العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق9
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم التاسع يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ماإن سمعنا المؤذن يقيم الصلاة حتى كبر الإمام وتبعه المصلون و قرأ الإمام الفاتحة بصوته الشجي ثم هدأ قليلاً ليبدأ بعدها قراءة آيات مباركات ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ... وتوقف قليلاً .. قلت في نفسي : لم توقف ؟ هل نسي ما يود قراءته؟ ... فليبدأ بأية آية غيرها ، فلم يزل في البداية . لكنه كررها مرة أخرى وكأنه ينادينا بصوت يخرج من أعماق قلبه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ........ " كان قلبي يرتج كبناء أصيب بزلزال هزه هزاً شديداً فبدأ يترنح ، يكاد يسقط .... فالإمام إذاً كان بوقوفه هذا مع تكرار " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ " يريد أن يوصل لنا النداء ، وأن نتفاعل مع كل كلمة بعده ، ولم يكن يريد لنا صلاة ميتة يسرح فيها الواقف هنا وهناك في هذه الدنيا الواسعة ، لا يدري كيف تنتهي الصلاة ولم يعِ منها شيئاً . ثم يظن أحدنا أنه أدى الصلاة وأرضى الله تعالى !! .. كان يريدنا أن نتلقى الرسالة و نفهم ما يتلوه على مسامعنا، وأن نكون فعلاً واقفين بخشوع أمام ملك الملوك ومالك الملك ، وأن نتدبر آياته بقلب حيّ ولبّ ذكي . فما بعد النداء أمر خطير جهله الناس على كثرة ما يتلى عليهم . " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ " : لبيك وسعديك – يارب – والأمر كله بين يديك . نحن – معشر المؤمنين – عبادك .... لك الأمر، وعلينا الطاعة والامتثال إن كنا مؤمنين . وسنكون بإذنك ومشيئتك مؤمنين دائما ً، تحبنا وترضى عنا ..... وتداعى إلى ذاكرتي بهذا النداء العلويّ الرائع الذي يرفعنا إلى مرتبة العبودية لله تعالى مدى حبه تعالى للمؤمنين ، إذ تكرر هذا النداء سبعاً وثمانين مرة يوضح الطريق المستقيم إلى مرضاته سبحانه ، ويبين السبيل الأقوم للحياة الطيبة في الدنيا والواعدة في الأخرى . " لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " والوليّ – إخوتي الأحبة – الصديق الوفي ، والأخ الصدوق ، والناصح الأمين . وهل يعقل أن يكون الكافر الذي يكرهنا ويسعى جاهداً للإيقاع بنا وإيذائنا ، والذي يعمل ليل نهار على استئصال شأفتنا والكيد بنا أخا وصاحباً ونصوحاً ؟!! إنهم كما قال تعالى : { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة) .. وهل يعقل أن ترى ذكياً لبيباً بعد ذلك يتخذهم أولياء يلقي إليهم بالمودّة ؟! إن من يفعل ذلك واحد من اثنين لا ثالث لهما : غافل لاهٍ غبيّ أو منافق أظهر الإسلام وأبطن الكفر . أما الغافل اللاهي فقد أساء إلى نفسه دون أن يدري حيث استحق تتمة الآية " أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا " إنه حين يرضى لنفسه مصاحبة الكافر عدو الله فقد حكم على نفسه بالهلاك والويل والثبور وعظائم الأمور ، فضلاً عن غضب الله تعالى على من أسلم قياده وزمامه لعدو الله " إن الطيور على أشكالها تقع " وما يأمن لكافر إلا السفيه الغرّير . وأما المنافق فله عذاب أليم جزاءً وفاقاً ، بل " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " و الدرْك منازل النار والدرجة منازل الجنة {... فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ...(76)}(طه) . والدرك في النار سبع منازل أشدها : الهاوية ثم الجحيم ثم سقر ثم السعير ثم الحطمة ثم لظى ثم جهنّم .وللمنافقين أسفلها وهو "الهاوية " . لغلظ كفرهم وشدة غوائلهم ، وتمكنهم من المسلمين . نعوذ بالله أن نكون منافقين . .. قال ابن مسعود رض الله عنه : للمنافقين في الهاوية توابيت من حديد ، مقفلة في النار تقفل عليهم . وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة : المنافقون : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ " من كفر من أصحاب المائدة : { قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)}(المائدة) آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)(غافر) أما درجات الجنة فهي مئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " . وهل هناك من ينصر هؤلاء المنافقين ؟! حاشا وكلاّ .. إن الله خصيمهم . " وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " ومن يقف أمام الله تعالى ؟! بل { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وهل يشفع أحد إلا لمن يريد الله تعالى له الخير ؟ { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } . ومن رحمة الله تعالى بعباده أن يترك لهم باب الأمل مفتوحاً على مصراعيه ، ولو فعلوا ما فعلوا ، ألا نقرأ دائماً { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } في كل لحظة من حياتنا فهو الرحيم بعباده ، الرؤوف بهم ، الغفور لزلاتهم . العطوف عليهم ، المسامح الكريم ، لا إله إلاّ هو ... يدعوهم إليه كل حين {... إِلاَّ الَّذِينَ ... 1- تَابُواْ 2- وَأَصْلَحُواْ 3- وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ 4- وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . فلا بد من التوبة النصوح التي لا رجوع بعدها إلى الكفر والشرك . والعمل الصالح الذي يجب ما قبله ويمحوه ، ويؤكد توبة صاحبه ويدل على صدق توجهه . واللجوء إلى الله تعالى أن يبدل السيئات حسنات ، ويغفر الذنب ويستر العيب ، ويعين على التوبة والعمل الصالح ، فبالله المستعان دائما . والإخلاص في الأمور كلها لله تعالى ، فبالنية الخالصة تقبل الأعمال " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " . وهنا يضمهم الله تعالى إلى ركب المؤمنين الصالحين الذين وعدهم الله عز وجل بالأجر العظيم . قال مكحول رحمه الله تعالى : أربعٌ من كنّ فيه كنّ له ، وثلاثٌ من كنّ فيه كنّ عليه . أما أربع الصفات التي إن كنّ فيه كنّ له ( أي كنّ في ميزان حسناته ) فالإيمان والشكر : { مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}(النساء). والاستغفــــــار : { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)}(الأنفال). والدعــــــــــاء : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}(الفرقان) " . وأما ثلاث الصفات التي إن كن فيه كن عليه ( أي كنّ وبالاً عليه ) فالمكـــــــــــــر : { ... وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ....(43)}(فاطر) . والبغــــــــــــي : { .... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم....(23)}(يونس) . والنكــــــــــــث : { ... فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ...(10)}(الفتح) . فهل سمعنا النداء ووعيناه؟ يتبع
|
#12
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق10
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم العاشر* في سورة الحجرات آداب اجتماعية جلّاها القرآن الكريم نبراساً للمسلمين يعيشون بضيائه ويأنسون بنوره، لقد أراد الله تعالى ان يبني المسلمون مجتمعهم الطيب النبيل على أسس أدبية واخلاقية عالية يتفيّئون ظلالها ويسعدون بوارفها ، فإذا الجميع في أمن وحب وسلام.
في هذه السورة نداءات خمسة تشير بمرتكزاتها الأخلاقية إلى الطريق السليم للمعاملات بينهم أولها: أ- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} فكان أول أدب احترام القائد المسلم والتأدب في الحديث معه ، ومثال هذا القائد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ امر الله تعالى المسلمين أن يعاملوا الرسول صلى الله عليه وسلم بما يجب من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام فقال تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } ومن معاني هذه الآية : 1 ـ أن لا تسرعوا في الأشياء قبله بل كونوا تبعا في جميع الأمور وقد أحسنَ معاذ رضي الله عنه الأدب مع الحبيب القائد حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : ( بم تحكم ؟ ) قال بكتاب الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تجد ؟ ) قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تجد ؟ ) قال رضي الله عنه أجتهد رأيي . فضرب في صدره وقال : ( الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله ). فكان من أدب معاذ أنه أخّر رأيه ونظرَه واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله 2 ـ لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة وقال العوفي عنه : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه صلى الله عليه وسلم. 3 ـ لا تفتئِتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه . 4 ـ لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال سفيان الثوري{ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } بقول ولا فعل 5 ـ وقال قتادة ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل القرآن في كذا وكذا لو صح كذا.. فكـَرِه الله تعالى ذلك ، فعقّب القرآن منبهاً { وَاتَّقُوا اللَّهَ } فيما أمركم به فهو سميع لأقوالكم،عليم بنياتكم. وتجلّى الأدب الثاني في الحديث بصوت خفيض في حضرته صلى الله عليه وسلم وعدم الاختصام فيما بينهم أمامه صلى الله عليه وسلم: ب- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقد روى قال البخاري عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمِّرِ القعقاعَ بن معبد وقال عمر رضي الله عنه بل أمِّرِ الأقرع بن حابس فقال أبو بكر رضي الله عنه ما أردت إلا خلافي فقال عمر رضي الله عنه ما أردت خلافك. فتماريا ،حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك هذه الآية. ويروى عن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ...} قلت يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي السرار. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } كان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا من أهل النار حبط عملي .وجلس في أهله حزينا. ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك ؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا بل هو من أهل الجنة ) ، قال أنس رضي الله عنه فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعضُ الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئسما تعوّدون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه . وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال من أين أنتما ؟ قالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا . وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما وأُمِر المسلمون أن يخاطبوا رسول الله بسكينة ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى : { وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } كما قال تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا ... (63)}(النور) فمن فعل ذلك خٌشي أن يحبط عملُه إنْ غضب منه النبي صلى الله عليه وسلم . فماذا نقول للذين يسبونه صلى الله عليه وسلم ويشتمونه ودينـَه وزوجاته وخلفائه ويعتبرون أنفسهم مسلمين ، بل ماذا نقول لمن يتحدثون عنه دون أدب واحترام ؟ ويقولون : هو رجل ونحن رجال؟!!. قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض ) ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال : { وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } فمقام الرسول عليٌّ سامق صلى الله عليه وسلم. ونرى الأدب الثالث في هذه السورة يتضح بالتثبّت من خبر الفاسق لئلا يحكم بقوله فيُخطئ في الحكم. وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل المفسدين : ج- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}. ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وقد روى الإمام أحمد القصة التالية عن الحارث بن ضرار الخزاعي: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة ،فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبّانَ الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسولُ ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه (وجهائهم) فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقَّت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفُ ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ،فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق خاف فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم ؟ قالوا إليك قال ولم ؟ قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله.قال رضي الله عنه لا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي ؟ ) ، قال لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله ، فأكدت الآية الشريفة صدق الحارث وكَذِب الوليد. لا بد إذاً قبل اتخاذ أي قرار في حق الآخرين أن نتثبت من الخبر كي لا يُظلم أحدٌ ، والظلم ظُلُماتٌ نربأ بأنفسنا الوقوع فيه. أما الأدب الرابع فيتجلّى في حب الناس واحترامهم وإنزالهم منازلهم من التقدير والمكانة ، أما السخرية والاستهزاء بعباد الله فمنقصة يقع فيها الفاعل ليس غير.وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) د- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}. قد يكون من تحتقره وتسخر منه خيراً منك عند الله تعالى وأعظم قدراً فنبهنا الله تعالى إلى ذلك وحذّرنا من الوقوع فيه ولمّا ذكر القومَ دخل فيهم النساء ، لكنّ الله تعالى خص النساء بالذكر لكثرة ما يحدث ذلك منهنّ وقالت العرب : إذا ذُكر القومُ قُصد الرجال والنساء، فإذا ذُكرت النساءُ بعدُ فالقومُ إذ ذاك للرجال " إن هذه الآية تحذر من أمور عدة : 1 ـ السخرية تدل على الكبرياء والمتكبر خاوي القلب والفكر حين يظن نفسه خيراً من غيره. 2 ـ من اللمز والهمز ( قيل اللمز باليد والهمزُ باللسان ، وقيل غير ذلك ، والهمز واللمز ذكرك أخاك بما يكره أن يوصف به.الم يقل الله تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)}(الهُمَزَة) وقال سبحانه : { هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11)}(القلم) يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يطعنْ بعضُكم على بعض . 3 ـ التنابز بالألقاب والتداعي بما يسوء الشخص سماعها روى ابن الضحاك قال فينا نزلت- في بني سلمة – { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } التنابز بالألقاب يحزن المدعُوَّ ويكرّهُه بالداعي ، ويورث البغض والشحناء في المجتمع المسلم ، وكم نعاني من هذه العادة الخبيثة التي انتشرت – لجهلنا – بين الناس ففرّقتهم. إن الادب الخامس في هذه السورة ينهى عن الظنّ والتجسس والغيبة وهي أمراض تصيب المجتمع حين يركن لهواه هـ - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)} أ- ينهى الله عباده عن كثير من الظن وهو التهمة والتخوين للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيراً منه احتياطا ، يقول عمر رضي الله عنه : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ، ويقول ابنه عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول : ( ما أطيبكِ وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفسُ محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وأن يُظنَّ به إلا خيرا ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث لازمات لأمتي الطيرة والحسد وسوء الظن ) فقال رجل وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا حسدْتَ فاستغفر الله وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ) ب- والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب عليه السلام: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}(يوسف) ، وقد يستعمل كل منهما في الشر ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) . وقال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم . ج- حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة سئل عن معناها فقال صلى الله عليه وسلم : ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) ورواه الترمذي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ). ولا غيبة في التحذير كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر( ائذنوا له بئس أخو العشيرة )، وحذرالعائد في هبته : ( كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ) ، ولا غيبة في النصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم ( أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ) ، (الصعلوك : الفقير الذي لامال له (لسان العرب)) ولهذا شبه تبارك وتعالى الغيبة بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ، ورواه الترمذي ، وكم نقف أمام هذا الحديث : ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ) ، فنشعر ببعدنا عن الأب الإسلامي في تعامل المسلمين بعضهم مع بعض. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) ، روى أبوهريرة أن ماعزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد زنيت فأعرض عنه حتى قالها أربعا فلما كان في الخامسة قال: ( زنيت ؟) قال نعم قال ( وتدري ما الزنا ؟) قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال : ( ما تريد إلى هذا القول ؟) قال أريد أن تطهرني قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر ؟) قال نعم يا رسول الله قال فأمر برجمه فرجم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى مر بجيفة حمار فقال : ( أين فلان وفلان انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) قالا غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ) ، وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله وهو ابن المبارك به بنحوه وقال أبو داود أيضا حدثنا إسحاق بن الصباح حدثنا بن أبي مريم أخبرنا الليث حدثني يحيى بن سليم أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته ) تفرد به أبو داود . (من تفسيرابن كثير بتصرف) . وبما أن التربية للمؤمنين حين يناديهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فالناس حين يعقلون هناءتهم وراحتهم ويُعملون العقل يجدون في الإسلام الخير كله ، فتؤدي النداءات الخمسة إلى نداء الناس جميعاً : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}. يشرف الناس بانتمائهم إلى أبيهم آدم وامهم حواء ، لكنّهم يتفاضلون بطاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ; بَعدَ النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا نبّه القرآن إلى تساويهم في البشرية ليتعارفوا بينهم فيرجع كلٌّ إلى قبيلته ، وينبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيقول: ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر ) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبه إلى فضيلة التقوى التي ترفع صاحبها : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) ، ولمّا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده قال : ( يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها فالناس رجلان: رجلٌ بر تقي كريم على الله تعالى ورجلٌ فاجر شقي هين على الله تعالى إن الله عز وجل يقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) إنه سبحانه ينادينا ، فهل وعينا النداء؟! * بتصرف بسيط جدا يتبع
|
#13
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق11
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الحادي عشر بسم الله الرحمن الرحيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}(البقرة).
اقتتل قبل الإسلام بقليل حيان من العرب ، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يُقتل بالعبد منا الحرُّ منهم والمرأةِ منا الرجلُ منهم فنزل فيهم: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ }، ثم نسخت بقوله تعالى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}(المائدة). عن ابن عباس في قوله { وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ } وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم .وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } ، وروى القرطبي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي بالمرأة ذهب أبو حنيفة إلى أن الحر يُقتل بالعبد لعموم آية المائدة وإليه ذهب الثوري وغيره ،قال البخاري وجماعة : يقتل السيد بعبده لعموم حديث الحسن عن سمرة ( من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن أخصاه أخصيناه ) وخالفهم كثيرون، فقالوا لا يقتل الحر بالعبد لأن العبد سلعة لو قتل خطأ لم يجب فيه دية وإنما تجِبُ فيه قيمته . وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقتل مسلم بكافر ) ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا ومذهب الأئمة الأربعة والجمهور أن الجماعة يقتلون بالواحد : قال عمر في غلام قتله سبعة فقتلهم وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ولا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة وذلك كالإجماع وخالفهم ابن الزبير ومروان بن الحكم والإمام أحمد وغيرهم. وقوله تعالى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } دعوة إلى العفو وقبول الدية بعد استحقاق الدم وهنا يأتي الاتباع بالمعروف والإحسان إلى القاتل عن ابن عباس قال : كتب على بني إسرائيل القصاص في القتلى ولم يكن فيهم العفوُ فقال الله لهذه الأمة { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف مما كتب على بني إسرائيل من كان قبلكم { ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } فرحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية ولم تحل لأحد قبلهم فكان لأهل التوراة قصاصٌ وعفو ليس بينهم أرش ( أقلُّ من الدية ) وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والأرش. العفوُ: في اللغة البذل. قال تعالى :{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(الأعراف) ولهذا يقول العلماءُ : خذ العفوَ وما سَهُل . والإحسان صدقة والصدقة هنا كفارة كما أن تساقط الديات بين الأطراف مقاصّة. فكانت الديّة تخفياً من الله تعالى عن المسلمين. { فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إن من يقتل بعد أخذ الدية أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها ) روى الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية ) يعني لا أقبل منه الدية بل أقتله . يذكر القرطبي رحمه الله تعالى: أن كثيراً من العلماء استدلوا على قتل المسلم بالذمي في أنه إذا سرق المسلم مال الذمي قطعت يده ولأن الذمّيّ آمن في البلد الإسلامي فحقوقه حقوق المسلم. وقال: فلا يصح في الباب إلا حديث البخاري , وهو يخصص عموم قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } الآية , وعموم قوله : { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } . ومن روائع بيان القرآن الكريم قوله { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } فقتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها فإذا علم القاتل أنه يقتل كفَّ عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس ، قالت العرب : (القتل أنفى للقتل) فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ }، قال أبو العالية جعل الله القصاص حياة ،فكم من رجل يريد أن يقتل فيمتنع مخافة أن يقتل وما ينتهي عن ذلك إلا أولو الألباب وأصحاب العقول. يقول القرطبي أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر , مخافة أن يقتص منه فحيَيا بذلك معا . وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير , فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال , فلهم في ذلك حياة . كما أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقـَّه دون السلطان , وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض , وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك , وجعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض . كما يُقتص من السلطان نفسه إن تعدى على أحد من رعيته فهو واحد منهم , وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل , وذلك لا يمنع القصاص , وليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام الله عز وجل , لقوله جل ذكره : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } , وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا قطع يده : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه , وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا إذ أكب عليه رجل , فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه , فصاح الرجل , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعال فاستقد ) . قال : بل عفوت يا رسول الله . وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ألا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه , فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين , لئن أدَّب رجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصنه منه ؟ قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه , ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه , وذكر الحديث بمعناه . إن مِن أولي الألباب من يتفكر ويتدبر ويعمل بكتاب الله تعالى في نفسه وأهله ومجتمعه بتقوى الله ، ليبني مجتمعاً مسلماً يشهد التاريخ والعالم كله بعدله وحضارته. إنه – سبحانه - ينادينا ، فهل نعي ذلك يتبع
|
#14
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق12
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثاني عشر* في سورة آل عمران نداء لأهل الكتاب قبل نداء المؤمنين، فعلى أهل الكتاب إذا جاءهم رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أن يتبعوه
يتجلى هذا النداء في ثماني آيات تدعو أولاها إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده ،{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}. وفي ثانيها ردّ على مزاعم أهل الكتاب من النصارى واليهود إذ يدّعي كل من الفريقين أن إبراهيم عليه السلام كان منه، وإبراهيم عليه السلام كان قبل موسى عليه السلام بألف وسنة وجاء عيسى عليه السلام بعد موسى بألف سنة ، فكيف يكون إبراهيم يهوديا أو نصرانياً ؟ ما يقول بهذا عاقل: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}. وفي ثالثها يعيب على أهل الكتاب كفرهم وهم يشهدون الحق في كتبهم فيعرضون عنه : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}. وفي رابعها تراهم يخلطون بين الحق والباطل ليفسدوا الأمور ويكتموا الحقيقة التي يعلمونها ضمناً فياتي النداء يتبعه الاستفهام يقرّعهم ويؤنبهم: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}. ويوبخهم المولى تعالى في خامسها على كفرهم بآيات الله وتكذيبها ، دون أن يكترثوا بمتابعة الله تعالى لهم وإحصائه ما يفعملون، فالله تعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة مما يعملون: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ (98)}. وتراهم في آخر نداء أهل الكتاب يصدون الناس عن الإيمان بالله ورسوله ، ويحبذون حياة الغي والفساد على الرغم أن كتبهم تشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الرسل الذي بشرت به رسلهم. { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}. ثم ينتقل القرآن الكريم إلى تنبيه المسلمين إلى وجوب التمسك بدينهم وعدم طاعة المشركين من اليهود والنصارى كي لا يرتدوا كفاراً مثلهم ، فالطاعة عبادة ، ومن أطاع غير الله ورسوله انحرف عن طريق الهداية وعبَدَ الطاغوت: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}. قد يتساءل بعضنا : فينا كتاب الله نغترف من معينه ونعمل بهديه ونعيش بنوره ، لكنْ كيف يكون رسول الله فينا وقد انتقل إلى ربه منذ قرون طويلة ؟ والجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا في سيرته المطهرة وحديثه العطر المدوّن حتى صار أحدُنا يعرف عن نبيّه دقائق حياته الشريفة اكثر بآلاف المرات مِمّا يعرف عن أبيه الذي عايشه وصاحبه ، إنه معنا بما تعلمْنا من أحواله التي أوصلها إلينا صحابتُه الكرام، نتابعه في سلمه وجهاده ،صباه وشبابه وكهولته ، طعامِه وشرابه، ليلِه ونهاره،مع ضيوفه وآل بيته ، وكأننا نراه صلى الله عليه وسلم بيننا: { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}. روى البخاري عن مُرَّة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حق تقاته أن يطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر ) . وقال ابن عباس : ألا يعصى طرفة عين . وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} ، قالوا : يا رسول الله , من يقوى على هذا ؟ وشق عليهم فأنزل الله عز وجل : { فاتقوا الله ما استطعتم ...(16)}(التغابن) ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها . هل يجوز أن يركن المسلم إلى الكفار؟ . والجواب أنه : لا ، فلماذا؟ يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : 1- { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ } فالكفار والمنافقون لسنا منهم وليسوا منّا ،إنهم أصحاب أهواء وفساد دينيّ وخُلُقيّ، إن الطيور على أشكالها تقع ، قال الشاعر : عن المرء لاتسل وسل عن قرينه,,,,, فكل قرين بالمُقارن يقتدي و( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدُكم من يخالل ) : هذا ما علّمَناه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.2- { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } والخبال الفساد، فهم إن لم يستطيعوا قتال المسلمين اجتهدوا في المكر والخديعة . جاء عمرَ كتابٌ فقال لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس ؟ فقال : إنه لا يدخل المسجد . فقال لم ! أجنب هو ؟ قال : إنه نصراني ; فانتهره وقال : لا تُدنِهم وقد أقصاهم الله , ولا تكرمهم وقد أهانهم الله , ولا تأمنْهم وقد خوَّنَهُمُ الله ... 3- { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قد بدت البغضاء من افواههم } ، وهم يحبون أن يروا المسلمين في ضنك وحزن وألم وحياة تعيسة كما يفعلون الآن في دعم النظام الاسدي الكافر بالمال والسلاح والرجال ،وهم بعملهم هذا مكشوفون وإن كانوا يُظهرون غير ذلك ، ويسعَون بكل ما يستطيعون لإرهاق المسلمين ،وكثيراً ما ينِدّ عنهم زلة لسان أو عمل فاضح أو تصرّف شائن. 4- { وما تخفي صدورُهم أكبر } ولئن ظهر منهم بعض ما يُكِنّون من كره وبغضاء للمسلمين فإن ما يُخفونه أكبرُ مما يُظهرونه. ويُذيّل القرآنُ هذه الاية محذّراً ومعلماً: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} ، فمن كان له قلب حيٌّ وفكرٌ سديد علم أنّ الحذر من غير المسلمين نجاة وحرز منهم. - ثم تأتي هاتان الآيتان: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)} توضحان أن طاعة الكافرين تؤدّي إلى النكوص إلى الكفر، وما بعد الكفر إلا الخسارة الأبدية في الجحيم. يحب المنافقون الحياة أيّاً كانت : ذليلة وعاديّة ويكرهون الموت ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم المقرئين إلى بئر معونة فقتلهم المشركون غيلة ادّعى المنافقون أنّ هؤلاء الشهداء لو حذروا فلم يخرجوا ما ماتوا. وبهذا ينكشف سترهم وتظهر دخيلتُهم ويبقى كلامهم حسرة في صدورهم في الدنيا إذ انكشفوا وفي الآخرة إذ هم من أهل النار ، ولو علموا أن لكل أجل كتاباً ما قالوا كلمتهم هذه . إن كل شيء بيد الله سبحانه فهو المحيي وهو المميت وهو الذي يعلم ما في الصدور فيثيب الصالح ويعاقب المسيء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}. ونرى نداء لا علاقة له ظاهرة بالجهاد والمجاهدة - يتحدث عن جريمة أكل الربا يتخلل- الايات الصريحة في حال المسلمين في غزوة أحد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}. فإذا علمنا أن عاقبة الربا حربٌ من الله ورسوله وجدنا المنحى العام – وهو الجهاد – يشمل الاية، وكان وجودها متسقاً مع الآيات الأخرى في الحذر من الوقوع في الخطأ الذي يغضب المولى سبحانه. ويختم الله سبحانه وتعالى سورة آل عمران بوصية النجاحين ( نجاح الدنيا ونجاح الاخرة ) فحض على الصبر على الطاعات والبعد عن الشهوات ، وأمر بمصابرة الأعداء وانتظار الفرج من الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}. فما بعد الصبر إلا الفرج ، وما بعد مقارعة الأعداء بثبات إلا النصر والفوز ، والرباط في الثغور في سبيل الله والجهاد ذروة سنام الإسلام ، وأهل الإسلام اليوم في رباط أمام الأعداء الذين لا يألون جهداً في اغتنام غفلة من المسلمين يدمّرون فيها بيوتهم ويقتلون رجالهم ونساءهم وأطفالهم ، إنها حرب إبادة يُطلب فيها المصابرة والرباط ، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمِن الفتان ) كما أن ملاك الأمر كله التقوى ، ففيها الفلاح كله والنجاة أجمعها. ... إنه سبحانه ينادينا ، فهل سمعنا النداء؟! * بتصرف بسيط جدا
|
#15
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق13
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثالث عشر جاء النداء في سورة النساء موجهاً إلى ثلاثة أنواع ، فقد: أ- نادى الناس جميعاً ثلاث مرات ، في أول السورة وآخرها: 1- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} 2- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} 3- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)} لا بد من تنبيه البشر كلهم إلى الهدف الذي خلقهم الله تعالى له وإعلامهم بمهمتهم التي سوف يُسألون عن أدائها في اليوم الموعود ،فتُقام عليهم الحُجّة .فكانت الاية الأولى في هذه السورة للناس وكذلك الآية الأخيرة (عود على بدء) إنّ الخطاب الإيماني للجميع ، فما خلق الله تعالى الإنس والجن إلا ليعبدوه.ولا تكون العبادة إلا بتقوى الله الذي خلقنا من آدم وحواء ، ونبه إلى أن أصلنا واحد ،ينبغي أن تسوده المحبة والوئام ويتجلى ذلك – أولاً – في صلة الأرحام . وحدد طريقَ الإيمان الحق الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،فالدين عند الله الإسلام، ومن سلك غيره بعد أن بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ضل ، وبهذا نبهنا إلى الطريق الذي يجتمع فيه الأمم جميعاً في توجُّهها إلى الله تعالى : إنه الإسلام ليس غير. فكان القرآن الكريم ذلك الضياء أنزله الله تعالى إلى البشرية ليهتدوا به في طريقهم إلى رضا الله وعفوه وغفرانه. وعلى هذا كان واجبُ المسلمين – وما يزال- دعوةَ الأمم كلها إلى عبادة الله وحده والعمل بما أمر ولا ينجح الداعية في مهمته إلا إذا كان فيها القدوةَ الصالحة. ب- ونادى أهل الكتاب مرتين : 1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)} 2- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)} آمن أهل الكتاب بالله تعالى حين أُرسل إليهم الأنبياء الكرام ، فلما طال عليهم العهد انحرفوا وبدّلوا فلما جاء الإسلام يوحد البشرية في عبادة الله وحده دعا أهل الكتاب أن يؤمنوا بهذا الدين الذي ينقذهم من الضلال ويضعهم على الصراط المستقيم ، فما الإسلام إلا امتدادٌ وتأصيلٌ للشرائع التي سبقته وآمن بها اليهود ثم النصارى ، وكان عليهم – وهم أهل التوحيد – أن يسارعوا إلى فلاحهم في الدنيا والآخرة ، فلا يعادوه إنما يكونون جنوداً في نشره ، فإذا تنكّبوا وأبَواعوقبوا أشدّ العقاب جزاءً وفاقاً. غالى أهل الكتاب في عقائدهم حين جعلوا المسيح عليه السلام – وهو عبد الله ورسوله – ابناً لله فاتخذوه إلهاً ، وجعلوه ثالث ثلاثة ، فضلوا ضلالاً بعيداً وكذلك فعل اليهود إذ اتخذوا عُزيراً ابناً لله تعالى ، ويضل الناس حين يًسقطون على ذات الله صفاتهم البشرية وهو الله الذي لا إله غيره تعالى عن الشبيه والمثيل والشريك. وفي متابعة خطاب القرآن للناس جميعاً ولأهل الكتاب نجده يؤكد على وحدانية الله وإفراده بالألوهية والعبادة . ج- ونادى المؤمنين تسع مرات: 1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} 2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} 3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} 4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)} 5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71)} 6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} 7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} 8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136)} 9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)} في خطاب القرآن للمؤمنين الموحدين نقف على أمور عدة ، منها : 1- الثبات على التوحيد 2- النزاهة في التعامل ، والحفاظ على حقوق الناس 3- طاعة الله ورسوله. 4- الجهاد في سبيل الله ، والحذر في قتال العدو. 5- الإيمان بالرسل كلهم. 6- التنزه عما يعيب المسلم 7- ( اسلوب تربوي مهم) التدرّج في التزام الشرائع 8- ديننا يسر يستوعب أحوال الناس وحاجاتهم. من ذلك معاملة الزوجة بالحسنى ( استوصوا بالنساء خيراً ) فلها في الحياة حقوقٌ كما أنّ عليها واجبات .فلا يكرمهنّ إلا كريم ولا يظلمهنّ إلا لئيم . ولا يجوز إيذاؤهنّ وأكلُ مهورهنّ أو إيلاؤهنّ والتضييقُ عليهنّ ليتنازلن عن بعض حقوقهنّ. والمسلم يحفظ حقوق جيرانه وأهله وأقاربه وشركائه فلا يعتدي على حق أحد منهم أكان مالاً أم عقاراً أم أمانة وغير ذلك . ولا يأكل الربا ولا مال اليتيم ولا ينتحر أو يستبيح دماء المسلمين وأهل الذمّة. يحافظ على حرية الآخرين وجمال الحياة في المجتمع. ولعلنا نجد التدرّج في التزام الشريعة في قصة تحريم الخمر، وهذا دليل على بناء المجتمع المسلم بشكل صحيح يشد عراهّ ويقوي أساسه. وقد يُنكر بعضهم التدرّج في عودة إلى الشريعة هذه الأيام بعد أن استقرت الأحكام ،فالجواب انّ مجتمعنا الذي نعيشه جاهلي بعيد عن الدين فنأخذه إليه خطوة خطوة .منبهين إلى أن المسلم لا يكون مسلماً إلا إذا أسلم امره إلى شرع الله ونبذَ الكفر. كما أن ذروة سنام الإسلام الجهادُ في سبيل الله والدفاع عنه ونشره بالحسنى في أرض الله والعملُ بنشاط ودأب لتحقيق ذلك ، وليس للمسلم أن يكفِّر المسلمين ويحكم عليهم بالردة لمجرد أنهم خالفوه في بعض المفاهيم المختلف فيها، وحادثة أسامة بن زيد حين قَتَل من نطق بالشهادتين دليل على حرمة دم المسلم. وتدعو هذه الآيات الكريمة إلى الإيمان الكامل بالله ورسله واليوم الآخر والكتب السماوية كلها والملائكة ولا يتم الإيمان إلا إذا تحققت فيه كل أركان الإيمان ، ولاء المسلم لله ورسوله وللمؤمنين فإن تغير الولاء إلى غيرهم من أهل الكتاب والمشرين سقط صاحبه في بؤرة الضلال وغضب الله عليه ووكله إلى فساده وضلاله . هذا بعض ما أوحت به آيات النداء في سورة النساء ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ....إنه سبحانه ينادينا ..فهل سمعنا النداء؟!
|
#16
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق14
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الرابع عشر خوطب أهل الكتاب في هذه السورة – سورة المائدة - خمس مرات أن يؤمنوا بالله الواحد ويصدّقوا النبي محمداً عليه الصلاة والسلام . وأن لا يغالوا في دينهم فيخرجوا إلى الإشراك، وأنهم بدلوا دينهم فغيّروا وغلبهم الهوى ، ولو ظلت كتبهم سليمة غير محرفة لعلموا أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم حقٌّ فاتبعوه، لكنهم فسقوا وضلوا ،وطغوا وبغوا.
1- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)} 2- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} 3- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)} 4- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} 5- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77)} ونودي المؤمنون في سورة المائدة ست عشرة مرة راوحت بين : ما فرض عليهم في الحج و وجوب الطاعة في ذلك ، والطهارة للصلاة. والامتناع عن الصيد في الحج، وعقوبة ذلك. وأن يشهدوا بالقسط. وأن يشكروا نعمة الله عليهم. وأن يجاهدوا في سبيل الله . وأن لا يأمنوا إلى أعداء الله . وأن يثبتوا على الإيمان الحق وأن يبتغوا الوسيلة إلى الله . وأن يجاهدوا في سبيل الله . وأن لايُلحوا في الاسئلة ، بل ينتظرون ما يقوله الرسول لهم. وأن يكونوا دعاة إلى الله . وأن يشهدوا بالحق فيصل المال لى أصحابه الشرعيين. 1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} أتى رجلٌ عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إلي. فقال إذا سمعت الله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } فأرِعْها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه . وهذه لفتة رائعة من مُرَبٍّ مشهود له بالفهم والدراية وحسن الصحبة . وإذا سألنا عن العهود فهي ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حدَّ في القرآن كله ،فلا غدر ولا نُكثَ ثم شدد القرآن في ذلك فقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ...(25)}(الرعد) ويدخل فيها ما أحل الله وحرم وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم . وعلمنا الالتزام بالنظام من أوامر ونواهٍ ، فإذا سألنا عن السبب في هذه الأوامر والنواهي فالجواب أننا عباد لله نفعل ما نُؤمر وننتهي عما نُهينا عنه. وما يريد الله تعالى بنا إلا الخير سبحانه من لطيف بعباده. 2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} فإذا وفّينا بالعقود لزمنا حدود الله فلم نتعدّها وعملنا بما رسمه لنا من شعائرالله ومناسك ، فلا قتال في الأشهر الحرُم { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...(217)}(البقرة) ، إلا إذا استبيحت بيضة المسلمين فيها. وهذا ما يفعله الكفار في المسلمين إذ لا عهد للمشركين ولا ذمّة وعلى الحجاج أن لا يتركوا الإهداء إلى البيت الحرام فإن فيه تعظيم شعائر الله ويميزونها عما عداها من الأنعام ليُعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتشجعُ على الإهداء إلى البيت بمثلها ،لما حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين ثم أشعر هديه وقلده وأهلَّ للحج والعمرة وكان هديه إبلا كثيرة تنوف على الستين من أحسن الأشكال فكان هذا تعظيماً لله : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}(الحج). كان أهل الجاهلية يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون فنهى الله عن قطع شجره. ومن امّ البيت الحرام من المشركين فلا يُستحل قتاله وقد نُسخ هذا الحكم بقوله تعالى تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .. (28)}(التوبة) وقد أمّرَ رسولُ الله الصديق ثم أمر علياً أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فنفى المشركين من المسجد الحرام ،فإذا فرغ المسلمون من إحرامهم وأحلّوا منه منه فقد أباح لهم ما حرّم عليهم في الإحرام ، ولما منع المشركون المسلمين في الحديبية من العمرة أراد المسلمون بعد فتح مكة أن يقتصوا منهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه والعدل به قامت السموات والأرض. ويأمرنا الله تعالى أن نتعاون على فعل الخيرات من البر وترك المنكرات يأمرنا بالتقوى وينهانا عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم. ومن التناصر قولُه صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ قال : ( تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره ) . وما أروع قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) . ورأس الأمر في هذا التقوى ، وقد افلح من كان تقياً. 3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} يريد الله تعالى بنا اليسر ويحضنا على الطهر، فنشكره، فيتم نعمته علينا. ولا بدّ للصلاة من طهارة ووضوء فإذا عزَ الماءُ فالتيمم يجزئ ولكل مريض يؤذيه الماء أن يتيمم أو يمسح على الجبيرة ،وملامسة النساء غير لمسهنّ فالملامسةُ أكثر عرضة لنقض الوضوء ففيه التفاعل بين الطرفين وللمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام غير المقيم فله المسح خمس صلوات ، وشُرع التيمم ليُزل المولى سبحانه الحرج عن عباده ، فيبقى المسلم على اتصال بخالقه في صلاته المكتوبة وقراءته القرآنَ. 4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} من سمات المسلم أن يحكّم الحق في كل تصرفاته وانفعالاته حتى مع أعدائه أو ظاميه، ويريد المولى لنا أن نكون قوامين بالحق للحقّ لا للسمعة والرياء وأن نشهد بالعدل وننبذ الجور حتى في صغار الأمور وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : (أكل ولدك نحلت مثله ؟) قال لا قال : ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) - وقال - (إني لا أشهد على جور) قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة ، إن التقوى تتجلى في إحقاق العدل بين الناس جميعاً أحببتَهم أم كرهتَهم ، لذا قال تعالى : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والتقوى سمة المؤمنين وعنوان الرجال العاملين. 5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)} عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا ( للقيلولة) وتفرق الناس في العضاه (شجر الصحراء) يستظلون تحتها وعلق النبي سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني قال : الله عز وجل قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله قال فشام الأعرابي السيف ،(تركه) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه. أما بنو النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ووكلوا عمرو بن جحش بن كعب بذلك وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤوا عليه فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية أنّ من توكل على الله كفاه الله ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدوا إليهم فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم . فإذا عرفنا نعمة الله وحفظناها ،وتوكلنا على الله كان معنا وكفّ أيدي الناس عنا.وما أحوجنا هذه الأيام إلى ذلك. 6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)} يأمرنا الله تعالى في هذه الآية بثلاثة أمور : أ - تقوى الله سبحانه وتعالى ، والأمر بالتقوى يتكرر دائماً لأنه السبيل السليم الصحيح لرضا الله تعالى ب - وأمر بعدها بطاعته فهي الوسيلة إلى مرضاته { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } وهي التقرب إليه { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } وهذا الذي قاله الأئمة والوسيلة ما يُتوصل بها إلى تحصيل المقصود ،والوسيلة أيضا أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وداره في الجنة وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة ) ج - وأمر بالجهاد ،قال ابن كثير :لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم والتاركين للدين القويم ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة : من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة الحسنة مناظرها الطيبة مساكنها التي من سكنها ينعم لا ييأس ويحيا لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. 7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} موالاة اليهود والنصارى الذين –و هم أعداء الإسلام وأهله – انحراف خطير،يقع فيه من لم يخالط الإيمان قلبه ،فهؤلاء اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فمن تولهم وأطاعهم فقد دخل في زمرتهم وباء بالخسران ، إنه تهديد ووعيد يقصمان الظهر ويؤديان إلى غضب المولى { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وقد أمرعمرُ أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد (كتاب واحد) وكان لأبي موسى كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال : إن هذا لحفيظ هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام فقال : إنه لا يستطيع فقال عمر : أجنب هو قال لا بل نصراني قال : فانتهرني وضرب فخذي ثم قال : أخرجوه ثم قرأ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } وأبو موسى استعمله ولم يوالِه ، فماذا نقول بمن أحبهم وأطاعهم وأعانهم على المسلمين وكان في صفوفهم يضرب بسيوفهم؟! 8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} إنّ من يودُّ أهل الكتاب على ودّ المسلمين ويخدم مصالحهم ويعمل بامرهم خائن لله ولرسوله وللمؤمنين ، نصرَ غيرَ المسلمين ووالى أعداءهم ، فماذا بقي له من الإسلام ؟ ، لقد جاءت هذه الآية بعد أختها مباشرة لتوضح أن أمثال هؤلاء في خانة المرتدين ،فمن تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خيرٌ لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا يحبهم الله تعالى ويبادلونه سبحانه حباً بحب وينصرونه وينصرون دينهم وإخوانهم ويعملون لخدمتهم بكل إخلاص ويدفعون عنهم أذى أعدائهم ويجاهدون في سبيل الله هذه صفات الكمال في المؤمنين، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه ،وصدق فيهم قولُه تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ..(29)}(الفتح) وفي صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه وقوله عز وجل : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } . قال ابن كثير رحمه الله: لا يردهم - عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل. عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم ) تفرد به" أحمد وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقالٌ فلا يقول فيه. فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف ) ورواه ابن ماجه إن الثبات على الحق والعمل به والدفاع عنه ورفع رايته سمات المؤمن الذي هداه الله إليه ورزقه الخير ، نسأل الله أن يزينّا بالحق ويجعلنا من أهله. 9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)} وكيف يوالي المسلم – لوكان مسلماً حقاً – من يهزأ بدينه ويسخر منه ويظهر عداوته للإسلام وأهله جهاراً نهاراً إلا إذا كان مسخاً ليس في قلبه ذرة من إيمان ، ألم يصفهم المولى سبحانه بالغدر وسوء الطوية ( لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ،وأولئك هم المعتدون) إن التقيّ من يوالي الله ورسوله والمؤمنين ، فهل نعي هذا؟ وقد فعل اليهود ما نُهينا عنه ونُهوا عنه فعجّل الله تعالى لهم العقوبة في الدنيا فجعلهم قردة وخنازير فكانوا عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)} 10- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)} عن عائشة رضي الله عنها أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في الدنيا فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فنزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }. إن الله تعالى أعلم بنا منا فهو خالقنا وفرض علينا ما ينفعنا ونهانا عمّا يضرنا، والعمل بشرعه إرضاء له سبحانه والبعد عن ذلك اعتداء على أمره وعصيان له فمن بالغ في التضييق على نفسه بتحريم المباحات فحرم الحلال فقد اعتدى على حق الله تعالى بل نأخذ من الحلال ما يكفينا، ولا نتجاوز فيه الحد ،إن الله تعالى يقول: {... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}(الأعراف) ومدح المقسطين فقال: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}(الفرقان) فلا إفراط ولا تفريط بل يسر وتسهيل ما لم نتجاوز ذلك. 11- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)} وللحفاظ على الإنسان ، عقله وصحته وماله ودينه وضح الله تعالى ضرر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وقال : إنه من عمل عدوّنا وعدوّ الإنسانية ( الشيطان ) الذي نذر نفسه أن يضل الناس جميعاً فيدخلوا معه جهنّم والعياذ بالله . فالخمر يُذهب العقل – والعقل زينة ابن آدم- ومن ضيّع عقله استوى والحيوان ، فآذى نفسه وغيره ، والميسر يبذر العداوة ويزرع الكره والبغضاء في المجتمعات ، فيأكل الناسُ بعضُهم أموال بعض ، وتأخذهم حُميّا الميسر للاستمرار في تضييع الوقت – وهو العمر الذي ينبغي الحفاظ عليه واستغلاله بما يفيد ، فتضيع الصلاة ويضيع العمل المفيد . والأنصاب تبعد البشر عن خالقهم وتدعوهم إلى عبادة غيره ، والأزلام تعوّدهم على حياة الوهم والتواكل . وكان تحريم الخمر والميسر على سبيل التدرّج بعد أن كان المجتمع غارقاً فيهما لا يكاد يتركهما .وهذا اسلوب تربوي رائع يستل من نفوس القوم ما اعتادوا عليه ، إنه الانتقال خطوة خطوة إلى سبيل الهداية والنور ، فلما جاء السؤال المشوب بالنهي قالوا : انتهينا ، انتهينا . 12- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)} لا بدّ من الابتلاء والاختبار ، هكذا الحياة ، وهكذا يعيش المرء إلى أن يلقى ربّه، وكان الصيد دَيدَن العرب وسمة حياتهم، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم , كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت , ابتلاهم ببعض الصيد وهو الصيد البريُّ فقط فمن التزم أثبت تقواه حين خاف ربه فأطاعه ، ومع الطاعة يربح المرء رضا الكريم ، ومع العصيان العقوبة .لا بدّ من الثواب والعقاب. 13- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ) وما عدا ذلك فلا يجوز مما يُؤكل ويدخل في الكلب العقور الحيوانات المفترسة ، ويدخل مع العقرب الحيّةُ يقتلها المحرم في الحرم. فإن فعل قدّم هدياً مثليّاً في الحرم أو وزّع ثمنه بين فقرائه، يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين ، فإن لم يجد صام وللعلماء آراء في الصيام حسب حجم الحيوان المرميّ { عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف } في ايام الجاهلية ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة ، ونلاحظ التشديد في العقوبة فالله عزيز ذو انتقام يفعل ما يشاء . 14- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} من الأدب الذي أدب الله تعالى به عباده المؤمنين أن لا يسألوا عن أشياء لم تُذكر لهم ولم تُفرض عليهم ، فقد تسوءهم إن ظهرتْ ويشق عليهم سماعها ،فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال : (لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم ) فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟ قال : ( أبوك حذافة ) قال ثم قام عمر أو قال فأنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا عائذا بالله أو قال أعوذ بالله من شر الفتن قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم أر في الخير والشر كاليوم قط صورت الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط ) أخرجاه من طريق سعيد ورواه معمر عن الزهري عن أنس بنحو ذلك أو قريبا منه . قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة ما رأيت ولدا أعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رءوس الناس فقال والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . ولما نزلت هذه الآية : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...(97)}(آل عمران) قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي كل عام ؟ فسكت قال : ثم قالوا أفي كل عام ؟ فقال : (لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم ) فأنزل الله هذه الآية تنبه المسلمين إلى عدم اللجاجة في السؤال 15- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} واجب المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير ما وسعهم ، فمن أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس. كل امرئ بما كسب رهين، إن خيرا فخير وإن شرا فشر وعلى المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكنا . قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودعِ العوام فإن من ورائكم أياما ،الصابرُ فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم ) وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت . رواه ابن جرير . إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم إلى يوم القيامة. 16- { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)} قد يدرك الموتُ الرجل في طريق سفره أو تجارته ، فيعطي المال لرجلين يظنهما قادرين على إيصال المال إلى ورثته فإذا ارتاب أهل الميت بكلامهما ساءلوهما بعد صلاة العصرعند اجتماع المصلين، فيحلفان بالله أنهما ما خانا ولاغلاّ فيحلفان حينئذ باللهأنهما لا يبيعان الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة وأنهما لا يكتمان شهادة الله، فإن فعلا فإنهما آثمان، ولن يكونا كذلك. فلا بدّ من التمحيص واستجلاء الأمور ، كما أن المسلم يحسب للآخرة حسابها ويحرص على رضا الله وعفوه وغفرانه حيث لا ينفع - هناك - مال ولا بنون. إنه سبحانه وتعالى ينادينا ، ويحثنا على طاعته فهل سمعنا النداء؟!
|
#17
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق15
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الخامس عشر في سورة الأعراف ينادي الله سبحانه بني آدم مبيناً فضله عليهم، داعياً إياهم إلى التقوى ، ويحذرهم من الشيطان وأحابيله ،ويأمرهم بالتزام آداب زيارته في بيوته، وأنه سبحانه لم يكن ليتركهم يعيشون الحياة الدنيا دون توجيه وتربية وتعليم فأرسل إليهم أنبياءه الكرام.
ثم ينبه الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وطاعة نبيه ليكونوا من المهتدين . ليس في هذه السورة نداء خاص للمؤمنين إنما هو نداء للناس جميعاً دون استثناء أن يكونوا عباده الصالحين ، فهو سبحانه يريد الخير لهم في الدنيا والآخرة وسيجزيهم – إن لبّوا وأطاعوا خير الدنيا والآخرة. وفي هذه السورة الكريمة أربعة نداءات لبني آدم ونداء واحد للناس كلهم : يا بني آدم : 1- { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} إن الله تعالى يمُنُّ على عباده بما جعل لهم من لباس يسترعوراتهم من ضرورات الحياة وزينتها. لبس أبو أمامة ثوبا جديدا فلما بلغ ترقوته قال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ، ثم قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استجَدَّ ثوبا فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حيا وميتا ) . إلاّ أن لباس التقوى والإيمان أعظم ما يتزين المرء به وبه يتجمّل ويُعرف. وما أروع ما رواه عثمانُ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لباس التقوى : ( والذي نفس محمد بيده ما أسرَّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر ) فمهما أراد الإنسان أن يتزيا بما ليس فيه فضحه الله وعرّاه. ثم قرأ هذه الآية { وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فقد جمّلنا المولى بالثياب المادية على اجسادنا وجمّلنا بالأخلاق والأعمال الحسنة التي تكتب في صحائفنا وتتجلّى في حركاتنا وسكناتنا إن كنّا صالحين عاملين بما نقول . 2- { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)} . قال ابن كثير رحمه الله : يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله مبينا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة وهذا كقوله تعالى { ...#أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}(الكهف) "كما أن الشيطان نفسه قال موضحاً ما في نفسه من عداوة لبني البشر : { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}(الحجر) وإذا كان الشيطان عدوَّنا الأول مصرحاً وملمحاً أفلالا ينبغي الحذر منه والناي عنه؟.ولئن استطاع أبليس أن ينزع عن أبوينا لباسهما فتظهر سوءاتهما إنه في الارض ينزع الإيمان والشرف زالمروءة والطهر والعفاف من قلوب البشر وعقولهم وصدورهم.ومما يساعده على تنفيذ مهمّته العدائية أنه يرانا ولا نراه فهو يوسوس لنا إذ يجري في ابن آدم مجرى العروق من الدم. ويلتقم قلوب اتباعه ويخدّر عقولهم ويجثم على صدورهم أعاذنا الله من إبليس وذريته وأتباعه. 3- { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}. هي دعوة لعمارة المساجد أولاً والحفاظ على نظافتها الظاهرة ثانياً مع التنبّه إلى نظافة القلوب والافئدة مما يسيء إلى الأهل الإيمان ، فلا غلّ ولا كراهية ولا حقد ولا حسد. يدخلها المسلم بثياب نظيفة متعطّراً لا يشم أخوه منه غير الرائحة الطيبة ، والثياب زينة وستر، والتجمل في الصلاة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ومن أفضل اللباس البياض كان المشركون يطوفون بالبيت عراة :الرجال نهاراً والنساء ليلاً وكانت المرأة تقول : اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ،وكفنوا فيها موتاكم ،وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر )قال بعض السلف جمع الله الطب كله في نصف آية : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ#} وقال البخاري قال ابن عباس : كل ما شئت والبس شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ) . ولعلنا نقع في هذا كثيراً غذ نهتم بالمأكل والمشرب اكثر مما ينبغي. 4- { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}. لا يُترك البشر يعيشون على غير هدى ، يقودهم الشيطان وتدفعهم الشهوات إلى المهالك، فبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته، ورغَّب وحذَّر، وعلّم وبيّن كيلا يكون لهم حجة يوم القيامة . والناجح في سعيه من كان تقياً (عَلِم وعمل) وأصلح ما كان أخطأ فيه فإن فعل ذلك نجى من العقوبة وفاز بالثواب فكان من أهل الجنة يعيشون أبد الدهر في أمن وأمان وسعادة ورخاء. دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} . 1- لا بد من التصريح بدعوة الله ، وهذا ما فعله الحبيب المصطفى إذ أمره المولى سبحانه أن يدعو إلى عبادة الله وحده وطاعته. 2- وهو – صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى البشر كافّة، وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين. 3- يستحق الله تعالى العبادة لان الأمر كله بيده ، فهو الخالق المحيي ، وهو القابض المميت ، بيده الحياة والرزق ، والنفع والضرّ 4- والرسول أو الداعية قدوة يؤمن بما يدعو إليه وكلما كان الداعية مخلصاً لله كان قريباً إليه أثيراً لديه. 5- إن اتباع القدوة الصالحة طريق معبّدة إلى الله تأخذ بيده على هدى مستقيم إلى الغاية والهدف . وعلى هذا نسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ) . 6- ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامّة عرّف بالله تعالى فقال: ( إن الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم ) فإذا عرف الإنسان الغاية وفهمهما ، وتعرّف إلى ربه سبحانه أحبّه وأطاعه ..اللهم اتجعلنا من عبادك هؤلاء. إنه سبحانه ينادينا ، ويأخذ بايدينا إلى مرضاته لنكون من السعداء الناجين ... فهل سمعنا النداء؟.
|
#18
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق16
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السادس عشر نجد القرآن الكريم – في سورة التوبة – ينادي المؤمنين سبع مرات، فيها :
1- البراءة من موالاة الكفار. 2- ومنعهم عن المسجد الحرام بعد فتح مكة . 3- فضح للذين يأكلون الدنيا بالدين والتحذير منهم. 4- والحض على الجهاد في سبيل الله ، ووجوب قتال الكفار. 5- التعامل مع المشركين بالقوة الرادعة. 6- التقرب إلى الصادقين والتحبب إليهم. فقال سبحانه: 1 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)} أهناك أقرب من الأب والولد والأخ ؟ وهل تكون ولايةٌ ومناصرة إلا بين الأقارب أولاً ؟ إن الولاء يكون – عادة - بين المتحابين المتقاربين ولاتكون الولاية بين المؤمنين والكافرين . كان العرب قبل الإسلام يتناصرون على الحق والباطل يلتزمون القريب ضد عدوّه أكان محقاً أم غير ذلك ،ولعلنا نتذكر المقولة المشهورة بينهم " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فلم يكن اعتبار الحق والعدل قائماً ، إنما هي المصلحة القبلية في التناصر ، حتى قيل : "أنا وأخي على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغريب" فجاء الإسلام يهذب هذا المثل ويشذب هذه القاعدة فغير مفهومها إلى نصرة الحق وأهله بغض النظر عن القرابة الظالمة التي لا تعرف – في كثير من الأحيان- للحق حرمة. نفى الإسلامُ الموالاة الخاطئة ، بينهم كما نفاها بين المسلمين والمشركين عامّة والمشركين من أهل الكتاب بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء ...}(51)}(المائدة) ليبين أن القربَ قربُ الأديان لا قرب الأبدان . ويعجبني قول الشاعر: يقولون لي دار الأحبة قد دنت * وأنت كئيب ،إنَّ ذا لعجيب قالت أسماء بنت ابي بكر الصديق: يا رسول الله , إن أمي قدمت عليَّ راغبة وهي مشركة أفأصلها ؟ قال : ( صلي أمك ) . إنها صلةٌ لا موالاة ، والفرق بينهما كبير.فقـلت وما تغـني ديـارٌ قريبـة * إذا لم يكن بين القلوب قريب فكم من بعيد الدار نال مراده * وآخرَ جار الجنب فيه كئيب إن من والى الكافر وناصره على المؤمن ظلمَ نفسه فبرئت منه ذمّة الله تعالى وخرج عن الإيمان.ولا يعي هذا إلا المؤمنُ الفطنُ الذي رُبّيَ على حب الإيمان وأهله. 2 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} لا يقربُ المسجدَ الحرامَ إلا المؤمنُ ، إنَّ الطاهر لا يقربه إلا الطاهر أما المشرك فنجس القلب والعقل ، والمسجد لله سبحانه الذي لا يقبل شريكاً . نزلت هذه الآية في سنة تسع للهجرة ،ولهذا بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ وكان أبو بكر أميرَ الحجّ إذ ذاك وأمره أن ينادي في الناس : أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فأتم الله بذلك أمر الدينَ وحكم به شرعا وقدرا . قال بعض الناس ممن تقومُ تجارتهم على أمثال هؤلاء : (لتقطعن عنا الأسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن عنا ما كنا نُصيب فيها من المرافق) فأنزل الله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء ..." فعوّضهم الله تعالى ما تخوّفوه من قطع تلك الأسواق وفتح عليهم أبواب الرزق تفتح لهم خيراً وبركة ، إن الرزق من عند الله ، الم يقل الله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}(الذاريات). 3 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ،وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} كان شداد بن أوس رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات :اللهم إنى أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ،وأسألك حسن عبادتك ،وأسألك قلبا سليما ،وأسألك لسانا صادقا ،وأسألك من خير ما تعلم ،وأعوذ بك من شر ما تعلم ،وأستغفرك لما تعلم ،إنك أنت علام الغيوب ) . ويحذر الله تعالى من علماء السوء من اليهود والنصارى الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ، يفسُد بفسادهم الكثيرُ من العوام وضعاف الإيمان . قال سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شَبهٌ من اليهود، ومن فسد من عُبّادنا كان فيه شبهٌ من النصارى وفي الحديث الصحيح : ( لتركبن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ) قالوا اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ؟) . إنهم يأكلون الدين بالدنيا من رياسة ظالمة تفرض على الناس المكوس والضرائب والهدايا وما شابه ذلك. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى :وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ويلبِّسون الحق بالباطل ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعونهم إلى الخير وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، فإذا فسدت العلماء فكنزوا المال ولم ينفقوه في وجوهه الصحيحة فسدت أحوال الناس، ((وهل أفسد الدين إلا الملوكُ وأحبار سوء ورهبانها)) كما قال ابن المبارك رحمه الله. ولا يكون المال مكنوزاً – على كثرته إذا أُدّيت زكاتُه وتُصًدِّق منه حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبا للذهب تبا للفضة ) يقولها ثلاثا شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا فأي مال نتخذ ؟ فقال عمر رضي الله عنه أنا أعلم لكم ذلك ، فقال : يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم ،وقالوا فأي المال نتخذ ؟ قال : ( لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة تعين أحدكم على دينه ) . ولا يملأ عينَ ابن آدم إلا التراب، ياتيه المال كثيراً فيجمعه ويكدسه وينسى حق الله وحق العباد فيه ، إنّ الذين يكنزون المال من حل ومن حرام ويتمتعون بجمعه ولا ينفقونه في سبيل الله تعالى وعلى مستحقيه يجدون عقوبة ذلك في الآخرة ، إذ يُحمى هذا الكنز الذي جمعه فتكوى به أجسادهم - جباههم وجنوبهم وظهورهم - وهذه عقوبة بدنية ، يصاحبها العقوبة النفسيّة من لوم وتقريع ( هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون ) ، فهل من عاقل يعلم ما ينفعه في دنياه وآخرته، فيغلق باب الشر ويفتح أبواب الخير؟ 4 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)} إنه عتابٌ من الله تعالى لمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارّة القيظ إذ دعاهم رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد في سبيل الله " فتثاقل بعضهم وتكاسل ومال إلى حياة الدعة والاسترخاء،وإلى حياة الخفض وطيب الثمار ، فكأنهم زهدوا في الآخرة وفضَّلوا الدنيا عليها. ثم رغبنا المولى في الآخرة فقال رسوله صلى الله عليه وسلم: ( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بما ترجع ؟) وأشار بالسبابة .أخرجه مسلم . قال ابن كثير: روى ابن أبي حاتم حدثنا بشر بن مسلم بن عبد الحميد الحمصي بحمص حدثنا الربيع بن روح حدثنا محمد بن خالد الوهبي حدثنا زياد يعني الجصاص عن أبي عثمان قال : قلت يا أبا هريرة سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة ) قال أبو هريرة : بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة ) ثم تلا هذه الآية : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها ، هي عند الله قليل . وقال الثوري عن الأعمش في الآية: { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } قال كزاد الراكب ، وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال : ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال : أما لي من كبير ما أخلِّف من الدنيا إلا هذا ؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أف لك من دار إنَّ كثيرك لقليل وإنَّ قليلك لقصير وإن كنا منك لفي غرور . 5 - { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} وحين يخاطب المولى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فالخطاب موجّه إلى أتباعه من المؤمنين ، إن الله يأمر نبيه الكريم أن يجاهد الكفار والمنافقين وأن يغلظ عليهم وأمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة إنّ الله تعالى أمر بجهاد الكفار بالسيف وأغلظ على المنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم ، فإذا كانت النار – في الآخرة – مأواهم فلعل التشديد عليهم في الدنيا يدفعهم إلى الحق ويأطرهم عليه. ولعل بعضهم يؤوب إلى اللحق ويلتزمه. 6 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} إنّ الصادقين مع الله صادقون من خلقه ، فمن كان معهم ولزم غرزهم كان منهم ونجا بنجاتهم وفرّج الله عنهم ،وأوصلهم إلى بر الأمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) أخرجاه في الصحيحين ذكر ابن كثير رضي الله عنه أنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل اقرءوا إن شئتم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } ثم قال : فهل تجدون لأحد فيه رخصة ؟ وعن عبد الله بن عمر في قوله : { اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } قال مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقال الحسن البصري إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكف عن أهل الملة . فإذا كنا مع الصادقين كانت حبالنا موصولة بالله تعالى ، والله تعالى يحب الصدق والصادقين ويكره الكذب والكاذبين . ومن كان مع الصادقين كان على نور من ربه وهدى ، ومن كان مع الكاذبين فكأنه يحتطب بليل يجره إلى حفرة فيها هلاكُه. 7 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} قال ابن كثير رحمه الله : بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب الأقربَ فالأبعد ثم فتح مكة والمدينة والطائف وجنوب الجزيرة وشرقها وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ثمّ شرع في قتال أهل الكتاب فكان الرومُ أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام ، أنهم أهل الكتاب، فقاتلهم في مؤتة ثم قاتلهم في تبوك . ثم قام خليفتُه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فثبّت الله به الإسلام في جزيرة العرب ، فوطد القواعد وثبت الدعائم وردَّ شارد الدين وهو راغم ورد أهل الردة إلى الإسلام وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغاة ، وبيَّنَ الحق لمن جهله . وأدى عن الرسول ما حمله ، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم النصارى وإلى الفرس المجوس ففتح الله عليه وكان النصر مبيناً . وتمَّ الأمر على يدي الفاروق شهيد المحراب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين ، وقمع الطغاة والمنافقين ،واستولى على الممالك شرقا وغربا . وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدا وقربا . ففرقها على الوجه الشرعي والسبيل المرضي, فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،وعلت كلمة الله وظهر دينه ،وبلغت الملة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها ،وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار. إن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقا بأخيه المؤمن غليظا على عدوه الكافر كقوله تعالى " وقد وصف المولى سبحانه رسوله الكريم وصحبه في سورة الفتح فقال: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ...(29)} . وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا الضحوك القتـّال )" يعني أنه ضحوك في وجه وليّه قتـّال لِهامَة عدوه " وما يفعل ذلك إلا التقيُّ الذي يجعل العمل بشرع ربه ديدنه وهدفَه . اللهم نبرأ إليك من ضعفنا وقلة حيلتنا ، ونسألك أن تردنا إلى ديننا ردّاً جميلاً ، وأن تصلحنا وتنصر الإسلام على أيدينا ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. إنه سبحانه ينادينا – معشر المؤمنين- فهل سمعنا النداء؟!
|
#19
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق17
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السابع عشر نداء واحد للمؤمنين في سورة الحج :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) } يأمرنا الله تعالى فيه- إن كنا متصفين بالإيمان- أن نصلي ساجدين راكعين ،لله عابدين ، للخير فاعلين . مجاهدين في سبيله ، فمن آمن بالله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وجاهد حقَّ الجهاد ، واعتمد على الله في سعيه واعتصم به كان من أهل الفلاح . ولكن ما صفات المؤمنين المفلحين ؟ إنها كثيرة في القرآن الكريم بيدَ أننا سنقف على صفاتهم في سورة ( المؤمنون) لقرب هذه الصفات من الآية ، بل إننا ننتقل إلى سورة ( المؤمنون ) مباشرة فصفات المؤمنين هنا تتمة لما سبق ، وهذا دليل على (وحدة الموضوع القرآني). عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فقرأت " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - حتى انتهت إلى - وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " قالت هكذا كان خلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها انطقي قالت " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ " فقال الله وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " وقوله تعالى :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } يعني أنهم فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف . أول هذه الصفات : الخشوع في الصلاة : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } والقلب مركز الخشوع لله والخوف منه سبحانه ومن خشع ، فكّر وتدبّر وفهم، ثم عمل . والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " . وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: " يا بلال أرحنا بالصلاة " ثاني هذه الصفات : الإعراض عن الباطل من شرك ومعاصٍ من أفعال وأقوال { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } ومن اللغو ما لا فائدة فيه من أقوال وأفعال ألم يقل الله تعالى : { وَإذَا مَرُّواْ بِاْلَّلغْوِ مَرُّواْ كِرَامَا (72)}(الفرقان). وما يتصف بهذه الصفات إلا ذوو الأفئدة الحية والقلوب الزكية. وثالث هذه الصفات: زكاة المال وزكاة النفس :{ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } ومن أدّى الزكاة عن إيمان ويقين شرح الله صدره وقبل عمله وهداه غلى كل خير : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)}(الشمس)} ، ولعلنا نجد الوعيد والتهديد لمن تقاعس عن الزكاة فكان شحيحاً في قوله تعالى: {...وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ...(7)}(فصلت) ": ولن يكون الخاشع في صلاته بخيلاً . ورابع هذه الصفات: العفة والطهارة والحفاظ على أعراض المسلمين وغيرهم : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} والمسلم غيور على شرف المجتمع المسلم ينأى بنفسه عما يسيء إليه من زنا أو لواط غير أن التسرّي بالإماء والجواري في هذا الزمن قد انتهى ولم يعد له وجود ".وإننا لنرى الشاب في هذا الزمن الرديء يرى اللحوم البشرية تُعرض كأرخص سلعة فيأباها ولسان حاله يقول : إني أخاف الله رب العالمين ، ولعله من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظلَّ إلا ظله. وخامس هذه الصفات : أداءُالأمانة وحفظ العهد نراها في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)} والمسلم إذا عاهد وفّى وإذا قال صدق ولا يخون أبداً وينأى بنفسه أن يكون منافقاً ، قال صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " وسادس هذه الصفات: المواظبة على الصلاة في وقتها لقوله سبحانه { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)} سأل ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله ؟ قال " الصلاة على وقتها " قلت ثم أي ؟ قال " بر الوالدين " قلت ثم أي ؟ قال " الجهاد في سبيل الله " أخرجاه في الصحيحين .ويتجلى ذلك في حسن أدائها من قيام وركوع وسجود واطمئنان في كل أركانها، وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة فدل على أفضليتها كما قال رسول الله " استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " . فمن اتصف بهذه الشمائل الحميدة والأفعال الرشيدة نال الفردوس الأعلى ، قال تعالى :{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما منكم من أحد إلا وله منزلان ، منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله " فما المنزل الذي يسعى له المؤمن يا تُرى؟. يقول ابن كثير رحمه الله : فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل بل أبلغ من هذا أيضا وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى " وفي لفظ قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقال هذا فكاكك من النار " فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال فحلف له قلت وهذه الآية كقوله تعالى : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا (63)}(مريم)" وكقوله سبحانه : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72)}(الزخرف). ولمّا وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال: { أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} . مهما عاش المرء في دنياه فإن نسبة حياة الدنيا إلى الآخرة الخالدة كنقطة في مستقيم لا نهاية له، فمن باع آخرته بدنياه معتوه لايدري من أمره شيئاً ولو حاز علوم الدنيا كلها.ومن باع دنياه بآخرته فاز بالنعيم المقيم ، نسأل الله تعالى حسن الختام إنه سبحانه ينادينا ، فهل سمعنا النداء ووعيناه؟!
|
#20
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق18
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثامن عشر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)سورة النور
سُمّيَت سورة النور لما فيها من أحكام اجتماعية دينية راقية ،من التزمها كانت حياته نوراً وعلى هذا نجد في السورة آيتين تقول إحداهما : { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34)}وتقول الثانية : {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46)} فآيات الله نزلت تبيّن للناس ما ينبغي أن يفعلوه في حياتهم ليسعدوا ويحيَوا بأمان. ولو نظرنا في القرآن الكريم وهو يحذر من الشيطان لوجدنا التحذير من ( خطواته) . لا من الشيطان مباشرة فالشيطان خبيث في طرائق إغوائه البشرَ ، يعرف ضالته منهم ، فيدخل لكل واحد من الباب الواهي الذي تقوى فيه أهواؤه ورغباته ، فيدغدغ مشاعره ، ويمنّيه ، ويلبّس عليه الأمور ، فإذا رآه صد عليه باباً لم يمل منه ولم ينصرف عنه ، إنما بحث عن باب آخر ينفذ منه إليه ، ولا ينفك عنه مادام حياً . ألم يخبرنا الله تعالى عن دأب الشيطان في بذل كل الطرق لإغواء الإنسان ، فقال في سورة الأعراف : { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} فعن سبرة بن أبي الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ قال فعصاه وأسلم ، " قال " قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتدع أرضك وسماءك ؟ وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهاد النفس والمال فقال : تقاتل فتقتل فتُنكحُ المرأة ويُقسم المالُ ؟، قال فعصاه وجاهد ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصَتْه دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة ). من كتاب عمدة التفسير ( غريب ) . فالشيطان لا يألو يكيد للإنسان فهم عدوه الأول وبسببه خرج من الجنة ، ويسعى بكل ما يستطيع هو وأتباعه أن يأخذ الإنسان معه إلى النار : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}(ص) . وحذّر القرآن من خطوات الشيطان أربع مرات 1- في سورة البقرة : {*يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)} . * تنبه للأكل الحلال والبعد عن الحرام . 2- في سورة البقرة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} . تحث على الدخول في الإسلام ونبذ وسوسات الشيطان . 3- في سورة الأنعام : { وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)} . توضح أن الله خلق الأنعام لنأكل من لحومها ونشرب من ألبانها ، فهي رزق سخره الله تعالى للناس . 4- وفي الآية التي بين أيدينا في عنوان المقال. والملاحظ : 1- أنّ الآيات الثلاث الأولى انتهت بتنبيه مهم جداً ومباشر هو ملاك الفكرة في الآيات : { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } فعداوته واضحة بيّنة لكل ذي عينين . 2- أما الآية الرابعة* في سورة النور فنبهت بطريق غير مباشر لعداوة الشيطان لنا ، وكأنه لوضوح التحذير مباشر ، { فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }* أفلا يكون عدواً مبيناً ؟ . الشيطان - لعنه الله - مُربٍّ ، نعمْ هو مُرَبٍّ ، ولكنه شرّير يُربّي أتباعه على الكفر والفساد ، ويشدهم بالتدرّج إلى المهالك لينكسوا على رؤوسهم في جهنم معه ، ثم يتبرّأ منهم كعادة الخبيثين في كل زمان ومكان . يدّعي الإصلاح ليوقع أصحاب الأهواء في حبائله . يتابعهم خطوة خطوة ويمنّيهم مّرة وراء مّرة ، ويقسم لهم أغلظ الأيمان ليضلهم عن سبيل الله وإليك هذا المثال في الإغواء بـ ( خطواته المتدرجة ) : فالشيطان لا يأمرك بالزنا مباشرة لأنك ستعرف مقصده وتتعوّذ منه فوراً . وهو يريد ابتداء أن يكسب ثقتك ، انظر إلى هذه الفتاة الجميلة . أعوذ بالله ، إنه الفساد بعينه . ولم يا صاحبي ؟ إن النظرة سهم قاتل من سهامك يا إبليس . هل تراني أسدد السهام إلى قلبك؟! إن النظرة بريد الزنا ، يشغل القلب ، ويبعده عن الله . أنا لا أريد أن تصل إلى هذا صدّقني . كيف أصدّقك وأنت تأمرني أن أنظر إليها ، والعين تزني ، وزناها النظر . إن الله جميل يحب الجمال ، وأنت رجل مؤمن يزيدك النظر إلى صنع الخالق الجميل إيماناً ، ويزيدك تقوى فانظر إليها يا رجل واذكر الله تعالى ... ينظر إبليس إليها ، ويذكر الله مظهراً الخشوع . ينظر الفتى إليها فيشدَهُهُ جمالها ، ويذكر الله بقلبه ، ثم بلسانه فقط لأن إبليس يتمثل بها ، ويبدأ بإغوائه ابتسم لها يا رجل . أعوذ بالله منك ، كيف ابتسم لها ؟ كيف تبتسم لها؟ ! أتجهل طريقة الابتسام؟! لست أقصد هذا ولكن الابتسامة دعوة لها أن تجاملني . وبدء بحديث . أنسيت أن تبسّمك في وجه أخيك صدقة؟ هي ليست رجلاً ، إنها امرأة ، وقد أتقدم بالابتسامة خطوة أخرى . إنها أختك في الله . بل إن تبسمك في وجهها جزء من الدعوة إلى الله تعالى . ويبتسم لها . فتبادله الابتسام ويحييه إبليس المتمثل بها بابتسامة عريضة تأسره وتستجِرّ قلبه وعقله . أرأيت الحب الأخويّ الطاهر أيها المتزمّت؟ نعم إنه لطاهر حقاً – يقولها مشدوداً إليها راغباً بها ، منعطفاً إليها . ألا تسلم عليها أيها الأبله ؟! إنني أدعوك إلى شعيرة إسلامية ضاعت منك . يا أيها الشيطان تكاد توقعني في حبائلك . أنسيت يا رجل قوله تعالى { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } وهي منكم معشر المسلمين ، ومن أنفسكم . يسلم عليها و.. و.. و.. قال شوقي : نظرة فابتسامة فسلام * فكلام فموعد فلقاء هذه واحدة من خطوات الشيطان ، والقياس واضح بيّن أخي الحبيب . ولقد رأينا فضل الله تعالى علينا في هذه الآية ، فهو – سبحانه- الذي أرسل رسوله يدلنا على طريق النجاة ويأخذ بأيدينا إلى رضاه سبحانه، ولولا فضله لما نجا أحد من شباك الشيطان ودهائه ومكره وفساده. فإذا دعوناه فهو قريب منا يسمع دعاءنا ويجيبه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) من الآداب شرعية التي أدب الله بها عباده المؤمنين (الاستئذانُ) 1- فلا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده ،يستأذن ثلاث مرات فإن أذن له وإلا انصرف كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له فطلبوه فوجدوه قد ذهب فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " فقال عمر : لتأتيني على هذا بينة وإلا أوجعتك ضربا فذهب إلى ملإ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق . واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة فقال " السلام عليك ورحمة الله فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه سعد فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمتَ تسليمة إلا وهي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمِعك وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيبا فأكل نبي الله فلما فرغ قال " أكل طعامَكم الأبرارُ وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون " 2- وينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول " السلام عليكم السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور ; انفرد به أبو داود . وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " 3- أن يذكر المرء اسمه حين يُسأل عن القادم، قال جابر:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب فقال " من ذا ؟" فقلت أنا قال " أنا أنا ؟ " كأنه كرهه وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها فيُعرف. 4- والاستئناس المأمور به في الآية أعظم من الاستئذان ، فقد يطرق أحدُنا الباب فيخجل منه صاحبه ويُدخله وقد يكون تعباً أو يريد أن لا يدخل عليه أحد أو مشغولاً أو متأزماً فيسمح بالدخول وأماراته تدلُّ على غير ذلك ، أما الاستئناس فيظهر في حسن القبول والابتسام ، وما يدلُّ على الرغبة في الاستقبال .وبهذا نجد بلاغة القرآن قدّمت الاستئناس لدقته في جلاء المعنى وأهمّيته. 5- ولا بدّ من السلام قبل الاستئذان فعن ربعي قال أتى رجل من بني عامر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : قل السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) في الآية السابقة وقفنا على استئذان الأجانب ، وفي هذه الآيات الكريمة يتوضّح استئذان الأقارب بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال : " الأول " من قبل صلاة الفجر لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم " والثاني" وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله " والثالث" بعد صلاة العِشاء وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال أن يستأذنوا فهي عورات ثلاث ، ولا حرج في غير هذه الأوقات الثلاث أن يدخل الخدم والأطفال دون استئذان. فإذا بلغ الأطفال الحلم كان حكمهم حكمَ غيرهم . وقد تتبذل النساء الكبيرات في سويّة الحجاب فلا بأس أن يظهرن بثيابهنّ الساترة لأجسامهنّ وشعورهنّ بثياب البيت وقد يكون مزركشاً بحجّة أنّهنَّ كبرنَ ولم يعدن يرغبن في الرجال أو يرغب الرجال فيهنّ ودون زينة .إلا أن العلماء قالوا: (لكل ساقطة في الحي لا قطة).فكانت العفة تامرهنّ أن يستعففن ، فهذا خير لهنّ وللرجال الذين يرونهنّ. وما أروع الفاصلة القرآنية : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يسمع ما يقال وما يمكن أن يحرك الغرائز وعليم بنفوس الناس فيُشرّع لهم ما يناسبهم ويحفظ عليهم دينهم وشرفهم . إنه سبحانه ينادينا ويدلنا على صالح أمرنا ... فهل سمعنا النداءَ ووعيناه؟ يتبع
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |