاك ( الهندية، الفارسية، اليونانية) تركوها تتصارع مع الفكر الإسلامي الخالص، وتلونه. لقد فتح العباسيون المجال لحرية الفكر في كل اتجاهاتها إلا اتجاها واحدا هو التعرض إلى سلامة الدولة. لقد أصبح الفنان الشاعر و الأديب في كثير من حالاته بهلوانا أو مستجديا في قصور الخلفاء. ثم أن الفكر نفسه قد صار يتعامل به المشعوذون. أمكن لنا ذلك أن نعرف أن ما جمعه بديع الزمان في مقاماته بمهارة تقدم صورة واهية لذلك المجتمع العباسي . غير أن الصورة التي استقى منها بديع الزمان فن المقامة تظل ناقصة إذا أهملنا ظاهرة هامة لعبت دورا رئيسيا في تلك الفترة وهي ظاهرة البؤس التي آل إليها كثير من الأدباء، وأصحاب المهارات في ذلك المجتمع وهنا تتضح كيف كانت المقامة الفنية عند بديع الزمان الهمذاني وليدة بيئة بعينها في مرحلة معينة من مراحل التاريخ . اسم المقامة وطولها: غالباً ما تؤخذ أسماء المقامات من اسم البلد الذي انعقد فيه مجلسها، فمن أسماء مقامات الحريري مثلاً: المقامة الصنعانية، المقامة الحلوانية، المقامة الكوفية، المقامة المراغية، المقامة الدمشقية، المقامة البغدادية، المقامة السنجارية، وتختلف المقامات فيما بينها في الطول، فقد تكون طويلة، وقد تكون قصيرة. تأثير المقامة العربية في أدب العالم:
يشير بعض النقاد الى أن المقامة العربية قد أثرت في الأدب الغربي تأثيراً واسعاً، فقد أثار بعض الباحثين مسألة تأثيرها في (الكوميديا الإلهية) لدانتي، وكان لأثرها بروزٌ كبيرٌ وواضحٌ في قصص الشطّار الأسبانية التي تتحدث عن أحوال المجتمع وظروف الأغمار من الناس وقصص الطماعين والشحاذين، مما أوحى به مضمون المقامة، واعترف به المهتمون بالأدب الأندلسي استناداً الى المقارنات التي عقدوها بين المقامة والأدب السردي في أوربا.
|
#13
|
||||
|
||||
![]() نص المقامة البغدادية لبديع الزمان حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعْهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ: أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ *** لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ *** فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ معاني الكلمات: 1- الأزاد: نوع من التمر الجيد 2- على نقد: أي والحال أني مُعدم لا مال عندي 3- المحالُّ: جمع محلة، والمراد بها الأماكن التي يوجد بها الأزاذ، وانتهز: المراد منه أتلمس وأقصد، ولكنه جعلها كالغنيمة التي يسارع لانتهازها اللَّبقُ، والكرخ: محل ببغداد، والضمير في "أحلني" راجع إلى الأزاذ، من باب إسناد الفعل للسبب. 4- السواد: ريف العراق وقُراه، والنسبة إليه سواديٌّ، والمراد رجل من أهل السَّواد، وهم – في أغلب الأحوال – أغرار لا يفطنون لدقيق الحيل. 5- أراد بالصيد ذلك الرجل، ثم أقبل عليه يحادثه ويكالمه، ويتدخل معه، ينال منه ما أراد. 6- أخذ يُدخلُ بحيلته في روع السَّوادي أنه أليف قديم وصاحبٌ من عهد بعيد، فلما أخطأ تكنيته، وخشى ألا تجوز حيلته، عمد إلى انتحال المعاذير، بطول أمد الفراق، وبعد عهد التلاق. 7- المراد بالدِّمنة القبر، والربيع هنا: النبات، وكنى بذلك عن موته منذ عهد ليس بالقصير. 8- البِدار: المبادرة والمسارعة، والصِّدار: ثوب يلبس مما يلي الجسد، والمعنى أنه حين سمع بموت أبيه بادرَ إلى ثوبه ليمزقه؛ إظهاراً للجزع، وتأكيداً للحيلة بأنه صديق أبيه. 9- جُمْع اليد، بضم الجيم: قَبضَتها، والمعنى أنه قبض بكل يده عليه ليمنعه من تمزيق صِدَاره. 10- استفزته: استهوته وحركته بشدة، والحمة في الأصل: إبرة العقرب التي تلسع بها، ثم حملت على الشدة مطلقاً، والقَرَم: الشهوة البالغة لأكل اللحم، واللقم: السرعة في الأكل، والمعنى أن شدة حبه للطعام وعظيم شوقه إليه أسْرعا به إلى موافقتي. 11- الجوذابة: رغيف يخبر وفوقه طائر أو قطعة لحم. 12- السماق: حب صغير أحمر حامض يعتبر من المُشهِّيات. 13- الساطور: سكين عظيمة، وبهذا الاسم تعرف عند العامة من أهل مصر إلى يومنا هذا. 14- اللوزينج: نوع من الحلوى يتخذ من الخبر، ويسقى بدهن اللوز، ويحشى بالنَّقْل، ومعنى كنوه ليليَّ العمر أنه صنع ليلا، ومعنى كونه نهاريَّ النَّشر أنه قد ظهر نهاراً، ليكون – بعد مضي هذا الوقت – قد شرب دهنه وعسله. 15- يشعشع: يخلط، ومن ثم قيل للخر: مشعشعة؛ لأنها تشرب مخلوطة بالماء كثيراً، قال عمرو بن كلثوم: مُشَعشَعةً كَأنَّ الحُصَّ فِيها ******إذا ما الماء خَالَطَها سَخِينا 16- ويقمع: يقهر، والصارة: شدة الحر، ويفثأ: يكسر ويخفف، والمعنى إننا في حاجة إلى الماء المخلوط بالثلج، ليبرد عنا سطوات الحر، ويخفف من حدة هذا الأكل في أجوافنا. 17- اعتلق: تعلَّق أمسك، أي أن الشَّوَّا لم يتركه يخرج، بل أمسك به ليستوفي حقه منه. 18- أكلته ضيفاً: أي كنت مدعُواً لتناول هذا الطعام، فلا يحل لك أن تطالبني بثمنه؛ لأن الضيف لا يدفع ثمن ما يأكل. 19- هاك: اسم فعل بمعنى خُذ، والمعنى: تناول من الضرب واللكم ما أنت به خليق. 20- القِحَة: الوقاحة وسوء الأدب، ومعنى زن عشرين: أعْطِ وزن عشرين درهما. 21- المعنى: لا تكن خائر القوى فتقعد عن طلب الرزق وأنت تعلم أنه لا يأتيك حتى تعمل له، ولا يُقبِل عليك حتى تسير إليه، بل أجهد نفسك، وادأب في السعي إليه، ولا تدخر وسعاً في تحصيله. 22- أي أنه لا بد أن يأتي على المرء يوم يعجز فيه عن القيام بحاجته؛ فانتهز فرصة شبابك وقوتك، واغتنم من فتوتك، وحداثة سنك ما يساعدك على القيام بعظائم الأمور، وجلائلها. وفي الحلقة القادمة سنعرض التعليق والتحليل حول المقامة.
