05-05-19, 02:41 PM
|
|
توتير تبا لك !
عندما أدخل التويتر أصاب بالهلوسة أشعر أنني رجل غريب، غريب ألقي وسط الآلاف من البشر المجانين أين يكثر الصياح والعربدة والمجون، لا أشعر أني أنتمي لهذه البيئة المعقدة والكتابات المختصرة والمعالجات التحليلية الغامضة والأحاديث المقتضبة السريعة، أين يكتفي المثقفون وجوباً بتغريدات قصيرة بدل النصوص الطويلة المملة، الجميع هنا مذهولون وخائفون ويركضون بسرعة جنونية في منحدر سحيق، الجميع مخمورون مرتبكون ويسألون عن الوقت، الزمن الغادر كأفعى كوبرا، يلتقطون المعلومات ككرات طائرة ويرسلونها في الهواء ما أن تلامس أيديهم، لا أحد هناك يفكر بالإحتفاظ بشيء لنفسه، هناك أشعر كما لو أنني رجل كهف ألقي بقدرة قادر وسط الحضارة وأصوات الميكروباصات وناطحات السحاب والقطارات السريعة والسيدات البرجوازيات بقبعاتهن السخيفة، الوضع في التويتر يختلف عن المنتديات وأيا كانت القضية اللعينة فأنت مطالب حتماً للإختصار الشديد والتلميح بدل التصريح والبحث عن كلمات تختصر جملاً وعن مفاهيم تختصر كتباً وعن ألفاظ غريبة تختصر الطريق الطويل الشاق للبحث عن معناها، فيكتفي المتلقي بتأملها وحك رأسه أو مؤخرته لا فرق .. تغريدات المشاهير لا تختلف عن تغريدات حارس ليلي في بار جميعها عبارات مقتبسة أو إستنتاجات سطحية أو تراشق باتهامات وشتائم طوال الوقت، بالنسبة لي التويتر يقيّد الموهبة الإبداعية ويلزمك بالاختصار .. تختصر حد أنك تتخيل نفسك مسجوناً يكتب على علبة سجائر، التويتر مساحة لشعراء الهايكو والسياسين المجانين ورؤساء الدول والحكومات الذين لا يملكون وقتاً للتفكير والإسهاب في الكتابة لذلك هم يوجزون قدر الإمكان، وراءهم مشاغل كثيرة واجتماعات مغلقة وحفلات ماجنة .. بينما المنتديات مساحة واسعة لنا نحن الصعاليك الذين نقضي جل وقتنا في الثرثرة وكتابة آرائنا البسيطة ووجهات نظرنا التي لا تهم أحداً بالمرة ولن تنفع سوى من خدع فينا واعتقد أننا أصحاب حنكة ودهاء بينما نحن مجموعة من المعتوهين فاقدي الشغف، لا نبحث عن حلول سحرية لأزماتنا الوجودية، المنتديات حررتنا بعض الشيء من الكبت، كبت مشاعرنا التي لطالما إستخف بها أهلنا في البيت وأصدقاؤنا في الشارع، وجدنا فيها مكاناً واسعاً للهراء، فضاء للسخرية وكتابة القصائد الرديئة ومناقشة أفكار خرقاء بكل حرية .. يشبه المنتدي حقلاً كبيراً بينما التويتر حديقة منزلية صغيرة لا تصلح للركض ولا الاختباء .. من بدّل المنتدي بالتويتر فقد ظلم نفسه وعليه لعنة غريب الماضي وزوجته وأولاده للأبد ..
ولعنة بحر الهدوء
التوقيع
|
" شيئان ليس لهما حدود الكون وغباء الأنسان "
ألبرت إينشتاين
|
|