الحلقة 18
ثقافة الشتائم في بلاد التيه العربية :
صعد السائق وادار المحرك ونظر الينا نحن العشرون نظرة تتطاير شررا ، وقال :
( ايدك على راسك وراسك لتحت ولاك)
يالله ..
يالله .. هل نحن مازلنا في المعتقل ..!؟
فهذة الشتيمة لم انساها بعد ، فقد سمعتها من الاسرائيليين كثيرا ، ولكن :
"بدون كلمة، أو عرصات"
فقد كنا نجلس هذه الجلسة ساعات طوال "جلسة التربيع" لدى اسرائيل وذلك حسب طلبهم ، وإن هذه الاهانة التي كان الاسرائيليين يوجهونها لنا ، كنا قد حاربناهم عليها وسقط منا قتلى وجرحى ، حتى أننا لم نعد نلبي أوامر الاسرائيليين ..
وها أنا في بلادي ، اسمع هذا السائق يصرخ علينا مرة اخرى ، ويكرر نفس الكلمات
( ايدك على راسك ، وراسك لتحت ولا عرصات)
يالله ..
ماهذا التشابه بين اسرائيل وهذا السائق ..!!
لا ، بل إن شتائم ذلك السائق لهي أقسى وأمر "إن اسرائيل لم تشتم والدي ووالدتي وأخواتي ، إنما ذلك السائق قد فعلها"
هل يعرفنا ذلك السائق ام أنه يلفظ تلك الشتائم التي تمس شرف الإنسان وكرامته لكل مساجينه ..!!؟؟
هل يعرف بأننا كنا اسرى لدى اسرائيل وأنه لا علاقة لنا بالمساجين الآخرين ..!؟
أم أنه لا يعرف ذلك ..!!
فماأقسى تلك الشتائم التي يتقنها ويبدع فيها منتسبي الأجهزة الأمنية ..
لقد نفذنا أوامر ذلك السائق على مضض :
( ايدنا على راسنا ، وراسنا لتحت ) .
يارباه ..
ماأتعس الاوطان التي تأمر أبناءها بطئطئة رؤوسهم بدل أن يرفعوها ، وما أضعف الاوطان التي تهين ابناءها ، وما أنذل وأخس فاعليها ..
إن الامم الاخرى يزداد ارتفاعها في السماء ،
والامم العربية يزداد هبوطها الى ماتحت القاع
إن الانسان المهان في وطنه ، ليس وطنه ، ولن يستطيع أن يدافع عنه
فهل يعلم الحكام بما يجري لمواطنيهم ..!؟
ام انهم لايعلمون ..
واذا كانوا يعلمون فتلك مصيبة
واذا كانوا لا يعلمون ، فالمصيبة اعظم
وفي كلتا الحالتين لا تأهلهم بأن يكونوا حكاما ..
زجرنا ذلك السائق ، بكلمات يعجز اللسان عن لفظها ، بما فيها من شتائم وسباب ، وبعد أن تأكد بأننا نفذنا أوامره ، ترجل من العربة وذهب لبعض شؤونه ، وكان محرك العربة دائرا ، ولم يبقى فيها الا : نحن المساجين ..
مرت علينا لحظات كأنها دهور
إن الثواني كانت تمر ببطئ شديد ونحن مطئطئي الرؤوس
فإلى أين سنذهب هذه المرة ..؟
وكيف ستكون الرحلة الجديدة ..؟
لانعرف ..
لانعرف .
يتبع ..