|
#14
|
||||
|
||||
![]() تعليق وتحليل على المقامة البغدادية:
بديع الزمان الهمذاني أديب مشهور من أدباء القرن الرابع للهجرة، نشأ بهمذان، ودرس فيها العربية والأدب، ثم رحل إلى نيسابور، وأخذ يكتب المقامات، فذاع صيته، وراح يتجوّل في المدن والقرى الفارسية، "ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان بلدة إلا دخلها، واستفاد خيرها، وقد مات وهو في سن الأربعين، سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة للهجرة بعد أن أشهر فن المقامة وأذاعه وأرسى قواعده، وإن كانت بذوره موجودة قبله، عند الجاحظ وابن دريد، على نحو ما مرّ بنا. وأما المقامة البغدادية فتتميز بحلاوة الدعابة وظرافة الحيلة فيها، وهي من أشهر المقامات التي كتبها بديع الزمان، ولا ينافسها في الشهرة، كما يرى زكي مبارك، سوى مقامته الأخرى، الموسومة بالمقامة "المضيرية" ... واللافت هنا أن الموازنة بين المقامتين تتمخض عن استخلاص الخصائص العامة لفن المقامة، كما غلبت عند بديع الزمان في سائر مقاماته، وكما حذا على مثالها الحريري بعده، إذ يلاحظ أن كلتا المقامتين تكاد توجد فيها عناصر القصة القصيرة بشروطها الحديثة: (البداية المشوّقة .. والحبكة .. والخاتمة المفاجئة"، ولكن مع ملاحظة أن المقامة البغدادية أقرب إلى روح المقامة، على حين أن المقامة المضيرية أقرب إلى روح القصة فهي لا تدور حول "الكدية"، كالمقامة البغدادية. ويلاحظ أن راوية البديع "عيسى بن هشام" موجود في كلتيهما، على حين أن بطل مقامات البديع "أبا الفتح الإسكندري" لا نجده في المقامة البغدادية، وإنما نجده في المقامة المضيرية كسائر المقامات، ولسنا ندري السبب في حلول الراوية عيسى بن هشام محله في المقامة البغدادية: هل سقط من المقامة العبارة التقليدية التي تشير إلى أنه يروي عن صديقه أبي الفتح، على نحو ما نجد في المقامة المضيرية مثلاً أم هل قصد البديع إلى أن يصور الراوية، وقد أخذ دور أبي الفتح في الحيلة والكدية؟ والمعروف في معظم المقامات أن بطل البديع أبا الفتح يتصف بصفات معينة: فهو أديب وشاعر ولكنه فقير وسيئ الحظ، ولذا نراه يعمد إلى الحيلة في تحصيل الطعام والمال، والغريب أن هذه الصفات جميعاً تتقاسمها المقامتان السابقتان. فنحن نرى عيسى بن هشام يقدم لنا صديقه أبا الفتح وما يتمتع به من بلاغة وأدب بقوله في بداية المقامة المضيرية: "... ومعي أبو الفتح الأسكندري رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه، والبلاغة يأمرها فتطيعه"، ولكننا لا نجد فيها شيئاً من حيله وكديته، وإنما نجد شيئاً من هذا في المقامة البغدادية عند صديقه الراوية، الذي يبدو يشبهه في ميله ولجوئه إلى الكدية، فالحيلة التي يلجأ إليها حين دخل بغداد تبدو ظريفة وطريفة حقاً، إذ تجوز على "السواديّ": هذا الفلاح الطيب البريء، فتوقعه في مأزق، لا يدري كيف أوقعه فيه هذا المحتال "العفريت" أو القُريد" على حد تعبيره: "كم قلت لذاك القُريد: أنا أبو عبيد، وهو يقول: أنت أبو زيد". ويرى الدارسون أن شخصية الراوية عيسى بن هشام هي شخصيّة خيالية، لا وجود لها، وأما شخصية بطل مقاماته في الغالب أبو الفتح الإسكندري صاحب الكدية، فيرون أنه قد استوحاها من شاعرين مكدين في عصره وبيئته وهما: الأحنف العكبري وأبو دلف الخزرجي، ذلك أن "طائفة من أصحاب الكدية في عصر البديع قد برزت، وكانوا يعرفون حينئذ بالساسانيين نسبة إلى ساسان، واشتهر من هذه الطائفة في عصره شاعران عقد لهما الثعالبي في يتيمته "فصلين طويلين، وهما الأحنف العكبري وأبو دلف الخزرجي، وصلة البديع في مقاماته بهذين الشاعرين وتأثره بهما تقوم عليه أدلة كثيرة..". ... وأما اللغة فهي تميل إلى الغريب في كلتا المقامتين على نحو ما نجدها في سائر مقامات البديع، كاستعماله في المقامة البغدادية لألفاظ غير مأنوسة نحو "جوذباته، الصارة، حُمة القرم"، ولا عجب في هذا؛ لأن أكثر الدارسين يرون أن من أهداف كتابة المقامات كان تعليم اللغة في عصر كان الاهتمام باللغة كبيراً، يقول الدكتور شوقي ضيف "... والحق أن مقاماته (البديع، إنما أراد بها إلى غاية تعليمية، ولذلك حشد فيها هذه الألفاظ الغريبة". وأما الأسلوب في المقامتين (البغدادية والمضيرية) فهو كأسلوب البديع في سائر مقاماته يميل إلى المحسنات البديعية ميلاً واضحاً، حتى غدا هذا الأسلوب من الخصائص المميزة لكتابة المقامة بعده، ولكن مع ملاحظة أن أسلوب بديع الزمان يبدو رشيقاً غير متكلف، وله وقعه الموسيقي الحسن في الأذن والنفس نحو قوله في المقامة البغدادية" .. فإذا أنا بسواديّ يسوق بالجهد حماره، ويطرف بالعقد إزاره، فقلت: ظفرنا والله بصيد، وحياك الله أبا زيد .." أو قوله "... لعنَ الله الشيطان وأبعد النسيان، أنسانيك طول العهد واتصال البعد، فكيف حال أبيك: أشابٌ كعهدي أم شابَ بعدي..؟! وإذن فأسلوب البديع شعري يبدو "خفيفاً رشيقاً، فليس فيه تكلف، وليس فيه صعوبة ولا جفاء، فهو دائماً كأنما يستمد من فيض لغوي لا ينفد، وتراه إزاء المعنى، وكأنه الصائد الماهر الذي يحسن إلقاء شِباكه على صيده، فلا يخطئه بل يصيبه دائماً ويخيل إليك كأنه يجمع نفسه جمعاً إزاء الكلمات اللغوية، فإذا هو قد أحصاها إحصاءً، وإذا هو يجيء بما يوافقه ويريده منها، وكأنه يمسك بزمامه.." وبعد .. فنخلص مما سبق أن أهم خصائص المقامة، كما أرسى قواعدها البديع هي: وحدة الراوي في جميع المقامات، وهو عيسى بن هشام ووجود البطل وهو في معظمها أبو الفتح الإسكندري، وله صفات معينة أبرزها: أنه أديب وعالم، ولكنه فقير سيّء الحظ، ولذا فهو يلجأ إلى الحيلة الظريفة في تحصيل لقمة عيشه. ومن هذه الخصائص أيضاً: موضوع الكدية الذي تدور حوله، والميل إلى غرابة اللفظ، وإلى أسلوب المحسنات البديعية، وهذه الخصائص هي التي غلبت على فن المقامة، حتى بعد البديع كما نجد عند الحريري مثلاً على نحو ما سوف نرى في النص القادم.
|
#15
|
||||
|
||||
![]() المقامة المكية للحريري: حكى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: نهضْتُ من مدينةِ السّلامِ. لحِجّةِ الإسلامِ. فلمّا قضيْتُ بعَونِ اللهِ التّفَثَ. واستبَحْتُ الطّيبَ والرَّفَثَ. صادَفَ موسِمُ الخيْفِ. معْمَعانَ الصّيفِ. فاستَظْهَرْتُ للضّرورةِ. بِما يَقي حرَّ الظّهيرةِ. فبَينَما أنا تحتَ طِرافٍ. مع رُفقَةٍ ظِرافٍ. وقدْ حَمِيَ وَطيسُ الحصْباء. وأعْشى الهَجيرُ عينَ الحِرْباء. إذ هجَمَ عليْنا شيخٌ مُتَسَعْسِعٌ. يتْلوهُ فتًى متَرَعرِعٌ. فسلّمَ الشيخُ تسْليمَ أديبٍ أريبٍ. وحاوَرَ مُحاوَرَةَ قَريبٍ لا غَريبٍ. فأُعْجِبْنا بما نثَرَ منْ سِمْطِهِ. وعِجبْنا منِ انبِساطِه قبلَ بسْطِهِ. وقُلْنا لهُ: ما أنتَ. وكيفَ ولَجْتَ وما استأذَنْتَ؟ فقال: أما أنا فعَافٍ. وطالِبُ إسْعافٍ. وسِرُّ ضُرّي غيرُ خافٍ. والنّظَرُ إليّ شفيعٌ لي كافٍ. وأمّا الانْسِيابُ. الذي علِقَ بهِ الارتِيابُ. فَما هوَ بعُجابٍ. إذ ما علَى الكُرَماء منْ حِجابٍ. فسألْناهُ: أنّى اهْتَدَى إليْنا. وبِمَ استَدَلّ علَيْنا؟ فقال: إنّ للكرَمِ نشْراً تَنُمّ بهِ نفَحاتُهُ. وتُرْشِدُ إلى روضِهِ فوْحاتُهُ. فاستَدْلَلْتُ بتأرّجِ عَرْفِكُمْ. على تبلّجِ عُرفِكُم! وبشّرَني تضوُّعُ رندِكُمْ. بحُسْنِ المُنقَلَبِ منْ عِندِكُم! فاستخْبَرْناهُ حينَئِذٍ عنْ لُبانَتِهِ. لنتَكفّلَ بإعانتِهِ. فقال: إنّ لي مأرَباً. ولفَتايَ مَطلَباً. فقُلْنا لهُ: كِلا المَرامَينِ سيُقْضى. وكِلاكُما سوفَ يرْضى. ولكِنِ الكُبرَ الكُبْرَ. فقال: أجَلْ ومنْ دَحا السّبْعَ الغُبْرَ. ثمّ وثبَ للمَقالِ. كالمُنشَطِ منَ العِقالِ. وأنشَدَ: إني امرُؤٌ أُبدِعَ بي *** بعدَ الوَجى والتّعَبِ وشُقّتي شـاسِـعةٌ *** يقْصُرُ عنها خَبَبي وما معي خـرْدَلَةٌ *** مطبوعةٌ منْ ذهَبِ فحيلَتـي مُـنـسَـدّةٌ *** وحَيرَتي تلعَـبُ بـي إنِ ارتَحَلْـتُ راجِـلاً *** خِفْتُ دَواعي العطَبِ وإنْ تخلّفْتُ عنِ الرُفْ *** قَةِ ضاقَ مذْهَـبـي فزَفْرَتي في صُـعُـدٍ *** وعَبْرتي في صبَـبِ وأنتُمُ مُنتـجَـعُ الـرّا *** جي ومرْمَى الطّلَـبِ لُهـاكُـمُ مـنـهَـلّةٌ *** ولا انْهِلالَ السُحُـبِ وجارُكُمْ فـي حـرَمٍ *** ووَفْرُكُمْ في حـرَبِ ما لاذَ مُرْتـاعٌ بـكُـمْ *** فخافَ نابَ الـنُـوَبِ ولا اسـتَـدَرّ آمِــلٌ *** حِباءكُمْ فما حُـبـي فانعَطِفوا في قِصّتـي *** وأحسِنوا مُنقـلَـبـي فلوْ بلوْتُمْ عـيشَـتـي *** في مطْعمي ومَشرَبي لساءكُمْ ضُرّي الـذي *** أسلَمَني لـلـكُـرَبِ ولوْ خبَرْتُمْ حسَـبـي *** ونسَبي ومـذْهَـبـي وما حوَتْ معرِفَـتـي *** منَ العُلومِ الُّـخَـبِ لما اعتَرَتْكُمْ شُـبـهَةٌ *** في أنّ دائي أدَبــي فلَيْتَ أنّـي لـمْ أكُـنْ *** أُرضِعْتُ ثَدْيَ الأدَبِ فقد دَهانـي شُـؤمُـه *** وعَقّنـي فـيهِ أبـي فقُلْنا له: أمّا أنتَ فقدْ صرّحَتْ أبياتُكَ بفاقَتِك. وعطَبِ ناقَتِكَ. وسنُمْطيكَ ما يوصّلُكَ إلى بلدِكَ. فما مأرَبَةُ ولَدِكَ؟ فقال له: قُمْ يا بني كما قام أبوكَ. وفُهْ بما في نفسِك لا فُضّ فوكَ. فنهضَ نُهوضَ البطَلِ للبِرازِ. وأصْلَتَ لِساناً كالعضْبِ الجُرازِ. وأنشأ يقول: يا سادَةً في المَعالـي *** لهُمْ مبـانٍ مَـشـيدَهْ ومَنْ إذا نابَ خطْـبٌ *** قاموا بدَفْعِ المكـيدَهْ ومن يهونُ علـيهِـمْ *** بذْلُ الكُنوزِ العَتـيدَهْ أريدُ منـكُـمْ شِـواءً *** وجرْدَقاً وعـصـيدَهْ فإنْ غَـلا فَـرُقـاقٌ *** بهِ تُوارَى الشّـهـيدَهْ أو لمْ يكُـنْ ذا ولا ذَا *** فشُبْعَةٌ مـنْ ثَـريدَهْ فإنْ تـعـذّرْنَ طُـرّاً *** فعـجْـوَةٌ ونَـهـيدَهْ فأحْضِروا ما تسنّـى *** ولوْ شَظًى منْ قَديدَهْ وروِّجوهُ فنَـفْـسـي *** لِمـا يروجُ مُـريدَهْ والزّادُ لا بُـدّ مـنْـهُ *** لرِحْلَةٍ لـي بَـعـيدَهْ وأنتُـمُ خـيْرُ رهْـطٍ *** تُدعَوْنَ عند الشّـديدهْ أيدِيكُـمُ كـــلَّ يومٍ *** لَهـا أيادٍ جَـــديدَهْ وراحُكُـمْ واصِـلاتٌ *** شمْلَ الصِّلاتِ المُفيدَهْ وبُغْيَتي في مَطـاوي *** ما تَرفِـدونَ زهـيدَهْ وفيّ أجْرٌ وعُقْـبَـى *** تنْفيسِ كَرْبي حَمـيدَهْ ولي نـتـائِجُ فِـكـرٍ *** يفضَحْنَ كُلّ قَصـيدَهْ قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا رأيْنا الشّبْلَ يُشبِهُ الأسَدَ. أرحَلْنا الوالِدَ وزوّدْنا الولَدَ. فقابَلا الصُّنْعَ بشُكْرٍ نشَرَ أرديَتَهُ. وأدّيا بِه ديَتَهُ. ولمّا عزَما على الانْطِلاقِ. وعَقَدا للرّحلَةِ حُبُكَ النّطاقِ. قُلتُ للشّيخِ: هلْ ضاهَتْ عِدَتُنا عِدَةَ عُرْقوبٍ. أو هلْ بقيَتْ حاجةٌ في نفْسِ يعْقوبَ؟ فقال: حاشَ للهِ وكَلاّ. بل جَلّ مَعروفُكُمْ وجَلّى. فقُلتُ لهُ: فَدِنّا كما دِنّاكَ. وأفِدْنا كما أفَدْناكَ. أينَ الدّوَيْرَةُ. فقدْ ملَكَتْنا فيكَ الحَيرَةُ؟ فتنفّسَ تنفُّسَ منِ ادّكَرَ أوطانَهُ. وأنشدَ والشّهيقُ يلَعثِمُ لسانَه: سَروجُ داري ولكِـنْ *** كيفَ السّبيلُ إلَـيْهـا وقدْ أنـاخَ الأعـادي *** بها وأخْنَوْا علَـيْهـا فوالّتي سِرْتُ أبْغـي *** حَطّ الذُنوبِ لـدَيْهـا ما راقَ طرْفيَ شيءٌ *** مُذْ غِبتُ عنْ طرَفَيْها ثمّ اغرَوْرَقَتْ عيناهُ بالدّموعِ. وآذَنَتْ مَدامِعُهُ بالهُموعِ. فكَرِهَ أن يستَوكِفَها. ولم يملِكْ أن يكَفْكِفَها. فقطَعَ إنْشادَهُ المُستَحْلى. وأوجَزَ في الوَداعِ وولّى.
|
#16
|
||||
|
||||
![]() معاني كلمات المقامة المكية:
مدينة السلام: بغداد، والسلام: اسم دجلة. التفث: مناسك الحج. استبحت: استحلت. الرفث: الجماع. الموسم: المجمع، والخيف: خيف منى، والمراد مجمع الحاج هناك. معمعان الصيف: شدة الحر وتوقده. استظهرت: استظلت. طراف: خيمة من أدم. الوطيس: التنور، والحصباء: الحصى الصغار، شبه حرارة الحصباء بالتنور. أعشى: أعمى وعشى. متسعسع: هرم أديب أريب: عاقل فطن. السمط، بالكسر، والسماط: النظام يجمع اللؤلؤ والخرز والودع في عقد. الانبساط: ترك الاحتشام. قبل بسطه: قبل أن نجعل له سبيلاً إلى ذلك. العافي: السائل، طالب المعروف. ضري: ضرري. الانسياب: الدخول بسرعة النشر: الرائحة الطيبة. تنم به: تفوح وتخبر به. نفح الطيب: فاح، وله نفحة طيبة. فوحة الطيب: تضوع رياه. العرف: الرائحة. والأريج والتأرج: توهج ريح الطيب. التبلج: من البلج وهو وضوح النور. العرف: المعروف. الرند: نبت طيب الرائحة. وتضوعه: فوح رائحته. اللبانة: الحاجة. الكبر الكبر: قدم الأكبر. ومن دحا السبع الغبر: أي ومن بسط الأرضين. أنشط الحبل: حله. العقال: حبل يعقل به البعير. أبدع بي: عطبت راحلتي. الوجى: وجع الرجلين من الحفاء. شقيّ: مسافة مقصدي. الخبب: ضرب من العدو دون الجري. ما معي خردلة: يريد مقدار خردلة. راجلاً: ماشياً على رجليه، دواعي العطب: أسباب الهلاك. مذهبي: طريقي. الزفرة: التنفس. صعد: ارتفاع. العبرة: الدمعة. الصبب: الانحدار والهبوط. منتجع الراجي: محل انتجاع الآمل أي مقصده. اللهوة: العطية. منهلة: منسكبة متتابعة. في حرم: في منعة واحترام. ووفركم: وما لكم. في حرب: في انتهاب، بمعنى أنه مبذول لسائله بكثرة كالمنتهب. ما لاذ مرتاع: ما لجأ خائف فزع. استدر: استحلب. حباءكم: عطاءكم. وأحسنوا منقلبي: فيلوا وانظروا في أمري واحسنوا انقلابي ورجوعي. بلوتم: أخبرتم. لما اعترتكم شبهة: أي لما علق بكم شك. الشؤم: نقيض اليمن. عقني: قطع رحمي. مأربه: حاجة. لا فض فوك: أي لا كسرت أسنانك ولا فرقت. أصلت: جرد وأخرج بسرعة. كالعضب الجراز: كالسيف الماضي القاطع لكل شيء. العتيدة: الحاضرة المستعدة أو الجسيمة. شواء: لحماً مشوياً. جردقاً: رغيفاً. به توارى الشهيدة: تلف وتؤكل به الشهيدة أي الهريسة. الثريدة: من ثردت الخبر ثرداً: وهو أن تفته ثم تبله بمرق. العجوة: أجود التمر. النهيدة: صنف من طبيخ العرب وهي الزبدة التي لم يتم روب لبنها. الشظى، جمع شظية: وهي القشرة الصغيرة من خشب ونحوه. روجوه: عجلوه وهيئوه. أيديكم، جمع يد: بمعنى العضو المعروف. أياد، جمع أيد جمع يد: بمعنى النعمة والعطية. الراحة: باطن الكف. واصلات، من الوصل: ضد القطع. الصلات: العطايا. في مطاوي ما ترفدون: في ضمن ما تعطون. أرحلنا الوالد: أعطيناه راحلة. زودنا الولد: أعطيناه زاداً مما طلب. بشكر نشر أرديته: يعني أكثرا من الشكر حتى اشتهر صيته. الحبك: ما تشد به المرأة وسطها كالمنطقة. النطاق: شقة تلبسها المرأة ثم تشد على وسطها خيطاً ثم ترسل الأعلى على الأسلف إلى الأرض، والجمع نطق. ضاهت: ماثلت وشابهت. عرقوب: هو يهودي من خيبر كذوب، يضرب به المثل في خلف الوعد. جل معروفكم: عظم عطاؤكم. جلى: كشف الهم وأذهبه. فدنا: فجازنا بحديثك. الدويرة: البلدة. يلعثم: يحبس ويوقف. سروج: بلد بين العراق والشام. أخنوا عليها: أهلكوها وأفسدوها.
|
#17
|
||||
|
||||
![]() تعليق وتحليل على المقامة المكية للحريري
الحريري هو القاسم بن علي، ولد بالبصرة في عام 446هـ، وكان أديباً .. واسع المعرفة باللغة، ومن كتبه "مُلحة الإعراب في كلام الإعراب" وهي قصيدة في النحو، وكتاب درّة الغوّاص في أوهام الخواص" وهو كتاب لغة محقق ومنشور، ويعد الحريري أهم ناثر ظهر بعد أبي العلاء في رأي الدكتور شوقي ضيف، وقد توفي عام 516 للهجرة. أما النص السابق فنرى فيه مقامة من أشهر المقامات التي كتبها وهي "المقامة المكية"، ذلك أن شهرة الحريري الأدبية العريضة قد قامت على مقاماته، التي ذاع صيتها، وأعجب الناس بها في القديم، وقد نسجها على منوال مقامات بديع الزمان، لكنه أظهر تواضعه العلمي والأدبي، إذ اعترف بهذا قائلاً: "أُنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظالغ شأو الضليع" أي: هيهات أن يدرك الناشئ اللاحق منزلة المتمكّن السابق..!... وفي العبارة إقرار ضمني من الحريري بأن البديع هو المنشئ الحقيقي لفن المقامة، ... وتبدو متابعة الحريري لبديع الزمان في كتابة المقامات حليةً، حين نحلل المقامة المكية، ونتعرف إلى الخصائص الأساسية الغالبة كما أرسى قواعدها البديع في مقاماته. وأبرز هذه الخصائص هي: (أ) وجود شخصية الراوي، وهو في المقامة المكية، كما هو في سائر مقامات الحريري – الحارث بن همّام، ودوره في هذه المقامات يقابل دور الراوية في مقامات بديع الزمان وهو "عيسى بن هشام". (ب) بطل الحدث والحيلة، وهو في المقامة المكية، كما هو في سائر مقامات الحريري – أبو زيد السروجي، ويشبه في دوره، وصفات شخصيته بطل بديع الزمان أبا الفتح الإسكندري، فهو بليغ أريب، وشاعر أديب، لكنه سيِّئ الحظ، فقير، يلجأ إلى الحيلة لتحصيل الطعام أو المال. (ج) الكُدية، ويدور حولها الحدث الذي تقوم عليه المقامات في الغالب، إذ يلجأ أبو زيد السروجي بطل الحريري – مثل أبي الفتح الإسكندري بطل البديع – إلى الحلية لاكتساب لقمة العيش أو المال، وقد بدت الكُدية واضحة في المقامة المكية، فالسروجي لا يسأل القوم الذين يلجأ إليهم في أثناء موسم الحج مباشرة، وكأنه شحاذ عادي، وإنما يبهرهم أولاً ببلاغته وسحر بيانه، ثم يزعم لهم أنه وجيه ذو حسب ونسب وأدب، قد جاء إلى الحجاز حاجاً مع رفاقه من بلد بعيد، "سروج"، ولكنه فقد ركوبته التي جاء عليها، وفقد ماله، ولا يستطيع أن يعود إلى موطنه راجلاً، لأنه شيخ متسعسع (هرم)، ومعه غلام ناشئ مترعرع، فتجوز الحيلة على الجماعة عندها ويساعدونه وابنه بإعطاء ناقة وطعام، على نحو ما رأينا. .. وهذا الأسلوب في التحيّل للوصول إلى المال والطعام، نجده في كثير من مقامات الحريري، وفي كثير من مقامات البديع قبله، مثل المقامة البغدادية، التي مرت بنا. (د) الظرف أو الدعابة، ونلمسها في المقامة المكية، وأكثر مقامات الحريري والبديع، وهي تنجم في الغالب من الحيلة التي يلجأ إليها البطل، ومن المفارقة التي تتخللها، ومن أسلوب معالجة الأجيب لها، ويلاحظ هنا أن الفكاهة أو الدعابة في مقامات البديع أوفر منها في مقامات الحريري، وهذا عائد إلى أن البديع كان ذا روح مرح ممتلئ بالفكاهة، كما لاحظ بحق شوقي ضيف، فهو يرى أن بديع الزمان قد ".. أوتي خفّة ورشاقة لا من حيث انتخاب الألفاظ والعبارات فحسب، بل أيضاً من حيث الروح الفكاهي الذي طبع به مقاماته، فأصبحت حرية بأن تُروى في المجالس، ويتلقفها الطلاب في الأقاليم الإسلامية المختلفة، إذ يقرأون فيها ما يسرّي عن نفوسهم، ويرسم الضحك على شفاههم. (هـ) الأسلوب: وهو كما لاحظنا في المقامة المكية وكما يُلاحظ في سائر مقامات الحريري، أسلوب يميل إلى المحسنات البديعية، والحريري يتابع بديع الزمان في هذا، حتى غدا هذا الأسلوب من خصائص كتابة المقامة عند من حاول كتابتها بعدهما، على أنه يلاحظ أن ثمة فروقاً بين أسلوبي البديع والحريري، في مدى الإفراط في استعمال المحسنات البديعية، فعبارة بديع الزمان في مقاماته تبدو شعرية طبيعية وبعيدة عن التكلف، على النقيض من العبارة عند الحريري، وقد مرّت بنا موازنة زكي مبارك بين العبارتين، إذ قال: ".. عند مقارنة مقامات البديع بمقامات الحريري، يتبين لنا أن لغة بديع الزمان خالية من التكلف والاعتساف، وأما لغة الحريري فتعدّ من أغرب نماذج النثر المصنوع. والسبب يعود في الغالب إلى تعقّد الذوق البلاغي عند الناس في زمن الحريري، وقد لاحظ الدكتور شوقي ضيف أن مقامات الحريري قد كتبت "في ظلال مذهب التصنّع وعُقَده، على حين كتبت مقامات بديع الزمان في ظلال مذهب التصنيع وزخرفة.."، إذ حذا الحريري على مثال أبي العلاء في تعقيده اللغوي، وعقّد أسلوب الكتابة في المقامات، فكان أن وشحّها بالأمثال والآيات القرآنية، وبالأحاجي النحوية ومسائل الفقه وضحى في سبيل اللفظ والبديع بروح الفن القصصي وبالمعنى، استجابة لذوق عصره، ومثال ذلك أنه كتب رسالة سمّاها الرسالة "السينية"، لأن كل كلمة فيها تحتوي على حرف الشين، ليدلّل بهذا ومثله على مهارته في اللعب والعبث بالألفاظ. وبعد ... فلعلنا لمحنا شيئاً من الشبه بين هذه المقامة، وحكاية الجاحظ عن شيخ المكدين، فكلا البطلين فيهما يستغل المشاعر الدينية للمسلمين في الحج أو في المسجد، فيزعم أنه قُطع به، وكلاهما يزعم أنه من ثغر من الثغور، قد احتله الروم وأنه يود العودة إليه: يقول بطل الجاحظ: "أنا ابن الغزيل بن الركان المصيصي المعروف المشهور في جميع الثغور ... أخذ لنا ابنان حُمِلا إلى بلاد الروم، فخرجت هارباً على وجهي، ومعي كتاب من التجار، فقطع بي، وقد استجرت بالله ثم بكم، فإن رأيتم أن تردوا ركناً من أركان الإسلام إلى طنه وبلده .." ويقوم بطل الحريري أبو زيد السروجي: إني امرؤ أُبدع بي ******** بعد الوجى والتعبِ وشقتي شعاسة ******** يقصر عنها خببي وجاركم في حرَم ******** ووفركم في حربِ ما لاذ مرتاع بكم ******** فخاف ناب النوبِ فانعطِفوا في قصتي ******** واحسنوا مُنقلبي ويقول في النهاية ذاكراً وطنه: سروج داري ولكن ******** كيف السبيلُ إليها وقد أناخ الأعادي ******** بها وأخنوا عليها وكلا البطلين يستطيع بحيلته وبلاغته أن يؤثر في مشاعر من يخاطبهم فيصدّقوه ويساعدوه ليعود إلى بلده، .. وهذا التشابه الظاهر يوحي بأنّ الجاحظ لم يؤثر في فن المقامات ببديع الزمان وحده، وإنما أثرّ في الحريري أيضاً.
|
#18
|
||||
|
||||
![]() نكمل وإياكم ما تبقى من مقامات بديع الزمان الهمذاني المقامة الجاحظية حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامِ قَالَ: أثَارَتْنِي وَرُفْقَةً وَلِيَمةٌ فَأَجَبْتُ إِلَيْهَا، لِلْحَدِيثِ المَأْثُور عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ" فأَفْضَى بِنَا السَّيْرُ إِلى دَارٍ. تُرِكَتْ وَالحُسْنَ تـأْخُـذُهُ *** تَنْتَقِي مِنْهُ وَتَنْـتَـحِـبُ فَانْتَقَتْ مِنْـهُ طَـرَائِفَـهُ *** وَاسْتَزَادَتْ بَعْضَ مَا تَهَبُ بِسَاطُهَا، وَبُسِطَتْ أَنْمَاطُهَا، وَمُدَّ سِماطُهَا، وَقَوْمٍ قَدْ أَخَذُوا الوَقْتَ بَيْنَ آسٍ مَخْضُودٍ، وَوَرْدٍ مَنْضُودٍ، وَدَنٍّ مَفْصُودٍ، وَنَايٍ وَعُودٍ، فَصِرْنَا إِِلَيْهِمْ وَصَارُوا إِلَيْنَا، ثُمَّ عَكَفْنَا عَلَى خِوُانٍ قَدْ مُلِئَتْ حِيَاضُهُ، وَنَوَّرَتْ رياضُهُ، وَاصْطَفَّتْ جِفانُهُ، وَاخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فَمِنْ حَالِكٍ بِإِزَائِهِ نَاصِعٌ، وَمِنْ قَانٍ تِلْقَاءَهُ فَاقِعٌ، وَمَعَنا عَلى الطَّعَامِ رَجُلٌ تُسَافِرُ يَدُهُ عَلَى الخِوَانِ، وَتَسْفِرُ بَيْنَ الأَلْوَانِ، وَتَأْخُذُ وُجُوهَ الرُّغفَانِ، وَتَفْقأُ عُيُونَ الجِفانِ، وَتَرْعَى أَرْضَ الجِيرانِ، وَتَجُولُ في القَصْعَةِ، كَالرُّخِّ في الرُّقْعَةِ، يَزْحَمُ باِللُّقْمَةِ اللُّقْمَةَ، وَيَهْزِمُ بِالمَضْغَةِ المْضغَة، وَهْوَ مَعَ ذَلِكَ ساكِتٌ لاَ يَنْبِسُ بِحًرفٍ، وَنَحْنُ فِي الحَدِيثِ نَجْري مَعْهُ، حَتَّى وَقَفَ بِنَا عَلَى ذِكْرِ الجاحِظِ وَخَطابَتِهِ، وَوَصْفِ ابْنِ المُقَفّعِ وَذَرَابتِهِ، وَوَافَقَ أَوَّلُ الحَدِيثَ آخِرَ الخِوَانِ، وَزُلْنَا عَنْ ذَلِكَ المَكانِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنَ الحَدِيثِ الَّذِي كُنْتُمْ فيِهِ؟ فَأَخَذْنَا فِي وَصْفِ الجَاحِظِ ولَسَنِهِ، وَحُسْنِ سَنَنِهِ فِي الفَصاحَةِ وَسُنَنِهِ، فِيما عَرَفْنَاهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ لِكُلِّ عَمَلٍ رِجَالٌ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالُ، وَلِكُلِّ دَارٍ سُكَّانٌ، ولِكُلِّ زَمَانٍ جَاحِظٌ، وَلَوِ انْتَقَدْتُمْ، لَبَطَلَ مَا اعْتَقَدْتُمْ، فَكُلٌّ كَشَرَ لَهُ عَنْ نابِ الإِنْكَارِ، وَأَشَمَّ بِأَنِْف الإِكْبَارِ، وَضَحِكْتُ لَهُ لأَجلُبَ ما عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: أَفِدْنا وَزِدْنا، فقَالَ: إنَّ الجَاحِظَ في أَحَدِ شِقَّيِ البَلاَغَةِ يَقْطِفُ، وفِي الآخَرِ يقَفُ، والبَليغُ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ نَظْمُهُ عَنْ نَثْرِهِ، ولَمْ يُزْرِ كَلامَهُ بشِعْرِهِ، فَهَل تَرْوُونَ للْجاحِظِ شِعْراً رائِعاً؟ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَهَلُمُّوا إِلَى كَلاَمِهِ، فَهْوَ بَعِيدُ الإِشارَاتِ، قَلِيلُ الاسْتِعَاراتِ، قَرِيبُ العِبَارَات، مُنْقادٌ لعُرْيَانِ الكَلاَمِ يسْتَعْمِلُهُ، نَفُورٌ مِنْ مُعْتَاصِهِ يُهْمِلُهُ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ لَهُ لَفْظَةً مَصْنُوعَةً، أَوْ كَلِمَةً غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ؟ فَقُلْنَا: لاَ ، فَقَالَ: هَلْ تُحِبُّ أَنْ َتسْمَعَ مِنَ الكَلاَمِ مَا يُخَفِّفُ عَنْ مَنْكِبَيْكَ، وَيَنِمُّ علَى مَا في يَدَيْكَ؟ فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ، قَالَ: فأَطْلِقْ لِي عَنْ خِنْصِرِكَ، بِمَا يُعِينُ على شُكْرِكَ، فَنُلْتُهُ رِدَائِي، فَقالَ: لَعَمْرُ الَّذي أَلقَى عَلَيَّ ثِيَابَهُ *** لَقَدْ حُشِيَتْ تلْكَ الِّثيابُ بِهِ مَجْدَا فَتىً قَمَرَتْهُ المَكْرُمَاتُ رِدَاءَهُ *** وَمَا ضَرَبَتْ قِدْحاً ولاَ نَصَبَتْ نَرْدَا أَعِدْ نَظَراً يا مَنْ حَبَانِي ثِيابَهُ *** وَلاَ تَدَعِ الأَيَّامَ تَهْدِمُنِي هَدَّا وَقُلْ للأُولَى إِنْ أَسْفَرُوا أَسْفَرُوا ضُحىً *** وإِنْ طَلَعُوا في غُمَّةٍ طلَعُوا سَعْدا صِلُوا رَحِمَ العَلْيا، وَبُلُّوا لَهَانَهَا *** فَخَيْرُ النَّدَى ما سَحَّ وَاِبلُهُ نَقْدَا قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَارْتاحَتِ الجَمَاعَةُ إِلَيْهِ، وَانْثَالَتِ الصِّلاَتُ عَلَيهِ، وَقُلْتُ لَمَّا تآنَسْنَا: مِنْ أَيْنَ مَطْلُع هَذاَ البَدْرِ؟ فَقالَ: إِسْكَـنْـدَرِيَّةُ دَارِي *** لَوْ قَرَّ فِيها قَرَارِي لكِنَّ لَيْلِى بِنَـجْـدٍ *** وَبِالحِجَازِ نَهارِي.
|
#19
|
||||
|
||||
![]() المقامة الأزاذية لبديع الزمان الهمداني حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ بِبَغْذَاذَ وَقْتَ الاَزَاذِ، فَخَرَجْتُ أَعْتَامُ مِنْ أَنْواعِهِ لاِبْتِيَاعِهِ، فَسِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ إلى رَجُلٍ قَدْ أَخَذَ أَصْنَافَ الفَوَاكِهِ وَصَنَّفَهَا وَجَمَعَ أَنْوَاعَ الرُّطَبِ وَصَفَّفَهَا، فَقَبَضْتُ مِنْ ُكلِ شَيءٍ أَحْسَنَهُ، وَقَرَضْتُ مِنْ كُلِ نَوعٍ أَجْوَدَهُ، فَحِينَ جَمَعْتُ حَوَاشِيَ الإِزَارِ، عَلى تِلْكَ الأَوْزَارِ أَخَذَتْ عَيْنَايَ رَجُلاً َقدْ لَفَّ رَأْسَهُ بِبُرْقُعٍ حَيَاءً، وَنَصَبَ جَسَدَهُ، وبَسَطَ يَدَهُ وَاحْتَضَنَ عِيَاَلهُ، وَتَأَبَّطَ أَطْفَالَهُ، وَهُوَ يَقُولُ بِصَوْتٍ يَدْفَعُ الضَّعَفَ فِي صَدْرِهِ، وَالْحَرضَ فِي ظَهْرِهِ: وَيْلِي عَلَى كَفَّينِ مِنْ سَويقِ *** أوْ شَحْمَةٍ تُضْرَبُ بالدَّقِيقِ أَوْ قَصْعَةٍ تُمْلأُ مِنْ خِرْدِيقِ *** يَفْتَأُ عَنَّا سَطَواتِ الـرِّيقِ يُقِيمُنَا عَنْ مَنْهَجِ الطَـرِيقِ *** يَارَازِقَ الثَّرْوَةِ بَعْدَ الضِّيقِِ سَهِّلْ عَلى كَفِّ فتىً لَبِـيقِ *** ذِي نَسَبٍ فِي مَجْدِهِ عَرِيقِ يَهْدي إِلَيْنا قَدَمَ التَّـوْفـيقِ *** يُنْقِذُ عَيِشي مِنْ يَدِ التَّرْنيقِ قالَ عِيسى بْنُ هِشامِ: فَأخَذْتُ مِنَ الكِيس أَخْذَةً وَنُلْتُهُ إِياهَا، فَقَالَ: يَا مَنْ عَنَانِي بِجَمِـيلِ بِـرِّهِ *** أَفْضِ إِلى اللهِ بِحُسْنِ سِرِّهِ وَاسْتَحْفظِ الله جَمِيلَ ستْـرِهِ *** إِنْ كانَ لا طَاقَةَ لِي بِشُكْرِهِ فَاللهُ رَبِّي مِنْ وَرَائي أَجْرِهِ قَالَ عِيسى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فِي الكيسِ فَضْلاً فَاُبْرُزْ لِي عَنْ بَاطِنِكَ أَخْرُجْ إِلَيْكَ عَنْ آخِرِهِ، فَأَمَاطَ لِثَامَهُ، فَإِذَا وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَندريُّ، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ أَيُّ دَاهِيَةٍ أَنْتَ؟ فَقَالَ: فَقَضِّ العُمْرَ تَشْبيهَاً *** عَلَى النَّاسِ وَتَمْويهَا
أَرَى الأَيَّامَ لا تَبْقَـى *** عَلَى حَالٍ فَأَحْكِيهَا فَيَوْماً شَرُّهَـا فِـيَّ *** وَيَوْماً شِرَّتِي فِيهَا
|
#20
|
||||
|
||||
![]() المقامة القريضية لبديع الزمان الهمذاني حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: طَرَحَتْنيِ النّوَى مَطَارِحَهَا حَتّى إذَا وَطِئْتُ جُرْجَان الأَقْصى. فاسْتَظْهَرْتُ عَلَى الأَيامِ بِضِياعٍ أَجَلْتُ فِيهاَ يَدَ الْعِمَارةِ، وَأَمْوَالٍ وَقَفْتُهَا عَلى التّجَارَةِ، وَحَانُوتٍ جَعَلْتُهُ مَثَابَةٍ، وَرُفْقَةٍ اتّخَذْتُهَا صَحَابَةً، وَجَعَلْتُ لِلْدّارِ، حَاشِيَتَيِ النّهَار، وللحَانُوتِ بَيْنَهُمَا، فَجَلَسْنَا يَوْماً نَتَذَاكَرُ القرِيضَ وَأَهْلَهُ، وَتِلْقَاءَنا شَابّ قَدْ جَلَسَ غَيْرَ بَعِيدٍ يُنْصِتُ وَكَأَنّهُ يَفْهَمُ، وَيَسْكتُ وَكَأَنّهُ لاَ يَعْلَمُ حَتّى إِذَا مَالَ الكَلاَمُ بِنَا مَيْلَهُ، وَجَرّ الْجِدَالُ فِينَا ذَيْلَهُ، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ عُذَيَقَهُ، وَوَافَيتُمْ جُذَيْلَهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَلَفْظْتُ وَأَفَضْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لأَصْدَرْتُ وَأَوْرَدْتُ، وَلَجَلَوْتُ الْحقّ في مَعْرَضِ بَيَانٍ يُسْمِعُ الصُّمَّ، وَيُنزلُ الْعُصْمَ، فَقُلْتُ: يَا فَاضِلُ أدْنُ فَقَدْ مَنَّيْتَ، وَهَاتِ فَقَدْ أَثْنَيتَ، فَدَنَا وَقَالَ: سَلُونِي أُجِبْكُمْ، وَاسْمَعُوا أُعْجِبْكُمْ. فَقُلْنَا: مَا تَقُولُ فِي امْرِىءِ الْقَيسِ؟ قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَقَفَ بِالدِّيارِ وَعَرَصَاتِهَا، وَاغْتَدَى وَالطَّيرُ فِي وَكَنَاتِهَا، وَوَصَفَ الْخيلَ بِصِفَاِتهَا، وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ كَاسِياً. وَلَمْ يُجِدِ القَوْلَ رَاغِباً، فَفَضَلَ مَنْ تَفَتَّقَ للْحِيلةِ لِسَانُهُ، وَاْنتَجَعَ لِلرَّغْبَة بَنَانُهُ، قُلْنَا: فَما تَقُولُ فِي الْنَّابِغَةِ؟ قالَ: يَثلِبُ إِذَا حَنِقَ، وَيَمْدَحُ إِذَا رَغِبَ، وَيَعْتَذِرُ إِذَا رَهِبَ، فَلاَ يَرْمي إِلاَّ صَائِباً، قُلْنَا:فَمَا تَقُولُ فِي زُهَيرٍ؟ قَالَ يُذِيبُ الشِّعرَ، والشعْرُ يُذيبَهُ، وَيَدعُو القَولَ وَالسِّحْرَ يُجِيبُهُ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي طَرَفَةَ: قَالَ: هُوَ ماَءُ الأشْعَارِ وَطينَتُها، وَكَنْزُ الْقَوَافِي وَمَديِنَتُهَا، مَاتَ وَلَمْ تَظْهَرْ أَسْرَارُ دَفَائِنِهِ وَلَمْ تُفْتَحْ أَغْلاَقُ خَزَائِنِهِ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي جَرِيرٍ وَالْفَرَزْدَقِ؟ أَيُّهُمَا أَسْبَقُ؟ فَقَالَ: جَرِيرٌ أَرَقُّ شِعْراً، وَأَغْزَرُ غَزْراً وَالْفَرَزْدَقُ أَمْتَنُ صَخْراً، وَأَكْثَرُ فَخْراً وَجَرِيرٌ أَوْجَعُ هَجْواً، وَأَشْرَفُ يَوْماً وَالْفَرَزْدَقُ أَكَثَرُ رَوْماً، وَأَكْرَمُ قَوْماً، وَجَرِيرٌ إِذَا نَسَبَ أَشْجَى، وَإِذَا ثَلَبَ أَرْدَى، وَإِذَا مَدَحَ أَسْنَى، وَالْفَرزدقُ إِذَا افْتَخَرَ أَجْزَى، وَإِذَا احْتَقرَ أَزرَى، وَإِذا وصَفَ أَوفَى، قُلنَا: فَمَا تَقُولُ فِي المُحْدَثِينَ منْ الشُّعَراءِ والمُتَقَدِّمينَ مِنهُمْ؟ قالَ: المُتَقَدِّمونَ أَشْرفُ لَفْظاً، وَأَكثرُ منْ المَعَاني حَظاً، وَالمُتَأَخِّرونَ أَلْطَفُ صُنْعاً، وَأَرَقُّ نَسْجاً، قُلْنا: فَلَو أَرَيْتَ مِنْ أَشْعارِكَ، وَرَوَيْتَ لَنا مِنْ أَخْبارِكَ، قالَ: خُذْهَما في مَعْرِضٍ واحِدٍ، وَقالَ: أَما تَرَوْني أَتَغَشَّـى طِـمْـرَاً *** مُمْتَطِياً في الضُّرِّ أَمْراً مُـرَّاً مُضْطَبناً عَلى اللَّيالي غِـمَـراً *** مُلاقِياً مِنْها صُرُوفاً حَـمْـرَا أَقْصَى أَمانِيَّ طُلُوعُ الشِّعْـرى *** فَقَد عُنِينَا بِالأَمَـانـي دَهْـرَاً وَكانَ هذَا الحُرُّ أَعْلـى قَـدْراً *** وَماءُ هذَا الوَجْهِ أَغْلى سِعْـرَا ضَرَبْتُ لِلسَّرّا قِبَاباً خُـضْـرَا *** فِي دَارِ دَارَا وَإِوَانِ كِسْـرى فَانْقَلَبَ الدَّهْرُ لِبَطْنٍ ظَـهْـرا *** وَعَادَ عُرْفُ العَيْشِ عِنْدي نُكْرَا لَمْ يُبْقِ مِنْ وَفْـرِى إِلاَّ ذِكْـرَا *** ثُمَّ إِلى الـيَوْمِ هَـلُـمَّ جَـرَّا لَوْلا عَجُوزٌ لِي بِسُـرَّ مَـنْ رَا *** وَأَفْرُخٌ دونَ جِبَالِ بُـصْـرَى قَدْ جَلَبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِـمْ ضُـرَّا *** قَتَلْتَ يَا سَادَةُ نَفْسي صَـبْـرَا قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ، فَانَلْتُهُ مَا تَاحَ. وَأَعْرَضَ عَنَّا فَرَاحَ. فَجَعَلْتُ أَنْفيهِ وَأُثْبتُهُ، وَأَنْكِرُهُ وَكَأَنِّي أَعْرِفُهُ، ثُمَّ دَلَّتْنِي عَلَيهِ ثَنَاياهُ، فَقُلْتُ: الإِسْكَنْدَريُّ وَاللَّهِ، فَقَدْ كَانَ فَارَقَنَا خِشْفاً، وَوَافانا جِلْفاً، وَنَهَضْتُ عَلى إِثرِهِ، ثَمَّ قَبَضْتُ عَلَى خَصْرِهِ، وَقُلْتُ: أَلَسْتَ أَبَا الفَتْحِ؟ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ؟ فَأَيُّ عَجُوزِ لَكَ بِسُرَّ مَنْ رَا فَضَحِكَ إِليَّ وَقَالَ: وَيْحَكَ هذَا الزَّمَان زُورُ *** فَلَا يَغُرَّنَّكَ الـغُـرُورُ لاَ تَلْتَزِمْ حَالَةً، وَلكِـنْ *** دُرْ بِالَّليَالِي كَمَا تَدُورُ.
|
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |