منتديات قصيمي نت

منتديات قصيمي نت (http://www.qassimy.com/vb/index.php)
-   من ذاكرة التاريخ (http://www.qassimy.com/vb/forumdisplay.php?f=73)
-   -   (((((((((((((موسوعة معارك اسلامية)))))))))))) (http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=131093)

AbduLraHmN 05-09-09 06:20 AM

بُهْرَسير.. الطريق إلى المدائن




http://www.islamonline.net/arabic/hi...ages/pic20.gif

كان المسلمون يرون فتح بلاد فارس أمرا صعب المنال، ومن ثم فقد كانوا يتهيبون غزوها، ولم يسعوا لقتالها.
فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة، ورأى أن بلاد فارس قد أصبحت مسرحًا للفوضى والاضطرابات صح عزمه على غزوها، وشجعه على ذلك تلك الهزيمة التي لحقت بالروم في "أجنادين" سنة (15هـ= 636م)، واطمئنانه أنهم لم يعودوا يمثلون خطرًا على المسلمين.
ووقع اختيار عمر بن الخطاب على واحد من أكفأ القادة المسلمين، وأكثرهم حماسًا واستعدادًا لمواجهة الفرس، وكان ذلك القائد هو "سعد بن أبي وقاص" فسيّره في جيش كبير إلى العراق وفارس (إيران).
انتصار القادسية
استطاع سعد في نحو عشرة آلاف فارس أن يحقق نصرًا ساحقًا على الفرس في القادسية، وكان قائد الفرس حينذاك "رستم" ذا الحاجب على رأس جيش بلغ مائة وعشرين ألف مقاتل، حيث دارت معركة عنيفة كانت من أهم المعارك في التاريخ بين المسلمين والفرس، واستمرت المعركة عدة أيام، حتى تحقق النصر للمسلمين، وفر رستم وجنوده، وغنم المسلمون فيها مغانم كثيرة.
كان انتصار المسلمين في القادسية دافعًا لهم للاستمرار في زحفهم نحو المدائن عاصمة الفرس، وسار سعد بجنوده حتى وصل إلى بهرسير وكانت إحدى حواضر فارس، فنزل سعد قريبًا منها، وأرسل مجموعة من جنوده لاستطلاع الموقف، وعاد هؤلاء الجنود وهم يسوقون أمامهم آلافًا من الفلاحين، من أهل تلك المدينة.
وحيثما علم "شيرزار" دهقان (أمير) "ساباط" بالأمر أرسل إلى سعد يطلب منه إطلاق سراح هؤلاء الفلاحين، ويخبره أنهم ليسوا مقاتلين، وإنما هم مجرد مزارعين أُجراء، وأنهم لم يقاتلوا جنوده؛ فكتب سعد إلى عمر يعرض عليه الموقف ويسأله المشورة: "إنا وردنا بهرسير بعد الذي لقينا فيما بين القادسية وبهرسير، فلم يأت أحد لقتال، فبثثت الخيول، فجمعت الفلاحين من القرى والآجام.. فرأيك".
فأجابه عمر: "إن من أتاكم من الفلاحين إذا كانوا مقيمين لم يعينوا عليكم فهو أمانهم، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به".. فلما جاءه خطاب عمر خلى سعد سبيلهم.
حصار.. وفتح
وأرسل سعد إلى الدهاقين (رؤساء المدن والأقاليم) يدعوهم إلى الإسلام على أن يكون لهم ما هم عليه من الإمارة والحكم، أو الجزية ولهم الذمة والمنعة، فدخل كثير منهم الإسلام لما وجدوه من سماحة المسلمين وعدلهم -مع ما هم عليه من بأس وقوة- ولكن بهرسير امتنعت عنه، وظن أهلها أن حصونها تحول دون فتح المسلمين لها، فحاصرها سعد بجنوده طوال شهرين يرمونها بالمجانيق، ويدكونها بالدبابات التي صنعوها من الجلود والأخشاب؛ وكان الجنود يحتمون بها وهم يعاودون مهاجمة أسوار المدينة المرة بعد الأخرى، ويقاتلونهم بكل عدة.
ولكن المدينة كانت محصّنة فنصب سعد حولها عشرين منجنيقًا في أماكن متفرقة ليشغلهم ويصرفهم عن ملاحظة تقدم فرسانه نحو المدينة لاقتحامها.
وأحس الفرس بمحاولة المسلمين اقتحام المدينة؛ فخرج إليهم عدد كبير من الجنود الفرس ليقاتلوهم ويمنعوهم من دخول المدينة، وضرب المسلمون أروع الأمثلة في البطولة والفداء، وقوة التحمّل والحرص على الشهادة، وكان القائد "زُهْرة بن الجويّة" واحدا من أولئك الأبطال الشجعان الذين سطّروا بدمائهم ملحمة الانتصار، وكان عليه درع مفصومة، فأرادوا أن يصلحوها له قبل أن يخرج للقتال حتى لا يصيبه سهم من خلالها، ولكنه أبى، وقال: "إني لكريم على الله، إن ترك سهمُ فارس الجندَ كلَّه ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت فيّ!".
وانطلق يقاتل في جرأة وشجاعة، حتى أصيب بسهم في ذلك الفصم، فتحامل على نفسه حتى استطاع أن يصل إلى قائد الفرس "شهْربَرَاز"، فضربه بسيفه فقتله.. وما إن رأى جنود الفرس قائدهم يسقط على الأرض مدرجًا في دمائه حتى تملكهم الهلع والذعر، وتفرق جمعهم، وتتشتت فرسانهم، وانطلقوا يفرون على غير هدى إلى الجبال.
وظل المسلمون يحاصرون بهرسير بعد أن فر الجنود والتحقوا بالفيافي والجبال، واشتد حصار المسلمين على المدينة؛ حتى اضطر أهلها إلى أكل الكلاب والقطط، فأرسل ملكهم إلى المسلمين يعرض الصلح على أن يكون للمسلمين ما فتحوه إلى دجلة، ولكن المسلمين رفضوا وظلوا يحاصرون المدينة، ويضربونها بالمجانيق، واستمر الحال على ذلك فترة من الوقت.
وبدت المدينة هادئة يخيم عليها الصمت والسكون، وكأنه لا أثر للحياة فيها، فحمل المسلمون عليها ليلاً، وتسلقوا أسوارها وفتحوها، ولكن أحدًا لم يعترضهم من الجنود، ولم يجدوا فيها إلا عددًا من السكان ساقوهم أسرى.. ودخل المسلمون بهرسير فاتحين بعد أن حاصروها زمنًا طويلاً.
الصلاة بإيوان كسرى
كان الظلام قد أرخى سدوله على المدينة، وكان ضوء القمر يرسم أشباح المنازل القابعة في أحضان سور المدينة العالي الحصين، وانتشر فرسان المسلمين ليحكموا سيطرتهم على المدينة، وفجأة لاح لهم قصر كسرى الشامخ بلونه الأبيض وبنائه السامق العجيب؛ فراحوا يكبرون.. وهم يتذكرون وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرش كسرى، وانطلق تكبيرهم يشق سكون الليل ويتردد في الفضاء.
ودخل سعد مع جنوده القصر الأبيض، وصلى في إيوان كسرى شكرًا لله على النصر.. فقد كان انتصار المسلمين وفتحهم لمدينة بهرسير الحصينة هو بداية الطريق إلى فتح "المدائن" عاصمة الفرس المنيعة القوية.‏‏

AbduLraHmN 05-09-09 06:22 AM

http://www.asjad.info/upload/aln3esa-1250900649.jpg

AbduLraHmN 05-09-09 06:36 AM

معركة وادي الخزندار


معركة وادي الخزندار . أيضاً تعرف بـمعركة مجمع المروج [7]، ومعركة مرج المروج [8] ، و معركة سلمية ، و معركة حمص الثالثة، معركة وقعت في سوريا شمال شرق حمص دارت رحاها في عام 699 هـ /1299م بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون ومغول الإلخانات بقيادة محمود غازان. انتهت بانتصار المغول على المماليك بسبب صغر حجم جيش الأخير ونقص استعدادته [11]. رغم هزيمة المماليك الفادحة إلا أنهم أوقعوا خسائر جسيمة بالجيش المغولي.

خلفية المعركة

بعد موت جنكيز خان في عام 1227م قسمت إمبراطورية المغول بين أبنائه الأربعة. وكانت الأجزاء التي تهم الدولة المملوكية جزأين هما: الجزء الغربي من دولة جنكيز خان وكان من نصيب حفيده "باتو بن جوجي"، وعرف هذا الفرع باسم " القبيلة الذهبية " (خانات القفجاق) وشملت حدودها أجزاء من ما يُعرف اليوم باسم (روسيا،أوكرانيا،مولدوفيا وكازاخستان). و الجزء الآخر بلاد فارس وكان من نصيب "تولوي"، وعرف هذا الفرع باسم دولة "الإلخانات" (مغول فارس).
توسع الإلخانات في آسيا الصغرى، واقتحموا حدود العالم الإسلامي، وفي عام 1258 استولوا بقيادة "هولاكو" على بغداد ودمروها، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وقضوا على الخلافة العباسية، ثم استولوا على دمشق، وبذلك فقد المسلمون مركزين هامين من مراكز الثقافة في العالم الإسلامي .
أما القبيلة الذهبية في الجزء الغربي، فقد اعتنقت الإسلام، وصارت عضداً وحليفاً للمسلمين في حربهم ضد مغول فارس [12]. بعد الاستيلاء على بغداد ودمشق أرسل هولاكو إلى سيف الدين قطز سلطان مصر المملوكي يهدده ويأمره بالخضوع له. فخرج قطز من القاهرة بجند مصر[13]. ومن انضم إليه من عسكر الشام [14] والعرب والتركمان [15]، واصطدم بجيش المغول في 3 سبتمبر 1260م وهزمه هزيمة ساحقة في معركة كبرى عرفت باسم معركة عين جالوت [16][17]. بانتصار قطز على مغول فارس تم تحرير دمشق من المغول، وتلاشت الدولة الأيوبية نهائياً، وامتدت الدولة المملوكية الناشئة إلى الشام .
إلا أن معركة عين جالوت لم تنه مطامع مغول فارس في الشام، بل صار المغول يتربصون ويعدون العدة لأخذ ثأر هزيمتهم على أيدي المماليك. لم يكد يعلم المغول بموت السلطان قطز حتى أغاروا بقيادة "بيدرا" على مدينة البيرة وبعد ذلك هاجموا حلب واستولوا عليها [18]. أدرك السلطان بيبرس الذي خلف قطز خطورة مغول فارس على دولة المماليك والعالم الإسلامي، فهادن الصليبيين وعقد حلفاً مع "بركة خان بن جوجي" ملك مغول القبيلة الذهبية الذي أشهر إسلامه، حتى يتفرغ لمواجهة خطر مغول فارس. وتمكن بيبرس من استرداد البيرة ووقف للمغول والصليبيين بالمرصاد [19].
بعد وفاة الظاهر بيبرس جدد السلطان قلاوون، الذي خلف بيبرس وابنيه السعيد بركة قان وسُلامش، الهدنة مع الصليبيين ليتفرغ هو الآخر لمواجهة الخطر المغولي وتمكن من هزيمتهم قرب حلب في عام 1280م ثم هزمهم مرة أخرى هزيمة نكراء عند حمص في سنة 1281م عندما هاجموا الشام بقيادة " أباقا بن هولاكو ". خلف أباقا بعد وفاته أخوه " تكودار " الذي أشهر إسلامه وسمى نفسه أحمد مما أدى إلى تحسن العلاقات بين مغول فارس والمماليك. إلا أن تحسن العلاقات لم يدم طويلاً، إذ قتل تكودار على يد ابن أخيه " أرغون بن أباقا " الذي ولى عرش مغول فارس مكانه في عام 1284م وعرف بكراهيته وعدائه للمسلمين [20].
بعد صراعات داخلية بين مغول فارس أطاح " غازان بن أرغون " بابن عم أبيه " بايدو بن طرقاي " في عام 1295م ليصبح بذلك سابع إلخانات فارس [21]، وقام بتبديل لقبه من إلخان إلى سلطان [22].
ونشأ غازان مسيحياً وقامت بتربيته "ديسبينا خاتون" زوجة "أباقا"، التي كانت صديقة للصليبيين وعدوة لدودة للمسلمين. إلا أن غازان اعتنق الإسلام وسمى نفسه محمودا، وجعل الإسلام الديانة الرسمية لدولة مغول فارس، ولكن هذا لم يؤد إلى تلاشي أحقاده على المماليك وأطماعه في السيطرة على بلاد المسلمين. وبقي غازان صديقاً وحليفاً للصليبيين [23][24].
عندما استولى غازان على عرش الإلخانات كان السلطان العادل كتبغا (حكم 1294م - 1295م) يجلس على عرش المماليك بقلعة الجبل بالقاهرة [25]. وكان كتبغا ذاته من أصل مغولي، وفي عهده وفد إلى الشام ومصر عدد كبير من المغول الوافدية من طائفة الأويراتية [26]. وفيما بين عامي 1296م و1299م حكم البلاد السلطان حسام الدين لاجين، وبعد وفاته نصب الناصر محمد بن قلاوون للمرة الثانية سلطاناً على البلاد، وكان عمره حينذاك أربعة عشر عاماً [27] [28]. في عهد السلطان لاجين فر الأميران قبجق المنصوري نائب دمشق وبكتمر السلاح دار إلى المغول وأقاما عند غازان [29]، فلما نصب الناصر سلطاناً أغرى قبجق غازان بسهولة الزحف على الشام نظراً لصغر سن السلطان الناصر وانشغال الأمراء في خلافاتهم [30]. فما كاد الناصر محمد يستقر على تخت السلطنة في عام 1299 حتى وردت الأنباء بزحف المغول بقيادة غازان على الشام






زحف المغول على الشام



في سنة 699هـ / 1299م وردت أنباء عن زحف مغولى من حلب على الشام يقوده محمود غازان سلطان مغول فارس (الإلخانات)، وأن طلائع المغول قد وصلت إلى البيرة. جمع الناصر محمد الأمراء للتشاور، واتفقوا على خروج بيبرس الجاشنكير أستادار السلطان إلى حلب على رأس جيش صغير قوامه خمسمائة مملوك، على أن يلحق به الناصر ببقية الجيش [32].
في 15 صفر خرج الناصر من القاهرة على رأس جيشه متوجهاً إلى دمشق، وفي صحبته الخليفة العباسي الإمام أحمد الحاكم بأمر الله [33][34] ، و القضاة الأربعة [35]، وسائر الأمراء.




تآمر المغول الأويراتية

عند وصول جيش الناصر محمد إلى تل العجول من غزة تآمر المغول الأويراتية الذين وفدوا إلى مصر وأقاموا فيها في عهد السلطان المخلوع كتبغا، مع بعض المماليك السلطانية على اغتيال الأميرين سلار نائب السلطنة [36] و بيبرس الجاشنكير أستادار السلطان [37][38] بهدف الانتقام وإعادة كتبغا -وهو مغولى الأصل- إلى الحكم. وأفلت بيبرس من القتل بعد أن هاجمه أحد المماليك السلطانية ويدعى برنطاي ولكنه نجا وقُتل برنطاى بعد أن تبادرته السيوف. ظن سلار أن المؤامرة قد تمت بمعرفة الناصر فأرسل إلى أمير جاندار يقول: "ما هذه الفتنة التي تريدون إثارتها في هذا الوقت ونحن على لقاء العدو؟ وقد بلغنا أن الأويراتية قد وافقت المماليك السلطانية على قتلنا، وكان هذا برأيك ورأى السلطان، وقد دفع الله عنا. إن كان الأمراء كذلك فنحن مماليك السلطان ومماليك أبيه الشهيد، ونحن نكون فداء للمسلمين وإن لم يكن الأمر كذلك فابعثوا إلينا غرماءنا". فلما سمع الناصر هذا الكلام بكى، وأقسم أنه لم يكن يعلم. وأقسم أمير جاندار أيضاٌ وذكر أنه ظن أن السلطان كان هو هدف المتآمرين. وتم الصلح بين أمير جاندار والأمراء البرجية. وقُبض على الأويراتية، فأقروا بما كانوا قد عزموا عليه من قتل بيبرس الجاشنكير وسلار وإعادة العادل كتبغا إلى الحكم. وشنق نحو الخمسين من الأويراتية، ونودى عليهم : "هذا جزاء من يقصد إقامة الفتن بين المسلمين ويتجاسر على الملوك". واتفق بيبرس وسلار على إبعاد بعض مماليك الناصر إلى الكرك فأبعدوا بموافقته [39].
عند قرتية [40]. تعرض الجيش لسيل عارم أتلف وأضاع الكثير من منقولات الجنود وهجنهم فتشائموا وتطيروا من ذلك. وبعد السيل خرج جراد سد الأفق فزاد تطيرهم وخوفهم





المعركة

http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ca_1300_Ar.png http://ar.wikipedia.org/skins-1.5/co...gnify-clip.png
خريطة موقع معركتي وادي الخزندار و شقحب بين المماليك والمغول في عهد الناصر محمد بن قلاوون ومحمود غازان.


في 8 ربيع الأول وصل الناصر إلى دمشق على رأس جيشه، ووردت الأنباء بالبريد ومع القادمين من حلب وغيرها بعبور غازان نهر الفرات بجيش ضخم. في 17 ربيع الأول خرج عسكر دمشق وتبعه الناصر بجيشه ونزلوا بحمص، وأرسل الناصر العربان لمعاينة وضع المغول، فبلغه أنهم يحتشدون عند سلمية [42].
في سحر 18 ربيع الأول خرج الناصر من حمص لملاقاة المغول [43][44]. وقد اُمر الجنود بالتخلي عن الرماح والاعتماد على السيوف والدبوس [45]. ووصل الناصر إلى مجمع المرج -الذي عرف فيما بعد باسم وادي الخزندار- وقام الأمراء بترتيب الجنود وتنظيم الصفوف. وراح الفقهاء يعظون المقاتلين ويقوون عزائمهم حتى بكوا من وقع الكلمات وشدة التأثر [46].
كانت عدة جيش المسلمين نحو 20 ألف فارس وكان جيش غازان في نحو 100 ألف [47]، وكان يضم قوات متحالفة من مملكة قليقية Cilicia (مملكة أرمينية الصغري)[48][49].
وقف الأمير عيسى بن مهنا في الميمنة على رأس العربان، يليه الأمير بلبان الطباخي نائب حلب على رأس عسكر حلب وحماة. ووقف على رأس الميسرة أقش قتال السبع والحاج كرت نائب طرابلس والأمير بدر الدين بكتاش في عدة من الأمراء. أما في القلب فقد وقف بيبرس الجاشنكير وسلار وأيبك الخازندار في عدة من الأمراء. ووقف الناصر محمد على بعد مع حسام الدين لاجين الأستادار [50]. وقد اضطر بيبرس الجاشنكير إلى الاعتزال بسبب إصابته بمغص شديد مفاجىء منعه من الثبات على فرسه [51].
أمر غازان مقاتليه بالثبات وعدم الحركة إلى أن يتحرك هو حتى يتمكنوا من مهاجمة جيش الناصر هجمة رجل واحد. فلما انطلقت طليعة جيش الناصر (الزراقون) بالنفط المشتعل تجاه جيش المغول، لم يتحرك غازان بعكس ما توقع المسلمون، وظل على ثباته حتى اقتربت طليعة المسلمين منه وقد خمدت نيران النفط، فهجم بجيشه حملة واحدة. انطلقت سهام عشرة آلاف مغولي من رماة النشاب نحوالعربان وضغطت ميمنة جيشهم عليهم فولى العربان مدبرين وخلفهم جيش حلب وحماة فهزمت ميمنة جيش المسلمين. أما ميسرة جيش الناصر فقد تمكنت من صدمة ميمنة غازان صدمة قوية فرقت جمعها ودحرتها عن أخرها، وفقد المغول في تلك الصدمة نحو الخمسة آلاف. وكتب بذلك إلى الناصر محمد فابتهج [52].
كاد غازان أن يولي الأدبار فاستدعى قبجق نائب دمشق فشجعه وثبته حتى تماسك ونظم صفوفه وحمل حملة واحدة على قلب جيش المسلمين فلم يصمد سلار وسائر الأمراء البرجية وتولوا أمام جيش غازان الذي تبعهم وراح يرمي السهام على أقفيتهم. رأى الملك الناصر جيشه يولي الأدبار وخلفه جيش غازان يمطره بالسهام، فراح يبكى ويبتهل قائلاً: "يارب لا تجعلني كعباً نحساً على المسلمين" [53]. لم يبق مع الناصر من المماليك غير اثني عشر مملوكاً [54].
عاد مقاتلو ميسرة جيش المسلمين التي هزمت ميمنة غازان إلى حمص بالغنائم بعد العصر، فإذا بهم يرون الأمراء البرجية يولون منهزمين وفي أعقابهم المغول يتبعونهم فبهتوا. إلا أن غازان أمر مقاتليه بالانسحاب خشية أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم كميناً فنجوا.
وصل بقية المنهزمون إلى حمص وقت الغروب بلا عتاد ولا سلاح، بعد ما غنم المغول سائر ما كان معهم، فصرخ فيهم أهل حمص: "الله الله في المسلمين!"، ثم توجهوا إلى دمشق [55].
استناداً إلى المقريزي قتل في المعركة العديد من الأمراء، ونحو أربعة عشر ألفاً من المغول [56]. وتجدر الإشارة إلى أن المماليك كانوا عادة يحصون عدد الأمراء المقتولين مع عدم الإشارة إلى المقتولين من عوام الجنود والمتطوعين. ويذكر ابن إياس أن عدد القتلى من الجانبين كان ضخماً







دخول المغول دمشق



ما كاد المنهزمون يصلون إلى دمشق حتى وصل خبر بقدوم غازان، فسارعوا بمغادرة المدينة [58]. وصل غازان إلى أطراف دمشق بعد أن نهب الخزائن السلطانية وعتاد جيش المسلمين في حمص، فقامت ضجة عظيمة وهرب الناس من المدينة في فزع، وهرب نحو مائتى سجين من السجون [59]، ومات من الزحام في الأبواب العديد من الناس، وفر إلى جهة مصر كثير منهم [60][61]. واجتمع من بقى في المدينة بالجامع الأموي واتفقوا على إرسال قاضى القضاة بدر الدين محمد والفقيه تقي الدين أحمد بن تيمية، في عدة من شيوخ وقضاة دمشق، إلى غازان لطلب الأمان، فذهبوا إليه عند النبك، ومنهم من قبل له الأرض، وطلبوا منه الأمان عن طريق مترجم، فقال لهم "قد بعثت إليكم الأمان" وصرفهم، فعادوا إلى دمشق [62][63]، وفي يوم الجمعة قرأ الأمير إسماعيل التتري، الذي حمل الأمان لأهل دمشق، الفرمان. ولم يخطب في مساجد دمشق لأحد من الملوك في ذاك اليوم. بعد يومين دخل غازان دمشق ومعه قبجق نائب دمشق [64] [65].
رفض الأمير علم الدين سنجر المنصوري نائب قلعة دمشق [66] المعروف بأرجواش الخضوع لغازان وتحصن في قلعة دمشق ، فلما طلب منه قبجق وبكتمر الاستسلام بحجة أن دم المسلمين في عنقه رفض وسبهما سباً قبيحاً وقال لهما : " إن دم المسلمين في أعناقكم أنتم لأنكم كنتم السبب في مجيء التتار " [67]. فذهب الأمير إسماعيل التتري إلى قضاة وأعيان دمشق يحذرهم من مغبة عدم استسلام أرجواش وتسليمه القلعة للمغول وهددهم بنهب دمشق وقتل الجميع. فأرسلوا إليه الرسل يطلبون منه الاستسلام فرفض ورد عليهم بالشتائم [68].
في يوم الجمعة 14 ربيع الآخر 696هـ خطب لغازان على منبر دمشق بألقابه وهي: "السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود غازان". وقرىء على الناس تقليد قبجق دمشق وحلب وحماة وحمص وغيرها، وولايته للقضاة والخطباء وغيرهم، ونثرت الدنانير على الناس ففرحوا بها [69] [70]. ونهب المغول وأرمن مملكة قليقية المدن وأحرقوا المساجد والمدارس وقتلوا الناس. قام الأرمن بتخريب الصالحية (قرب دمشق، سوريا) وقتلوا وأسروا نحو 10.000 من أهلها وفر من تمكن منهم إلى دمشق [71]. وانتهز الأرمن فرصة هزيمة المسلمين فاستولوا على تل حمدون وغيرها [72]. وخرج ابن تيمية إلى غازان بتل راهط للشكوى من النهب والتخريب وقتل الناس برغم منح الأمان فلم يتمكن من لقائه لانشغاله بشرب الخمر. فاجتمع بالوزيرين سعد الدين ورشيد الدين فنصحاه بدفع المال [73].
نصب المغول المنجنيق على القلعة بالقرب من جامع دمشق الكبير فلما بلغ أرجواش ذلك بعث بعض رجاله فأفسدوا ما وضعه المغول، ولكن المغول أعادوا وضع المنجنيق وقاموا بحراسته، وحولوا الجامع إلى حانة، واستباحوا حرمته وشربوا فيه الخمور وفجروا بنساء المسلمين [74]، ولم تقم به صلاة العشاء في هذا الوقت . فأرسل أرجواش رجلا لقتل المنجنيقي فهجم عليه بسكين وقتله وهو في وسط المغول، وهرب إلى القلعة. ثم قام أرجواش بهدم وحرق ما حول القلعة لئلا يستتر به المغول [75].
راح المغول يجبون الأموال من أهل الشام وينقلونها إلى خزانة غازان. فلما انتهت الجباية غادر غازان دمشق إلى فارس بعد أن أقام الأمير قبجق نائباً على دمشق، والأمير بكتمر نائباً على حلب وحمص وحماة، والأمير الألبكي نائباً على صفد وطرابلس والساحل تحت حماية نائبه قطلو شاه [76][77]، ووعد بالعودة لغزو مصر [78] كاتباٌ: "إنا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين ألف مقاتل، وفي عزمنا العود إليها في زمن الخريف، والدخول إلى الديار المصرية وفتحها" [79]. بعد رحيل غازان استمر نهب وتخريب دمشق وكسر المغول أبواب البيوت ونهبوا ما فيها وأحرقوا الكثير من الدور والمدارس واحترقت المدرسة العادلية [80]. ونهب المغول الأغوار حتى بلغوا القدس، ووصلوا إلى غزة حيث قتلوا بعض الرجال في جامعها [81].
ومما قاله الشعراء في فاجعة الهزيمة : " غلاء وغازان وغزوة وغارة .. وغدر وإغبان وغم ملازم "






انسحاب جنود الناصر إلى مصر

أما في مصر فقد تواصل ورود شراذم الجنود ومعهم عوام من الشام في أسوأ حال [83]، بعد أن انهمرت عليهم أمطار غزيرة في رحلة فرارهم إلى مصر، واجتيازهم لطرقات موحلة وتعذرت عليهم الأقوات [84]. وكان من ضمن الفارين إلى مصر السلطان المخلوع العادل كتبغا الذي كان السلطان لاجين قد عينه في عهده نائبا على قلعة صرخد. وبعد فراره إلى مصر مع الفارين دخل في خدمة الأمير سلار. وعاد السلطان الناصر إلي مصر بعد أن تفرقت العسكر عنه ولم يبق معه إلا بعض خواصه، ودخل قلعة الجبل في 12 ربيع الآخر [85] وقد أصابه حزن بالغ وتألم ألماً شديداً لهذه الهزيمة الشنعاء التي مني بها







إعادة تنظيم الجيش

بدأ الناصر فور عودته إلى القاهرة بتنظيم الجيش وتجهيزه لأخذ الثأر من المغول [87]. واستدعى صناع السلاح وجُمعت الأموال والخيل والرماح والسيوف من كل أرجاء مصر. ورسم للجنود العائدين بالنفقة فمنحوا أموالاً كثيرة أصلحوا بها أحوالهم وجددوا عدتهم وخيولهم [88]. ونودي بحضور الأجناد البطالين ووزعوا على الأمراء.
استدعي مجدي الدين عيسى نائب الحسبة ليأخذ فتوى الفقهاء بأخذ المال من الناس للنفقة على الحرب. فأحضر فتوى قديمة كان السلطان قطز قد استخدمها في أخذ دينار من كل شخص قبل معركة عين جالوت. ولكن الشيخ تقي الدين محمد بن دقيق العيد امتنع عن إصدار فتوى بهذا الخصوص قائلاً: "لم يكتب ابن عبد السلام للملك المظفر قطز حتى أحضر سائر الأمراء ما في ملكهم من ذهب وفضة وحلي نسائهم وأولادهم ورآه. وحلف كل منهم أنه لا يملك سوى هذا. كان ذلك ليس بكاف، فعند ذلك كتب بأخذ الدينار من كل واحد. وأما الآن فيبلغني أن كلا من الأمراء له مال جزيل، وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلي، ويعمل الإناء الذي يستنجي منه في الخلاء من فضة. ويرصع مجاس زوجته بأصناف الجواهر". عندئذ تقرر النظر في أموال التجار والأغنياء، وأخذ مايمكن أخذه من كل منهم بحسب قدرة كل واحد. فرض على كل فرد من التجار والأغنياء من عشرة دنانير إلى مائة دينار، وطلب من أعيان التجار مالاً على سبيل القرض، فتم جمع مبالغ كبيرة. على الرغم من التكاليف الباهظة والأعداد الكبيرة من نازحي الشام إلا أن ذلك لم يوثر كثيراً على اقتصاد مصر، ارتفع سعر السلاح ولكن هبطت أسعار الغذاء ولم يحدث نقص في الأسواق [89].
في غضون ذلك وردت الي القاهرة أنباء رحيل غازان عن دمشق وإقامة قبجق نائباً عليها، فأرسل الناصر إلى قبجق وبكتمر يدعوهما للولاء له، فاستجابا له. وخرج قبجق من دمشق متوجهاً إلى مصر، فاستولى الأمير أرجواش على دمشق وأعاد الخطبة باسم الملك الناصر بعد انقطاعها مائة يوم [90]. وسار بيبرس الجاشنكير وسلار إلى دمشق وأرسلا العسكر إلى حلب فقتلوا من كان فيها من أتباع غازان، وفر بعضهم إلى غازان وعرفوه بغدر قبجق به. وأقيم العادل كتبغا نائباً على حماة [91]، وخلع على أرجواش وأنعم عليه، وأقيم قبجق على نيابة الشوبك. وزحفت جنود الناصر على جبل الدروز وألزموا الدروز، بعد أن طلبوا الأمان، بإعادة العتاد والأموال التي نهبوها من الجنود وقت انسحابهم إلى مصر [92].
وصل إلى القاهرة وفد من غازان بطلب الصلح ووافق الناصر على الصلح ورد على غازان برسالة تقول: "إذا جنح الملك للسلم جنحنا لها.. والمشاهد لتصافينا يتلوا قوله تعالى: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءًً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) [93]، وينتظم إن شاء الله شمل الصلح أحسن انتظام، ويحصل التمسك من الموادعة والمصافاة بعروة لا انفصال ولا انفصام، وتستقر قواعد الصلح على ما يرضي الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام" [94].
إلا أن طلب غازان للصلح كان،كما يبدو، مجرد مناورة منه لكسب الوقت للتعرف على استعدادات وتحركات الملك الناصر [95].
في جمادى الآخرة عام 702هـ / 1303م وصلت اخبار من حلب بأن جيش المغول أوشك على الزحف على الشام مرة أخرى [96]. فخرج جيش الناصر بجيش مصر وانضم إليه عسكر الشام [97][98] [99]، والتقى الجمعان في 2 رمضان سنة 702هـ / 20 إبريل 1303م قرب دمشق [100]، في معركة تعرف باسم معركة شقحب أو معركة مرج الصفر. وفيها أبلي جيش المسلمين بلاءً حسناً وانتصر على جيش المغول نصراً كبيراً غسل عار هزيمة وادي الخزندار.

AbduLraHmN 05-09-09 06:40 AM

معركة شقحب


كان الرعب الذي يرافق تحركات المغول شديداً يملأ صدور الناس ويوهن من قواهم، فكلما سمع الناس قصدهم إلى بلد فرّوا من مواجهتهم. وقد سهّل هذا الرعب لهؤلاء الغزاة المعتدين سبيل النصر والغلبة.
وكان الخليفة المستكفي بالله والسلطان الناصر مقيمين في مصر كما هو معلوم، ويبدو أنّ أخبار عزم التتار على تجديد حملاتهم لدخول بلاد الشام وإزالة دولة المماليك بلغ المسؤولين في مصر، فعمل العلماء وأولوا الفكر والرأي على إشراك الخليفة والسلطان في مواجهة هؤلاء الغزاة.
ففي شهر رجب من سنة 702 هـ قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فانزعج الناس لذلك، واشتدّ خوفهم جداً كما يقول الحافظ ابن كثير، وقنت الخطيب في الصلوات، وقُرِئ [صحيح] البُخاري، وهذه عادة كانوا يستعملونها في مواجهة الأعداء فيعمدون إلى قراءته في المسجد الجامع.
وشرع الناس في الهرب إلى الديار المصرية والكرك والحصون المنيعة، وتأخّر مجيء العساكر المصرية عن إبانها فاشتدّ لذلك الخوف.
قال ابن كثير:
(وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة - أي قلعة دمشق - وعلى أبواب الأمراء بخروج السلطان من مصر لمناجزة التتار المخذولين.. وفي ثامن عشر من شعبان قدمت طائفة كبيرة من جيش المصريين، فيهم كبار الأمراء من أمثال ركن الدين بيبرس الجاشنكير وحسام الدين لاجين وسيف الدين كراي).
ثم قدمت بعدهم طائفة أخرى فيهم بدر الدين أمير السلاح وأيبك الخزندار. فقويت القلوب في دمشق، واطمأن كثير من الخلق، ولكنَّ الناس في الشمال سيطر عليهم الذعر، واستبدّ بهم الفزع فنزح عدد عظيم منهم من بلاد حلب وحماة وحمص.. ثم خافوا أن يدهمهم التتار فنزلوا إلى المرج.
ووصل التتار إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك البلاد فساداً، وقلق الناس قلقاً عظيماً لتأخُّر قدوم السلطان ببقية الجيش، وخافوا خوفاً شديداً، وبدأت الأراجيف تنتشر وشرع المثبِّطون يوهنون عزائم المقاتلين ويقولون: لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لقلة المسلمين وكثرة التتار. وزَيَّنوا للناس التراجعَ والتأخُّرَ عنهم مرحلة مرحلة. ولكن تأثير العلماء ولاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية كان يتصدّى لهؤلاء المرجفين المثبّطين، حتى استطاعوا أن يقنعوا الأمراء بالتَّصدِّي للتتار مهما كان الحال.
واجتمع الأمراء وتعاهدوا وتحالفوا على لقاء العدوّ وشجَّعوا رعاياهم، ونوديَ بالبلد دمشق أن لا يرحل منه أحد، فسكن الناس وهدأت نفوسهم وجلس القضاة بالجامع يحلِّفون جماعة من الفقهاء والعامّة على القتال، وتوقّدت الحماسة الشعبية، وارتفعت الروح المعنوية عند العامة والجند. وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية أعظم التأثير في ذلك الموقف، فقد عمل على تهدئة النفوس، حتَّى كان الاستقرار الداخلي عند الناس والشعور بالأمن ورباطة الجأش. ثم عمل على إلهاب عواطف الأمة وإذكاء حماستها وتهيئتها لخوض معركة الخلاص.. ثمّ توجّه ابن تيمية بعد ذلك إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيفة، فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم.
**ابن تيمية يحرض المؤمنين على القتال***
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يحلف للأمراء والناس: إنكم في هذه الكرّة منصورون. فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وكان يتأوَّل في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى : (ذلك ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عوقِبَ بهِ ثمَّ بُغِيَ علَيهِ لَيَنْصُرُّنَّهُ اللهُ).
وقد ظهرت عند بعضهم شبهات تفُتُّ في عضد المحاربين للتتار من نحوِ قولهم: كيف نقاتل هؤلاء التتار وهم يظهرون الإسلام وليسوا بُغاة على الإمام.. فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه؟
فردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الشُّبهة قائلاً: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما، ورأوا أنهم أحقُّ بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحقّ بإقامة الحقّ من المسلمين وهم متلبِّسون بالمعاصي والظُّلْم. فانجلى الموقف وزالت الشبهة وتفطّن العلماء والناس لذلك ومضى يؤكّد لهم هذا الموقف قائلاً:
إذا رأيتموني في ذلك الجانب-يريد جانب العدوّ- وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجّع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم.
وامتلأت قلعة دمشق والبلد بالناس الوافدين، وازدحمت المنازل والطرق. وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية من دمشق صبيحة يوم الخميس من باب النصر بمشقّة كبيرة وصَحِبَتْهُ جماعة كبيرة يشهد القتال بنفسه وبمن معه. فظنّ بعض الرعاع أنه خارج للفرار فقالوا: أنت منعتنا من الجفل وها أنت ذا هارب من البلد.. فلم يردّ عليهم إعراضاً عنهم وتواضعاً لله، ومضى في طريقه إلى ميدان المعركة.
وخرجت العساكر الشامية إلى ناحية قرية الكسْوة. ووصل التتار إلى قارَة. وقيل: إنهم وصلوا إلى القطيفة فانزعج الناس لذلك، وخافوا أن تكون العساكر قد هربوا، وانقطعت الآمال، وألحّ الناس في الدعاء والابتهال في الصلوات وفي كلّ حال. وذلك في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان.. فلمَّا كان آخر هذا اليوم وصل أحد أمراء دمشق، فبشَّرَ الناس بأنَّ السلطان قد وصل وقتَ اجتماع العساكر المصرية والشامية.
وتابع التتار طريقهم من الشمال إلى الجنوب ولم يدخلوا دمشق بل عرجوا إلى ناحية تجمُّع العساكر، ولم يشغلوا أنفسهم باحتلال دمشق وقالوا: إن غلبنا فإنّ البلد لنا وإن غُلِبنا فلا حاجة لنا به.
ووقفت العساكر قريباً من قرية الكسوة، فجاء العسكر الشامي، وطلبوا من شيخ الإسلام أن يسير إلى السلطان يستحثُّه على السير إلى دمشق، فسارَ إليه، فحثّه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر. فجاء هو وإيّاه جميعاً، فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال، فقال له الشيخ ابن تيمية: السُّنَّةُ أن يقف الرجُلُ تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلاَّ معهم.
وحرّض السلطان على القتال، وبشَّره بالنصر، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلاَّ هو: إنَّكم منصورون عليهم في هذه المرَّة. فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.
وأفتى الناسَ بالفطر مدّة قتالهم، وأفطر هو أيضاً وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شي معه في يده ليعلِمهم أنَّ إفطارهم ليتقوَّوْا به على القتال أفضل من صيامهم.
ولقد نظَّم المسلمون جيشهم في يوم السبت 2 رمضان أحسن تنظيم، في سهل شقحب الذي يشرف على جبل غباغِب. وكان السلطان الناصر في القلب، ومعه الخليفة المستكفي بالله والقضاة والأمراء. وقبل بدء القتال اتُّخِذَت الاحتياطات اللازمة، فمرّ السلطان ومعه الخليفة والقرَّاء بين صفوف جيشه، يقصد تشجيعهم على القتال وبثِّ روح الحماسة فيهم. وكانوا يقرؤون آيات القرآن التي تحضُّ على الجهاد والاستشهاد وكان الخليفة يقول: دافعوا عن دينكم وعن حريمكم.
ووضِعت الأحمال وراء الصفوف، وأُمر الغلمان بقتل من يحاول الهرب من المعركة. ولمَّا اصطفَّت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتاً عظيماً وأمر بجواده فقُيِّد حتى لا يهرب، وبايع اللهَ تعالى في ذلك الموقف يريد إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة في سبيل الله، وصدق الله فصدقه الله. وجرت خطوب عظيمة، وقُتِل جماعة من سادات الأمراء يومئذ، منهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي، وثمانية من الأمراء المقدَّمين معه.
واحتدمت المعركة، وحمي الوطيس، واستحرّ القتل، واستطاع المغول في بادئ الأمر أن ينزلوا بالمسلمين خسارة ضخمة فقتِل من قتِل من الأمراء.. ولكن الحال لم يلبث أن تحوّل بفضل الله عزّ وجلّ، وثبت المسلمون أمام المغول، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وتغيَّر وجه المعركة وأصبحت الغلبة للمسلمين، حتّى أقبل الليل فتوقّف القتال إلاّ قليلاً، وطلع المغول إلى أعلى جبل غباغِب، وبقوا هناك طول الليل، ولما طلع النهار نزلوا يبغون الفرار بعد أن ترك لهم المسلمون ثغرة في الميسرة ليمرّوا منها، وقد تتّبعهم الجنود المسلمون وقتلوا منهم عدداً كبيراً، كما أنهم مرّوا بأرض موحِلة، وهلك كثيرون منهم فيها، وقُبض على بعضهم. قال ابن كثير:
(فلما جاء الليل لجأ التتار إلى اقتحام التلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلاَّ الله عز وجل، وجعلوا يجيئون بهم من الجبال فتُضرب أعناقهم). ثم لحق المسلمون أثر المنهزمين إلى القريتين يقتلون منهم ويأسرون.
ووصل التتار إلى الفرات وهو في قوة زيادته فلم يقدروا على العبور.. والذي عبر فيه هلك. فساروا على جانبه إلى بغداد، فانقطع أكثرهم على شاطئ الفرات وأخذ العرب منهم جماعة كثيرة.
وفي يوم الاثنين رابع رمضان رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشَّروا الناس بالنصر، وفيه دخل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين، ففرح الناس به، ودعوا له وهنّؤوه بما يسَّر الله على يديه من الخير.
وفي يوم الثلاثاء خامس رمضان دخل السلطان إلى دمشق وبين يديه الخليفة، وزُيِّنَتِ البلد، وبقِيا في دمشق إلى ثالث شوّال إذ عادا إلى الديار المصرية. وكان فرح السلطان الناصر محمد بن قلاوون والمسلمين بهذه المعركة فرحاً كبيراً، ودخل مصر دخول الظافر المنتصر، يتقدّم موكبَه الأسرى المغول يحملون في أعناقهم رؤوس زملائهم القتلى، واستُقبل استقبال الفاتحين.

AbduLraHmN 06-09-09 08:01 AM


معركة مؤتة


وهذه المعركة أكبر لقاء مُثْخِن ، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهي مقدمة وتمهيد لفتوح بلدان النصارى ، وقعت في جمادى الأولى سنة 8 هـ ، وفق أغسطس أو سبتمبر سنة 926 م ‏.‏
ومؤتة ‏( ‏بالضم فالسكون ‏)‏ هي قرية بأدنى بلقاء الشام ، بينها وبين بيت المقدس مرحلتان.

سبب المعركة

وسبب هذه المعركة أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَي‏ ،‏ فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً ، ثم قدمه ، فضرب عنقه ‏.‏
وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم ، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب ، فاشتد ذلك على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حين نقلت إليه الأخبار ، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب ‏.‏
أمراء الجيش ووصية رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إليهم

أمر رسول الله على هذا البعث زيد بن حارثة ، وقال ‏:‏ ‏" ‏إن قتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة "‏ ، أخرجه البخاري (7/393) وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة ‏.‏ (صلى الله عليه وسلم)

وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام ، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم ، وقاتلوهم ، وقال لهم ‏:‏ ‏" ‏اغزوا بسم الله ، في سبيل الله ، مَنْ كفر بالله ، لا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ، ولا كبيراً فانياً ، ولا منعزلاً بصومعة ، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة ، ولا تهدموا بناء ‏" ‏‏.‏

توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد الله بن رواحة
ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس ، وودعوا أمراء رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وسلموا عليهم ، وحينئذ بكي أحد أمراء الجيش ـ عبد الله بن رواحة ـ فقالوا ‏:‏ ما يبكيك ‏؟‏ فقال ‏:‏ أما والله ما بي حب الدنيا ، ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار‏ : ‏" ‏وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا "‏ ‏[ ‏مريم ‏: ‏71 ‏] ‏، فلست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود‏ ؟‏ فقال المسلمون ‏:‏ صحبكم الله بالسلامة ، ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين غانمين ، فقال عبد الله بن رواحة ‏:‏
لكنني أسأل الرحمن مغفــرة
أو طعنة بيدي حران مجـهزة
حتى يقال إذا مروا على جدثي
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
بحربة تنفذ الأحشـاء والكبدا
أرشده الله من غاز وقد رشدا

ثم خرج القوم ، وخرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع ، فوقف وودّعهم‏ .

تحرك الجيش الإسلامي ومباغتته حاله رهيبة
وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان ، من أرض الشام ، مما يلي الحجاز الشمالي ، وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لَخْم وجُذَام وبَلْقَيْن وبَهْرَاء وبَلِي مائة ألف.

المجلس الاستشاري بمعان
لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم ـ الذي بوغتوا به في هذه الأرض البعيدة ـ وهل يهجم جيش صغير ، قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فحسب ، على جيش كبير عرمرم مثل البحر الخضم ، قوامه مائتا ألف مقاتل ‏؟‏ حار المسلمون ، وأقاموا في مَعَان ليلتين يفكرون في أمرهم ، وينظرون ويتشاورون ، ثم قالوا‏ :‏ نكتب إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له‏ .‏
ولكن عبد الله بن رواحة عارض هذا الرأي ، وشجع الناس ، قائلاً‏ :‏ يا قوم ، والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون ‏:‏ الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة‏ .‏
وأخيراً استقر الرأي على ما دعا إليه عبد الله بن رواحة‏ .

الجيش الإسلامي يتحرك نحو العدو
وحينئذ بعد أن قضى الجيش الإسلامي ليلتين في معان ، تحركوا إلى أرض العدو ، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية من قرى البلقاء يقال لها‏ :‏ ‏[ ‏َشَارِف ‏]‏ ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى مؤتة ، فعسكروا هناك ، وتعبأوا للقتال ، فجعلوا على ميمنتهم قُطْبَة بن قتادة العُذْرِي ، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري ‏.‏
بداية القتال وتناوب القواد

وهناك في مؤتة التقى الفريقان ، وبدأ القتال المرير ، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل ‏.‏ معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة ، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب ‏.‏
أخذ الراية زيد بن حارثة ـ حِبُّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ـ وجعل يقاتل بضراوة بالغة ، وبسالة لا يوجد لها نظير إلا في أمثاله من أبطال الإسلام ، فلم يزل يقاتل ويقاتل حتى شاط في رماح القوم ، وخر صريعاً‏ .‏
وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب ، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير ، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها ، ثم قاتل حتى قطعت يمينه ، فأخذ الراية بشماله ، ولم يزل بها حتى قطعت شماله ، فاحتضنها بعضديه ، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل ‏.‏ يقال‏ :‏ إن رومياً ضربه ضربةً قطعته نصفين ، وأثابه الله بجناحيه جناحين في الجنة ، يطير بهما حيث يشاء ، ولذلك سمي بجعفر الطيار ، وبجعفر ذي الجناحين ‏.‏

روى البخاري عن نافع ، أن ابن عمر أخبره‏ :‏ أنه وقف على جعفر يؤمئذ وهو قتيل ، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ، ليس منها شيء في دبره ، يعني ظهره .‏
وفي رواية أخرى قال ابن عمر ‏:‏ كنت فيهم في تلك الغزوة ، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية‏ .‏ وفي رواية العمري عن نافع زيادة ‏:‏ ‏[ ‏فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده ‏] ‏‏.‏
ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة ، أخذ الراية عبد الله بن رواحة ، وتقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بعض التردد ، حتى حاد حيدة ثم قال ‏:‏
أقسـمت يـا نفــس لتنــزلنـه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة
كارهــــة أو لتــطـاوعــــــنـه
مالي أراك تكرهيــن الــجنة

ثم نزل ، فأتاه ابن عم له بعَرْق من لحم فقال ‏:‏ شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده فانتهس منه نَهْسَة ، ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل ‏.‏

الراية إلى سيف من سيوف الله

وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان ـ اسمه ثابت بن أقرم ـ فأخذ الراية وقال ‏:‏ يا معشر المسلمين ، اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا ‏:‏ أنت‏ .‏ قال‏ :‏ ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً ، فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال ‏:‏ لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية‏ .‏ وفي لفظ آخر ‏:‏ لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية ‏.‏البخاري (4266)


وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي ، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال‏ :‏ ‏( ‏أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم‏ )‏ ‏.‏ البخاري (2/611)

نهاية المعركة

ومع الشجاعة البالغة والبسالة والضراوة المريرتين ، كان مستغرباً جداً أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أما تيارات ذلك البحر الغطمطم من جيوش الروم‏ ،‏ ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته ونبوغه في تخليص المسلمين مما ورطوا أنفسهم فيه‏ .‏
واختلفت الروايات كثيراً فيما آل إليه أمر هذه المعركة أخيراً‏ .‏ ويظهر بعد النظر في جميع الروايات أن خالد بن الوليد نجح في الصمود أمام جيش الرومان طول النهار ، في أول يوم من القتال ‏.‏ وكان يشعر بمسيس الحاجة إلى مكيدة حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان حتى ينجح في الانحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الرومان بحركات المطاردة‏ .‏ فقد كـان يعرف جيداً أن الإفلات من براثنهم صعب جداً لو انكشف المسلمون ، وقام الرومان بالمطاردة .‏

فلما أصبح اليوم الثاني غير أوضاع الجيش ، وعبأه من جديد ، فجعل مقدمته ساقه ، وميمنته ميسرة ، وعلى العكس ، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم ، وقالوا‏ :‏ جاءهم مدد ، فرعبوا ، وصار خالد ـ بعد أن تراآى الجيشان ، وتناوشا ساعة ـ يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً ، مع حفظ نظام جيشه ، ولم يتبعهم الرومان ظناً منهم أن المسلمين يخدعونهم ، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء ‏.‏
وهكذا انحاز العدو إلى بلاده ، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين ، حتى عادوا إلى المدينة ‏.

قتلى الفريقين

واستشهد يومئذ من المسلمين اثنا عشر رجلاً ، أما الرومان ، فلم يعرف عدد قتلاهم ، غير أن تفصيل المعركة يدل على كثرتهم

أثر المعركة

وهذه المعركة وإن لم يحصل المسلمون بها على الثأر ، الذي عانوا مرارتها لأجله ، لكنها كانت كبيرة الأثر لسمعة المسلمين ، إنها ألقت العرب كلها في الدهشة والحيرة ، فقد كانت الرومان أكبر وأعظم قوة على وجه الأرض ، وكانت العرب تظن أن معنى جلادها هو القضاء على النفس وطلب الحتف بالظِّلْف ، فكان لقاء هذا الجيش الصغير ـ ثلاثة آلاف مقاتل ـ مع ذلك الجيش الضخم العرمرم الكبير ـ مائتا ألف مقاتل ـ ثم الرجوع عن الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر‏ .‏ كان كل ذلك من عجائب الدهر ، وكان يؤكد أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته ، وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله ، وأن صاحبهم رسول الله حقاً‏ .‏

ولذلك نرى القبائل اللدودة التي كانت لا تزال تثور على المسلمين جنحت بعد هذه المعركة إلى الإسلام ، فأسلمت بنو سُلَيْم وأشْجَع وغَطَفَان وذُبْيَان وفَزَارَة وغيرها ‏.‏
وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان ، فكانت توطئة وتمهيداً لفتوح البلدان الرومانية ، واحتلال المسلمين الأراضي البعيدة النائية‏

AbduLraHmN 07-09-09 03:22 AM

معركة الجرف الكبرى ضد الاستعمارية الفرنسي

عظيم أن تشهد العباد على العباد , وأعظم من ذلك أن تشهد البلاد على العباد , كيف لا ؟ و صخور الجرف الأشم لازالت قابعة في مكانها تحكي حكاية أيام ثمانية بلياليها التسع, تردد صدى مجاهدين مكثوا به و ما ذلوا منحوا وما اخذوا , كل شبر من الجرف يشهد على وطئ أقدام و ثبات مجاهد و شهيد كل مغارة أو دهليز يروي عن أسد أو اسود حيروا العدو في الشجاعة و الإقدام .
وأنت في الجرف تستشف عبق التاريخ و تدرك إن زالت الرجال تبقى الجبال و الأفعال , مما يضطرك إلى التفكير في إجلال تلك الفئة التي حضرت المعركة و كيف استطاعت أن تجعل من ذلك المكان بيتا و مأوى طيلة الأيام الثلاثة و تتيقن بان معركة الجرف هي في حد ذاتها فاصل مهم في درب الثورة و هي منعرج أساسي في مسيرة الكفاح و نجاحـه.
و بهذا يحق للشعب الجزائري و للثورة أن تفتخر بهذه المعركة و تجعلها منارة وضاءة في سماء البلاد و عنوانا ناصعا على صفحات الزمن و انه لمن الواجب علينا أن نعرف الجيل الصاعد بهذه المعركة و بهذا المكان , لأنها كانت وليدة مجموعة من المعارك التي سبقتها مثل الزرقاء , أم الكماكم , حليق الذيب , كمين قنتيس ...
بدء المعركة و قلعة الجرف
اليوم الأول للمعركة22/09/1955
في فجر يوم 22/09/1955نشبت معركة على أشدها من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية ضد وحدات المجاهدين المتواجدة بقلعة الجرف وبدأت بقصف مدفعي مكثف كتمهيد لتقديم وحدايها ،اثرها حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية على جبهات ثلاث (شرفية وشماليةوجنوبية)واقربت كتيبة دبابات يتبعها فيلق مشاه من اللفيف الاجنبي باتجاه المخل الشمالي لمخل الجرف .
وباقترابها من المدخل نفدت الخطة من طرف المجاهدين حيث تم احراق الدبابتين الاماميتين وعطب اربعة اخرين ,وكان الالتحام بالقوات الاستعمارية عن كثب بحيث لم ينجو من فيلق المشاة الا قليل .
وفي الجولة الاولى للمدخل,تقهقرت قوات الاستعمار خائبة وغنم المجاهدون كميات هائلة من الاسلحة الاتوماتيكية التي بقيت منتشرةبجانب الجثث المرمية بعضها فوق بعض ,كما صدت القوات الاستعمارية من الجنوب والشمال خائبة وغنم المجاهدون كميات اخرى من الاسلحة الاتوماتيكية الخفية ,وتم عطب 18 واحراق البعض منها بالجبهة الشمالية.
تقهقهت القات الاستعمارية في هده الجولة ,وفي تلك اللحظات الحاسمة قدمت اسراب من الطيران المقاتل مركزه قصفها على موقع الجرف بحيث ان المشاهد من الناحية الشرقية بالدرمون او بناحية السطح يرى بعينيه المجردة كومة من الدخان تعلو السماء .
وتواصل القصف المكثف حوالي نصف ساعة حاولت القوات الاستعمارية التقدم على الجبهات الثلاثة فاستدرجت في تقدمها تبعا للخطة الثورية المتعبة ,فنشبت المعركة على اشدها بين – جانبين- لمدة ثلاث ساعات متتالية اجبرت القوات الاستعمارية على التقهقر, فضربت من الخلف على الجبهات الثلاثة ,سادها ارتباك وذعر مخيف ,حاولت التخلص من الهجومات الخلفية بتدخل سلاح المدفعية ,لكنها لم تنجح الان وحدات المجاهدين اقيربت من عساكر الفرنسيين ,نظرا لعدم جدوى القصف المدفعي ,وتواصلت المعركة بين الجانبين للمرة الثانية في اليوم الاول وحاولت القوات الاستعمارية نجدة قواتها فاصطدمت بقوات المجاهدين المحاصرين للعدو , كما حاولت القوات الاستعمارية عن طريق النجدات الملحقة فاصبحت المعركة بين جبهات متعددة جبهة المجاهدين بموقع الجرف,هجوم استعماري مقابل تطويق من وحدات من المجاهدين ضد القوات الاستعمارية المشبكة مع الجبهة الاولى اشتباك ثاني لصد نجدات
العدو الملحقة.
خيم الظلام الدامس استر تقدم وحدات المجاهدين كتغيرات الأحكام .الحصار على القوات الاستعمارية ,في جوف هده الليلة المباركة تم القضاء على القوات الاستعمارية المحاصرة بتمامها كما تم غنم أسلحة أوتوماتيكية ذات بال ,وغنم كميات هائلة من الذخيرة ومدفعين (بازوكا)وجهاز ارسال و
استقبال لاسلكي.
اليوم الثاني للمعركة 23/09/1955
في الباح الباكر ابتدات القوات الستعمارية بالقصف طويل المدى بطاريات بناحية الدرمون شرقا و البطاريات الثانية بالسطح غربا, ومجموعة البطاريات رقم ثلاثة تمركزت شرق راس العش ,وباثر انتهاء القصف طويل المدى ابتدات مدفعية الهاون القصف كطريقة لستر تقدم الوحدات و
اقترابها من مرابطي القلعة (المجاهدون) اشتعلت النيران على اشدها و تواصلت اليوم كله بحيث نجدات العدو متلاحقة الواحدة تلوى الاخرى
بالرغم من امتدادات العدو لم تستطع الاقتراب من موقع الجرف (مقر الادارة),في مساء اليوم قدمت نجدات من المجاهدين الاشاوس الذين يدفعهم قوة الايمان بقضيتهم ,وفك الحصار عن اخوانهم ,فاشتعلت النيران بين الطرفين من جديد فوجدت القوات الاستعمارية نفسها محاصرة من الطرفين
حاولت التخلص فلم تفلح ,وفشلت خطة هجوم الاستعمار الفرنسي لليم الثاني ولم يخرج من قوات الاستعمار الا القليل جدا فارا بنفسه بدون سلاح.
اظرت القوات الاستعمارية الى تجديد القصف بالمدفعية ليلا ,نتيجة ياسها من قواتها مستلهمة المقولة اليهودية .
حينما فشلت في الخطة لليم الموالي طبقت القول اليهودي – علينا وعليكم يا رب - .
تقرير عن صدى المعركة لليوم الاول والثاني ادى به الجنرال * بوفر* قائد
الفرقة الثانية للمشاة المتحركة ,واصفا قلغة الجرف تجابه قواتنا اعنف عمليات هجومية تصدت لها عمليات التمشيط و التطهير الواسعة المتجهة
ضد اوراس النمامشة و الشمال القسنطيني اعترضتها صخرة صلداء تمثللت في قلعة الجرف الواقع بجبال اوراس النمامشة, جبل قاحل مجدب وكنود ,و المرابطون به اشداء كالصخور التي لا تتفتت الى حد الات الظلمة الشديدة قد خيمت وان التعليمات كشف الاستطلاع الجوي ان منطقة
العملتات توسعت و اتسعت بعكس ما كان مقرر لدينا في تقدير الموقف المتبع مما يعرض قواتنا الى صعوبات جمة .
اليوم الثالث للمعركة24/09/1955
في فجر مبكر حاولت القوات الاستعمارية التقدم على جبهات ثلاثة تحت ستر مظلة مدفعية وهاونات في آن واحد بأثر بزوغ الشمس اقتربت قوات العدو من مواقع الجرف اشتعلت النيران بين الطرفين على أشدها لمدة اربعة ساعات والنيران ملتهبة بين الجانبين لم تستطع التقدم واضطرت الى
التقهقر خلف منطقة العمليات بقليل وابتدأ القصف الجوي بواسطة أسراب من الطائرات المعززة سرب وراء سرب ,والسرب يحتوي على 12 طائرة
مقنبلة وابتدأت بقصف مكثف على موقع الجرف في الجبهة الجنوبية لمنطقة المعارك ثم إسقاط طائرة استطلاعية من طرف المجاهدين انتقل القصف للسلاح الجوي واسقطوا طائرتين مقاتلتين بمنطقة العمليات , تغير الموقف بأثر سقوط الطائرات الثلاثة , والتحقت نجدات جوية مكثفة غطت كامل منطقة العمليات المتربعة على أكثر من أربعين كلم مربع (40كلم2).
ابتعد سلاح الجو عن موقع الجرف في اتجاه تركيز قنبلته ,على سلسلة وادي مسحالة ووادي هلال ,البياضة ,جبل العلق ,الجديدة وتدخل سلاح المدفعية والهاونات مركز قصفه على موقع الجرف كخطة تمهيدية وستر تقدم قوات العدو باثر اقترابها من مرابطي الجرف اشتعلت النيران على اشدها لمدة اكثر من ساعتين متتاليتين اجبرت القوات الاستعمارية على التقهقر منكسرة تاركة في الجبهة الشرقية دبابتين تشتعلان نارا ,وثلاثة مصفحات تشتعل نارا ايضا , منها عربة القيادة التي فر منها قائد العمليات
تحت وابل من النيران المجاهدين وعلى بعد من عربته بحوالي 80 متر تم
إسقاطه , وشوهد أخده بقوة وبسرعة بين أيدي قوات اللفيف الأجنبي ,فارين به إلى منطقة تجمعاتهم بناحية الدر مون الموقع المقابل لقلعة الجرف .
فشلت القوات الاستعمارية في تقدمها وفي قصفها الجوي وقصفها بالمدفعية طويلة المدى و الهاونات وسجل انهزامها للمرة الثالثة في المعارك.

خسائر العدو لليوم الثالث:
ثلاثة طائرات (اثنان قتالية وواحدة استطلاعية) دبابتين ,وثلاثة مزمجرات ,وغنم كميات هائلةمن الاسلحة الخفيفة الاتوماتيكية وكميات معتبرة من الخراطيش التي نزعت من فوق العساكر الجثث الهامدة المنتشرة في ساحة المعركة.
اليوم الرابع للمعركة 25/09/1955
القوات الاستعمارية حاولت التقدم تحت مظلة المدفعية و الهاونات في الصباح الباكر على الجبهات الثلاثة باثر اقترابها من مواقع الجرف اصطدمت بوحدات من المجاهدين المتقدمة التي تم توزيعها و أخدها لامكانها ليلا وبدلك وقعت القوات الاستعمارية في فخ لم تكن تتوقعه و ضربت في الجهات الثلاثة ضربا جد قاسية مخلفة المئات من القتلى والجرحى كجثث متناثرة في ساحة المعركة .
القيادة الاستعمارية أصيبت بذهول وقربت على إفلات زمام الامور من يدها , سادها الارتباك المتمثل في الكر و الفخر لوحدلت المجاهدين الملحقة في اللحظات الحاسمة, تدخلت المدفعية ,مدفعية العدو بقصف مكثف على منطقة العمليات , وخارج منطقة العمليات .
تدخل سلاح الجو على الجبهة الجنوبية موسعا قصفه الى حليق الديب , , مساحلة , وادي هلال ام الكما كم ,مركزا قصفه على منطقة جبل البطنة الواقع غرب وادي هلال وأعالي جبل ام الراجمة و البياضة , لان استطلاع العدو كشف تحرك وحدات المجاهدين مناك في اتجاه تنفيذ الخطة تبعا لتقدير الموقف , موقف قيادة المجاهدين ,أثناء تقدم قوات العدو المكثفة تجاه قلعة الجرف فاصطدمت بمرابطي القلعة , وأجبرت على التوقف و التقهقر,
منكسرة تاركة جثثا هامدة بمشارف قلعة الجرف ملقية على الأرض , و
بجانب الجثث أسلحتها و معداتها الذاتية , بحيث صعب على القوات الفرنسية الاقتراب من جثثها كحقيقة معاشة شاهدها المرابطون وتأكد لديهم
بان صمودهم وقوة إيمانهم بالنصر المرتقب , هو سر نجاحهم في المعركة.
شاهد المراقبون من المجاهدين المكلفون بالاتصال و الأخبار ارتباكا شديدا في صفوف تجمعات القوات الاستعمارية في مناطق تجمعاتها.
كما تم توزيع وحدات المجاهدين ليلا واخدهم لمواقعهم استعدادا لليوم الخامس للمعركة , ثم إرسال دوريات انتحارية لكشف مدى قوة العدو في
مراكز تجمعاته المنتشرة على الجبهات الأربعة المحيطة بمنطقة الجرف , والاتصال بوحدات المجاهدين في الخلف بقمم جبال العلق, الجديدة, الاتصال بالدوريات لتامين الخطوط بخناق الأكحل , وجبال كميل (أريس) لطلب نجدات المجاهدين وتأهبها لتنفيذ الخطة المتفق عليها حسب تقديم الموقف كل دلك , التحقت معلومات عن طريق الدوريات العائدة من مهمتها أن قوات استعمارية جد كبيرة قدمت من باتنة و تلاغمة , سطيف , بريكة ,
بوسعادة و بسكرة , تمركزت على طول الخط الفصل بين جبال أوراس و
جبال النمامشة كحصار على طول خط وادي عبدي و وادي العرب هدفا منها قطع الاتصال بين وحدات المجاهدين .
اليوم الخامس للمعركة 26/09/1955
في صباح الباكر قامت القوات الاستعمارية بقصف مدفعي مركز على منطقة الجرف و قمم الجبال المجاورة على فترات ثلاثة متتالية تتبعها قصف جوي شامل غطى كامل منطقة العمليات و المناطق المجاورة لها, بحيث القصف الجوي غطى مايربو على 40 كلم2 التزم المجاهدون اماكنهم في صمت مخيف حوالي العاشرة صباحا , حاولت القوات التقدم من الجبهات الثلاثة , واحدثت جبهة رابعة من الناحية الغربية , منطقة تجمعاتها بالسطح .
اقتربت القوات الاستعمارية من مرابطي المعركة الصامدون في عرائنهم ,
المعتصمون بالله وحده , المؤمنون بعدالة قضيتهم الراغبون في الاستشهاد بدافع حب الجهاد في سبيل الله و تخليها لقضيتهم من براثن الاستعمار
المتغطرس البغيض الدي تجرد من كل الأخلاقيات , فبقوه هدا الإيمان سددت طلقات المجاهدون في صدور وجماجم الاعداء.
تقهقر العدو على التقدم تاركا وراءه جثثا مرمية هنا و هناك , وكلابه المرافقة الافراد الجند , ظل سبيلها وارتفع عويلها مستنكرة لما اقمحت فيه انكسرت الجبهات الاربعة في تقدمها , واجبرت على التقهقر و الرجوع مواطن تجمعاتها مختلفة جثثا هامدة تعد بالمناط , و الجرحى الكثيرون يئنون من جراحهن ينتظرون الموت البطىء , دون ان تستطيع القوات الاستعمارية فكهم.
سجلت هزيمة شنعاء اتجاه القوات الاستعمارية مما رفع معنويات المجاهدين.
تحمل المجاهدون استشهاد العديد من الشهداء و الجرحى ثم إخلاؤهم الى
المراكز المعدة للعلاج الأولى ودفن الشهداء.
اليوم السادس للمعركة 27/09/1955
في الصباح الباكر ابتدأت المعركة بالقصف المدني المركز على منطقة قلعة الجرف على فترات متلاحقة كإعطاء فرصة لتقدم وحدات العدو عبر الجبهات الأربعة توقف القصف المدفعي خلفه الهاونات كستر لمزيد من تقدم العدو المدعو بالدبابات وفيالق اللفيف الأجنبي , وكلاب التفتيش ضنا من قادة العدو انهم سيجدون جثثا من المجاهدين لكن بأثر اقترابهم من خطوط الأولى لدفاع المجاهدين فوجئوا بمظلة من النيران المتلاحقة المسددة تسديدا محكما بحيث طلقات المجاهدين لم يفلت منها صدر عدو او جمجمته و الطلقة الثانية تردي كلبه الملصق بذراعه الأيسر ... حاولت القوات الاستعمارية بكل ما لها من قوة التقدم ففشلت وخابت وانكسرت في الجبهات الاربعة , واضطربت إلى الانسحاب نهائيا إلى مراكز تجمعاتها الخلفية وسكتت النيران بين الجانبين بعد الواحدة مساء.
المراقبون الاستطلاعيون سجلوا تقهقرا فضيعا سادة ارتباك في مناطق تجماتهم . نزلت طائرة استطلاعية بالقرب من مركز رأس العش تقل قيادة العدو و خبراء المعركة , دام اجتماعهم وتجمعهم مساء اليوم السادس للمعركة ,حتى قرب الظن بانهزام القوات الاستعمارية وكسر ألتها.
تكبدت فرنسا في هدا اليوم خسائر في الأرواح والمعدات الحربية خسائر باهظة تعد بالمئات من القتلى و الجرحى , تم التحطيم الكلي لدبابتين وقتل ما يزبد عن ال 50بغلا المعدون لحمل السلاح و الذخيرة بالمواجهة الجنوبية لازالت هياكلهم العظيمة شاهدا بمنطقة حليق الذيب . وحلاليف يمكن مشاهدتها , كما يمكن مشاهدة هياكل الطيران المقاتل والاستطلاعي و
هياكل الدبابات بمنطقة الجرف وضواحيها (حقائق التاريخ تتكلم لأجيال الحاضر و المستقبل ) .معانات , صمود, تجلد , صبر وصلابة يدفعها قوة الايمان بالله و الوطن , وحبا للجهاد في سبيل الله كتخليصا للوطن من براثن الاستعمار الغاشم المستبد .
مآثرنا استشهاد العديد من الشهداء واصابة الكثير بجروح متفاوتة عدد.....
تم اخلائهم الى الاماكن المعدة لذلك كما تم موارات الشهداء في جوف الليل خارج منطقة العمليات .

اليوم السابع للمعركة 28/09/1955
في الصباح الباكر بدا العدو كعادته بقصف المركز بالمدفعية طويلة المدى
على قلعة الجرف والمناطق المجاورة لمنطقة العمليات , وباثر القصف المدفعي طويل المدى قام سلاح الجو بقنبلة منطقة الجرف باسراب متتابعة متلاحقة .
دام القصف حوالي نصف ساعة ثم انتقل الطيران الى منطقة سلسلة الجبل حاولت القوات الاستعمارية التقدم على الجبهات الاربعة بالمشاة العززة بقصف الهاونات كتغطية لتقدمها.
المرابطين بمنطقة العمليات تبا للخطة المتبعة ترك القوات الاستعمارية التقدم اكثر فاكثر تنفيذا للخطة الثورية لحرب العصابات اشتعلت النيران بين الجانبين مرونة حرككة المجاهدين بحكم معرفتهم لمسالك و منعرجات التضاريس الجبلية ,اصبحت القوات الاستعمارية محاصرة بوحدات المجاهدين الخلفية واشتد الخناق في المواجهات الأربعة مما سهل القضاء على القوات الاستعمارية واللحاق الخسائر الجد كبيرة بإفراد العدو , وغنم كميات معتبرة من الأسلحة الاتوماتيكية الخفيفة و الرشاشات الثقيلة , بحيث لم ينجو الا القليل و القليل جدا من القوات الاستعمارية الذي أقحم بها قادة الاستعمار المتغطرس الذي كان يظن حسب مزاعمه (كمشة من الفلاقة).
الخارجون عن القانون يسهل القضاء عليهم في صبيحة اليوم الاول ويمثل بجثث البعض منهم في الشوارع الرئيسية من المدن كعادته وبذلك تكون نشوة الغطرسة الاستعمارية بفرنسا , انكسرت القوات الاستعمارية شر انكسار في الجبهات الأربعة من نجا منهم تاركا سلاحه على ميدان المعركة
مختلا في عقله ظل طريقه لمنطقة تجمعاتهم مما يمكن مرابطي قلعة الحرف من القضاء عليه .
تكبد العدو خسائر جد جسيمة في الارواح و المعدات الحربية .
غنم المجاهدون كميات كبيرة من الاسلحة الخفيفة الاتوماتيكية و الذخيرة بحيث صعب على المجاهدين حملها لوفرة تعدادها .
قررت القيادة جمعها من المخابئ و الملاجئ استعدادا إلى تحويلها إلى الأماكن المتعددة لذلك.
وماثر المجاهدين استشهاد عدد من المجاهدين عدد .... كما جرح عدد آخر
بجروح متفاوتة الخطورة عدد..... ثم اخلاء الجرحى الى الاماكن المعدة لذلك كما تم دفن الشهداء ليلا خارج منطقة العمليات .
اليوم الثامن للمعركة 29/09/1955
في فجر مبكر قامت القوات الاستعمارية مركزه على موقع الجرف وقصفت ثان تمهيدي لعزل منطقة الجرف كخطة جديدة او مستجدة لتنفتذ قرار العدو بالدخول بكل قوة الى موقع الجرف , ابتدات الهجوم بفيالق من
اللفيف الاجنبي المدعى بالدبابات بالقرب من مرابطي قلعة الجرف .
نشبت النيران على اشدها بين الطرفين كاليوم الاول للمعركة تواصل الهجوم اكثر من خمسة ساعات و النيران مشتعلة بين الجانبين وجثث العدو من اللفتف الاجنبي تساقط هنا وهناك , وتحولات خبراء الحرب القادمون من الهند الصينية يدفعون بقواتهم الى الامام ...
تعززت وحدات المجاهدين من الخلف , اطلق المجاهدون من قمم الجبال الحاكمة المنيعة المحيطة بمنطقة الجرف كاسود يحبوهم قوة ايمانهم بقضيتهم وفتحوا نيرانهم من خلف قوات العدو تفطن العدو الى انه اصبح في حصار مضروب عليه , حاولت التنصل و التقهقر للخلف فلم تفلح .
تقهقرت في تقدمها نهلئيا امام صلابة المرابطين بالقلعة واشتدت المعركة على اشدها في قتال مستميت عبر الجبهات الاربعة حوالي الساعتين , انتصر فتها المجاهدون انتصارا باهرا اعتبرواه كرضاء وتتويجا من ربهم انصر قضيتهم , لم تعد قوات العدو إلا فلول ضئيلة جدا معزولين من سلاحهم , نتيجة قوة الصدمة , وذهولهم من قبضة الحصار عليهم الغير متوقع لديهم .
سجلت خسائر جد جسيمة في جانب العدو في قواته و معداته و آلياته , و
عطب 12دبابة بحيث شوهد فرارهم و فرار أطلق البابات في اتجاه تجمعات العدو
أهم القادة:
ا/ قتال الوردي بن محمد بن عبد الله بن نصر بن قتال
ب/ عون عمر (المدعو البوقصي)
ج/ القائد شريط لزهر
د/ القائد ورتاني بشير المعروف بسيدي حنى
ه/ القائدين جيلاني السوفي و سي صالح الخنشلي
و/ القائد فرحي حمة بن عثمان
نتائج المعركة
نتائج استطلاع مساء يوم 21/09/1955
بدء المعركة من 22/09/1955
مواصلة فك الحصار 06/10/1955
خسائر العدو
- البشرية 600 إلى 700
- أصالة الطيران 20 بين الإصابة و العطب و الإسقاط
- الدبابات 10
- مزمجرات 30
- شاحنات 60
- أسلحة 150
- ذخيرة حمولات 20 بغلا
- لاسلكيات 20 جهاز 01 كبير
- بغال 100 بين ابل بغال
مآثر المجاهدين
- الشهداء ما يقرب 170
- الجرحى 40 إلى 50
- الأسلحة 5 قطع
- التموين كميات كبيرة
- الألبسة كمية كبيرة أحرقت
المجازر الشعبية
- الشهداء المدنيون 100
- خسائر الحيوانات مئات القطعان
- حرق المنازل أكثر من 30 مشته
- افتكاك الحيوانات 5000 رأس من الإبل و الغنم و البقر
- المحجوزون أعداء ضخمة حولت إلى محتشدات الجرف و غيره
__________________

AbduLraHmN 07-09-09 06:25 AM


معركة نهاوند فتح الفتوح

عن السائب بن الأقرع قال : زحف للمسلمين زحف لم يُرَ مثله قط ، رجف له أهل ماه و أصبهان و همذان و الري وقومس ونهاوند و أذريبجان ، قال : فبلغ ذلك عمر فشاور المسلمين .

فقال علي رضي الله عنه : أنت أفضلنا رأياً و أعلمنا بأهلك . فقال : لأستعملن على الناس رجلاً يكون لأول أسنّة يلقاها ،-أي أول من يتلقى الرماح بصدره ،كناية عن شجاعته- ياسائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مُقرِّن ، فليسر بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة ، و أنت على ما أصابوا من غنيمة ، فإن قُتل النعمان فحذيفة الأمير ، فإن قُتل حذيفة فجرير بن عبد الله ، فإن قُتل ذلك الجيش فلا أراك .


لما انتصر المسلمون في القادسية على الفرس كاتب يزدجرد أهل الباب والسند وحلوان ليجتمعوا فيوجهوا ضربة حاسمة للمسلمين ، فتكاتبوا واجتمعوا في نهاوند .

وأرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر : ( بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل ، فإن جاؤونا قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك ).

وأرسل عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس لملاقاة الفرس ، فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر بخطورة الموقف شفاهة ، فجمع عمر المسلمين في المدينة ، وخطب فيهم وشرح لهم خطورة الوضع ، واستشارهم ، وأشاروا عليه أن يقيم هو بالمدينة ، وأن يكتب إلى أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن عندهم . ثم قال عمر : أشيروا عليّ برجل يكون أوليه ذلك الثغر غداً، فقالوا : أنت أفضل رأياً وأحسن مقدرة ، فقال : أما والله لأولين أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة – أي : أول من يقابل الرماح بوجهه – إذا لقيها غداً ، فقيل : من يا أمير المؤمنين ؟ فقال : النعمان بن مقرن المزني ، فقالوا : هو لها .

ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي ،فلما قضى صلاته بادره عمر : لقد انتدبتك لعمل ، فقال : إن يكن جباية للضرائب فلا ، وإن يكن جهاداً في سبيل الله فنعم . وانطلق النعمان عام (21) للهجرة يقود الجيش ، وبرفقته بعض الصحابة الكرام .

وطرح الفرس حسك الحديد – مثل الشوك يكون من الحديد – حول مدينة نهاوند ، فبعث النعمان عيوناً فساروا لايعلمون بالحسك ، فزجر بعضهم فرسه فدخلت في يده حسكة ، فلم يبرح الفرس مكانه ، فنزل صاحبه ونظر في يده فإذا في حافره حسكة ، فعاد وأخبر النعمان بالخبر ، فاستشار جيشه فقال : ماترون؟ فقالوا : انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب منهم ، فيخرجوا في طلبك ، فانتقل النعمان من منزله ذلك ، وكنست الأعاجم الحسك فخرجوا في طلبه ، فرجع النعمان ومن معه عليهم ، وقد عبأ الكتائب ونظم جيشه وعدده ثلاثون ألفاً ، وجعل علىمقدمة الجيش نعيم بن مقرن ، وعلى المجنبتين : حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو ، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ، ونظم الفرس قواتهم تحت إمرة (الفيرزان) ، وعلى مجنبتتيه (الزردق) و(بهمن جاذويه) الذي ترك مكانه ل( ذي الحاجب ) .

أنشب النعمان القتال يوم الأربعاء ، ودام على شكل مناوشات حادة إلى يوم الخميس ، والحرب سجال بين الفريقين ، وكان الفرس خلالها في خنادق .

وخشي المسلمون أن يطول الأمر فاستشار النعمان أصحابه ، فتكلم قوم فردت آراؤهم ، ثم تكلم طليحة فقال :أرى أن تبعث خيلاً مؤدبة ، فيحدقوا بهم ، ثم يرموا لينشبوا القتال ، ويحمشوهم – أي يغضبوهم – ، فإذا أحمشوهم واختلطوا بهم وأرادوا الخروج أرزوا – أي انضموا- إلينا استطراداً – أي خديعة - .. وأقر الجميع هذا الرأي فأمر النعمان القعقاع أن ينشب القتال فأنشبه ، فخرج الفرس من خنادقهم ، فلما خرجوا نكص القعقاع بجنده ، ثم نكص ثم نكص ، وخرج الفرس جميعاً فلم يبق أحد إلا حرس الأبواب ،حتى انضم القعقاع إلى الناس ، والنعمان والمسلمون علىتعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار ، وأقبل الفرس على الناس يرمونهم حتى أفشوا فيه الجراحات ، والمسلمون يطلبون من النعمان الإذن بالقتال ، وبقي النعمان يطلب منهم الصبر .

فلما جاء الزوال وتفيأت الأفياء وهبت الرياح أمر بالقتال ، كل ذلك إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختار هذا الوقت للقتال ، وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض المسلمين على القتال ، ثم قال : فإن قتلت فلأمير بعدي حذيفة ، وإن قتل فلان .. وعد سبعة .

وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ، ثم قال : اللهم اعزز دينك وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عزالإسلام ، أمنوا رحمكم الله . فبكى الناس .

وكبر النعمان التكبيرة الثالثة ، وبدأ القتال ، وأثناء تقدم القائد بدأ الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض المعركة ، فصرع بين سنابك الخيل ، وجاءه سهم في جنبه ، فرآه أخوه نعيم فسجاه بثوب ، وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة بن اليمان فأخذها ، وقال المغيرة : اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛ لئلا يهن الناس .

ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار فجاءه بقليل من الماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال النعمان : من أنت ؟ قال : أنا معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قال : فتح الله عليهم ، قال : الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت روحه .

ولما أظلم الليل انهزم الفرس وهربوا دون قصد فوقعوا في واد ، فكان واحدهم يقع فيقع معه ستة ، فمات في هذه المعركة مائة ألف أو يزيد ، قتل في الوادي فقط ثمانون ألفاً ، وقتل ذو الحاجب ، وهرب الفيرزان ، وعلم بهربه القعقاع فتبعه هو ونعيم بن مقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة كبيرة من بغال وحمير محملة عسلاً ذاهبة إلى كسرى ، فلم يجد طريقاً فنزل عن دابته وصعد في الجبل ليختفي ، فتبعه القعقاع راجلاً فقتله .

وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم الجديد حذيفة ، ودخلوا نهاوند عام 21هـ بعد أن فتحوها.

AbduLraHmN 07-09-09 06:37 AM

معركة حارم 559 هـ

مرت بالمسلمين في تاريخهم فترات من الضعف والفرقة والشتات ، كثرت فيها الخلافات وتعدّدت فيها الرايات ، وتمزقوا شر ممزق حتى طمع فيهم أعداؤهم ، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن قيّض لها بين الفينة والأخرى رجالاً يذودون عن حماها ويعيدون لها هيبتها وكرامتها ، ومن هؤلاء الملك العادل نور الدين محمود زنكي المشهور بـنور الدين الشهيد الذي عرف بعدله وتقواه وورعه وعبادته وحبه للجهاد.


وكان نور الدين قد انهزم من الفرنج في سنة 558 هـ في المعركة التي عُرفت بـ " البقيعة " ، وسببها أنه رحمه الله جمع عساكره ودخل بلاد الفرنج ونزل في " البقيعة " تحت حصن الأكراد محاصرًا له ، عازماً على قصد طرابلس ومحاصرتها ، فاتفق الفرنج على مباغتة المسلمين نهاراً وهم آمنون ، وبينما الناس في خيامهم وسط النهار لم يرُعْهم إلا ظهور الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد ، فأراد المسلمون منعهم فلم يطيقوا ذلك ، فأرسلوا إلى نور الدين يُعِلمونه بما حصل ويطلبون منه النجدة ، إلا أن مباغتة الفرنج لهم حالت دون أخذ العدة والاستعداد للقائهم ، فهجم عليهم الفرنح قبل أن يتمكنوا من ركوب الخيل أو أخذ السلاح ، وأكثروا فيهم القتل والأسر ، واستطاع نور الدين أن ينجو بنفسه على فرسه حتى نزل على بحيرة " قدس " بالقرب من حمص في موضع يبعد أربعة فراسخ عن مكان المعركة ، ولحق به من سلم من الجند حتى اجتمعوا به وكان مما قاله له بعضهم : " ليس من الرأي أن تقيم ها هنا ، فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا فنؤخذ ونحن على هذه الحال ، فقال لهم ‏:‏ " إذا كان معي ألف فارس لقيتهم ولا أبالي بهم ، ووالله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام " .

وكان الفرنج قد عزموا على التوجه إلى حمص بعد انتصارهم ، لأنها كانت أقرب البلاد إليهم ، ولما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا ‏:‏ لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها‏ ‏، فراسلوه يطلبون منه الصلح فلم يجبهم ، وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم .

وبعدها بدأ نور الدين رحمه الله بتجهيز قواته ، استعداداً لمواجهة الفرنج والأخذ بالثأر ، وكان قد خصص أموالاً من بيت المال ينفقها على العلماء والعباد والفقراء ، فقال له بعض أصحابه لما رأى كثرة إنفاقه : " لو استعنت بهذه الأموال في هذا الوقت لكان أصلح ، فغضب عليهم وقال : " والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك ، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ، كيف أقطع صلاة قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ ، وأصرفها على من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ ؟ ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال ، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم " .

وفي العام التالي سنة 559 هجرية خرج الفرنج من " عسقلان " لقتال أسد الدين شيركوه بمصر ، فاستغل نور الدين فرصة خروجهم ، وراسل الأمراء يطلب العون والنصرة فجاؤوا من كل فَجّ ، وكتب إلى الزُهَّاد والعباد يستمدّ منهم الدعاء ، ويطلب أن يحثوا المسلمين على الغزو والجهاد في سبيل الله .

ولما اجتمعت الجيوش سار نحو " حارم " - وهو حصن حصين في بلاد الشام ناحية حلب - في شهر رمضان من هذه السنة فحاصرها ونصب المجانيق عليها ، ثم تابع الزحف للقاء الفرنج الذين تجمعوا قريبا من الساحل مع أمرائهم وفرسانهم بزعامة أمير أنطاكية .

وقبيل المعركة انفرد نور الدين بنفسه تحت تل " حارم " ، وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع وقال : " يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك ، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك ، فانصر أولياءك على أعدائك " ..... ، ثم قال : " اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً ، من محمود الكلب حتى يُنصر " ؟! .

وبدأ القتال والتحمت الصفوف ، فهجم الفرنج في البداية على ميمنة الجيش الإسلامي حتى تراجعت الميمنة وبدا وكأنها انهزمت ، وكانت تلك خطة من قبل المسلمين اتُّفِق عليها لكي يلحق فرسان الفرنج فلول الميمنة ، ومن ثم تنقطع الصلة بينهم وبين المشاة من قواتهم ، فيتفرغ المسلمون للقضاء على المشاة ، فإذا رجع الفرسان لم يجدوا أحداً من المشاة الذي كانوا يحمون ظهورهم .

وبهذه الخطة أحاط بهم المسلمون من كل جانب ، وألحقوا بهم هزيمة مدوية ، وخسائر فادحة قُدِّرت بعشرة آلاف قتيل ، ومثل هذا العدد أو أكثر من الأسرى ، وكان من بين الأسرى أمير " أنطاكية " ، وأمير " طرابلس " ، وحاكم " قيليقية " البيزنطي ، وقد أسر جميع الأمراء عدا أمير " الأرمن " .


وفي اليوم التالي استولى نور الدين على " حارم " بعد أن أجلى الفرنج عنها ، وكان ذلك فتحاً كبيراً ، ونصراً مبيناً أعاد للمسلمين الهيبة في قلوب أعدائهم ، وأعز الله جنده وأولياءه في هذا الشهر المبارك

AbduLraHmN 07-09-09 08:16 PM


فتح الرها




تقع إمارة الرها فى منطقة الجزيرة وهى المنطقة الواسعة الواقعة بين العراق وسوريا، وقد فتحها المسلمون سنة 17 هجرية، و'الرها' من البلاد التى كان لها خصوصية عن البيزنطيين لأنها إحدى المدن الدينية عندهم وكانت تنتشر بها الكنائس والصوامع، وأيضا لها خصوصية عند المسلمين لكونها على حدود الدولة الإسلامية المشتركة مع الدولة البيزنطية، وكان الخلفاء دائمى الاهتمام بهذه المنطقة، ولكن مع ضعف الخلافة العباسية وخروج كثير من أجزاءها عن سيطرتها تعرضت منطقة الرها للعدوان المتكرر من البيزنطيين .



*وعندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتل الصليبيون 'الرها' وأقاموا بها أول إمارة صليبية بأرض الإسلام وذلك سنة 492 هجرية .







*كانت الرها قريبة من الموصل وكان أميرها داهية صليبى اسمه 'جوسلين' ففهم من تحركات عماد الدين زنكى أنه يخطط لفتح الرها فعمد إلى تقوية دفاعاتها والمبالغة فى تحصينها وظل مقيماً فى الرها لا يفارقها أبداً رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا ولكنه صبر فى فراقهم من أجل الدفاع عن الرها وهكذا يكون عزم الرجال وهمة القادة .



*كان عماد الدين زنكى يعرف قدر 'جوسلين' ودهائه وحنكته لذلك وضع خطة فى غاية الذكاء فهو كما يقولون [لا يفل الحديد إلا الحديد] فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية التى تسيطر على قلاع كثيرة فى منطقة ديار بكر 'جنوب تركيا الآن' وهى قبائل ذات نزعة إستقلالية ولا تقبل الإنضمام لصف عماد الدين زنكى لدواعى عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على 'جوسلين' الذى خفف من شدة التحصينات وتراخى فى دفاعاته حتى أنه قد سافر لزيارة أهله فى فرنسا، وكان عماد الدين زنكى قد بث العيون التى ترافع له الأخبار ليل نهار فلما علم مغادرة 'جوسلين' وتراخت الدفاعات، نادى فى معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها .







*كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرؤهم فى القتال لايجاريه أحد من جنده فى ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام وقال [لا يأكل معى على المائدة إلا من يطعن معى غداً باب الرها] وهى كناية عن شدة القتال والشجاعة لأن طاعن الباب يكون أول فارس فى الجيش يصل لباب المدينة ولا يفعل ذلك إلا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلا صبى صغير فقيل له :ارجع مما أنت فى هذا المقام، فقال له عماد الدين زنكى القائد المربى القدوة الذى يعرف كيف يحمس الشباب والنشء ويحفز طاقاتهم [دعوه فوالله إنى أرى وجهاً لا يتخلف عنى] وبالفعل أثمرت هذه الكلمات عن طاقة جبارة عند الصبى فكان أول طاعن وأول بطل فى هذه المعركة وفتحت المدينة فى 6 جمادى الاخرة سنة 539 هجرية وكان لفتحها رنة شديدة فى العالمين الإسلامى والصليبى، فلقد كان أعظم إنتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ دخولهم للشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم وسرت روح جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها وعادت لهم الثقة وتغلبوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين والتى أقعدتهم عن السعى للتحرير عشرات السنين .



*أما الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة 543 هجرية لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا .

AbduLraHmN 08-09-09 12:17 PM


معركة دومة الجندل


تهدأ ثائرة مشركي مكة بعد هزيمتهم في بدر على أيدي المسلمين، ومقتل عدد كبير من رجالات قريش وصناديد العرب وعتاة الكفر على أسنة رماح المسلمين وحد سيوفهم، فظلوا يتحينون الفرصة للانتقام من محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، وإنزال الهزيمة بهم، يريدون بذلك أن يمحوا عن أنفسهم عار هزيمتهم الكبرى في بدر.

وحانت لهم تلك الفرصة في أُحد، خاصة بعد أن خالف الرماة أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) وتخلوا عن موقعهم أعلى الجبل، فوجدها خالد بن الوليد داهية العرب وكان على رأس فرسان قريش فرصة مواتية للالتفاف حول جيش المسلمين وإلحاق الهزيمة بهم.

واستطاع خالد صعود الجبل وقتل من بقي من رماة المسلمين، ثم فاجأ جيش المسلمين بمن معه من المشركين؛ فانكشف المسلمون، وكانت محنة قاسية ألحقت بهم هزيمة أليمة، برغم صمودهم واستبسالهم في القتال، ولكن وقع المفاجأة كان شديدا، وسرعة المباغتة حسمت المعركة لصالح المشركين.

وعاد المسلمون إلى المدينة يلملمون جراح الحرب وأتراح الهزيمة، ولم تكن آلام الجرحى ولهفات الثكالى تساوي شيئا أمام مرارة الهزيمة وإخفاق راية المسلمين في إحدى معاركهم ضد المشركين.

تسببت الهزيمة في حرج موقف المسلمين في المدينة -بالرغم من بقاء سلطانهم عليها- أمام اليهود والمشركين الشامتين والمترقبين زوال دولة المسلمين من المدينة، وإن كانوا حتى ذلك الحين وبالرغم مما مُني به المسلمون من الهزيمة لا يقوون على مجاهرة المسلمين بشعورهم أو مناصبتهم العداء.

وأدرك النبي (صلى الله عليه وسلم) ما يعمل في صدور المسلمين من الحزن والأسى، وما يشعرون به من مرارة الهزيمة وجرح الإخفاق، بالرغم من مواساة القرآن الكريم للمسلمين وعزائه لهم في قوله تعالى: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين" آل عمران – 140.

فقد كانت قلوب المسلمين وهِمَهم تهفو إلى الخروج من دائرة الحزن وتجاوز الهزيمة إلى الإعلان عن قوتهم، وإظهار بأسهم لأعدائهم المتربصين بهم، سواء من الداخل (في المدينة) أو من الخارج (قريش وقبائل العرب من المشركين).

مؤامرات اليهود وخيانتهم عهد النبي

أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) كما أراد المسلمون أن يثبتوا لأعدائهم أنهم ما زالوا يملكون من القوة والبأس ما يستعيدون به مكانتهم وهيبتهم في نفوس العرب واليهود.

وكان بين المسلمين واليهود من سكان المدينة عهد وضعه النبي (صلى الله عليه وسلم) وأقره الطرفان منذ اللحظة الأولى لدخول النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة، تُكفل بمقتضاه حرية العقيدة والعبادة للطرفين، كما كانت بينهما وثيقة دفاع مشترك عن المدينة ضد أي خطر يتهددها أو عدوان عليها من الخارج.

ولكن طمع اليهود في الاستئثار بالمدينة وما جُبلوا عليه من الغدر والمكر والخداع جعلهم يتآمرون على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويخططون لاغتياله والتخلص منه ومن دعوته، وعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) بما حاكه يهود بني النضير ضده، بعد أن أطلعه الله على تدبيرهم ومؤامرتهم.

فأرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى بني النضير يأمرهم بالجلاء عن المدينة، ليعود الأمن والاستقرار يرفرف من جديد عليها، بعد أن تخلص المسلمون من غدرهم ومؤامراتهم، وتمتعوا بما أفاء الله عليهم به من أموال اليهود وحدائقهم.

وعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) بعزم مشركي مكة على الخروج لملاقاة المسلمين في جيش كبير؛ فاستعد لهم وخرج للقائهم في نحو ألف فارس، وجعل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول، وخرج المشركون من مكة بقيادة أبي سفيان بن حرب في نحو ألفي فارس، ولكن أبا سفيان قرر العودة إلى مكة بعد مسيرة يومين فرجع بأصحابه، وظل النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون ينتظرون 8 أيام قاموا خلالها ببعض العمليات التجارية مع قبائل المنطقة ربحوا فيها أموالا كثيرة، ثم عادوا إلى المدينة تسبقهم بشرى انسحاب قريش من مواجهتهم في بدر الآخرة وفرار المشركين من لقائهم؛ وهو ما أعاد إلى المسلمين المزيد من الثقة والطمأنينة، وأكسبهم المزيد من الهيبة والعزة في نفوس أعدائهم.

الخطر القادم من الشمال

ولكن ما لبث النبي (صلى الله عليه وسلم) أن علم باجتماع قبائل "دومة الجَنْدَل" وتجهزهم لحرب المسلمين وتهديد المدينة، وكانوا يعتدون على القوافل التي تمر بهم، ويتعرضون لمن يدنون من أراضيهم فينهبون التجارة ويسلبون الأموال ويقتلون كل من يعترضهم، حتى أصبحوا مصدر خطر على قوافل التجارة التي تأتي إلى المدينة والتي ينتظرها المسلمون ويعتمدون عليها.

فندب النبي (صلى الله عليه وسلم) المسلمين للخروج لقتال تلك القبائل وكف أذاها والقضاء على تهديدها المستمر للمدينة؛ فخرج معه ألف من المسلمين، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة "سباع بن عُرْفُطة الغفاري" وانطلق المسلمون في طريقهم إلى دومة الجندل.

كانت المسافة طويلة والطرق موحشة والصحراء قاحلة شديدة القيظ، وكان على المسلمين أن يقطعوا نحو 300 كم ليصلوا إلى دومة الجندل في شمال الجزيرة العربية، ما بين الحجاز والشام على بعد نحو 10 مراحل من المدينة.

واختار النبي (صلى الله عليه وسلم) معه دليلا من بني عذرة يقال له "مذكور" كان شديد الذكاء، على قدر فائق من المهارة والخبرة والدراية بدروب الصحراء وطرقها الخفية ومضايقها.

وانطلق النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه يقطعون الفيافي والقفار، مستهينين بالمصاعب والمشاق، متحملين القيظ الشديد وجدب الصحراء وقلة الماء، لا يبالون بالموت، يدفعهم إيمانهم بالله ورسوله إلى اجتياز تلك الصحراء القاحلة والفيافي الموحشة؛ طاعة لله تعالى، واستجابة لنداء النبي صلى الله عليه وسلم، يحركهم إيمانهم القوي بالنصر والظفر.

وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يسير ليلا ويكمن نهارا؛ حتى لا يشعر به أحد من المشركين ولا تنتبه إلى قدومه قبائل دومة الجندل، فيصل إليها قبل أن تستعد للقائه؛ وهو ما يكفل له تحقيق عنصر المفاجأة ومباغتة العدو.

كما أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك أيضا أن يتقي وأصحابه قيظ الصحراء وحرها الشديد، ولفح شمسها ولهيب رمالها؛ فلا يقابل المسلمون أعداءهم وهم خائرو القوة، منهكون من أثر وعورة الطريق وحرارة الجو.

انتصار بلا قتال

فلما اقترب النبي (صلى الله عليه وسلم) من دومة الجندل أخبره الدليل بوجود قطعان من الإبل والماشية ترعى في الصحراء، وكانت لقوم من تميم فانطلق المسلمون ليستولوا عليها، واستطاعوا أن يجمعوا عددا منها، بينما فر الكثير منها وتفرقت في كل اتجاه.

وشعر أهل دومة الجندل بقدوم المسلمين فأسرعوا بالفرار تاركين ديارهم ومتاعهم لينجوا بأنفسهم من المسلمين.

ونزل النبي (صلى الله عليه وسلم) بساحتهم فلم يجد بها أحدا فأقام النبي بها أياما وبث السرايا تبحث في كل الأنحاء، ولكنهم لم يلقوا أحدا ولم يظفروا إلا برجل منهم أتى به محمد بن مسلمة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس، فعرض عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) الإسلام فأسلم.

وبقي النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون بها أياما، ثم رجعوا إلى المدينة في 20 من ربيع الآخر 5 هـ= 18 من سبتمبر 626 م.

كانت غزوة "دومة الجندل" -كما أطلق عليها بعض العسكريين المعاصرين – عملية عسكرية ذات طابع تعرّضي للدفاع عن قاعدة الإسلام في المدينة، إذ إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم ينتظر حتى يفاجئه أعداؤه بشن هجومهم على المدينة، وإنما بادر بالإغارة عليهم فور علمه بما عزموا عليه.

وقد استهدفت تلك الغزوة تحقيق عدة أهداف تكتيكية وإستراتيجية؛ فقد ساهمت في القضاء على روح الضعف والتخاذل التي كادت تصيب المسلمين بعد هزيمتهم في أحد، وساعدت على التخلص من آثار تلك الهزيمة التي أصابتهم، كما عملت على رفع الروح المعنوية لديهم واستعادة الثقة بالنفس، وفي الوقت نفسه تدمير الروح المعنوية لجنود الأعداء.

كما أنها كانت بمثابة استعراض لقوة المسلمين لإرهاب أعدائهم وتبديد أطماعهم في المسلمين، بالإضافة إلى ما حققته من إحباط لخطط العدو الهجومية ووأدها في مهدها، وحرمان العدو من تحقيق عنصر المفاجأة وسرعة المبادأة.

العبقرية العسكرية للرسول القائد

قد تجلت العبقرية العسكرية للنبي (صلى الله عليه وسلم) في تلك الغزوة من عدة وجوه منها:

-استخدام ما يُعرف بالإنذار المبكر، ومعرفة تحركات العدو وخططه العسكرية مبكرا.

-عدم الاستهانة بالعدو، والاستعداد الجيد للمعركة، والاستعانة بأهل الخبرة والمتخصصين في فنون الحرب ودروب الصحراء.

-السرية التامة وإخفاء والتمويه المتقن، وذلك بسلك طرق غير مألوفة، والسير والتحرك ليلا، والكمون والراحة نهارا.

-الحرص على تأكيد السيطرة على الموقف، وإعلان السيادة وتحقيق النصر عند فرار الأعداء، وذلك بالبقاء في ديار الأعداء الهاربين لمدة طويلة.

-تحقيق عنصر المبادأة أو المبادرة ومفاجأة الأعداء بالهجوم عليهم في عقر دارهم، قبل أن يكملوا استعدادهم، وبذلك يتمكن من إحراز النصر

AbduLraHmN 08-09-09 12:19 PM


غزوة احد



تاريخ الغزوة :
اتفق كتاب السيرة على أنها كانت في شوال من السنة الثالثة الهجرية ، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه. وأشهر الأقوال أنه السبت ، للنصف من شوال.


أسبابها :
لقد كان السبب المباشر لها ، كما أجمع على ذلك أهل السير ، هو أن قريشاً أرادت أن تنتقم لقتلاها في بدر ، وتستعيد مكانتها التي تزعزعت بين العرب بعد هزيمتها في بدر. أما من بين الأسباب الأخرى الهامة التي يمكن استنتاجها من مجريات الأحداث ، فهي أن قريشاً تريد أن تضع حدا لتهديد المسلمين طرق تجارتهم إلى الشام ، والقضاء على المسلمين قبل أن يصبحوا قوة تهدد وجودهم.

عدة المشركين :
خصصت قريش قافلة أبي سفيان التي نجت من المسلمين ، وأرباحها ، لتجهيز جيشهم لغزوة أحد ، وجمعت ثلاث آلاف مقاتل من قريش ومن أطاعها من كنانة وأهل تهامة ، ومعهم مائتا فرس ، وسبعمائة دارع ، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وخرجت معهم مجموعة من النساء لإثارة حماسهم وخوفهم من العار إذا فروا.
وذكر ابن إسحاق أنهن كن ثمانياً ، وقال الواقدي : إنهن كن أربع عشرة ، وقد سمياهن. وقال ابن سعد : إنهن كن خمس عشرة امرأة.

وأري الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ما سيحدث في أحد ، وذكره لأصحابه ، قائلا : ( رأيت في رؤياي أني هززته سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد كأحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت بقرا – والله خير – فإذا هم المؤمنون يوم أحد) وفي رواية أخرى : ( ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة). وفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بأن هزيمته وقتلا سيقعان من أصحابه.

عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمجيء جيش مكة لحرب المسلمين ، شاور أصحابه ، بين أن يبقوا داخل المدينة أو يخرجوا لملاقاة العدو خارجها. فقال جماعة من الأنصار: (يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية ، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ، فابرز إلى القوم ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته. فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره ، فاذهب يا حمزة فقل للنبي صلى الله عليه وسلم : (أمرنا لأمرك تبع) ، فأتى حمزة فقال : (يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا فقالوا : أمرنا لأمرك تبع ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز).

إن ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أن عبدالله بن أبي كان موافقاً لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء داخل المدينة ، فقد روى الطبري عن السدي خلاف ذلك ، وهو أثر إسناده صحيح ورجاله ثقات ولكنه مرسل ، وفيه من يهم ويكثر الخطأ ، ولذلك رجح الباكري رواية ابن إسحاق لصحتها ولإجماع أهل السير على ذلك ، وأن حجة ابن سلول في الرجوع عن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطعه.

ومما ذكره أهل السير أن من دوافع الراغبين في الخروج ، إظهار الشجاعة أمام الأعداء والرغبة في المشاركة في الجهاد لما فاتهم من فضل الاشتراك في بدر. أما دوافع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان على رأيه في البقاء داخل المدينة فهو الاستفادة من حصون المدينة وطاقات كل المواطنين مما يرجح فرصة دحر المهاجمين.

وبعد أن حسم الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخروج رفعت راية سوداء وثلاثة ألوية : لواء للمهاجرين ، حمله مصعب بن عمير ، وحمله بعد استشهاده علي بن أبي طالب ، ولواء للأوس حمله أسيد بن خضير ، ولواء للخزرج ، حمله الحباب ابن المنذر. وبلغ عدد من سار تحتها ألفاً من المسلمين ومن ظاهرهم ، وكان معهم فرسان ومائة دارع. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرتدي درعين.

وعندما تجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى أحد ثنية الوادع رأى كتيبة خشناء ، فقال : ( من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبدالله بن أبي سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع ، وهو رهط عبدالله بن سلام. قال : وقد أسلموا ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال : قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين). وإذا صح هذا الخبر يكون جلاء قينقاع بعد أحد.

وعندما وصل جيش المسلمين الشوط – وهو مكان ملعب التعليم بالمدينة الآن - ، انسحب المنافق ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين ، بحجة أنه لن يقع قتال المشركين ، ومعترضاً على قرار القتال خارج المدينة ، قائلا : ( أطاع الولدان ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا).

ورأت فرقة من الصحابة قتال هؤلاء المنافقين ، ورأت الفرقة الأخرى عدم ذلك ، فنزلت الآية الكريمة :{ فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}. واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام عند انسحابهم ، وأخذ يقول لهم : ( أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه ، وقد أشار القرآن إلى هذا الحوار في قوله تعالى :{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، والله أعلم بما يكتمون } .
وكادت بنو سلمة – من الخزرج – وبنو حارثة – من الأوس – أن تنخذل مع المنافقين لولا أن الله ثبتهم مع المؤمنين ، وفيهم قال الله عز وجل : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما … } .

وأنزل الله تعالى النعاس على طائفة المؤمنين الذين اغتموا بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانهم يوم بدر فناموا يسيرا ثم أفاقوا وقد قذف الله في قلوبهم الطمأنينة، التي أعادت لهم بعض نشاطهم ليواصلوا الدفاع عن نبيهم.


وكان أبو طلحة الأنصاري فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفه من يده مراراً فيأخذه. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم)، أما طائفة المنافقين، سواء التي انسحبت مع ابن سلول أو فلولهم التي سارت مع المؤمنين فقد قال الله عنهم في الآية نفسها: ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ).

لقد حاول المشركون جهد طاقتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله عصمه منهم. فقد روي أن أبيا بن خلف كان يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بأنه سيقتله يوما ما، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا أقتلك إن شاء الله)، فلما كان يوم أحد لحق النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وهو يقـول : أي محمد ، لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة مال منها على فرسه مرارا، ورجع إلى قريش وبه خدش غير كبير، فاحتقن الدم، فقال : ( قتلني والله محمد !) وطمأنة قومه بأن ليس به بأس، فقال لهم ما قال له محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم قال : ( فوالله لو بصق علي لتقلني). فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون به إلى مكة. وهذا من علامات ودلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما صمد المسلمون واستماتوا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فشل المشركون في محاولات الاختراق إليه، وأعيتهم المجالدة، ولم يملك أبو سفيان إلا أن يتوعد المسلمين بحرب أخرى في العام القادم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وقد ثبت أن أبا سفيان أشرف على المسلمين، وقال: أفي القوم محمد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال: لا تجيبوه ، قال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك ، قال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا : ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: والله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، وفي رواية عند أحمد وابن إسحاق قال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

وعندما انصرف المشركون مكتفين بما نالوه من المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، وقال له: ( اخرج آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقو الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم) ، وفعل علي ما أمر به ، فوجدهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة ، وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين ، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما به: ( لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعمل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. ونزل قول الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.

وعن قصة التمثيل بجثة حمزة رضي الله عنه، فقد روى موسى بن عقبة أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها.

وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقطرتها وحشياً.

وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم.

وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي في الإمتاع رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها ، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة ، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.

ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون.

أما التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر كبد حمزة التي ذكرها بعض أهل المغازي والسير لها أصل.

وسجلت لبعض النساء المسلمات مواقف إيمانية رائعة في تقبلهن مصابهن في أهليهن وفرحهن بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان. هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ؟ فأشير إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل) أي صغيرة.

وعندما أقبلت صفية أخت حمزة لتنظر إليه ، طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنها الزبير أن يرجعها حتى لا ترى ما بأخيها من مثلة ، فقالت : ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! لأ حتسبن ولأصبرن إن شاء الله. وعندما أخبر الزبير النبي صلى الله عليه وسلم بقولها ، أمره بأن يخلي سبيلها ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، ثم أمر به فدفن.

وقد روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير لأحد قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا، ودفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، فأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة. وبعد الدفن، صف الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأثنى على ربه ثم دعا الله أن يعطيهم نعيم الدنيا والآخرة وأن يقتل الكفرة والمكذبين.

وكان يتمنى أن يمضي شهيدا مع أصحابه الذين استشهدوا يوم أحد، وقد أثنى عليهم عندما سمع عليا يقول لفاطمة: هاك السيف فإنها قد شفتني، فقال له: ( لئن كنت أجدب الضرب بسيفك، لقد أجاد سهل ابن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأقلح والحارث بن الصمة.
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بما نال الشهداء من عظيم الأجر، فقد قال عندما سمع بكاء فاطمة بنت عبدا لله بن عمرو والد جابر: (ولم تبكي ؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).

ونزل في شهداء أحد قول الله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون). فقد روى مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: (أما أنا قد سألنا ذلك. فقال: أرواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)؛ ولذا قال العلماء إن حياة الشهداء حياة محققة حسبما جاء في هذا الحديث.

أحكام وحكم وعظات وعبر من غزوة أحد:

عقد ابن القيم فصلاً فيما اشتملت عليه هذه الغزوة من الأحكام الفقهية، ننقلها هنا باختصار لتعميم الفائدة:

* إن الجهاد يلزم بالشروع فيه، حتى إن استعد له وتأهب للخروج، وليس له أن يرجع عن ذلك حتى يقاتل عدوه.
* إنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه، بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم، ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم، كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يوم أحد.
* جواز سلوك الإمام بالعسكر في أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقة، وإن لم يرض المالك، كما كان حال مربع بن قيظي مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه.
* إنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين، بل يردهم إذا خرجوا، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه.
* جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن فيما دون القتال مثل السقي والتطبيب.
* جواز الانغماس في العدو، كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
* إن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بأصحابه قاعداً، وصلوا وراءه قعدواً، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
* جواز دعاء الرجل وتمنيه أن يقتل في سبيل الله، وليس ذلك من تمني الموت المنهي عنه، كما فعل عبد الله بن جحش.
* إن المسلم، إذا قتل نفسه، فهو من أهل النار، كما في حال قزمان.
* السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يكفن في غير ثيابه، بل يدفن فيها بدمه، إلا أن يسلبها العدو، فيكفن في غيرها. والحكمة في ذلك كما روى الترمذي ( حتى يلقوا ربهم بكلومهم – جروحهم - ، ريح دمهم ريح المسك ، واستغنوا بإكرام الله لهم). كما روى ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله ، إلا والله يبعثه يوم القيامة ، يدمى جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح مسك).
* أما الصلاة على الشهيد فقد اختلف فيها العلماء وقد رجح ابن القيم أن الإمام مخير بين الصلاة عليه وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.
وقد خرّج محققا الزاد تلك الآثار وبينا درجتها من الصحة ، ثم قالا : ( ففي هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب ، لأن كثيرا من الصحابة استشهد في غزوة بدر وغيرها ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ، ولو فعل لنقل عنه ، وقد جنح المؤلف [ أي ابن القيم ] رحمه الله في (تهذيب السنن : 4/3295) إليه .
* السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم.
* إن من عذره الله في التخلف عن الجهاد ، لمرض أو عرج (شديد أو شيخوخة) يجوز له الخروج إليه ، وان لم يجب عليه ، كما خرج عمرو بن الجموح ، وهو أعرج ، (واليمان والد حذيفة وثابت بن وقش وهما شيخان كبيران).
* إن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم في الجهاد يظنونه كافراً، فعلى الإمام دفع ديته من بيت المال ، كما في واقعة قتل اليمان.

وذكر ابن القيم بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في غزوة أحد.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران حيث افتتح القصة بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال …) إلى تمام ستين آية من هذه السورة.

نذكر هنا باختصار ما ذكره ابن القيم:
* تعريف المؤمنين بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن الذي أصابهم هو لذلك السبب ، كما قال تعالى : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم) فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتنازعهم وفشلهم ، كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرزاً من أسباب الخذلان.
2- إن حكمة الله وسنته في رسله ، وأتباعهم ، جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة ، فإنهم لو انتصروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة ، خاصة وان هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان : (هل قاتلتموه ؟ قال : نعم. قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى. قال : كذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة).
3- ميزت محنة أحد بين المؤمن والمنافق الذي دخل الإسلام ظاهراً بعد انتصار المسلمين ببدر، وفي ذلك قال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
4- استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون ، فهم عبيده حقاً ، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.
5- لا يصلح عباده إلا السراء والضراء، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، فهو (سبحانه) إذا أراد أن يعز عبده ، ويجبره ، وينصره ، كسره أولاً ، ويكون جبره له ، ونصره على مقدار ذله وانكساره ، وهذا ما وقع للمسلمين ببدر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وبحنين ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) .
6- إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه ، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.
7- إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغياناً وركوناً إلى العاجلة ، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والآخرة ، فإذا أراد الله بها الرحمة والكرامة قيض لها من الابتلاء ما فيه دواء وشفاء لذلك المرض.
8- إن الشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو وغيره.
9- إن في الابتلاء من الله تمحيص وتكفير لذنوب عباده وفرصة لهم لنيل الشهادة ، قال تعالى : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين).
10- إن الأنبياء (عليهم السلام)، إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام تعظيماً لأجرهم تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين ، وهذه سنة الله فيهم.
11- إن اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم في القتال مثله كأي فرد من أفراد جيشه دليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم تميزه عن جنده ومساواة نفسه بهم. وفيه دليل على شجاعته وصبره وتحمله الأذى في سبيل دعوته.

AbduLraHmN 08-09-09 12:21 PM


غزوة الاحزاب


تاريخ الغزوة:

وقعت هذه الغزوة في شوال سنة خمس كما قال ابن إسحاق ومن تابعه، وهو قول الجمهور، وقال الواقدي: إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد: إن الله استجاب لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهزم الأحزاب يوم أربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره. ونقل الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها وقعت سنة أربع هجرية.

ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، فتكون غزوة بدر عندهم في السنة الأولى، وأحد في الثانية والخندق في الرابعة، وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة. وجزم ابن جزم أنها وقعت سنة أربع لقول ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يوم أحد وهي في السنة الثالثة باتفاق وهو ابن أربع عشرة سنة. ولكن البيهقي وابن حجر وغيرهما فسروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول جمهور العلماء.

سبب الغزوة:

لم تضع الحرب أوزارها بين مشركي مكة والمسلمين إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ولذا فمن البدهي أن تحاول قريش في كل مرة القضاء على قوة المسلمين التي ترى فيها تهديداً مستمراً لطرق قوافلها وخطراً على مكانتها بين العرب.

أرادت قريش في هذه المرة أن تحسم هذا الصراع مع المسلمين لصالحها، فحشدت له أكبر قوة ممكنة حيث لجأت إلى التحالف مع كل من له مصلحة في القضاء على المسلمين. ووجدوا أكبر ضالتهم في قريش، فقد التقت أهداف الفريقين، وهو القضاء على المسلمين.

كان أول ما فكر فيه زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر أن يتصلوا بقريش والقبائل الأخرى للثأر لأنفسهم والطمع في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في المدينة. فخرج وفد منهم إلى مكة ، منهم : سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق النضريون ، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بالقتال معهم ، حتى يستأصلوه ، وأفتوهم بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم أولى بالحق منهم ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ). ثم اتجهوا بعد هذا إلى قبيلة غطفان النجدية الكبرى وأغروها بالتحالف معهم ومع قريش على حرب المسلمين، على أن يكون لهم نصف ثمر خيبر، إذا اشتركت معهم في الحرب، وكان وافدهم إلى غطفان كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك.

وكتب المشركون إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش ومن اتبعه من قبائل العرب، فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم بقيادة سفيان بن عبد شمس والد أبي الأعور وبنو مرة بقيادة الحارث بن عوف وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة ، فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن عدتهم عشرة آلاف بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف.

تحرك هذا الجيش العرموم من مر الظهران في طريقة إلى المدينة. فنزلت قريش ومن سار معها بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجُرُف وغابة. ونزلت غطفان بذنب نقمي إلى جانب أحد، ونزل معهم بنوأسد.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ، استشار أصحابه ، وقد أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة ، أما الجهات الأخرى فكانت كالحصن تتشابك فيها الأبنية وأشجار النخيل وتحيطها الحرات التي يصعب على الإبل والمشاة التحرك فيها.

ووافق الجميع على هذه الفكرة لعلمهم بكثرة الجموع القادمة لحربهم ، وشرعوا في حفر الخندق الذي يمتد من أجم الشيخين طرف بن حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وعمل المسلمون في الحفر على عجل، يبادرون قدوم القوم، وقد تراوحت مدة الحفر ما بين ستة أيام وأربعة وعشرين يوماً. فعند ابن عقبة استغرق قريباً من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً ، وعند ابن سعد ستة أيام.

وكان طعامهم القليل من الشعير يخلط بدهن متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه على الرغم من بشاعة طعمه في الحلق ورائحته المنتنة، وذلك لشدة جوعهم. حتى هذا لا يجدونه أحياناً فيأكلون التمر ، وأحياناً لا يجدون هذا ولا ذاك لمدة ثلاثة أيام متتالية ، إلى الحد الذي يعصب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطنه بحجر من شدة الجوع.

وشارك جميع المسلمين في الحفر، لا فرق بين غني وفقير ومولى وأمير، وأسوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وكان الصحابة يستعينون به في تفتيت الصخرة التي تعترضهم ويعجزون عنها، فيفتتها لهم. ويردد معهم الأهازيج والأرجاز لتنشيطهم للعمل ، فيقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا...........وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا.......وإن أرادوا فتنة أبينا

وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون وهم يعملون:
(نحن الذين بايعوا محمداً..على الإسلام ما بقينا أبدا)
فيجيبهم بقوله:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة). وربما يبدؤهم بقوله فيردون عليه بقولهم.

من دلائل النبوة أثناء حفر الخندق :

أجرى الله سبحانه وتعالى على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عدة معجزات أثناء حفر الخندق، ومن ذلك:

1- عندما لحظ جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع، استأذنه وذهب إلى زوجته وأخبرها بما رأى من المخمصة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منها أن تصنع له طعاماً، فذبح عناقاً له وطحنت زوجة صاعاً من شعير بقي لهما ، وصنعت برمة ، وذهب جابر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام وساوره بكمية الطعام ، وانه طعيم يكفي لرجل أو رجلين ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان حاضراً وعددهم ألف ، وتحير جابر وزوجته ، لكن النبي صل الله عليه وسلم بارك في البرمة ، فأكل منها كل الناس حتى شبعوا وتركوا فيها الكثير الذي أكل منه أهل جابر وأهدوا.

2- أخبر عمار بن ياسر، وهو يحفر معهم الخندق، بأن ستقتله الفئة الباغية، فقتل في صفين وكان في جيش علي.

3- وعندما اعترضت صخرة للصحابة وهو يحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثر الضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) .

وفي هذا الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلاً ، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) ، وموقف المنافقين الذين سخروا من البشارة : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

وصورت الآيات من 13 إلى 20 من سورة الأحزاب نفسية المنافقين تصويرًا دقيقاً، وحكت أقوالهم في الإرجاف والتخذيل، وأساليبهم في التهرب من العمل في حفر الخندق وجهاد العدو.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وقلة الطعام وشدة البرد فقد تم حفر الخندق ليكون خط دفاع متيناً ثم جمع النساء والأطفال وأصحاب الأعذار في حصن فارع ، وهو لبني حارثة ، لأنه كان أمنع حصون المسلمين آنذاك.

وكانت خطة المسلمين أن يكون ظهرهم إلى جبل سلع داخل المدينة ووجوههم إلى الخندق الذي يحجز بينهم وبين المشركين الذين نزلوا رومة بني الجرف والغابة ونقمى.

وعندما نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في حال العدو وحال المسلمين ورأى ضعف المسلمين وقوة المشركين ، أراد أن يكسر شوكة المشركين ، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيمي الأنصار ، فاستشارهما في الصلح الذي عرضته عليه قبيلة غطفان ، وهو أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لعام كي ينصرفوا عن قتال المسلمين ، ولم يبق إلا التوقيع على صحيفة الصلح ، فقال له : (لا والله ما أعطينا الدنية من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام). وفي رواية الطبراني أنهما قالا: (يا رسول الله: أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك ؟ فرأينا تبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى). فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأعراب الذين كان يمثلهم الحارث الغطفاني، قائد بني مرة.

وفي الجانب الآخر أراد يهود بني النضير أن يجروا معهم إخوانهم يهود بني قريظة إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوقوف مع الأحزاب. فأوفدوا حيياً ابن أخطب للقيام بهذه المهمة. فجاء حيي إلى كعب بن أسد القرظي. وبعد حوار طويل بينهما أقنعه بنقض العهد مع المسلمين بحجة قوة الأحزاب ومقدرتهم على استئصال المسلمين ، وأغراه بأن يدخل معه حصنه عندما ينصرف الأحزاب ، بعد أداء مهمتهم.

وكان يوما عصيباً من الدهر ، ذلك اليوم الذي علم فيه المسلمون نقض بني قريظة ما بينهم وبين المسلمين من عهد. وتكمن خطورة ذلك في موقعهم الذي يمكنهم من تسديد ضربة غادرة للمسلمين من الخلف. فقد كانت ديارهم في العوالي، إلى الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور.

لقد أتاه الزبير بما يدل على غدرهم، ويومها قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي، إن لكل نبي حوارياً ، وحواري الزبير).

لزيادة الحيطة والحذر والتأكد من مثل هذه الأمور الخطيرة ، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ، فجاءوا إلى بني قريظة وتحدثوا معهم ، ووجدوهم قد نكثوا العهد ومزقوا الصحيفة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بني سعية ، فإنهم جاؤوا إلى المسلمين وفاء بالعهد. وعاد رسل المسلمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين.

وعندما شاع هذا الخبر خاف المسلمون على ذراريهم من بني قريظة، ومروا بوقت عصيب وابتلاء عظيم. ونزل القرآن واصفاً هذه الحالة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).

فالذين جاؤوهم من فوقهم هم الأحزاب، وبنو قريظة من أسفل منهم، والذين ظنوا بالله الظنونا هم المنافقون. أما المؤمنون فقد صمدوا لهذا الامتحان. واتخذوا كل الوسائل الممكنة لاجتياز الامتحان، فنظموا فرقاً للحراسة، فكان سلمة بن أسلم الأوسي أمير لمائتي فارس وزيد بن حارثة أمير لثلاثمائة فارس ، يطوفون المدينة ويكبرون لإشعار بني قريظة باليقظة حتى لا تحدثهم أنفسهم بأن يغدروا بالذرية التي في الحصون.

عندما وصلت الأحزاب المدينة فوجئوا بوجود الخندق ، فقاموا بعدة محاولات لاقتحامه ، ولكنهم فشلوا لأن المسلمين كانوا يمطرونهم بوابل سهامهم كلما هموا بذلك ، ولذا استمر الحصار لمدة أربع وعشرين ليلة.

وذكر ابن إسحاق وابن سعد أن بعض المشركين اقتحموا الخندق ، وعد ابن إسحاق منهم : عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب والشاعر بن مرداس ، وزاد ابن سعد واحدا على هؤلاء وهو : نوفل بن عبد الله. وذكر أن عليا بارز عمرو بن عبد ود – فارس قريش – وقتله ، وأن الزبير قتل نوفلاً وأن ثلاثة الآخرين فروا إلى معسكرهم.

وظلت مناوشات المشركين للمسلمين وتراشقهم معهم بالنبل دون انقطاع طيلة مدة الحصار ، حتى إنهم شغلوا المسلمين يوماً عن أداء صلاة العصر ، فصلوها بعد الغروب ، وذلك قبل أن تشرع صلاة الخوف ، حيث شرعت في غزوة ذات الرقاع على رأي من يرى أن ذات الرقاع كانت بعد غزوة الخندق.

وقتل في هذه المناوشات ثلاثة من المشركين واستشهد ستة من المسلمين منهم سعد بن معاذ ، الذي أصيب في أكحله – عرق في وسط الذراع – رماه حبان بن العرِقة. وقد نصبت له خيمة في المسجد ليعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من قريب ، ثم مات بعد غزوة بني قريظة ، حين انتقض جرحه وكانت تقوم على تمريضه رفيدة الاسلمية.

وكان شعارأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة ( حم ، لا ينصرون).

لقد كفى الله المؤمنين القتال فهزم الأحزاب بوسيلتين : الأولى : تسخير الله نعيم بن مسعود ليخذل الأحزاب ، والثانية : الرياح الهوجاء الباردة.

1- دور نعيم بن مسعود :

روى ابن إسحاق والواقدي وعبدالرزاق وموسى بن عقبة أن نعيم بن مسعود الغطفاني ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وعرض عليه أن يقوم بتنفيذ أي أمر يريده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (إنما أنت رجل واحد فينا ، ولكن خذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ).

وقبل أن يعرف إسلام نعيم ، أتى بني قريظة ، فأقنعهم بعد التورط مع قريش في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن ، لكيلا يولوا الأدبار ، ويتركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم مع المسلمين بالمدينة. ثم أتى قريشا فأخبرهم أن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا ، وأنهم قد اتفقوا سرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يختطفوا عددا من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ليقتلهم دليلا على ندمهم ، وقال لهم : فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فإياكم أن تسلموهم رجلا منكم. ثم أتى غطفان وقال لهم مثل الذي قاله لقريش. وبذلك زرع بذور الشك بينهم. وأخذ كل فريق يتهم الفريق الآخر بالخيانة.

2- معجزة الرياح :

هبت ريح هوجاء في ليلة مظلمة باردة ، فقلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم ، فما كان من أبي سفيان إلا أن ضاق بها ذرعا فنادى في الأحزاب بالرحيل. وكانت هذه الريح من جنود الله الذين أرسلهم على المشركين ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا).

وروى مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان طرفا مما حدث في تلك الليلة الحاسمة ، قال حذيفة : لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ، وأخذتنا ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا رجل يأتني بخبر القوم ، جعله الله معي يوم القيامة) ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، … (ردد ذلك ثلاثا) ثم قال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) ، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) . فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ، حتى أتيتهم ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس ، فأردت أن أرميه ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ولا تذعرهم علي) ، ولو رميته لأصبته ، فرجعت ، وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت فقال : قم يا نومان).

وزاد ابن إسحاق في روايته لهذا الخبر : (… فدخلت في القوم ، والريح جنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا إناء ولا بناء ، فقام أبو سفيان ، فقال : يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي فقلت له : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون … فارتحلوا فإني مرتحل). وفي رواية الحاكم والبزار : ( … فانطلقت إلى عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله ، قد تفرق الأحزاب عنه ، حتى إذا جلست فيهم فحسب أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم ، قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فضربت بيدي على الذي على يميني وأخذت بيده ، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده ، فلبثت هنيهة ، ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم … قلت: يا رسول الله : تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون).

وختم الله هذا الامتحان الرهيب بهذه النهاية السعيدة ، وجنب المسلمين شر القتال ، قال تعالى معلقا على هذه الخاتمة : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا). وكانت هذه الخاتمة استجابة لضراعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله أثناء محنة الحصار : (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم).

لقد بذلت الأحزاب أقصى ما يمكنهم لاستئصال المسلمين ، ولكن الله ردهم خائبين ، وهذا يعني أنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا في المستقبل ، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم) ؛ هذا علم من أعلام النبوة ، لأن الذي حدث بعد هذا هو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم وعبر في غزوة الخندق:

1- إن حفر الخندق يدخل في مفهوم المسلمين لقوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فينبغي على المسلمين اتخاذ وسائل القوة المتاحة مهما كان مصدرها ، لأن الحكمة ضالة المؤمن ، فحيثما وجدها التقطها.

2- لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للحكام والمحكومين في العدالة والمساواة وعدم الاستئثار بالراحة يوم وقف جنبا إلى جنب مع أفراد جيشه ليعمل بيده في حفر الخندق. وهذه هي صفة العبودية الحقة التي تجلت في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا آخر على رأفته بالمؤمنين ، يوم شاركهم في حفر الخندق ويوم أشركهم معه في طعيم جابر ، ولم يستأثر به مع قلة من الصحابة. وفي ضوء هذه المعاني يفهم قول الله تعالى : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

4- إن مجموعة المعجزات التي أجرها الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أيام الخندق ، سواء التي كانت في حفر الخندق أو تكثير طعيم جابر أو الرياح التي كانت نقمة على المشركين ، لهي مجموعة أخرى في سلسلة المعجزات الكثيرة التي أيد الله بها نبيه ، ليقطع الحجة لدى المعاندين من المنافقين والمشركين وكل صنف من أصناف أعداء الدين.

5- إن الحكمة في استشاراته لبعض أصحابه في الصلح الذي اقترحته غطفان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يطمئن إلى مدى ما يتمتع به أصحابه من القوة المعنوية والاعتماد على نصر الله وتوفيقه على الرغم من ذلك الذي فوجئوا به من اجتماع أشتات المشركين عليهم في كثرة ساحقة ، إلى جانب خذلان بني قريظة للمسلمين ونقض مواثيقهم معهم.

6- وأما الدلالة التشريعية في هذه الاستشارة ، فهي محصورة في مجرد مشروعية مبدأ الشورى في كل ما لا نص فيه. وهي بعد ذلك لا تحمل أي دلالة على جواز صرف المسلمين أعداءهم عن ديارهم إذا ما اقتحموها ، باقتطاع شيء من أرضهم أو خيراتهم لهم. إذ إن مما هو متفق عليه في أصول الشريعة الإسلامية أن الذي يحتج به من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو أقواله ، وأفعاله التي قام بها ، ثم لم يرد اعتراض عليها من الله في كتابة العزيز.

وليس في هذه الاستشارة دليل على جواز دفع المسلمين الجزية إلى أعدائهم. أما إذ ألجئوا إلى اقتطاع جزء من أموالهم فعليهم التربص بأعدائهم لاسترداد حقهم المسلوب.

7- عندما شغل المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب ، وفي هذا دليل على مشروعية قضاء الفائتة.

AbduLraHmN 08-09-09 12:22 PM

غزوة بني قريظة



وقعت هذه الغزوة بعد غزوة الأحزاب مباشرة ، في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة الهجرية.

وواضح من سير الأحداث أن سبب الغزوة كان نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، بتحريض من حيي بن أخطب النضري.

وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير لمعرفة نيتهم ، ثم أتبعه بالسعدين وابن رواحة وخوات لذات الهدف ليتأكد من غدرهم.

ولأن هذا النقض وهذه الخيانة قد جاءت في وقت عصيب ، فقد أمر الله تعالى نبيه بقتالهم بعد عودته من الخندق ووضعه السلاح ، وامتثالاً لأمر الله أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتوجهوا إلى بني قريظة ، وتوكيدا لطلب السرعة أوصاهم قائلاً : ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) كما في رواية البخاري ، أو الظهر كما في رواية مسلم.

وعندما أدركهم الوقت في الطريق ، قال بعضهم : لا نصلى حتى نأتي قريظة ، وقال البعض الآخر : بل نصلى ، لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم. وهذا اجتهاد منهم في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر : ( … وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين – البخاري ومسلم – باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر ، وبعضهم لم يصلها ، فقيل لمن لم يصلها : لا يصلين أحد الظهر ، ولمن صلاها : لا يصلين أحد العصر. وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر ، وكلاهما جمع لا بأس به …).

خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ستة وثلاثون فرساً وضرب الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح ، وضيق عليهم الخناق حتى عظم عليهم البلاء ، فرغبوا أخيرا في الاستسلام ، وقبول حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم. واستشاروا في ذلك حليفهم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه ، فأشار إلى أن ذلك يعني الذبح. وندم على هذه الإشارة، فربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي ، حتى قبل الله توبته.

وعندما نزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس ، لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة ، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ، فلما دنا من المسلمين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم ، ثم قال : إن هؤلاء نزلوا على حكمك ). قال : تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قضيت بحكم الله تعالى .

ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم ، وكانوا أربعمائة على الأرجح . و لم ينج إلا بعضهم ، وهم ثلاثة ، لأنهم أسلموا ، فأحرزوا أموالهم ، وربما نجا اثنان آخران منهم بحصولهم على الأمان من بعض الصحابة ، أو لما أبدوه من التزام بالعهد أثناء الحصار. وربما نجا آخرون لا يتجاوزن عدد أفراد أسرة واحدة ، إذ يفهم من رواية عند ابن إسحاق وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا القرظي ، فاستحياهم ، منهم عبد الرحمن بن الزبير ، الذي أسلم ، وله صحبة.

وجمعت الأسرى في دار بنت الحارث النجارية ، ودار أسامة بن زيد ، وحفرت لهم الأخاديد في سوق المدينة ، فسيقوا إليها المجموعة تلو الأخرى لتضرب أعناقهم فيها. وقتلت امرأة واحدة منهم ، لقتلها خلاد بن سويد رضي الله عنه، حيث ألقت عليه ، جرحى ، ولم يقتل الغلمان ممن لم يبلغوا سن البلوغ. ثم قسم الرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم وذراريهم بين المسلمين.

مصير بعض سيي بني قريظة :
ذكر ابن إسحاق وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.

وذكر الواقدي في المغازي في شأن بيع سبايا بني قريظة قولين آخرين إضافة إلى ما ذكره ابن إسحاق ، والقولان هما :
1- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا ليبيعهم ويشتري بهم سلاحاً وخيلاً.
2- اشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما جملة من السبايا … إلخ. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة بأن ذلك كله قد حدث.

واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، وأسلمت. وقد توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملك يمينه ، وكان ذلك باختيارها.

أحكام وحكم ودروس وعبر من غزوة بني قريظة :

1- جواز قتل من نقض العهد. ولا زالت الدول تحكم بقتل الخونة الذين يتواطؤون مع الأعداء حتى زماننا هذا.

2- جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم. كما في تحكيم ابن معاذ.

3- مشروعية الاجتهاد في الفروع ، ورفع الحرج إذا وقع الخلاف فيها. فقد اجتهد الصحابة في تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يصلين أحد العصر أو الظهر إلا في بني قريظة) ، ولم يخطئ الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.

4- ذكر النووي أن جماهير العلماء احتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وغيره على استحباب القيام لأهل الفضل ، وليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه هو جالس ويمثلون قياما طوال جلوسه ، وقد وافق النووي جماهير العلماء في هذا ، ثم قال : ( القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء في أحاديث ، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح. وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيها عما توهم النهي عنه).

5- قال الدكتور البوطي : واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) ، لأن مشروعية إكرام الفضلاء لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته ، بل إن من أبرز صفات الصالحين أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهادا في طلب هذا الشيء … (غير أن من أهم ما ينبغي أن تعلمه في هذا الصدد أن لهذا الإكرام المشروع حدود إذا تجاوزها ، انقلب الأمر محرما ، واشترك في الإثم كل من مقترفة والساكت عليه. فمن ذلك ما قد تجده في مجالس بعض المتصوفة من وقوف المريدين عليهم وهم جلوس ، يقف الواحد منهم أمام شيخه في انكسار وذل … ومنه ما يفعله بعضهم من السجود على ركبة الشيخ أو يده عند قدومه عليه ، أو ما يفعله من الحبو إليه عندما يغشى المجلس … فالإسلام قد شرح مناهج للتربية وحظر على المسلمين الخروج عليها ، وليس بعد الأسلوب النبوي في التربية من أسلوب يقر).

AbduLraHmN 08-09-09 12:25 PM


غزوة خيبر





لم يبد يهود خيبر عداء سافراً للمسلمين حتى لحق بهم زعماء بني النضير عندما أجلوا عن المدينة. وكما سبق وأن ذكرنا فقد كان أبرز زعماء بني النضير الذين غادروا المدينة ونزلوا خيبر : سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب ، فلما نزلوها دان لهم أهلها.

لقد نزلوا بأحقادهم ضد المسلمين ، ولذا كانوا كلما وجدوا فرصة للانتقام من المسلمين انتهزوها ، ووجدوا في قريش وبعض قبائل العرب حصان طروادة الذي سيدخلون به المدينة مرة أخرى ، فألبوهم ضد المسلمين ، ثم جروهم إلى غزوة الخندق ، وسعوا في إقناع بني قريظة للانضمام إليهم والغدر بالمسلمين. ولذا كانت تلك العقوبة الرادعة التي أنزلها المسلمون بهم عندما صرف الله الأحزاب ، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية عبد الله بن عتيك للقضاء على رأس من رؤوسهم أفلت من العقاب يوم قريظة ، وهو سلام ابن أبي الحقيق ، فقتلوه.

وكانت هدنة الحديبية فرصة أمام المسلمين لتصفية هذا الجيب الذي يشكل خطورة على أمن المسلمين ، وقد وعد الله المسلمين بمغانم كثيرة يأخذونها إذا هزموا يهود خيبر ، وإلى ذلك أشارت سورة الفتح التي نزلت في طريق العودة من الحديبية ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيزاً حكيماً ، وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً ، وأخرى لم تقدروا عليها ، قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً).

تاريخ الغزوة :

ذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم من السنة السابعة الهجرية ، وذكر الواقدي أنها كانت في صفر أو ربيع الأول من السنة السابعة بعد العودة من غزوة الحديبية ، وذهب ابن سعد إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبع ، وقال الإمامان الزهري ومالك إنها في المحرم من السنة السادسة. وظاهر أن الخلاف بين ابن إسحاق والواقدي يسير ، وهو نحو الشهرين ، وكذلك فإن الخلاف بينهما وبين الإمامين الزهري ومالك مرجعه إلى الاختلاف في ابتداء السنة الهجرية الأولى كما سبق الإشارة إلى ذلك. وقد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق على قول الواقدي.

أحداث الغزوة :

سار الجيش إلى خبير بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر وشدة وبأس رجالها وعتادهم الحربي. وكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة ، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم قائلاً : (إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم). وسلكوا طريقا بين خيبر وغطفان ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر لأنهم كانوا أعداء للمسلمين.

ونزل المسلمون بساحة اليهود قبل بزوغ الفجر ، وقد صلى المسلمون الفجر قرب خيبر ، ثم هجموا عليها بعد بزوغ الشمس ، وفوجئ أهلها بهم وهم في طريقهم إلى أعمالهم ، فقالوا : محمد والخميس !! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).

وهرب اليهود إلى حصونهم وحاصرهم المسلمون. وقد حاولت غطفان نجدة حلفائهم يهود خيبر ، حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر ، فأخذ المسلمون في افتتاح حصونهم واحداً تلو الآخر.

وكان أول ما سقط من حصونهم ناعم والصعب بمنطقة النطاة وأبي النزار بمنطقة الشق ، وكانت هاتان المنطقتان في الشمال الشرقي من خيبر ، ثم حصن القموص المنيع في منطقة الكتيبة ، وهو حصن ابن أبي الحقيق ، ثم اسقطوا حصني منطقة الوطيح والسلالم.

وقد واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون ، منها حصن ناعم الذي استشهد تحته محمود بن مسلمة الأنصاري ، حيث ألقى عليه مرحب رحى من أعلى الحصن ، والذي استغرق فتحه عشرة أيام ، فقد حمل راية المسلمين عند حصاره أبو بكر الصديق ، ولم يفتح الله عليه ، وعندما جهد الناس ، قال رسول الله إنه سيدفع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله و رسوله ، ولا يرجع حتى يفتح له ، فطابت نفوس المسلمين ، فلما صلى الفجر في اليوم التالي دفع اللواء إلى علي ، ففتح الله على يديه.

وكان علي يشتكي من رمد في عينيه عندما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرئ.

ولقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم ، وقال له : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم). وعندما سأله علي : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل الناس ؟ قال : ( قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

وعند حصار المسلمين لهذا الحصن برز لهم سيده وبطلهم مرحب ، وكان سبباً في استشهاد عامر بن الأكوع ، ثم بارزه علي فقتله ، مما أثر سلبياً في معنويات اليهود ومن ثم هزيمتهم.

وقد أبلى علي بلاء حسناً في هذه الحرب. ومن دلائل ذلك : روى ابن إسحاق من حديث أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن علياً عندما دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ.

قال الراوي – أبو رافع : فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه.

وروى البيهقي من طريقين مرفوعين إلى جابر رضي الله عنه قصة علي والباب ويوم خيبر. ففي الطريق الأول أن عليا رضي الله عنه حمل الباب حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها ، ولم يستطع أربعون رجلاً أن يحملوا هذا الباب. وفي الطريق الثانية أنه اجتمع عليه سبعون رجلاً ، فأعادوه إلى مكانه بعد أن أجهدهم.

وتوجه المسلمون إلى حصن الصعب بن معاذ بعد فتح حصن ناعم ، وأبلى حامل رايتهم الحباب بن المنذر بلاء حسناً حتى افتتحوه بعد ثلاثة أيام ، ووجدوا فيه الكثير من الطعام والمتاع ، يوم كانوا في ضائقة من قلة الطعام ، ثم توجهوا بعده إلى حصن قلعة الزبير الذي اجتمع فيه الفارون من حصن ناعم والصعب وبقية ما فتح من حصون يهود – فحاصروه وقطعوا عنه مجرى الماء الذي يغذيه ، فاضطروهم إلى النزول للقتال ، فهزموهم بعد ثلاثة أيام ، وبذلك تمت السيطرة على آخر صحون منطقة النطاة التي كان فيها أشد اليهود.

ثم توجهوا إلى حصون الشق ، وبدأوا بحصن أبيّ ، فاقتحموه ، وأفلت بعض مقاتلته إلى حصن نزار ، وتوجه إليهم المسلمون فحاصروهم ثم افتتحوا الحصن ، وفر بقية أهل الشق من حصونهم وتجمعوا في حصن القَمُوص المنيع وحصن الوطيح وحصن السلالم ، فحاصرهم المسلمون لمدة أربعة عشر يوماً حتى طلبوا الصلح.

نتائج الغزوة :

وهكذا فتحت خيبر عنوة ، استناداً إلى النظر في مجريات الأحداث التي سقناها ، وما روى البخاري ، ومسلم وأبو داود من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر وافتتحها عنوة.

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فقبل ذلك منهم. فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وقتل من اليهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعون رجلاً. وسبيت النساء والذراري ، منهن صفيه بنت حيي بن أخطب ، التي اشتراها الرسول صلى الله عليه وسلم من دحية حيث وقعت في سهمه فأعتقها وتزوجها. وقد دخل عليها في طريق العودة إلى المدينة ، وتطوع لحراسته في تلك الليلة أبو أيوب الأنصاري.

واستشهد من المسلمين عشرون رجلاً فيما ذكر ابن إسحاق وخمسة عشر فيما ذكر الواقدي.

وممن استشهد من المسلمين راعي غنم أسود كان أجيراً لرجل من يهود. وخلاصة قصته أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم يرعاها لبعض يهود خيبر ، فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم ، ثم استفتاه في أمر الغنم ، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضرب وجوهها ، فسترجع إلى أصحابها ، فأخذ الراعي حفنة من الحصى فرمى بها في وجوهها ، فرجعت إلى أصحابها ، وتقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجي بشملة ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعرض عنه ، وعندما سئل عن إعراضه قال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين).

واستشهد أعرابي له قصة دلت على وجود نماذج فريدة من المجاهدين. وخلاصة قصته أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وطلب أن يهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما كانت غزوة خيبر – وقيل حنين – غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج له سهمه ، وكان غائباً حين القسمة ويرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوا إليه سهمه ، فأخذه وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما هذا يا محمد؟ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قسم قسمته لك). قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا ، وأشار إلى حلقه بسهم ، فأدخل الجنة ، قال : (إن تصدق الله يصدقك) ، ولم يلبث قليلاً حتى جيء به وقد أصابه سهم حيث أشار ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (صدق الله فصدقه) ، فكفنه الرسول صلى الله عليه وسلم في جبة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفنه.


وبعد الفراغ من هذه الغزوة حاول اليهود قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم. فقد أهدته امرأة منهم شاة مشوية مسمومة ، وأكثرت السم في ذراع الشاة عندما عرفت أنه يحبه ، فلما أكل من الذراع أخبرته الذراع أنه مسموم فلفظ اللقمة ، واستجوب المرأة ، فاعترفت بجريمتها ، فلم يعاقبها في حينها ، ولكنه قتلها عندما مات بشر بن البراء بن معرور من أثر السم الذي ابتلعه مع الطعام عندما أكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتم الصلح في النهاية بين الطرفين وفق الأمور الآتية :

- بالنسبة للأراضي والنخيل – أي الأموال الثابتة : دفعها لهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يعملوا عليها ولهم شطر ما يخرج منها.
- أن ينفقوا من أموالهم على خدمة الأرض.
- أما بالنسبة لوضعهم القانوني فقد تم الاتفاق على أن بقاءهم بخيبر مرهون بمشيئة المسلمين ، فمتى شاؤوا أخرجوهم منها.

وقد أخرجهم عمر بن الخطاب إلى تيماء وأريحاء ، استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته : (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وتكرر منهم الاعتداء على المسلمين. ففي المرة الأولى اتهمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل عبد الله بن سهل ، فأنكروا فلم يعاقبهم ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. وفي هذه المرة الثانية أكدت الأولى – كما أشار عمر – أنهم اعتدوا على عبد الله بن عمر ، وفدعوا يديه.

- واتفقوا على إيفاد مبعوث من قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر ليخرص ويقبض حصة المسلمين.

أما بالنسبة للأموال المنقولة ، فقد صالحوه على أن له الذهب والفضة والسلاح والدروع ، لهم ما حملت ركائبهم على ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً ، فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكاً لحيي بن أخطب ، وقد كان قتل في غزوة خيبر ، وكان قد احتمله معه يوم بني النظير حين أجليت.

وعندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سعية – عم حيي – عن المسك ، قال : (أذهبته الحروب والنفقات) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (العهد قريب المال أكثر من ذلك) ، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب ، فاعترف بأنه رأى حيياً يطوف في خربة ها هنا ، فوجدوا المسك فيها ، فقتل لذلك ابني أبي الحقيق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقتل محمد بن مسلمة ابن عم كنانة هذا الذي دل على المال ، قتله بأخيه محمود بن مسلمة.

وبالنسبة للطعام فقد كان الرجل يأخذ حاجته منه دون أن يقسم بين المسلمين أو يخرج منه الخمس ما دام قليلاً ، وكانت غنائم خيبر خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين ، كما في قوله تعالى : ( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله. قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ، فسيقولون بل تحسدوننا ، بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً ).

ولم يغب عن فتح خيبر من أصحاب بيعة الرضوان أحد سوى جابر بن عبد الله ، ومع ذلك أعطي سهماً مثل من حضر الغزوة – غزوة الحديبية.

وأعطى أهل السفينة من مهاجرة الحبشة الذين عادوا منها إلى المدينة ، ووصلوا خيبر بعد الفتح ، أعطاهم من الغنائم. وكانوا ثلاثة وخمسين رجلاً وامرأة بقيادة جعفر بن أبي طالب. وتقول الرواية : إنه لم يقسم لأحد لم يشهد الفتح سواهم. وهم الذين فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بقدومهم ، وقبل جعفر بين عينيه والتزمه ، وقال : (ما أدري بأيهما أنا أسر ، بفتح خيبر أو بقدوم جعفر).

وربما يرجع سبب استثنائهم إلى أنهم حبسهم العذر عن شهود بيعة الحديبية ، ولعله استرضى أصحاب الحق من الغانمين في الإسهام لهم ، ولعله رأى ما كانوا عليه من الصدق وما عانوه في الغربة ، وهم أصحاب الهجرتين.

وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وبعض الدوسيين من الغنائم برضاء الغانمين ، حيث قدموا عليه بعد فتح خيبر.

وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء مسلمات فأعطاهن من الفيء ولم يضرب لهن بسهم.

وكذلك أعطى من شهدها من العبيد ، فقد أعطى عميرًا ، مولى أبي اللحم ، شيئاً من الأثاث.

وأوصى صلى الله عليه وسلم من مال خيبر لنفر من الداريين ، سماهم ابن إسحاق.

وكان كفار قريش يتحسسون أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر ، ويسألون الركبان عن نتيجة المعركة ، وقد فرحوا عندما خدعهم الحجاج بن علاط السلمي وقال لهم : إن المسلمين قد هزموا شر هزيمة وإن اليهود أسرت محمداً ، وستأتي به ليقتل بين ظهراني أهل مكة ثأراً لمن كان أصيب من رجالهم ، وما لبثوا قليلا حتى علموا بأن الأمر خدعة من الحجاج بن علاط ليحرز ماله الذي بمكة ويهاجر مسلماً. فحزنوا لتلك النتيجة التي كانوا يراهنون على عكسها.

وبعد الفراغ من أمر خيبر توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وحاصرهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله ، فبرز رجل منهم ، فبرز له الزبير فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ، ثم قاتلهم حتى أمسوا ، وفي الصباح استسلموا ، ففتحت عنوة. وأقام فيها ثلاثة أيام ، وقسم ما أصاب على أصحابه ، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها.

فلما بلغ يهود تيماء ما حدث لأهل فدك ووادي القرى ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم. فلما كان عهد عمر أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام.

وثبت في الصحيح أن مدعماً – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصابه سهم فقتله وذلك حين كان يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصلوا وادي القرى ، فقال الناس : هنيئاً له بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.qassimy.com/vb/images/smilies/frown.gif كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه ناراً . فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شراك أو شراكان من نار).

بعض فقه وحكم ودروس غزوة خيبر :

1- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلول : وأن من يموت وهو غال يدخل النار. وقد جاء ذلك في خبر الرجل الذي قال عنه الصحابة إنه شهيد ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (كلا ! إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة …) وخبر مدعم مع الشملة.

2- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية.

3- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم البغال.

4- النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مخلب من الطير.

5- النهي عن وطء الحبالي من السبايا حتى يضعن.

6- النهي عن ركوب الجلالة والنهي عن أكل لحمها وشرب لبنها.

7- النهي عن النهبة من الغنيمة قبل قسمتها.

8- وأجرى الله على نبيه بعض المعجزات دليلاً على نبوته وعبرة لمن يعتبر ، فإضافة إلى ما ذكرنا من قصة بصقه على عيني علي فصحتا ، وإخبار ذراع الشاة المسمومة إياه بأنها مسمومة ، فقد ثبت أنه نفت ثلاث نفثات في موضع ضربة أصابت ركبة سلمة بن الأكوع يوم خيبر ، فما اشتكى بعدها.

9- وفي خبر الإسهام لأهل السفينة أنه إذا لحق مدد الجيش بعد انقضاء الحرب ، فلا سهم لهم إلا بإذن الجيش ورضاه.

10- جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من تمر أو زروع ، كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ذلك ، وهو من باب المشاركة ، وهو نظير المضاربة ، فمن أباح المضاربة ، وحرم ذلك ، فقد فرق بين متماثلين.

11- عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من مالهم.

12- خرص الثمار على رؤوس النخيل وقسمتها كذلك ، وأن القسمة ليست بيعاً ، والاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد.

13- جواز عقد المهادنة عقداً جائزاً للإمام فسخه متى شاء.

14- جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط ، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ألا يغيبوا ولا يكتموا ، كما في قصة مسك حيي.

15- الأخذ في الأحكام بالقرائن والإمارات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة : (المال كثير والعهد قريب) ، فاستدل بذلك على كذبه في قوله : (أذهبته الحروب والنفقة).

16- جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغنى عنهم ، وقد أجلاهم عمر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

17- لم يكن عدم أخذ الجزية من يهود خيبر لأنهم ليسوا أهل ذمة ، بل لأنها لم تكن نزل فرضها بعد.

18- سريان نقض العهد في حق النساء والذرية ، وجعل حكم الساكت والمقر حكم الناقض والمحارب كما في حالة كنانة وابني ابن الحقيق ، على أن يكون الناقضون طائفة لهم شوكة ومنعة ، أم إذا كان الناقض واحداً من طائفة لم يوافقه بقيتهم ، فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده.

19- جواز عتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره ، ولا لفظ نكاح ولا تزويج ، كما فعل صلى الله عليه وسلم بصفية.

20- جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين والمشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك بالكذب.

21- إن من قتل غيره بسم يقتل مثله قصاصاً ، كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء.

22- جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم وقبول هديتهم ، كما في حادثة الشاة المسمومة.

23- الإمام مخير في الأرض التي تفتح عنوة إن شاء قسمها وإن شاء وقفها وإن شاء قسم البعض ووقف البعض الآخر ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة ، فقسم قريظة والنضير ، ولم يقسم مكة ، وقسم شطراً من خيبر وترك شطرها الآخر.


AbduLraHmN 08-09-09 12:26 PM

فتح دمشق



قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة .


AbduLraHmN 08-09-09 12:29 PM

فتـح الديبل والسند



في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي

حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .

فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم .

فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره .

واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .

ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .

وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .

ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .

وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .

ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .

ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .

ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .

وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .

ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .

وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .

لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .

AbduLraHmN 09-09-09 06:26 AM


حصار فيينا




http://upload.wikimedia.org/wikipedi...attle_1683.jpg
معركة فيينا في 12 ايلول / سبتمبر ، 1683


معركة فيينا وقعت في 12 ايلول / سبتمبر ، 1683 وبعد محاصره الإمبراطورية العثمانيةفيينا لمدة شهرين. كسرت المعركه اسبقية الامبراطوريه العثمانيه في أوروبا ، وايذانا الهيمنة السياسية من سلالة عائلة هابسبورغ النمساوية (تشمل أيضا بوهيميا و المجر) في وسط أوروبا.
مثلت معركة فيينا بداية النهاية لسيطرة الإمبراطورية العثمانية و توسعاتها في جنوب الشرق الأوروبي. فاز بالمعركه القوات البولنديه - الالمانيه - النمساويه بقيادة ملك بولندايوحنا الثالث سوبياسكي ضد جيش الامبراطوريه العثمانيه بقيادة الصدر الأعظم (الوزير) قرة مصطفى قائد القوات العثمانية .




العثمانيين و فيينا

احتلال فيينا كان حلماً طالما راود سلاطين العثمانيين لما تمثله من أهمية استراتيجية للسيطرة على خطوط التجارة والمواصلات في القلب الأوروبي و أعقبت معركة فيينا الحصار الثاني الذي شهدته فيينا من قِبل الأتراك. كان العثمانيون في كل مرة يكتفون بالعودة من أسوار فيينا غانمين الأموال وربما أجزاء جديدة من أوروبا الشرقية أو الوسطى بموجب اتفاقات مع الإمبراطورية النمساوية .


الحصار الأول كان في زمان سليمان القانوني قبلها بقرن ونصف والذي توغل في أوروبا بعدما انتصر على المجريين في معركة موهاج الرهيبة. يذكر المؤرخون أن المعركة هي من أمثلة حروب الإبادة النموذجية. دخلت جيوش القانوني عاصمة المجر بودابست في الحادي عشر من سبتمبر 1526 لتجعل من (مجرستان) ولاية عثمانية أخرى وتكرس السيطرة المطلقة للعثمانيين في وسط وشرق أوروبا. إلى أن كانت معركة فيينا في نفس اليوم بالضبط بعدها بـ 157 سنة.



الثورة البوهيمية

في عام 1618 اندلعت الثورة البوهيمية ضد إمبراطورية الهابسبورج و التي عرفت بحرب الثلاثين عاماً لأنها دامت إلى عام 1648 و انتهت بمعاهدة فيستفال في عهد فرديناند الثالث .
في عام 1683 حاصر الأتراك فيينا للمرة الثانية ولكن استطاع جراف شتارهمبرج في معركة عند جبل الكالينبرج رد الأتراك . وفي عام 1686 استردوا بودابست من الدولة العثمانية بعد 145 عام من السيطرة العثمانية على بودابست



المعركة

الحصار نفسه بدأ في 14 تموز / يولية 1683 دون أن يعلم السلطان محمد الرابع بتوجيه حملته إلى فيينا، وأبلغه بذلك الأمر مصطفى باشا بعد بدء الحصار بستة أيام، جيش الامبراطوريه العثمانيه ما يقرب من 138000 من الرجال (رغم ان عددا كبيرا منهم لم يشترك في المعركه ، حيث لم تتجاوز 50000 وشهدت الجنود (الاتراك) ، وكان الباقي من القوات الداعمة) ، . المعركه الحاسمه وقعت في 12 ايلول / سبتمبر 1683 .

القوات المتحدة البولنديه - الالمانيه - النمساويه من الجيش وصلت إلى 70000 رجل .
  1. 30000 - رجل القوات البولنديه (ولم يشارك الليتوانيين في المعركه) ،
  2. 18,500 القوات النمساويه بقيادة شارل الخامس ، دوق اللورين ،
  3. 19,000 ، مواطن من سوابيا البافاري والقوات التي يقودها الأمير جورج فريدريك من Waldeck ،
  4. 9,000 جندي بقيادة جون جورج الثالث ، للناخب في سكسونيا.
بدأت الحملة الأخيرة نحو فيينا عام 1663 عندما تقدم جيش كبير، يبلغ نحو مائة وعشرين ألف جندي، ومزود بالمدافع والذخائر المحملة على ستين ألف جمل وعشرة آلاف بغل، ودخل (سلوفاكيا) ضاربًا كل الاستحكامات العسكرية التي كانت في طريقه، متجهًا إلى قلعة (نوهزل)، وهي تقع شمال غرب (بودابست)، على الشرق من (فيينا) بنحو 110كم، ومن (براتسلافيا) بنحو 80كم، وقد حصّنها الألمان، وجعلوها فائقة الاستحكام لكي تصبح أقوى قلاع أوروبا، وبدأ الجيش العثماني في حصارها في 17 من أغسطس 1663 واستمر حصار العثمانيين للقلعة 37 يومًا؛ ما اضطر قائد حامية القلعة إلى طلب الاستسلام، ووافق الصدر الأعظم على ذلك؛ بشرط جلاء الحامية عن القلعة بغير سلاح ولا ذخائر.





مجلس الحرب



جمع الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا مجلس الحرب في جيشه وأعلن أنه سيستولي على فيينا، وأنه سيملي شروطه على ألمانيا في هذه المدينة العنيدة (فيينا)؛ لأن الاستيلاء على "يانق قلعة" المدينة التي تعتبر مفتاح فيينا وتقع على بعد 80 كم شرقي فيينا على الضفة الغربية لنهر راب، لا يمكن أن يخضع ألمانيا ويجعلها تكف يدها عن شئون المجر.
أثار قرار قرة مصطفى باشا حيرة الوزراء وجدلهم، واعترض عليه الوزير إبراهيم باشا الذي أكد أن رغبة السلطان هي الاستيلاء على "يانق قلعة" ومناوشة أوروبا الوسطى بواسطة كتائب الصاعقة العثمانية، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، فأجابه قرة مصطفى باشا بأنه من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة، وهذا الأمر يقتضي إنزال ضربة قوية قاضية بالألمان، وإلا فإن الحرب ستطول معهم، خاصة أن ألمانيا عقدت صلحا مع فرنسا، وأصبحت آمنة من الجانب الغربي، وأن الإمبراطور "ليوبولد" اتفق مع الملك البولوني "سوبياسكي" على استعادة منطقة بادوليا، وأن البندقية لا بد أن تكون ضمن هذا الاتفاق، وبالتالي ستنضم روسيا وبقية الدول الأوروبية لهذا التحالف المسيحي إلى جانب ألمانيا، وهذا يقتضي كسره وتحطيم هذا التحالف الوليد في ذلك العام وإلا فإن الحرب ستطول إلى أجل غير معلوم.

باتت (فيينا) عاصمة النمسا مهددة بالسقوط في أيدي المسلمين؛ ما دعا إمبراطور النمسا إلى طلب وساطة البابا (إسكندر الرابع) لدى (لويس الرابع عشر) ، ملك فرنسا بقصد مساعدته، وكانت فرنسا أكبر أعداء إمبراطور النمسا؛ فأرسل له ملك فرنسا فرقة ممتازة مؤلفة من 5000 جندي. غير أن العثمانيين واصلوا تقدمهم ودارت بينهما عدة معارك. انتهت بتوقيع معاهدة صلح بين الدولتين، كان من أهم بنودها أن تدفع النمسا للعثمانيين غرامات حرب رمزية، قدرها 200000 سكة ذهبية، وأن تبقى كافة القلاع التي فتحتها الجيوش العثمانية تحت سيادتهم.

عندما التأمت الجيوش الأوروبية ترك دوق لورين القيادة العامة لملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي واكتملت استعداداتهم يوم الجمعة الموافق 11 سبتمبر بعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس أمامه إلا أيام قليلة؛ لذلك أقدم الأوروبيون على عبور جسر "الدونة" الذي يسيطر عليه العثمانيون بالقوة مهما كلفهم من خسائر، حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا دون عبور هذا الجسر. وكان مصطفى باشا قد كلف "مراد كيراي" حاكم القرم في الجيش بمهمة حراسة الجسر، ونسفه عند الضرورة وعدم السماح للأوروبيين بعبوره مهما كانت الأمور، وقد كان مصطفى باشا يكره مراد كيراي، ويعامله معاملة سيئة، أما مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيسقطه من السلطة ومن منصب الصدارة، ولم يخطر ببال هذا القائد الخائن أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستغير مجرى التاريخ العالمي، لذلك قرر مراد أن يظل متفرجا على عبور القوات الأوروبية جسر الدونة، ليفكوا الحصار المفروض على فيينا، دون أن يحرك ساكنا، يضاف إلى ذلك أن هناك وزراء وبكوات في الجيش العثماني كانوا لا يرغبون في أن يكون قرة مصطفى باشا هو فاتح فيينا التي فشل أمامها السلطان سليمان القانوني.

المعركة الفاصلة

في يوم السبت 12 سبتمبر 1683م تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم جسر الدونة دون أن تُسكب منهم قطرة دم واحدة، إلا أن هذا الأمر جعلهم على حذر شديد، أما العثمانيون فكانوا في حالة من السأم لعدم تمكنهم من فتح فيينا، وحالة من الذهول لرؤيتهم الأوروبيين أمامهم بعد عبور جسر الدونة، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من شرب الخمر ومعاشرة النساء، وانشغال بعض فرق الجيش بحماية غنائمها وليس القتال لتحقيق النصر، وتوترت العلاقة بين الصدر الأعظم وبعض وبعض قواد جيشه وظهرت نتائج ذلك مع بداية المعركة.

شن مصطفى باشا هجوما مضادا ، مع معظم قواته ، و اجزاء من النخبه الانكشاريه لغزو المدينة. كان القواد الترك ينوون احتلال فيينا قبل وصول يوحنا الثالث سوبياسكي ولكن الوقت نفد. اعد المهندسون العسكريون تفجير آخر كبير ونهائي لتوفير امكانيه الوصول إلى المدينة. بينما انهى الأتراك على عجل عملهم و اغلاق النفق لجعل الانفجار أكثر فعالية ، اكتشف النمساويين الكهف في فترة ما بعد الظهر. احدهم دخل النفق وابطل مفعولها في الوقت المناسب تماما.

في ذلك الوقت ، في ساحة المعركه ،بدأت المشاة البولنديه الهجوم على الجهة اليمنى جيش الامبراطوريه العثمانيه وبدلا من التركيز على المعركه مع الجيش الاغاثه ، حاولت قوة الأتراك احتلال المدينة.

كان الجيش العثماني متعبا ومتشائم بعد فشل كل محاولة استنزاف القوة الغاشمه واعتداء من المدينة ، و وصول للسلاح الفرسان حول مجرى المعركه ضدهم ، وارسالهم إلى التراجع إلى الجنوب والشرق. في اقل من ثلاث ساعات بعد هجوم سلاح الفرسان ، كسبت القوى المسيحيه المعركه وانقذت فيينا من الاحتلال . وبعد المعركه ،اقتبس يوحنا الثالث سوبياسكي واعاد صياغه يوليوس قيصر الشهيرة بالقول" veni ، vidi ، الآلة vicit "--" أتيت ، رأيت ، غزاها الله " .

أهمية نتائج المعركة

المعركه نقطة تحول في كفاح 300 سنة بين القوات من أوروبا الوسطى وممالك الامبراطوريه العثمانيه.وبعد المعركه على مدى ستة عشر عاما تمكنت سلالة عائلة هابسبورغ النمساوية تدريجيا إلى حد كبير اخلائ القوات التركية من الاراضى الجنوبيه والمجر وترانسيلفانيا .
قُتل من العثمانيين حوالي 15000 رجل في القتال وقُتل من الأوروبيين ما يقرب من 4000 ووضع مصطفى باشا خطة موفقة للانسحاب حتى لا يضاعف خسائره، وأخذ الجيش العثماني معه أثناء الانسحاب 81 ألف أسير, وعلى الرغم من هزيمة القوات التركية الكاملة فقد وجدت الوقت لذبح جميع السجناء النمساويه ، فيما عدا تلك القله من طبقة النبلاء التي اخذوا معهم للافتداء. وانتهى الحصار الذي استمر 59 يوما.
فقدت الدولة العثمانية بهزيمتها أمام فيينا ديناميكية الهجوم والتوسع في أوروبا، وكانت الهزيمة نقطة توقف في تاريخ الدولة. تحرك جيش التحالف المسيحي لاقتطاع بعض الأجزاء من الأملاك العثمانية في أوروبا، ووقعت معركة "جكردلن" بين أحد القادة العثمانيين وقواته البالغة 30 ألف مقاتل وبين ملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي وقواته البالغة 60 ألف مقاتل، وانتهت بتراجع سوبياسكي، وتوالت المعارك العثمانية في أوروبا، وفقدت الدولة بعض مراكزها الهامة بسبب هزيمتها أمام فيينا التي كانت هزيمة من النوع الثقيل تاريخيا أكثر منه عسك

AbduLraHmN 09-09-09 06:36 AM


معركه مكه ( فتح مكه)



http://gracefultt.jeeran.com/kaba.jpg

بعد صلح الحديبية انضمت قبيلة بكر لقريش وانضمام قبيلة خزاعة لحلف المسلمين .
وكان بين بني بكرٍ وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء ، وذات يومٍ تعرضت قبيلة خزاعة لعدوانٍ من قبيلة بكر الموالية لقريش ، وقتلوا منهم نحو عشرين رجلاً . ودخلت خزاعة الحرم للنجاة بنفسها ، ولكن بني بكرٍ لاحقوهم وقتلوا منهم في الحرم . فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم بعدوان قبيلة بكرٍ عليهم ، وأنشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعراً :
يا رب إني نـاشد محمداً حلف أبـينا وأبيه الأتلدا
إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مدداً
فقال له رسول الله عليه وسلم : " نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه " . ودعا الله قائلاً " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".
وندمت قريش على مساعدتها لبني بكرٍ ، ونقضها للعهد ، فأرسلت أبا سفيانٍ إلى المدينة ليصلح ما فسد من العهد ، ولكنه عاد خائباً إلى مكة .
...
وأخذ رسول الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج إلى مكة . فحضرت جموعٌ كبيرة من القبائل .
ولكن حدث شيءٌ لم يكن متوقعاً من صحابي . وهو أن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كتب كتاباً بعث به إلى قريشٍ مع امرأة ، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله عليه وسلم ، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ . فإذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب ، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة . وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة ، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها .
فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه ، ولكنه خاف إن فشل رسول الله عليه وسلم على أهله والذين يعيشون في مكة .
فقال عمر : " يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق " . فقال رسول الله عليه وسلم:
" إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
...
وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر . فعفا عنه ، وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله عليه وسلم إلى مكة في منتصف رمضان من السنة الثامنة للهجرة . وبلغ عددهم نحو عشرة آلاف مقاتل . ووصلوا " مر الظهران " قريباً من مكة ، فنصبوا خيامهم ، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار . فأضاء الوادي .
...
وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان . فأخذه العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك
أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ " .
فقال العباس : " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ "
فقال : " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .
وبعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام . وقال العباس : " إن أبا سفيانٍ يحب الفخر فاجعل له شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار أبي سفيانٍ فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن " .
...
وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يري أبا سفيانٍ قوة المسلمين ، فحبسه عند مضيق الجبل . ومرت القبائل على راياتها ، ثم مر رسول الله صلى عليه وسلم في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان : ما لأحدٍ بهؤلاء من قبل ولا طاقة .
ثم رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة ، ونادى بأعلى صوته : " يا معشر قريش ، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به . فمن دخل داري فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد . وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين ، وقد دخل مرفوع الجباه . ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة .
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله تعالى : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))
واستسلمت مكة ، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء : الله أكبر .. الله أكبر .
...
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرم ، وطاف بالكعبة ، وأمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها . وكان يشير إليها وهو يقول : (( و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ))
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : " خيراً . أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم " . فقال عليه الصلاة والسلام : " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فما أجمل العفو عند المقدرة ، وما أحلى التسامح والبعد عن الانتقام . ولننظر ما فعل الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا ، قرن الحضارة كما يقولون ، لنعلم الفرق ما بين الإسلام والكفر .
...
وهكذا ارتفعت راية الإسلام في مكة وما حولها ، وراح الناس ينعمون بتوحيد الله .
ازداد عدد المسلمون بعد معركه ( فتح مكه) وتوسع الاسلام وجيش المسلمين من مكه الى القدس ثم سوريا وايرلن والعراق ومصر في اقل من عقد من الزمن استمر زحف جيوش الاسلام بعدها الى أوروبا
لم يكن ليحصل تطور الاسلام ووصوله الى وضعه الحالي كأكبر دين وقوه سياسيه بالعالم بدون توفيق الله عزوجل وفتح الرسول عليه الصلاه والسلام للمدينه لن انسى بالطبع معكره بدر واحد وقد التي مهدت الطريق ل فتح مكه الذي جعل الاسلام ينتشر بكافه أرجاء الأرض
وهذا يجعلها من أهم المعارك التي أثرت بالعـــــالم وبرأيي هي أهم معركه لانها اساس كل شئ فالرسول قضى فيها على كل معالم الوثنيه والجهل والفساد ونشر فيها اخر دين على وجهه الأرض الاسلام


AbduLraHmN 09-09-09 06:38 AM


معــركه التل




http://gracefultt.jeeran.com/01.jpg



استجاب الخديوي لمطالب الأمة، وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة، وعهد إلى شريف باشا بتشكيل الوزارة، وكان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية والاستقامة، فألف وزارته في (19 شوال 1298 هـ = 14 سبتمبر 1881م)، وسعى لوضع دستور للبلاد، ونجح في الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا وفرنسا في شئون البلاد، وتأزمت الأمور، وتقدم "شريف باشا" باستقالته في (2 من ربيع الآخر 1299 هـ = 2 فبراير 1882 م).
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب "وزير الجهادية" (الدفاع)، وقوبلت وزارة "البارودي" بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لأنها كانت تحقيقًا لرغبة الأمة، ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوي به في (18 ربيع الأول 1299 هـ = 7 فبراير 1882 م).
...
غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوي ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه من عقلاء الطرفين، فاشتدت الأزمة، وتعقد الحل، ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديوي ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد، فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار.
ولم يكد يحضر الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى مياه الإسكندرية حتى أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد والبلاغات الرسمية، ثم تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة مشتركة في (7 رجب 1299 هـ = 25 مايو 1882 م) يطلبان فيها استقالة الوزارة، وإبعاد عرابي وزير الجهادية عن القطر المصري مؤقتًا مع احتفاظه برتبه ومرتباته، وإقامة "علي باشا فهمي" و"عبد العال باشا حلمي" –وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش- في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما.
وكان رد وزارة البارودي رفض هذه المذكرة باعتبارها تدخلا مهينًا في شئون البلاد الداخلية، وطلبت من الخديوي توفيق التضامن معها في الرفض؛ إلا أنه أعلن قبوله لمطالب الدولتين، وإزاء هذا الموقف قدم البارودي استقالته من الوزارة، فقبلها الخديوي.
...
غير أن عرابي بقي في منصبه بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابي ناظرًا للجهادية، فاضطر الخديوي إلى إبقائه في منصبه، وتكليفه بحفظ الأمن في البلاد، غير أن الأمور في البلاد ازدادت سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية في (24 رجب 1299 هـ = 11 يونيو 1882م)، وكان سببها قيام مكاري (مرافق لحمار نقل) من مالطة من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين، فشب نزاع تطور إلى قتال سقط خلاله العشرات من الطرفين قتلى وجرحى.
..
وعقب الحادث تشكلت وزارة جديدة ترأسها "إسماعيل راغب"، وشغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية، وقامت الوزارة بتهدئة النفوس، وعملت على استتباب الأمن في الإسكندرية، وتشكيل لجنة للبحث في أسباب المذبحة، ومعاقبة المسئولين عنها.
...
في 13 سبتمبر 1882 (الموافق 29 شوال 1299هـ) الساعة 1:30 صباحا واستغرقت أقل من 30 دقيقة. الإنجليز فاجأوا القوات المصرية المتمركزة في مواقعها منذ أيام والتي كانت نائمة وقت الهجوم. والقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري (حسب اعترافه أثناء رحلة نفيه إلى سيلان) ( عقب المعركة قال الجنرال جارنت ولسلي قائد القوات البريطانية أن معركة التل الكبير كانت مثال نموذجي لمناورة تم التخطيط الجيد لها مسبقا في لندن و كان التنفيذ مطابقا تماما كما لو كان الأمر كله لعبة حرب Kriegspiel . إلا أنه أردف أن المصريون "أبلوا بلاءاً حسناً" كما تشي خسائر الجيش البريطاني.
...
واصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم ثم استقلت القطار (سكك حديد مصر) إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بالقلعة عصـر نفس اليوم. و كان ذلك بداية الإحتلال البريطاني لمصر الذي دام 75 تقريبا
حققت برطانيا السيطره على مصر لاكثر من 75 عاما مما وفر لهم السيطره على السويس وما ان اخذت الامبراطوريه البريطانيه بالضعف كما من قبلعا العثمانيه نشبت ثوره مصريه أخرى قادها هذه المره جمال عبد الناصر لتنهي السيطره البريطانية على البلاد 1956

AbduLraHmN 09-09-09 06:40 AM

احتلال فلسطين ( معركه القسطل )


ان اول من استوطن فلسطين منذ اكثر من اربعة الاف سنة هم العموريون ، ثم جاء بعد ذلك اليبوسيون ، وقد جاء هؤلاء جميعا من بلاد العرب ، وفي حوالي سنة 3500 قبل الميلاد جاء الكنعانيون ، وهم قبيلة عربية كانت قد نزحت الى فلسطين من شبه جزيرة العرب ايضا ، وقد عرفت فلسطين في ذلك العهد بارض كنعان ,, وعلى نحو ما ورد في العهد القديم ، اشتهر العرب الكنعانيون بانهم بناة الحضارة في فلسطين إثر بنائهم عدة مدن معروفة مثل القدس ونابلس واريحا وبيسان وعكا ويافا ، وفي سنة 2000 قبل الميلاد هاجر من العراق التي كانت تسمى " أور " العبرانيون بقيادة النبي ابراهيم عليه السلام واقاموا في فلسطين وبسبب حدوث مجاعة فيها هاجروا الى مصر وهناك استعبدهم الفراعنة ، وفي حوالي عام 1300 قبل الميلاد نزحت الى فلسطين قبيلة اخرى تدعى " باليست " قادمة من جزر بحر ايجه التي تشكل جزيرة كريت جزءا منها ،، ولم يمض وقت طويل حتى ذاب هؤلاء في الحضارة الكنعانية وتحدثوا العربية التي صارت فيما بعد لغتهم الاصلية ، وبسبب هؤلاء النازحين الجدد اصبحت ارض كنعان تعرف بفلسطين .
ظل اليهود مشردين ومطهدين في مصر الى ان انقذهم النبي موسى عليه السلام وعاد بهم الى ارض كنعان عن طريق الجنوب الشرقي في زمن رمسيس الثاني الموافق سنة 1250 أو زمن ابنه منفتاح سنة 1225 قبل الميلاد.
...
اذا سلمنا بنص التوراة نجد ان قائد اليهود الذي فتح فلسطين كان يشوع بن نون ، وقد عبر بجيشه واحتل بقسوة مدينة " اريحا " من الكنعانيين ، وقد انقسم اليهود بعد ذلك الى مملكتين ، مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة" نابلس " وقد دامت 250 سنة ، ثم سقطت في يد شلمناصر ملك اشور سنة 722 قبل الميلاد وعلى اثر ذلك سبي شعبها الى مملكته ، ثم كانت مملكة يهوذا وعاصمتها اورشليم " القدس " وقد دامت هذه المملكة 130 سنة بعد انقراض مملكة اسرائيل ، ثم ابيدت هي ايضا على " يد نبوخذنصر " ملك بابل الذي سبى شعبها ايضا سنة 580 قبل الميلاد .
..
رجع اليهود من السبي الى فلسطين بامر قورش ملك الفرس ، ثم تلا ذلك الفتح اليوناني بقيادة الاسكندر المقدوني سنة 332 قبل الميلاد الذي دام حكم امبراطوريته في فلسطين مدة 272 سنة ، وجاء بعد ذلك الرومان سنة 63 قبل الميلاد بقيادة بومبي ، ودام حكم الرومان في فلسطين مدة 700 سنة متواصلة ، وفي سنة 637 ميلادية فتح العرب المسلمين فلسطين ، ودام حكمهم 880 سنة متواصلة ، ثم انتقل الحكم في فلسطين بعد ذلك الى الاتراك " العثمانيين " سنة 1517 ميلادية في زمن السلطان سليم الاول ، وقد ظلت فلسطين حوزة الخلافة الاسلامية العثمانية مدة 400 سنة
..
بعد الحرب العالمية الأولى، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني سنة 1922. وكانت بريطانيا قد أصدرت سنة 1917 وعد بلفور القاضي بمنح أرض من فلسطين لليهود من أجل إنشاء وطن لهم.
شهدت السنوات الأخيرة من فترة الانتداب البريطاني تنامي هجرة اليهود من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين، في حين برزت حركات مقاومة فلسطينية كان من أعلامها عبد القادر الحسيني وعز الدين القسام وآخرون. وقد تعرض الفلسطينيون في نفس الفترة لإرهاب صهيوني منظم قادته حركات شبه عسكرية، كانت هي النواة الأولى للجيش الإسرائيلى فيما بعد، من بينها الأرغون والهاكانا وشتيرن.
في سنة 1947، رفعت المسألة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة التي أصدرت في 29 نونبر قرارا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وفلسطينية. رفض العرب هذا القرار في حين قبله اليهود الذين أعلنوا قيام دولتهم غداة انسحاب بريطانيا في ماي من سنة 1948. ثم ما لبث أن اندلعت حرب خسرها العرب، مما شجع اليهود على التوسع واحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية.
سرعان ما نالت الدولة الإسرائيلية الناشئة اعتراف القوى العظمى والأمم المتحدة. وكان من تداعيات هذه الأحداث بروز مشكل اللاجئين الفلسطينين الذي لايزال قائما حتى اليوم.
...
ان تاريخ فلسطين ببساطة يبرهن على ان العرب هم اول سكانها ، وقد حكموها وحدهم ومع الاتراك الاسلاميين الفا وثلاثمائة سنة متواصلة ، واما اليهود فم تتجاوز مدة حكمهم المتقطع لفلسطين لاكثر من 380 سنة ، ومنذ 332 قبل الميلاد لم يكن لليهود في فلسطين اي وجود ملموس او حكم ، ولما دخل البريطانيون فلسطين سنة 1918 ميلادية لم يكن عدد اليهود يزيد عن الثمانين الفا ، واما دعواهم التاريخية فهي مغالطة ، لان احتلال بلد ما ثم الخروج منه لا يخول اي شعب ادعاء ملكية تلك البلاد او المطالبة بذلك

AbduLraHmN 09-09-09 06:44 AM

احتلال الجزائر الاسباب والعبر



كانت القوة الجزائرية المتنامية في حوض البحر الأبيض المتوسط وراء تكتل القوى الأوربية ضدها ، وبالتالي أصبحت هدفا في السياسة الأوربية لا بد من القضاء عليها . مما أدى بالدول الأوربية الى عرض القضية الجزائرية في مؤتمراتها، فبعد أن تم الإشارة إليها في مؤتمر فيينا تم عرضها بشكل واضح في مؤتمر إكس لاشابيل 1818 ، وكان موقع الجزائر أنذاك يسيل لعاب الأوربيين ، مما خلق بينهم تنافسا في من ستكون من نصيبه ، وكانت فرنسا سباقة في إحتلال الجزائر بعد تحطيم الأسطول الجزائري في معركة نافارين 1827

2- العلاقات الجزائرية الفرنسية قبل الاحتلال

ظهرت الدولة الجزائرية الحديثة مع بداية القرن السا د س عشر, وخلال القرن السابع عشر بدأت الجزائر تنفصل عن الدولة العثمانية إلى أن استقلت عنها تماما وأصبح حاكمها يعين عن طريق الانتخابات وقد استطاعت البحرية الجزائرية أن توصل نفوذها إلى الناحية الغربية من حوض البحر الأبيض المتوسط التي فرضت سيادة الدولة الجزائرية على كل الدول الأوروبية المطلة على البحار خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث فرضت عليهم الضرائب و الرسوم لمجرد عبور سفنهم في البحر المتوسط مما دفع بالعديد منها إلى السعي في عقد معاهدات واتفاقيات مع الجزائر وفي عام 1561 ظهرت العلاقات الجزائرية الفرنسية على هذا الأساس وقد تدعمت أثناء الثورة الفرنسية عام1789 عندما قامت الأنظمة الأوروبية بمحاصرة حكومة الثورة الفرنسية التي لم تجد أية مساعدة إلا من طرف الدولة الجزائرية التي وافق حاكمها على تقديم مساعدة لها وتمثلت في قروض بدون أرباح وتموينها بالقمح الجزائري حتى لا تصاب فرنسا بالمجاعة ولكن تنكرت لهذا الجميل وتمردت على الجزائر برفضها دفع ديونها وهذا ما نتج عنه أزمة كبيرة بين الدولتين انتهت بحادثة المروحة ثم الحصار البحري وأخيرا الاحتلال الفعلي.

3- أسباب الاحتلال

الأسباب السياسية :
كانت أولى هذه الأسباب المطالب الإقليمية التي كانت فرنسا تريد الحصول عليها ومن أبرزها حصن القالة الذي حاولت فرنسا أن تجعل منه قاعدة خلفية لها .يضاف إلى ذلك أطماع ملوك فرنسا في الجزائر بداية من لويس الرابع عشر إلى نابليون بونابرت الذي أصر على احتلال الجزائر للقضاء على التواجد الإنكليزي في حوض المتوسط وقد أقسم في عام 1802 ، أنه سيحتل الجزائر ويخربها ويذل أهلها ليوفر الأمن لسفنه في حوض البحر المتوسط ولهذا الغرض كلف الضابط بوتان عام 1808 للتجسس على الجزائر ووضع مشروع الاحتلال لكن نابليون فشل في تحقيق مشروعه هذا ،بسبب تفاقم مشاكله في القارة الأوروبية وانهزامه أمام الدول الأوروبية المتحالفة في معركة واترلو عام 1814 ولكن أسٍرة آل بربون الملكية التي تولت أمور فرنسا بعد مؤتمر فيينا عام 1815 أحيت بدورها مشروع الاحتلال في إطار أطماعها السياسية على عهد الملك شارل العاشر الذي تولى حكم فرنسا عام 1824 , وكان يرى أن الفرصة سانحة للقيام بحملة عسكرية على الجزائر تمكنه من القضاء على معارضيه السياسيين وامتصاص غضب الشعب الفرنسي وكذلك قطع الطريق على بريطانيا في المنطقة المتوسطية.زيادة على تذرعها بحادثة المروحة التي اعتبرتها إهانة سياسية لها .
الأسباب الدينية :
شعرت فرنسا بأنها حامية الكاثوليكية و أن تحقيق الانتصار على حساب الجزائر، هو بمثابة انتصار للمسيحية على الدين الإسلامي. وهذا ما استخلصناه من قول القائد الفرنسي كليرمون دي طونير عندما فرض حصارا على السواحل الجزائرية قال ما يلي: "لقد أرادت العناية الإلهية أن تثار حمية جلالتكم (الملك) بشدة في شخص قنصلكم على يد ألد أعداء المسيحية. وربما يساعدنا الحظ بهذه المناسبة لننشر المدنية بين السكان الأصليين وندخلهم في النصرانية " . وأيضا الوصف الذي قدمه قائد الحملة الفرنسية دوبرمون في الإحتفال الذي أقيم في فناء القصبة بمناسبة الإنتصار حيث جاء فيه : "مولاي، لقد فتحت بهذا العمل (الغزو) بابـا للمسيحية على شاطئ إفريقيا، و رجاؤنا أن يكون هذا العمل بداية لازدهار الحضارة التي اندثرت في تلك البلاد ".
تلك كانت الأسباب الدينية للحملة الفرنسية على الجزائر، وعلى هذا الأساس اتفق المؤرخون على أن فرنسا كانت قد بيتت العزم على احتلال الجزائر، و رسمت الخطط ودبرت المؤامرات واتخذت العدة ثم تصيدت الذرائع الواهية.
الأسباب الاقتصادية:
كانت فرنسا تسعى لأن تكون أرض الجزائر من نصيبها كمستعمرة نظرا لغناها بالمواد الأولية حتى تتمكن من دفع عجلة اقتصادها الذي هو بحاجة ماسة لنموه وتنشيطه إلى جانب توفير الأموال الطائلة وتصدير منتوجاتها التي تكدست دون أن تجد لها أسواقا لتصديرها ,وقد قال الجنرال بيجو أبو الاستيطان في الجزائر مايلي : ستطلب الجزائر ولمدة أطول المنتجات الصناعية من فرنسا بينما تستطيع الجزائر تزويد فرنسا بكميات هائلة من المواد الأولية اللازمة للصناعة...
ومن جهة أخرى رأت البرجوازية الفرنسية الطامعة أن احتلال الجزائر سيجلب إليها أرباحا طائلة باعتبارها سوقا رائجة لبضائعها وموردا هاما للمواد الخام إلى جانب جلب الأيدي العاملة الرخيصة , وكذلك توطين الفائض من سكان أوروبا وفرنسا الذين كانوا يوجهون إلى تطوير الزراعة لأن أرض الجزائر أرضا خصبة وقادرة على إعطاء

4- الحملة العسكرية ضد الجزائر

في 16 جوان 1827 أعلنت فرنسا الحرب على الجزائر ,لأن حاكم الجزائر الداي حسين رفض تقديم الاعتذار للحكومة الفرنسية خاصة وأن الأسطول الجزائري حامي حمى الجزائر والمسلمين في حوض البحر المتوسط قد تحطم في معركة نافارين في شبه جزيرة المورة باليونان عام 1827 .وكان عدد القوات العسكرية التي أرسلتها فرنسا لاحتلال الجزائر على النحو التالي:-
36 ألف من قوات المشاة وأربعة آلاف من الخيالة إلى جانب البواخر المحملة بالمؤونة وكذلك سلاح المدفعية والعتاد الحربي الضروري للحملة التي كانت بقيادة الكونت دي بورمون, كما أن هذا الجيش شارك سابقا في أغلبية الحروب التي خاضها نابليون في القارة الأوروبية مما أكسبه خبرة وتجربة في الميدان العسكري ,وقد انطلقت الحملة العسكرية من ميناء تولون مرورا بالجزر الإسبانية في البحر المتوسط إلى غاية خليج سيدي فرج ,وكان الداي حسين باشا على علم بتحرك الحملة عن طريق جواسيسه إلى أن وصلت إلى الجزائر ,وقد تم إحصاء 1870 مدفع في سفن الأسطول الفرنسي .
5- فشل المقاومة الرسمية في مواجهة القوات الفرنسية

كانت الاستعدادات الجزائرية لمواجهة الحملة العسكرية ضعيفة جدا لكونها كانت تتشكل من المتطوعين من فرسان ومشاة ليست لهم الخبرة الكافية لمواجهة قوات الاحتلال ولم تتجاوز الثلاثون ألف مجند منهم تسعة آلاف فارس ,وكان سلاح المدفعية شبه معدوم عكس الفرنسيين ,وفي 14 جوان عام1830 عندما وصلت الجيوش الفرنسية إلى السواحل الجزائرية حاولت القوة الجزائرية التصدي لها ومنعها من النزول برا على شاطىء سيدي فرج وكان على رأس هذه القوة صهر الداي حسين المسمى إبراهيم آغا الذي لم يكن صاحب خبرة عسكرية عكس القائد السابق يحي آغا المعزول ,هذا الجهل بالقضايا العسكرية كان وراء وضعه لخطة ضعيفة في 18 جوان 1830 تمثلت في القيام بهجوم على جناحي العدو ومواجهته الند للند ويكون ذلك بعد تجميع القوة الجزائرية في هضبة اسطوالي غرب العاصمة ,كما تقدم الحاج أحمد باي حاكم قسنطينة وهو رجل سياسي وعسكري بخطة عسكرية تقضي بعدم إعطاء فرصة لقوات العدو للنزول برا ويجب ضربها والقضاء على مؤخرتها لقطع المؤونة الحربية على الجيش وبذلك يمكن القضاء عليها نهائيا,لكن ابراهيم آغا استصغر الخطة وهزأ بها وبصاحبها ولم يأخذها بعين الاعتبار وأمر بتقدم القوات الجزائرية لمواجهة القوات الفرنسية المنظمة التي كانت تنتظر ذلك وقامت بهجوم مباغت وكاسح على القوات الجزائرية واخترقت الجبهة الجزائرية التي كانت تحاول منعه من التقدم إلى العاصمة واحتلالها ,وقد كان ذلك هو هدفه ,وأمام ضعف ابراهيم آغا وسوء تسييره لقواته كانت الهزيمة التي فتحت الطريق للكونت دو بورمون للتوجه إلى العاصمة الجزائر واحتلالها
دون أن يجد أية مقاومة رسمية تذكر,أستطاع أن يفرض على الداي حسين باشا معاهدة الاستسلام في 5جويلية 1830 التي سمحت للعدو من احتلال العاصمة ورفع الراية الفرنسية على أبراجها ومؤسساتها ,كما أنه لم يلتزم ببنود المعاهدة ولم يف بوعوده فاستولى على كنوز القصبة وعلى الخزينة التي كان فيها أكثر من 52 مليون فرنك من الذهب ,إلى جانب طرد أفراد الجيش الجزائري خارج العاصمة وحجز أملاكهم ,واستولت على الأحباس الدينية , كما حولت جامع كتشاوة إلى كنيسة وذلك بعد عامين فقط من الاحتلال ومقتل أكثر من ألفي مصلي معتصم داخل المسجد,كما دمرت مدفعية العدو أبواب العاصمة ،منها باب الوادى وباب عزون وباب الجزيرة وخربوا الحدائق وقنوات المياه والبساتين ,وقد عاثوا في الأرض فسادا مشوهين وجه العاصمة

AbduLraHmN 09-09-09 12:32 PM

موقعة النهروان

كانت هذه الموقعة بين علي رضي الله عنه في جيشه الكبير الذي يقرب من سبعـين ألفاً. والخوارج في جيشهم الصغـير الذي لا يزيد على أربعة آلاف.. وكان علي في موقفه من الخوارج في هذه الموقعة يمثل القيادة الحكيمـة التي تنأى عن البغي والظلم، وتعمـل بكـل وسيلة على حقن الـدماء. ذلك بأنه فتح أمامهم بابا للخلاص من الحرب قبل أن يبدأهم بالقتال فطلب إليهم أن يدفعوا إليه هؤلاء القتلة الذين قتلوا عبد الله بن خباب وبقروا بطن امرأته، وقتلوا نسوة طىء. ثم قتلوا الرسول الذي أرسله إليهم ليقتص منهم فهو يريدهم ولا يريد قتال المسلمين، ولكنهم أجابوه إجابة باغية متحدِّية فقالوا: كلُّنا قَتَلَهُمْ. وكلُّنا يستحل دماءكم ودماءهم.. ومع ذلك لم يتورط علي في حربهم ففتح لهم باب الخلاص والنجاة مرة ثانية. وأمر بأن تنصب راية. ثم قال: من تقدم إلى هذه الراية فهو آمن. ومن دخل الكوفة فهو آمن. ومن رجع إلى المدائن فهو آمن. فانصرف منهم ما يقرب من نصف العدد ووقف النصف الآخر فكان لعلي معهم موقف رهيب في يوم عصيب وعرف هذا اليوم في التاريخ بيوم النهر وان (وهو اسم المكان الذي وقع فيه القتال) (1) وفي هذا اليوم هزم الخوارج هزيمة قاضية لم تبق منهم باقية في تلك المعركة ولكن لم ينتهوا ففي خلافة الامويين عادوا ولكن ليس موضوعنا هنا . وقد هلكوا جميعاً في هذه المعركة في ساعة واحدة وهذه عاقبة الحماسة المقرون بالغرور المجرد عن العلم والفقه والعقل الرزين.
وفي قصة هؤلاء الخوارج آية عظيمة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين قال في (ذي الخويصرة) وهو أحد المنافقين كـما رواه البخاري ومسلم "إن له أصحاباَ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كـما يمرق السهم من الرميّة.. آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة ) تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس) قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحـديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي نعته.

AbduLraHmN 11-09-09 02:18 PM

خيبر.. اليهود غدر ونقض للعهود



http://www.islamonline.net/arabic/hi...ges/pic13b.jpg


أصبحت المدينة منذ أن حل بها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد هجرته المباركة منزل الوحي، ومعقل الإسلام، وعاصمة الدولة الوليدة، واتخذ النبي من المسجد الذي بناه مقرًا لإدارة شئون المسلمين، فلم تقتصر وظيفته على أداء الصلوات، وإنما امتدت ليصبح مدرسة تخرج فيها الرعيل الأول من قادة المسلمين وحملة ألويته ودعاته المخلصين، ومكانًا تُعقد فيه الجلسات، وتُستقبل فيه الوفود والسفراء.
علاقة المسلمين بجيرانهم
وكان من الإجراءات التي اتخذها النبي (صلى الله عليه وسلم) لسلامة بناء مجتمع النبوة الناشئ، أن كتب وثيقة خالدة تحدد العلاقات والحقوق والواجبات بين سكانها جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، فقررت الصحيفة حرية الدين لليهود ولقبائلهم وبطونهم التي سبق أن تحالفت معها بطون الأوس والخزرج، شريطة مراعاة حقوق المواطنة، والابتعاد عما يخل بالنظام، حيث جاء في الوثيقة: "وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم…".
غدر اليهود ونقضهم للعهود
غير أن اليهود لم يلتزموا بما تعاهدوا عليه، ولم يحترموا نصوص الوثيقة التي تنظم الحياة في المدينة، وإنما غدروا وخانوا، ونقضوا العهود، وهموا بقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) لولا أن عصمه الله منهم، وسعوا بالوقيعة بين الأوس والخزرج، وكادت تحدث فتنة بينهما لولا أن تداركتها حكمة النبي (صلى الله عليه وسلم) البالغة، ونقضوا عهدهم مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة الخندق، وكاد الأمر يتحول إلى كارثة تحل بالمسلمين بعد أن أصبحوا محاصرين من الأحزاب ويهود بني قريظة.
لكل هذا لم يجد النبي (صلى الله عليه وسلم) بدًا من إخراجهم من المدينة أو إنزال أقسى العقوبة بهم؛ حماية للدولة، وحفاظًا على أمن المسلمين وسلامتهم، وتوحيدًا للصف، فأجلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يهود بني قينقاع من المدينة في العام الثاني من الهجرة، ثم تبعهم يهود بني النضير في السنة الرابعة من الهجرة، ثم قضى على يهود بني قريظة في العام الخامس من الهجرة لخيانتهم له (صلى الله عليه وسلم)، وتعريضهم المدينة للدمار وأهلها للفتك والقتل لو نجح المشركون في اقتحام المدينة في غزوة الأحزاب.
ولم يبق لليهود سوى خيبر، وهي قرية كبيرة تقع شمال شرقي المدينة بنحو 180كم، يسكنها بعض اليهود الذين لم تبد منهم بادرة سوء للمسلمين، أو يؤخذ عليهم أنهم حاربوا الله ورسوله، ولم يُسمع أنهم اشتركوا في مؤامرة من المؤامرات التي كانوا لا يتوانون في إعدادها للنبي (صلى الله عليه وسلم)؛ ولهذا احترم النبي (صلى الله عليه وسلم) موقفهم وحيادهم، غير أنهم تبدلوا وجعلوا من بلدهم مركزًا لتجمع اليهود، فنزل عندهم يهود بني قينقاع وبني النضير، وصاروا يهددون المسلمين بمؤامراتهم، وأصبحوا خطرًا على أمن الدولة الإسلامية، ولا سيما أن خيبر تقع على الطريق المؤدي إلى الشام، فلزم تطهير ذلك الطريق من خطر هؤلاء، والقيام بتصفية بقايا الوجود اليهودي في شبه الجزيرة العربية؛ لتسلم قاعدة الإسلام الأساسية ومنطلقه من عدو ماكر.
الخروج إلى خيبر
لم يكد النبي (صلى الله عليه وسلم) يعود من الحديبية ويستريح بالمدينة شهرًا أو نحوه، حتى خرج إلى خيبر، في المحرم من العام السابع للهجرة، في ألف وستمائة مقاتل، وكان يهود خيبر من أشد الطوائف اليهودية بأسًا وأكثرهم مالاً، وأمنعهم حصونًا، وأكثرهم سلاحًا، حتى إن قريش وعرب الجزيرة وقفوا ينتظرون ما يسفر عنه التقاء القوتين. وفي الوقت نفسه استعد المسلمون استعدادًا حسنًا، فاشترط النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا يخرج معه إلا من شهد الحديبية، وهم صفوة المسلمين، وخلاصة فرسانهم وأبطالهم الشجعان، يغمرهم إيمان عامر، وحب للشهادة في سبيل الله، وثقة في نصر الله لهم.
وكانت خيبر مكونة من ثلاث مناطق تضم قلاعهم وحصونهم، وتمتلئ بنحو عشرة آلاف مقاتل، والمناطق الثلاث هي:
- منطقة النطاة، وبها حصن ناعم، وعليه "مرحب"، وهو واحد من أبرز زعماء خيبر وفرسانها، بالإضافة إلى حصنين آخرين، هما: حصن الصعب بن معاذ، وحصن قلعة الزبير.
- منطقة الشق، وبها حصنان.
- منطقة الكتيبة، وبها حصن "القموص" لبني الحقيق من يهود بني النضير، وحصنان آخران.
خطة الفتح
أعاد النبي (صلى الله عليه وسلم) توزيع جيشه، فقسمه أربع فرق: واحدة بقيادة أبي بكر الصديق، والثانية بقيادة عمر بن الخطاب، والثالثة بقيادة سعد بن عبادة، والرابعة بقيادة الحُبَاب بن المنذر، وأمّر على الجيش علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعًا.
وكان حصن "ناعم" أول حصن يتعرض له المسلمون بالهجوم، وكان محصّنًا تحصينًا منيعًا، ودار أمامه قتال عنيف دون أن يتمكن المسلمون من اقتحامه؛ نظرًا لاستماتة المدافعين عنه، واستمر القتال طوال اليوم دون تحقيق نصر، وجُرح من المسلمين خمسون، واستشهد واحد منهم، وفي اليوم التالي خرج "مرحب" قائد الحصن مختالاً بقوته وسلاحه، ودعا المسلمين إلى المبارزة، فبرز إليه "محمد بن مسلمة" ونجح في قتله، وقيل قتله علي بن أبي طالب، وتمكن أبطال المسلمين من قتل إخوة "مرحب" وكانوا أبطالاً صناديد، وكان لقتلهم أثر في إضعاف معنويات المدافعين عن الحصن، وبعد قتال دام خمسة عشر يومًا تمكن المسلمون بقيادة علي بن أبي طالب من فتح الحصن، والاستيلاء عليه، وفر من بقي من اليهود إلى حصن "صعب"، وكان حصنًا منيعًا هو الآخر، وأوكل النبي (صلى الله عليه وسلم) مهمة فتح هذا الحصن إلى "الحباب بن المنذر" الذي نجح في اقتحامه بعدما أبلى المسلمون بلاءً حسنًا، واستولى على ما في الحصن من أسلحة وعتاد، وكانت كثيرة جدًا، حيث كان يُعد هذا الحصن مخزنًا لأسلحة يهود خيبر، ومعداتهم الحربية من سيوف ودروع ومجانيق.
وبسقوط هذين الحصنين علت كِفّة المسلمين في الحرب، وأيقن اليهود أنهم لا قبل لهم بالمواجهة العسكرية، فطلبوا الصلح، فأجابهم النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه، وعقد معهم معاهدة كان من بنودها أن يجلوا عن خيبر إلى الشام، ويسلّموا قلاعهم وحصونهم إلى المسلمين بما فيها من أسلحة وعتاد، لكنهم طلبوا من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يظلوا يعملون في أرض خيبر مقابل نصف ما تنتجه، وأن يكونوا في حمى المسلمين وتحت حكمهم، فقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) منهم ذلك.
وعلى الرغم من تحقيق هذا النصر العظيم، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) عامل اليهود معاملة حسنة، ولم يقابل إساءاتهم بإساءة، فرد عليهم صحفًا من توراتهم حين طلبوها منه، وكانت قد وقعت فيما وقع من غنائم للمسلمين، ولم يصنع النبي مثلما صنع الرومان حين فتحوا أورشليم؛ حيث أحرقوا الكتب المقدسة.
نتائج هذا الفتح
كان من نتائج هذا الفتح أن صالح يهود "فدك" النبي (صلى الله عليه وسلم) على أن يحقن دماءهم، وكذلك فعل يهود "تيماء" و"وادي القرى"، فصالحوه على دفع الجزية، وبقوا في بلادهم آمنين.. وبهذا النصر المبين دان اليهود كلهم للإسلام، وانتهى ما كان لهم من نفوذ وجاه، ولم تقم لهم قائمة بعدُ، وبهذا أصبحت الدولة الإسلامية بمأمن من ناحية الشمال إلى بلاد الشام.

MARISOLE 12-09-09 03:34 AM

يثبت لفتره

متابعه

بارك الله فيك

AbduLraHmN 12-09-09 05:57 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة •·.·`¯°·.·• (ورد) •·.·°¯`·.·• (المشاركة 5677910)
يثبت لفتره

متابعه

بارك الله فيك


بارك الله فيك

وجزاك الله خير في معاونتي على اظهار تاريخ جهادنا

واستنهاض الهمم

AbduLraHmN 12-09-09 06:01 AM

فتح كاشغر



كاشغر: مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمتها في بعض فترات التاريخ ، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة , والصين من جهة ثانية , وبلاد ما وراء النهر من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية الجميلة.


وكانت تعد قديماً من بلاد ما وراء النهر، وتضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من سمرقند , وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون...


وتركستان الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند (كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.


وقد اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها، فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون , وبعض المصادر العربية الحدينة، إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم: تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.
وقد لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين ـ أبعد بلاد العالم القديم ـ والدولة البيزنطية.


وبدأ الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام البلاد كافة.


ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.


التمهيد للفتح..


قطع قتيبة بن مسلم الباهلي نهر جيحون في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م) متوجهاً إلى فرغانة...واصطدمت قواته بقوات أهلها في مدينة خجندة إحدى مدن إقليم فرغانة، فقاومه أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة مما اضطره إلى الاشتباك بهم مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وانتهت أخيراً مقاومة أهل فرغانة وحلفائهم الباسلة بفتح المسلمين الإقليم كافة. ..

الفتح :

كان الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين وأقربها إلى فرغانة.

وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.


وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.


ومضى جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً سريعاً موفقاً.


وفي فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شِعب عصام) الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.

والفعلة هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية، ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.


ويبدو أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، كان عارضا من العوارض الطبيعية الوعرة، يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية القديمة...

تقدم قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية , وبعث مقدمة أمام جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.

وأوغل قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.

ولكن المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة , ولا تقدم التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.

المفاوضات :


بات الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، بعد أن أوغل حتى قارب الصين , واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه (ملك الصين) : «ابعث إلي رجلاً شريفاً يخبرني عنكم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.

واختار قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة , ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك , .. وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي ـ مفوّهاً سليط اللسان ـ وقال لهم: «إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..

سار وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده. ..

ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء». ..

وفي غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.

وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.

وفي اليوم الثالث أرسل إليهم,فشدوا عليهم سلاحهم , ولبسوا البيض والمغافر,وتقلدوا السيوف , وأخذوا الرماح , وتنكبوا القسي , وركبوا خيولهم , وغدوا فنظر إليهم صاحب الصين , فرأى أمثال الجبال مقبلة , فلما دنوا ركزوا رماحهم , ثم أقبلوا نحوهم مشمرين , فقيل لهم قبل أن يدخلوا:ارجعوا لما دخل قلوبهم من خوفهم ...

فركبوا خيولهم , واختلجوا رماحهم ثم دفعوا خيولهم , كأنهم يتطاردون بها,فقال الملك لأصحابه :كيف ترونهم ؟ قالوا : ما رأينا مثل هؤلاء قط...

وانصرف الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم , واستعادوا سلاحهم, وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً ـ وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها - كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل هؤلاء!...

وفي مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه هبيرة، فقال له الملك حين دخل عليه : قد رأيتم عظيم ملكي , وإنه ليس أحد يمنعكم مني , وأنتم في بلادي , وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي, وأنا سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم.

وما كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً ... فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم يصدق.

وسأل الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي الثالث؟ وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.

فقال الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.


وإذا كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟ !..

وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.


وبهت الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية...

فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..

ودعا الملك بصحاف من ذهب , فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد , فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.

وقد لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.

حقيقة الفتح :


المؤرخون العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية , فتضم إليها أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية، فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج حدودها تارة أخرى.

وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.

ومن مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك) التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.

ويذكر لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.

ولكن الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة.

يتضح من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى , جرى في تركستان الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين، وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.

الشهيد..

والسبب الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية وكان الوليد مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد , ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج الآخرون.

وعاد قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية، وهو في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به ونستفتح به إذا غزونا!

وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! ...

وقد أكثر الشعرء في رثائه والثناء عليه ، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.

يكفي أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت شديد ومحن وعناء.

ولا أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة. وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.

ويومها تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون.. وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض – في الطائرة - وترحّمتُ على شهداء المسلمين.

AbduLraHmN 12-09-09 06:04 AM


معركة اليمامة



لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب عدا أهل المسجدين مكة والمدينة، وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة حتى بلغوا نحوا من أربعين ألفا، فبعث أبو بكر -رضي الله عنه- خالد بن الوليد إلى قتالهم وحشد معه المسلمين، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وأردف الصديق خالداً بسرية لتكون ردءاً له من وراءه.
فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقرباء في طرف اليمامة، والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة، وجعل على مجنبتي جيشه المحكم بن الطفيل ونهار الرجال بن عنفوة، وكان الرجال صديقه الذي شهد له كذباً أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إنه أشرك معه مسيلمة في الأمر، وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة وعلى المجنبتين زيد بن الخطاب وأبا حذيفة، وقد مرت المقدمة بالليل بنحو من أربعين -وقيل ستين- فارساً عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له من بني تميم وبني عامر وهو راجع إلى قومه فأخذوهم، فلما جيء بهم إلى خالد قال لهم: "ماذا تقولون يا بني حنيفة؟"، قالوا: "نقول منا نبي ومنكم نبي"، فقتلهم إلا واحداً اسمه سارية بن عامر، فقال له: "أيها الرجل إن كنت تريد بهذه القرية غداً خيراً، أو شراً فاستبق هذا الرجل -يعني مجاعة بن مرارة-"، فاستبقاه خالد مقيداً وجعله في الخيمة مع امرأته، وقال: "استوصي به خيراً".
وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يشرف على اليمامة، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة، وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وقتل زيد بن الخطاب الرجال بن عنفوة لعنه الله، ثم تذامر الصحابة بينهم، وقال ثابت بن قيس: "بئس ما عودتم أقرانكم"، فنادوا من كل جانب، فخلصت إليهم ثلة من المهاجرين والأنصار، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعل الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: "يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم"، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه وهو حامل لواء الأنصار بعدما تحنط وتكفن، فلم يزل ثابتاً حتى قُتل هناك، وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: "نخشى أن نؤتى من قبلك؟"، فقال: "بئس حامل القرآن أنا إذاً"، وقال زيد بن الخطاب: "أيها الناس عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قدماً"، وقال: "والله لا أتكلم اليوم حتى يهزمهم الله، وألقى الله فأكلمه بحجتي"، فقتل شهيداً -رضي الله عنه- وقال أبوحذيفة: "يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال"، وحملوا عليهم وحمل خالد بن الوليد وجعل يترقب أن يصل إلى مسيلمة فيقتله، ثم وقف بين الصفين ودعا إلى البراز وقال أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، وجعل لا يبرز له أحد إلا قتله.
ودارت رحى المسلمين ثم اقترب من مسيلمة فعرض عليه الرجوع إلى الحق فجعل شيطانه يلوي عنقه لا يقبل من خالد شيء، فانصرف عنه خالد، وميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب، وجعل كل بني أب على رايتهم يقاتلون تحتها حتى يعرف الناس من أين يأتون، وصبر الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، واتبعونهم يقتلونهم حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم المحكم بن الطفيل - لعنه الله - بدخولها فدخلوها وفيها مسيلمة الكذاب عدو الله - لعنه الله -.
وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر المحكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وأغلقت الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة، وقال البراء بن مالك: "يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة"، فاحتملوه فوق الدروع، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة -لعنه الله- وإذا هو واقف في فرجة في جدار كأنه جمل أورق، وهو لا يعقل من الغيظ، وكان إذا اعتراه شيطانه يخرج الزبد من شدقيه، فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم -قاتل حمزة بن عبد المطلب- فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط، فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريباً من عشرة آلاف مقاتل - وقيل أحد وعشرون ألفاً - وقتل من المسلمين ستمائة، وفيهم من سادات الصحابة وأعيان الناس.
وخرج خالد وتبعه مجاعة بن مرارة يرسف في قيوده، فجعل يريه القتلى ليعرف مسيلمة، فمروا بالرجال بن عنفوة، فقال له خالد: "أهذا هو؟"، قال: "لا والله، هذا خير منه، هذا الرجال بن عنفوة"، ثم مروا برجل أفطس الأنف أصفر فقال: "هذا صاحبكم؟"، قال: "نعم"، قال خالد: "قبحكم الله على اتباعكم هذا".
ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي، ثم عزم خالد على غزو الحصون، ولم يكن بقي فيها إلا النساء والصبيان والشيوخ الكبار، فخدعه مجاعة بن مرارة فقال إنها ملأى رجالاً ومقاتلة فهلم فصالحني عنها، فصالحه خالد لما رأى بالمسلمين من الجهد، وقد كلوا من كثرة الحروب والقتال، فصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح وربع السبي، فلما فرغا فتحت الحصون فإذا ليس فيها إلا النساء والصبيان، فقال خالد لمجاعة: "ويحك خدعتني"، قال: "قومي ولم أستطع إلا ما صنعت"، ودعاهم خالد إلى الإسلام، فأسلموا عن آخرهم، ورجعوا إلى الحق، ورد عليهم خالد بعض ما كان أخذ من السبي، وساق الباقين إلى الصديق، وقد تسرى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بجارية منهم، وهي أم ابنه محمد الذي يقال له محمد بن الحنفية -رحمه الله- وكانت هذه الموقعة في آخر السنة الحادية عشر من الهجرة وأول السنة الثانية عشر من الهجرة النبوية الشريفة.

منقول بتصرف من البداية والنهاية لابن كثير ج6 ص355 وما بعدها


AbduLraHmN 12-09-09 06:07 AM

فتح (سمرقند) بأرض أوزبكستان حاليا !!!!



المقال منقووووووول من موقع التاريخ
تحت إشراف/ الشيخ محمد بن موسى الشريف - حفظه الله




في سنة 93هـ وبعد أن فتح قتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وما حولها، قال المجشر بن مزاحم السلمي لقتيبة : إن لي حاجة فأخلني ، فأخلاه ، فقال : إن أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن ، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا وإنما بينك وبينهم عشرة أيام ، قال: أشار بهذا عليك أحد ؟ قال : لا ، قال : فأعلمته أحداً ؟ قال :لا ، قال : والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك .



فأقام يومه ذلك ، فلما أصبح من الغد دعا أخاه عبد الرحمن بن مسلم الباهلي فقال : سر في الفرسان والرماة ، وقدم الأثقال إلى (مرو) . فوجهت الأثقال إلى مرو يومه كله ، فلما أمسى كتب إليه : إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو ، وسر في الفرسان والرماة نحو الصغد ، واكتم الأخبار ، فإني بالأثر .



عبر عبد الرحمن ومن معه النهر ، وسار إلى سمرقند ، وعبر قتيبة بالأثر ، وعبر ومن معه نهر جيحون ، وحوصرت سمرقند .


استنجد ( غورك ) ملك الصغد بعد خوفه من طول الحصار بملك الشاش وبملك فرغانة ، وكتب إليهما : إن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم . فأجمع ملك الشاش وفرغانة على نجدة الصغد ، وأرسلا أن شاغلوا قتيبة ومن معه كي نفاجئهم على حين غرة .



انتخب أهل الشاش وفرغانة كل شديد السطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشداء الأبطال وأمروهم أن يسيروا إلى قتيبة ليفاجئوه ، ولكن استطلاع قتيبة يقظ فجاءته الأخبار ، فانتخب ستمائة من أهل النجدة وجعل عليهم أخاه صالح بن مسلم أميراً ، ووضع على العدو عيوناً حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم فكلمهم وحضهم ، فخرجوا من العسكر عند المغرب ، فساروا ، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم ، ففرق صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه ، وكميناً عن يساره ، وأقام هو وبعض فرسانه على قارعة الطريق ، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت ، وصالح واقف في خيله ، فلما رأوه شدوا عليه ، حتى إذا اختلفت الرماح ، شد الكمينان عن يمين وعن شمال ، فلم نسمع إلا الاعتزاء ، فلم نر قوماً كانوا أشد منهم .



لم يفلت من هذه النجدات إلا النفر اليسير ، وغنم المسلمون أسلحتهم ، وقال بعض الأسرى : تعلمون أنكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلا ابن ملك ، أو بطل من الأبطال المعدودين بمئة فارس ، أو بألف فارس .



وقال فارس مسلم من الجند الذين كانوا في كمين صالح : إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة ، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة ، فقلت : كيف ترى بأبي أنت وأمي ! قال: اسكت دق الله فاك ! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد ، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرؤوس حتى أصبحنا ، ثم أقبلنا إلى العسكر ، فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به ، ما منا رجل إلا معلق رأساً معروفاً باسمه ، وأسير في وثاقه.



لقد منع قتيبة بهذا الكمين وصول النجدات إلى ميدان المعركة ، مع إشغال النجدات قبل وصولها بكمين ليلي ، ريثما يتسنى له سحب قطعاته من حوالي أسوار سمرقند ، والقيام بحركة خاطفة ليلية للقضاء على أرتال النجدات في معركة ليلية ، في الوقت الذي يكون الكمين قد أوقف تقدمها.



نصب قتيبة المجانيق حول سمرقند ، ورمت بتركيز دقيق على سور المدينة ، فثلمت فيها ثملة ، فرممها المدافعون عنها بسرعة كبيرة ، وجاء رجل قام على الثلمة ، فشتم قتيبة ( بعربية فصيحة ) ، وكان مع قتيبة قوم رماة ، يُسمون ( رماة الحدق) لدقة تصويبهم ، فقال لهم قتيبة : اختاروا منكم رجلين ، فاختاروا ، فقال : أيكما يرمي هذا الرجل ، فإن أصابه فله عشرة آلاف ، وإن أخطأه قطعت يده ، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر ، فرماه فلم يخطئ عينه ، فأمر له بعشرة آلاف.



قال خالد مولى مسلم بن عمرو : كنت في رماة قتيبة ، فلما افتتحنا المدينة صعدت السُّور ، فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه ، فوجدته ميتاً على الحائط ، ما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه.



قال غوزك( ملك الصُّغد) لقتيبة: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي ، فاخرج إليّ في العرب ، فغضب قتيبة عند ذلك ، وميز العرب من العجم ، وأمر العجم باعتزالهم ، وقدم الشجعان من العرب ، وأعطاهم جيد السلاح ، وزحف بالأبطال على المدينة ، ورماها بالمجانيق ، فثلم فيها ثلمة ، وقال قتيبة: ( ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة ) ، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة ، عندها قال غوزك لقتيبة : ارجع عنا يومك هذا ونحن نصالحك غداً ، فقال قتيبة : لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة ، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم.



وسمع قسم من المسلمين قتيبة يناجي نفسه: حتى متى يا سمرقند يعشعش فيك الشيطان ، أما والله لئن أصبحت لأُحاولن من أهلك أقصى غاية.



وفي اليوم التالي ، والمسلمون على الثلمة ، عاود غوزك يطالب بالصلح ، فصالحه قتيبة على : الجزية ، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النيران ، وإخلاء المدينة من المقاتلة ، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.



وتم الصلح ، وأخلوا المدينة ، وبنوا المسجد ، واستلم قتيبة ما صالحهم عليه ، وصلى في المسجد وخطب فيه ، وأتى بالأصنام ، وألقيت بعضها فوق بعض . حتى صارت كالقصر العظيم ، ثم أمر بتحريقها ، فتصارخ الأعاجم وتباكوا ، وقالوا: إن فيها أصناماً قديمة ، من أحرقها هلك ، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي ، وجاء غوزك فنهى عن ذلك ، وقال لقتيبة: أيها الأمير ، إني لك ناصح ، وإن شكرك عليّ واجب ، لا تعرض لهذه الأصنام ، فقام قتيبة ، ودعا بالنار ، وأخذ شعلة بيده ، وقال : أنا أحرقها بيدي ، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون ، وسار إليها وهو يكبر الله عز وجل ، وألقى فيها النار ، فاحترقت ، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.



وصنع غوزك طعاماً ، ودعا قتيبة ، فأتاه غي عدد من أصحابه، فلما تغدى ، استوهب منه المدينة ، فقال قتيبة: إني لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه ، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا ، وأن ينتقل عنها غوزك ، فانتقل عنها ملكها غوزك ، فتلا قتيبة ( وأنه أهلك عاداً الأولى ، وثمود فما أبقى ) ، ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو ، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم ، وخلّف عنده عدداً من الجند كبيراً ، وآلة من آلة الحرب كثيرة ، مع تعليمات حازمة تتعلق بالداخلين إلى سمرقند ، والخارجين منها.


وكان أهل خراسان يقولون : إن قتيبة غدر بأهل سمرقند ، فملكها غدراً .



مصادر الدراسة :


قادة فتح بلاد ما وراء النهر لمحمود شيت خطاب
وفتح سمرقند لشوقي أبو خليل

AbduLraHmN 12-09-09 08:09 PM


فتح صقلية ... مدينة فتحناها ونسينا تذكرها





ففي عهد الخليفة المنصور ينادي زياد الله بن الأغلب في الناس هلموا إلى الجهاد في سبيل الله ويستحث الناس لفتح جزيرة صقلية. فيتدافع المسلمون ملبين داعي الجهاد في سبيل الله، وكان القاضي أسد بن الفرات برغم كبر سنه يتقد حمية على الإسلام. فهو يرى في الجهاد قرّة عينه، وراحة نفسه، فما أن أعلن الجهاد واستعد الناس لأداء الواجب، واجب التضحية والفداء، حتى هبّ القاضي الفاضل والمعلم الورع وصاحب الكتب والمحبرة وابن السبعين من عمره أو أكبر.. إذا بهذا الشيخ بعد أن بلغ هذه السن التي تفتر فيها القوى، وتذبل فيها القرائح، ويخلد الإنسان عادة إلى الدعة والسكينة والهدوء، إذا بهذا القاضي ينقلب شاباً يافعاً ومجاهداً صادقاً، فيعلن استعداده للتطوع ليعمل جندياً في سبيل الله ومجاهداً في ميدان الحق، ولكن زياد الله بن الأغلب رجل يعرف أقدار الرجال، فهو يعرف للقاضي حقه وفضله ومكانته في المجتمع وسنه وورعه فيسند إليه القيادة، قيادة المعركة البحرية العظيمة.

* * *

لم يكن غزو المسلمين في البحر غريباً عنهم فهم رجال سادوا البحر كما سادوا البر، وكان المسلمون يفرحون للغزو في البحر طمعاً في ثواب الله لمن خاض البحر مجاهداً في سبيل الله.. بل كان المسلمون يطلبون من غزاة البحر الدعاء لهم باعتبارهم مجاهدين لهم من الأجر والثواب أكثر من غيرهم. وقد ثبتت أحاديث شريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغب المسلمين في الغزو في البحر وتبين لهم فضله.
من ذلك ما رواه البخاري (1/ص416) من فتح الباري لابن حجر: عن أم حرام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ –من القيلولة- يوماً في بيتها فاستيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال صلى الله عليه وسلم: »عجبتُ من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة.« فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: »أنتِ منهم.« ثم نام صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ وهو يضحك، فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله أن أكون منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: »أنتِ من الأولين.« فتزوج بها عبادةُ بن الصامت، فخرج بها إلى الغزو، فلما رجعت قرّبت دابتها لتركبها فوقعت فاندق عنقها.«
وفي رواية مسلم بشرح النووي (3/ص575) أن أمّ ملحان قالت لما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: »ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة..« إلى آخر الحديث.
لذلك لم يكن ركوب البحر غريباً على المسلمين، فقد غزا معاوية بن أبي سفيان جزيرة قبرص، كما قاد عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرح أكبر معركة بحرية عام 34هـ وهي معركة ذات الصواري، وكانت معركة رهيبة غيّرت تاريخ البحر الأبيض المتوسط.
قال الطبري في تاريخه (4/ص289) عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كنت معهم فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا فأرسينا ساعة، فأرسوا قريباً منها، وسكنت الريح عنا فقلنا: الأمن بيننا وبينكم. قالوا: ذلك لكم ولنا منكم مثل ذلك. ثم قلنا: إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم البحر. قال: فنخروا نخرة واحدة وقالوا: الماء. فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض حتى كنا يضرب بعضناً بعضاً على سفننا وسفنهم. فقاتلنا أشد القتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن ويتواجؤون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاماً وقال ممن حضر ذلك اليوم: رأيتُ الساحل حيث تضرب الريح الموج وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال، وإن الدم غالب على الماء، ولقد قتل من المسلمين يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى. وصبروا يومئذ صبراً لم يصبروا في موطن قد مثله. ثم أنزل الله نصره علىأهل الإسلام، وانهزم القسطنطين مدبراً فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجرح، ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حيناً جريحاً.

* * *

إن أسد بن الفرات الذي جمعت له قيادة الأسطول البحري ومنصب قاضي القضاة مع منصب شيخ الفتيا كان جديراً بهذه المناصب كلها.
خرج القاضي أسد بن الفرات ليتولى قيادة الأسطول البحري، وتجمع الناس حوله ما بين مودع وداع، بل كان الناس يسرعون الخطى لينالوا شرف الجهاد في سبيل الله.
ووصل الركب إلى بسوسة وكان يوماً من الأيام المشهورة في تاريخ الإسلام. تجمع المجاهدون يرتقبون الساعة الفاصلة التي تنطلق فيها السفن للقاء أعداء دين الله. وأخذ الجند مكانهم، وارتفعت الأعلام، ودقت الطبول، ووقف القائد القاضي أسد بن الفرات مكانه بينهم.
كان على القائد في ذلك الوقت أن ينزع الخوف من قلوب جنده، وعليهم أن يطرحوا التردد جانباً، وأن يقبلوا على المعركة مستبسلين لا يخافون ولا يرهبون الردى.
وقف القائد يخطب في جنده، فقد كان القائد القاضي صاحب رأي مسموع وبيان مبدع. أخذ يحض المجاهدين ويبين لهم درجة الاستشهاد. وكأنما أراد بذلك أن يقول لهم بفعله لا بقوله. فالجهاد لا يعرف السن. فكم من رجال في تاريخ الإسلام وخط الشيب رؤوسهم، وقوصت الأيام ظهورهم، ورغم هذا لم يقعدهم السن عن ا لجهاد ولا المرض عن أداء الواجب.
وقف القائد يحض المجاهدين على القتال فهو يرى في النصر شفاء لصدور المؤمنين.. وقف القائد فقال: »أيها الناس، واللهِ ما وُلي لي أب ولا جد ولاية قط، وما أرى من سلفي ما رأيت ولا بلغ ما بلغت، وكل الذي أعدني وهيأني قلمي وعلمي، فاجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب الحق وفي تدوين العلم، وكابدوا وصابروا على كل الشدائد، فإنكم بذلك تنالون فخر الدنيا وسعادة الآخرة.«
كان هذه خطبة القائد العظيم، وعلى أثرها انطلقت الجواري المنشآت في البحر كالأعلام. انطلقت السفن تمخر عباب الماء وعلى ظهورها رهبان الليل وفرسان النهار.. انطلقت السفن الماخرة.
يا سبحان الله، ما هذه الجيوش المتكاثرة؟ ما هذه القلوب العامرة؟ من هؤلاء المنطلقون كالأسد الكاسرة؟
إنهم المؤمنون الصادقون الخاشعون الراكعون الساجدون العابدون.
سار الأسطول الإسلامي يقوده الشيخ الكريم والقائد العظيم والقاضي البر الرحيم أسد بن الفرات.
قاد الشيخ المعركة والجند حوله كلهم أذن صاغية وقلوب واعية، فإشارته أمر وأمره مطاع.
سار الأسطول الإسلامي حتى بلغ شواطئ صقلية، فأصدر القائد أمره ببدء المعركة، وبدأت رهيبة قاسية أصلى فيها المسلمون أعداءهم ناراً حامية، دكوا الحصون ودمروا القلاع، وأثخنوا في الأعداء قتلاً. ثم بدأ الجيش الإسلامي العظيم ينتقل من نصر إلى نصر حتى بلغ سرقوسة وحاصرها المسلمون وشددوا قبضتهم عليها وعلى حصارها استشهد القائد العظيم أسد بن الفرات.
صعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانها بين الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
استشهد أسد بن الفرات تاركاً لخلفه إتمام ما بدأ به.

* * *

إن معركة صقلية بجنودها وقيادتها بكل الذين اشتركوا فيها تستحق الدراسة والتأمل.
يا سبحان الله، من كان يظن أن هؤلاء الأعراب، رعاة الإبل وسكان الخيام، الذين تربوا في الصحراء، أصبحوا بين عشية وضحاها سادة الدنيا وأساتذة العالم، ومهد الحضارة والحرية، وأهل الفكر والسياسة.

AbduLraHmN 12-09-09 08:14 PM


معركة مرج الصفر


بتاريخ 18-8-634م وهي من المعارك الأوائل في صدر الإسلام وفيها احتك المسلمون وللمرة الثالثة مع أقوى إمبراطورية في العالم وهي دولة الروم حيث كانت تسيطر على بلاد الشام وسعى خليفة الحبيب أبو بكر الصديق جزاه الله عنا وعن الإسلام خيرا بتاريخ16 جمادى الآخرة من عام 13 هـ إلى تحرير هذه البقعة المباركة من براثن الروم, فأرسل الصحابي الجليل خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام. ومن خبرة الصديق العسكرية أمره أن يبقى في أطراف الشام وان لا يقاتل إلا من قاتله ولكن للعملاء دور اسود منذ ذلك التاريخ فوصل الخبر إلى هرقل ملك الروم, فجهز جيشا من العرب الموالين له ( وما أشبه اليوم بالبارحة) وقد جمع قبائل من بهراء وسليح وكلب ولخم وجذام غسان وذلك لكي يقاتل بهم العرب المسلمين, ولكن ولشجاعة الصحابي الجليل خالد سار إليهم بجيشه إلى مكان تجمعهم فهو لا ينتظر العدو أبدا ففرقهم وأرسل إلى خليفة رسول الله بالخبر وهو الخبير بأمور العرب وأنسابهم ونقاط ضعفهم فأمره بان يستمر بالهجوم حتى لا ينضموا صفوفهم ولكنه نصحه نصيحة العسكري المحنك ( أقدم ولا تحجم واستنصر الله) فيا لها من رسالة قصيرة ذات معان جليلة فهذا الصديق يأمر قائد الجيش أن يهيئ خط الانسحاب وان لا يتوغل كثيرا في بلاد العدو. وفعلا قام الجندي المطيع خالد بما أُمر به فتقد على القسطل قرب البحر الميت فسحق فلول الروم وتابع مسيرته, ولكن هاج الروم وجيشوا جيوشهم وبعد استطلاع خالد لجيش العدو أرسل خطابا سريعا لطلب المدد فالتوكل على الله لا ينافي هذا الطلب فأرسل الصديق أبو الصديقة بمددي عكرمة بن أبي جهل والوليد بن عقبة فكانت موقعة مرج الصفر حيث التقى الجيشان قرب بحيرة طبرية, فقدر الله تعالى أن يبتلى المسلمين بهذه المعركة فالتف الروم حولهم والتقى أمير جيش الروم باهان بابن قائد جيش المسلمين سعيد بن خالد بن سعيد فاستشهد سعيدا.
وتأتي الحنكة العسكرية للصحابي الجليل خالد فينسحب كما أمره الصديق رضي الله عنه عندما أحيط بهم فقد نصب المسلمون الكمائن في طريق الرجعة وعند انسحابهم على ظهور الخيل قام العسكري المحنك عكرمة بتنفيذ هذه الكمائن ريثما استكمل الجيش الإسلامي انسحابه من حدود الشام.
ولكن هل انتهت المعركة؟ لا.. لقد كان للروم وأتباعهم من العرب يوما اسودا مع أربعة جيوش حشدها صديق الأمة لتكسر شوكتهم في معركة اليرموك واجنادين.
من هذه المعركة نلخص الدروس التالية:
1- طاعة الأمير والالتزام بأوامره لان فيها نجاة بعد التوكل على الله.
2- الانسحاب في المعارك والكر والفر هو أسلوب لا يخل بمبدأ التوكل على الله أو شجاعة المسلمين.
3- تامين طرق الانسحاب والكمائن للعدو هو جزء من التوكل على الله تعالى.
4- الحذر من وصول المعلومات إلى العدو وفي الوقت ذاته تتبع أخبار العدو لكي لا يفاجئ الجيش الإسلامي بعدده وعدته.
5- مخاطبة الأمير في كل صغيرة وكبيرة وطلب المدد لا يخل بمبدأ التوكل.
6- المبدأ العسكري للصديق ( أقدم ولا تحجم واستنصر الله).
7- الدور الفعال لمباغتة العدو قبل تنظيم صفوفه.
8- دور عملاء الروم العرب في قبائل الشام وكان الروم يستخدمونه كالعبيد وما أشبه اليوم بالبارحة.
نسأله تعالى أن يفتح على المسلمين وان يرزقهم أميرا كأمير معركة مرج الصفر وجيشا كذلك الجيش وان يرزقنا إتباع خطوات أولئك السلف انه سميع مجيب

AbduLraHmN 12-09-09 08:32 PM

معركة الولجة



التي وقعت في بلاد الرافدين في ماي 633 بين جيش الخلفاء الراشدون بقيادة خالد بن الوليد و الامبراطورية الفارسية و حلفاءها من العرب المسيحيين. في هده المعركة كانت قوات الفرس ضعف قوات المسلمين. هزم خالد بن الوليد القوات الفارسية رغم تفوقها العددي بنسخة مطورة عن حركة الكماشة التي استخدمها حنبعل ضد الرومان في معركة كاناي.




خلفية المعركة

بعد وفاة النبي محمد (ص)،خلفه أبو بكر الصديق. في خلال 27 شهرا، سحق تمرد القبائل العربية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية أثناء حروب الردة واستعاد سلطة المدينة في الجزيرة العربية. بمجرد أن أخمدت نار الردة ،بدأ أبو بكر الفتوحات الإسلامية و هي حملات ضد الامبراطورية الفارسية و الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) ، و بعد بضعة عقود ستؤدي تلك الحملات إلى قيام واحدة من أكبر الامبراطوريات في التاريخ. بعد حروب الردة قام رئيس قبيلة بمهاجمة المدن الفارسية في العراق بنجاح، فقرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه توسيع حدود الدولة الإسلامية. بدأ مع العراق، احدى اغنى الولايات الفارسية. تكون الجيش الدي فتح بلاد فارس اساسا من المتطوعين للجهاد، تحت امرة احسن قائد عسكري انداك خالد بن الوليد.
بدات حرب المسلمين ضد الإمبراطورية الفارسية في نيسان/ابريل 633 م وهزم الجيش المسلم في معركتين متتاليتين : معركة ذات السلاسل و معركة نهر الدم. كان هدف المسلمين الاستيلاء على مدينة الحيرة. بعد معركة نهر،عاد جيش الخلفاء الراشدون تحت قيادة خالد بن الوليد مرة أخرى لحيرة؛في الوقت نفسه وصلت انباء الهزيمة في معركة نهر إلى قطسيفون. كان قادة الجيوش الفارسية المهزومة في بلاد الرافدين ليسوا فقط الأكثر خبرة لكنهم انهم كانوا أيضا الأقرب إلى الملوك الفارسيين، ولذلك قرر اردشير الثالث عدم اتخاذ أي فرص.

الجيش الفارسي

أمر الامبراطور الساساني، ادرشير الثالث بتركيز جيشين آخرين في نفس يوم معركة نهر الدم.
بعد أوامر ادرشير الثالث ، بدأت القوات الفارسية بالتجمع في العاصمة الامبراطورية. جاءوا من كل المدن والحاميات باستثناء من يحرسون الحدود الغربية مع الامبراطورية الرومانية الشرقية. في أيام قليلة كان الجيش الأول مستعدا.توقع مستشارو الامبراطورية الفارسية العسكريون ان المسلمين سيسيرون مع الفرات إلى الشمال الغربي في العراق، لأنهم يعرفون أن القوات العربية عبر التاريخ لا تتحرك بعيدا عن الصحراء، و التي تستخدمها للتراجع في حالة الهزيمة. بعد توقع تحرك جيش المسلمين صوب الغرب، اختار ادرشير الثالث الولجة كالمكان الذي سيوقف فيه خالد بن الوليد و يدمير جيشه. أول جيوش الامبراطورية الفارسية وصلت إلى قطسيفون و وضع تحت قيادة اندرزغار حاكم خراسان. اندرزغار أمر جيشه بالتقدم للولجة ، حيث سيلتحق به الجيش الثاني قريبا. انطلق الجيش الأول من قطسيفون ، وانتقل على طول الضفة الشرقية من دجلة ، عبر دجلة في كاسكار، وانتقل إلى الجنوب الغربي إلى الفرات، بالقرب من الولجة، عبر الفرات و أنشئ معسكره في الولجة.

جيش المسلمين

كانت معركة نهر الدم نصرا هاما للمسلمين. فمع انخفاض خسائرهم، هزم المسلمون جيشا فارسيا كبيرا و حصلوا على كمية هائلة من الغنائم. آنداك بدأ المسلمون يدركون ضخامة موارد الامبراطورية الفارسية ؛ لكنهم لم يخوضوا سوى معركتين منفصلتين مع جيشين منفصلين و المسلمون هم الدين اختاروا أرض المعركة و لا يزالون سوى على هوامش الإمبراطورية. و ندكر ان الفرس يمكنهم صف عدة جيوش ميدانية في ان واحد كمثل تلك التي خاضت في معركة كازيما و معركة نهر الدم. نظم خالد شبكة عملاء فعالة تعلمه بمواقع الفرس. العملاء هم من العرب المحليين الذين كانوا معادين للفرس. أبلغ العملاء خالد عن تركيز الجيوش الفارسية الجديد في الولجة، و عن أعدادهم الكبيرة.
كان خالد مصمما على الحصول على الحيرة ، و الولجة كانت في طريقه اليها.
مع جيش من حوالي 15،000 رجل ، انطلق خالد في اتجاه مدينة الحيرة ، وتحرك على نحو سريع على طول الحافة الجنوبية من المستنقعات. قبل أيام قليلة من توقع باهمان، بدا الجيش المسلم في الظهور في الأفق الشرقي، أقام مخيمه على مسافة قريبة من الولجة.

مناورة خالد



أعداد كبيرة من الفرس الساسانيين كانوا قد فروا من المعارك السابقة عادوا إلى حمل السلاح مرة أخرى. الناجون من معركة ذات السلاسل انضموا إلى قارين و قاتلوا في معركة نهر الدم. الناجون من معركة نهر الدم انضموا إلى اندرزاغار والآن اتجهوا نحو الولجة. واجه المسلمون هاجسان، و استراتيجية واحدة و تكتيك واحد:
الاستراتيجية : كان جيشان من الفرس على وشك أن يجمعا للاعتراض للمسلمين. لحل هذه المشكلة، القائد الأعلى للقوات المسلمة خالد بن الوليد عزم على الهجوم بسرعة، والمحاربة، والقضاء على الجيش الأول (جيش اندرزاغار) ثم الجيش الثاني (جيش باهمان) قبل وصوله إلى مكان المعركة.
التكتيك : منع مقاتلي العدو من الهرب من خضم معركة و اعادة تنظيم صفوفهم و العودة لمواصلة القتال. لذلك، قرر خالد احاطة الجيش الفارسي، والانقضاض عليه من الخلف، وتدمير جيشهم في هذا الوقت. استراتيجية خالد كانت نوعا من حركة الكماشة.
اعطى خالد توجيهاته إلى سويد بن مقارن لرؤية الادارة للمناطق التي غزاها مع فريق من المسؤولين، ونشرت مفارز لحراسة دجلة من احتمال عبور العدو و هجومه من الشمال والشرق، وإعطاء أي تحذير عن قوات جديدة للعدو في تلك الاتجاهات.



موقع المعركة

أرض المعركة تكونت من سهل شاسع ممتد بين مرتفعين يمتدان إلى حوالي ميلين و بارتفاع 30 قدما. الشمال الشرقي من السهل يتداخل مع صحراء قاحلة. على مقربة من الشمال الشرقي يظهر لنا فرع من الفرات يسمى بنهر خاسف.

المعركة

كان اندرزاغار واثق من النصر، حتى إنه لم يزعج نفسه بالانسحاب إلى ضفة النهر، على بعد ميل واحد، ليتمكن من استخدام النهر لحماية عمق الجيش .


في ايار/مايو 633، تم نشر الجيشين لخوض المعركة، ولكل منهما مركز وأجنحة. أجنحة المسلمين كانت بقيادة عاصم بن عمرو و عاصي بن حاتم.انتشر الجيش الفارسي في وسط السهل، و كان مواجها للشرق وللجنوب الشرقي، و في الجنوب الغربي كانت وراءه التلال. شكل خالد جيشه أمام تلال الشمال الشرقي، في مقابل الجيش الفارسي. وسط ساحة المعركة، أي نقطة الوسط بين الجيشين، كانت تبعد حوالي ميلين إلى الجنوب الشرقي من عين الموهاري ، و على بعد 35 ميلا إلى الجنوب الشرقي تقع النجف و 6 اميال إلى الجنوب الشرقي تقع خش الصنافية. معظم قوات المسلمين تالفت من المشاة، مع عدد قليل من الفرسان. توقع الفرس ان يكون جسش خالد أكبر بكثير. في الليلة التي سبقت معركة الولجة ارسل خالد اثنين من ضباطه بشر بن أبي رحم و سعيد بن مارا و جعل كل منهما قائدا على قوة متحركة تتكون من نحو 2،000 فارس و امرهم على النحو التالي :
سوف يأخذ كل منهما فرسانه خلال الليل و يتحرك بسرعة في الجنوب من مخيم الفرس.
عند الوصول إلى الجانب الآخر من سلسلة التلال التي تمتد وراء مخيم الفرس، سيخفيان الرجال و لكن يحتفظان بهم على أهبة الاستعداد للتحرك خلال فترة قصيرة.
عند الصباح ستبدأ المعركة، و سيبقون رجالهم وراء التلال، وسيضعون عددا من المراقبين لانتظار إشارة خالد.
عندما يعطي خالد إشارته، سيهاجمان القوات الفارسية من المؤخرة، و كل مجموعة ستهاجم جناحا. [2]
http://upload.wikimedia.org/wikipedi..._adil_rais.gif


خطة الكماشة التي طبقها خالد بن الوليد في معركة الولجة. احاط المسلمون بالفرس و دمروا جيشهم ██ جيش الخلفاء الراشدون ██ جيش الفرس


صدرت الأوامر اللازمة من خالد لمن كان يجب ان يعرف هذه الخطة، حتى يتسنى تنظيم و تحضير قوات الضربة دون حدوث أي توقف و بسرية تامة، لدا لم يتم اعلام المقاتلين المسلمين العاديين شيئا من مناورة حركة الكماشة. شكل خالد جيشه بال 10،000 المتبقية قبالة الجيش الفارسيالساساني. استراتيجية القائد الأعلى للقوات الفارسية، اندرزاغار، كان تعتمد على الدفاع وترك المسلمين يهاجمون أولا. اعتزم وقف هجماتهم حتى تصبح دون فائدة، و بعد ذلك الشروع في هجوم مضاد لهزيمة جيش المسلمين. المرحلة الأولى من المعركة كانت وفق خطة اندرزاغار. خالد أمر الجيش بشن هجوم عام. كان للجيش الفارسي احتياطات ستحل محل الرجال في خط المواجهة، الأمر الذي يتيح لهم التحكم في جيش المسلمين ومساعدتهم على تنفيذ مخططهم لاستهلاك جيش خالد. خلال هذا الوقت، بارز خالد بن الوليد يقال مع بطل الفرس العملاق الدي يطلق عليه «هزار مارد وقتله، فكان هدا نصرا نفسيا للمسلمين. [3].
كانت المرحلة الأولى قد انتهت. المرحلة الثانية من المعركة بدأت مع هجوم مضاد لجيش الفرس. وربما شاهد اندرزاغار علامات التعب على الجنود المسلمين،لدا احتكم على أن هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم المضاد.للجيش الفارسي فرع من سلاح الفرسان الثقيل قفز إلى الأمام وضرب المسلمين.
تمكن المسلمون من احتجازهم لبعض الوقت، لكن الفرس زادوا الضغط . كان هناك تراجع مبهم للجيش الإسلامي و وقف للهجوم حتى اصدار تعليمات أخرى من خالد بن الوليد. اعطى خالد في النهاية الإشارة على المضي قدما. اللحظة القادمة، من خلال افق التلال التي تمتد وراء ظهر الجيش الفارسي ظهرت فرقتان من المحاربين واحدة من وراء الجناح الفارسي الايمن، و أخرى من وراء الجناح الفارسي الايسر. سلاح الفرسان المسلمين الخفيف، المعروف بسرعته التي لا تصدق، و امكانيته على تنفيد المناورات والتراجع و الهجوم مرة أخرى، لم يكن سلاح الفرسان الفارسي الثقيل ندا له. مع هزيمة الفرسان الفارسيين، تصاعدت الهجمات التي بدأت تحاصر الفرس. استأنف القسم الرئيسي من الجيش المسلم تحت قيادة خالد بن الوليد الهجوم على الجبهة الفارسية، وفي الوقت نفسه مد مجموعتي الفرسان لاحاطة الفرس تماما. جيش اندرزاغار كان واقعا في شرك، لا يمكن له الفرار منه.
مع ارتدادات الهجمات التي تأتي من كل الاتجاهات، الجيش الفارسي اجتمع في كتلة مترهلة، عاجزة عن استخدام السلاح بحرية أو تجنب ضربات المهاجمين. وسط الزخم الذين كانوا يريدون القتال لم يعرفوا من يقاتلون . الذين كانوا يريدون الفرار من لم يعرفوا إلى أين يذهبون. انتهت المعركة ، وألحقت خسائر فادحة إلى الجيش الفارسي. فقط بضعة آلاف من المحاربين الامبراطوريين تمكنوا من الفرار. اندرزاغار نفسه تمكن من الهرب، لكنه فر في اتجاه الصحراء العربية بدلا من الفرات وتوفي في تلك المنطقة من العطش.

ما بعد المعركة

بعد المعركة جمع خالد رجاله المستنفدين معا. و ادرك ان المعركة فرضت ضغطا رهيبا على قواته، على الرغم من انتصارهم الساحق على الفرس[4]. كانت معركة الولجة أطول[5] و أشرس المعارك التي خاضها المسلمون حتى الآن في العراق، و لذلك سعى خالد بن الوليد إلى ضمان أن تبقى معنويات المسلمين مرتفعة.
يقال ان خالد بعد المعركة بدأ بالثناء الله و الدعاء بالبركة لمحمد بن عبد الله (ص).
بعد القضاء على جيش فارسي آخر و حلفاءه العربي المسيحيين في معركة أليس ، و معركة الحيرة ، عاصمة بلاد الرافدين في أواخر أيار/مايو 633 م وتلا ذلك معركة الأنبار والنجاح في حصار عين التمر. مع سقوط المدن الرئيسية كلها في جنوب و وسط العراق، باستثناء قطسيفون ،أصبح العراق تحت سيطرة المسلمين. في 634 م امر أبو بكرخالد بن الوليد للشروع في الخجوم على سوريا مع نصف جيشه لقيادة الفتح الإسلامي لسوريا.كما ترك سينا بن حاريص خليفة لخالد. الفرس، في ظل الامبراطور الجديد يزدجرد الثالث ،شكلوا جيشا جديدا و هزموا المسلمين في معركة الجسر ، و اعادة ضم العراق. كان الفتح الإسلامي الثاني للعراق تحت قيادة سعد بن أبي وقاص الذي، بعد هزيمة الجيش الفارسي في معركة القادسية في 636 ميلادية، و فتح قطسيفون. وتبع ذلك كله فتح
المدائن

AbduLraHmN 13-09-09 11:47 AM

موقعة الجمل

بعدما قـُتِل عثمان، بايع الصحابة علياً t يوم الجمعة سنة خمس و ثلاثين[1]. و عندما جاء المهاجرون و الأنصار لعليٍّ فقالو: «امدد يدك نبايعك»[2]، دفعهم. فعاودوه و دفعهم. ثم عاودوه فقال: «دعوني و التمسو غيري. و اعلمو أنِّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم. و إن تركتموني فأنا كأحدكم. و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. و أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً». و مشى إلى طلحة و الزبير فعرضها عليهما فقال: «من شاء منكما بايعته». فقالا: «لا. الناس بك أرضى». و أخيراً قال لهم: «فإن أبيتم فإنّ بيعتي لا تكون سرَّاً، و لا تكون إلا عن رضا المسلمين. و لكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني فليبايعني»[3]. فبايعه جمع من الصحابة ممن كان في المدينة و منهم طلحة و الزّبير[4]. و رُغم أكثر الصحابة كانو قد تفرّقو بالأمصار ليعلمو الناس، فغياب البعض لا يطعن في خلافته بأي حال.
و على أية حال فلو كانت نظرية النص و التعيين –التي يزعمها الإمامية– ثابتة و معروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز للإمام أن يدفع الثوار و ينتظر كلمة المهاجرين و الأنصار متخلياً عن فرضٍ من فروض الله. كما لا يجوز له أن يقول: «أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً» كما هو ثابت من أوثق كتبهم: نهج البلاغة[5]!
لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة، و كذلك خرج عبد الله بن عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة. و اجتمع طلحة و الزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة –رضي الله عنهم أجمعين– بعد نظر طويل على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان t، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان، و دليل ذلك حديث الحوأب. ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش ليلاً على منطقة يقال لها الحوأب، عند مياه بني عامر، فنبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالو: ماء الحوأب. قالت: ما أظنني إلا راجعة. فقال الزبير: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت إن رسول الله r قال لها ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»[6]. و عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r لنسائه: «ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فتنبحها كلاب الحوأب. يُقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت»، أي بعدما كادت تـُقتل[7].
كان جيش مكة قد وصل خلال تلك الفترة إلى البصرة، فأرسل عثمان بن حنيف t –و هو والي البصرة من قبل علي– إليهم يستفسر عن سبب خروجهم فكان الجواب: «إن الغوغاء من أهل الأمصار و نزاع القبائل غزو حرم رسول الله r، و أحدثو فيه الأحداث، و آوو فيه المحدِثين، و استوجبو فيه لعنة الله و لعنة رسوله، مع ما نالو من قتل أمير المسلمين بلا ترة و لا عذر، فاستحلو الدم الحرام فسفكوه، و انتهبو المال الحرام، و أحلو البلد الحرام و الشهر الحرام. فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، و ما فيه الناس وراءنا، و ما ينبغي لهم أن يأتو في إصلاح هذا. و قرأت ]لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس[».
لكن الأمور ساءت و خرجت عن حد السيطرة لعدة أمور، فنشب قتال بين جيش طلحة و الزبير و بين قتلة عثمان (الذين كانو من البصرة) و عشائرهم التي دافعت عنهم، و انهزم قتلة عثمان شر هزيمة، و سلّمتهم عشائرهم كلهم (إلا واحداً) للقصاص و كانو حوالي 600 رجل. و لكن هذه العملية تسببت في قتل الكثير من المسلمين الذين حاولو الدفاع عن القتلة لمجرد أنهم من عشائرهم. و هنا نجد أن تأثير العصبية القبلية الجاهلية قد عاد يقوى عند تلك القبائل التي أسلمت في آخر عهد الرسول r، ثم استقرت في الأمصار بعيدة عن مركز الدولة. و هذا هو السبب الذي دعى علياً لتأخير القصاص من قتلة عثمان، حتى تهدئ النفوس، و يوطد مركز الخلافة و يتقدم أولياء عثمان (أي معاوية و بقية بني أمية) بالدعوى عنده على معيّنين، فيحكم لهم بعد إقامة البيّنة عليهم، فلا يستطيع أحدٌ أن يدافع عنهم إذا ثبتت التهمة.
أما أن تكون المطالبة بذلك الشكل، فإنه يوتّر الموقف و سيؤدي لقتل الكثير من الأبرياء. فهنا أدرك علي خطورة الموقف، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية. فاستنفر أهل المدينة للخروج معه، فاجتمع معه حوالي سبعمئة رجل، و اعتزل أكثر الصحابة هذه الفتنة. فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغو تسعمئة رجل[8]. و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف، لكن علياً رفض ذلك و أصر على الخروج[9]. و سيأتي معنا ندمه على ذلك.
و قد جاءت روايات لتبين أن علي خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل. و هذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقداً العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريباً من أهل الشام، و لم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل[10]. فلمّا سمع بأنباء القلاقل التي حدثت في البصرة و أدت إلى خروج عامله عنها، قرّر تغيير وجهة السير. فأرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، و هما محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أبا موسى الأشعري –والي الكوفة لعلي– التزم موقف اعتزال الفتنة و حذر الناس من المشاركة فيها[11]. ثم أرسل عبد الله بن عباس و أتبعه ابنه الحسن و عمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين[12].
و روى البخاري في صحيحه: لما بعث علي عماراً و الحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا و الآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. و روى كذلك عن أبي مريم قال: لما سار طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة، بعث علي عمار بن ياسر و الحسن بن علي، فقدما إلى الكوفة فصعدا الْمِنْبَر. فقال عمار: «إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَ وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ r فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ لَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ».
قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث أن عماراً كان صادق اللهجة و كان لا تستخفه الخصوصية إلى أن ينتقص خصمه، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من حرب»[13]. و هنا يجدر التنبيه إلى أن كلام عمار t عن عائشة t مبني على عدم معرفة عمار بحقيقة خروج أصحاب الجمل، و هو أنهم قد خرجو للإصلاح بين الناس[14].
و إنما جعل الله هذه الفتنة ليري الناس أن المرأة مهما علا مركزها و بلغ تقواها و رجاحة عقلها فإنها لا تصلح للحكم. فقد روى البخاري: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ». قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ r أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُو عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَ لَّو أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[15].
و في ذلك ردٌّ بليغ على من أجاز تولّي المرأة الولايات العامة، و حصر النهي بالخلافة. فإن عائشة t لم تتولّى أيّة ولاية، بل و لا حتى قيادة الجيش العسكرية، و لكن وجودها في الجيش كان العامل الأكثر تأثيراً على الناس لانضمامهم له[16]. و إذا انطبق هذا الحديث على أم المؤمنين عائشة t و هي خير نساء هذه الأمة و أفقههن و أحبهن إلى رسول الله r، فمن باب الأولى أن ينطبق على من هم أدنى منها. و من أفضل من أم المؤمنين عائشة t و هي أرجح نساء رسول الله r عقلاً و هي بنت الصديق التي نشأت في بيته؟ أخرج البخاري: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ». و أخرج أيضاً أن النَّبِيِّ r قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام». و أخرج مسلم في صحيحه: عَنْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟». قَال:َ «عَائِشَةُ». قُلْتُ: «مِنَ الرِّجَالِ». قَالَ «أَبُوهَا». أي أبي بكر الصديق. قُلْتُ: «ثُمَّ مَنْ؟». قَالَ: «عُمَرُ».
على أية حال فقد قدم على علي وفد الكوفة بذي قار فقال لهم: «يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم، و قد دعوتكم لتشهدو معنا إخواننا من أهل البصرة. فإن رجعو فذاك الذي نريده، و إن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بالظلم. و لن ندع أمراً فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى»[17].
فسار الجيشين حتى التقيا، فاجتمع طلحة و الزبير و علي، فوضّح لهم وجهة نظره فاقتنعو بها، و قّررو ضمّ جيشهم إلى جيشه. فلمّا رآى ذلك، نادى في الناس أن لا يلحق بهم قتلة عثمان لأنه يريد أن يفتك بهم بعدما قوي جيشه. و اطمأنت نفوس الناس و سكنت، و اجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، و رجعت عائشة إلى البصرة. فلمّا أمسو بعث علي عبد الله بن العباس إليهم، و بعثو إليه محمد بن طليحة السجاد و بات الناس بخير ليلة، و بات قتلة عثمان (و معهم عبد الله بن سبأ) بشرِّ ليلة، و باتو يتشاورون ثم أجمعو على أن يثيرو الحرب من الغلس. فنهضو قبل طلوع الفجر و هم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى السيوف، و ثارت الفتنة. وقال جيش البصرة طرقتنا أهل الكوفة ليلاً و بيّتونا و غدرو بنا، و ظنو أن هذا عن تدبيرٍ و علمٍ من أصحاب علي. و بلغ الأمر علي فقال: ما للناس؟! فقالو بيتنا أهل البصرة. فثار كل فريق لسلاحه و لبسو اللاّمة و ركبو الخيول. و لم يدري أحد بسبب تلك الشرارة الشيطانية التي أشعلت النار بين الفريقين بعدما نامو تلك الليلة في خير حال.
و تبارز الفرسان و جالت الشجعان، فنشبت الحرب، و تواقف الفريقان، و كان أمر الله قدراً مقدوراً. وقامت الحرب على قدمٍ و ساق، و تبارز الفرسان، و قد اجتمع مع كل طرفٍ حوالي عشرة آلاف مقاتل[18]. فإنا لله و إنا إليه راجعون. و أصحاب ابن سبأ قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: «ألا كفو ألا كفو».
هنا ذهب كعب بن سور بالخبر إلى أم المؤمنين بالبصرة، فقال لها: «أدركي الناس قد تقاتلو». فوضع لها الهودج فوق الجمل، فجلست فيه و غطي بالدروع، و ذهبت إلى أرض المعركة لعل أن يوقف الناس القتال عندما يشاهدونها. فلما وصلت، أعطت عائشة المصحف لكعب و قالت له: «خلِّ البعير و تقدم، و ارفع كتاب الله و ادعهم إليه». فشعر أهل الفتنة بأن القتال سيتوقف إذا تركو كعباً يفعل ما طُلب منه، فلما قام كعب و رفع المصحف و أخذ ينادي، تناولته النبال فقتلوه[19].
ثم أخذو بالضرب نحو الجمل، بغية قتل عائشة لكن الله نجاها، فأخذت تنادي: «أوقفو القتال»، و أخذ علي ينادي و هو من خلف الجيش: «أوقفو القتال»، و قادة الفتنة مستمرين. فقامت أم المؤمنين بالدعاء عليهم قائلة: «اللهم العن قتلة عثمان». فبدأ الجيش ينادي معها. و كان علي جالس في آخر جيشه يبكي ما أصاب المسلمين، فسمع ذلك فصار يلعن قتلة عثمان كذلك. فارتفعت أصوات الدعاء في المعسكرين بلعن قتلة عثمان، و قتلة عثمان مستمرين بالقتال[20]. ثم أخذو –لعنهم الله– يرشقون جمل أم المؤمنين بالنبال، و علي يصرخ فيهم أن كفو عن الجمل، لكنهم لا يطيعونه. فصار الجمل كالقنفذ من كثرة النبال التي علقت به[21].
ثم قال عبد الله بن بديل لعائشة: «يا أم المؤمنين. أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان، فقلتُ ما تأمريني، فقلتِ الزم علياً؟». فسكتت. فقال: «اعقرو الجمل». فعقروه. قال: «فنزلت أنا و أخوها محمد، و احتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي. فأمر به علي فأدخل في بيت عبد الله بن بديل»[22].
هنا علي t أصدر الأوامر بأن «لا تلحقو هارباً، و لا تأخذو سبياً». فثار أهل الفتنة و قالو: «تُحِلُّ لنا دمائهم، و لا تحل لنا نسائهم و أموالهم؟». فقال علي: «أيكم يريد عائشة في سهمه؟». فسكتو. فنادى: «لا تقتلو جريحاً، و لا تقتلو مُدبراً، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه، فهو آمن»[23]. بعدها علي ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة و الاطمئنان عليها، فقال لها: «غفر الله لكِ»، قالت: «و لك. ما أردت إلا الإصلاح بين الناس»[24].
و الذي نريد أن نقوله هنا أن موقعة الجمل لم تعبر لا عن صراع مذهبي، و لا صراع عقائدي، و لا حتَّى صراع عصبي. و إنما كانت فتنة أراد كل طرف فيها أن يصل إلى الحق حسب مفهومه. لذلك قال الإمام الذهبي «قد عرف الجميع، العالم و الجاهل، ان طلحة والزبير و عائشة –رضي الله عنهم– لم يخرجو للقتال أبداً، و إنما وقع القتال بسبب ترامي غوغاء من الطرفين». فإن ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة –مع اجتهادهم فيها و تأوّلهم– حزنهم الشديد و ندمهم لما جرى، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، و تأثّر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال.
و الحقيقة أن أغلب من شَهِدَ المعركة من الصحابة لم يشترك بالقتال فيها. فعلي بن أبي طالب t جلس وراء الجيش يبكي حال المسلمين. قال الحسن بن علي t: «لقد رأيت عليا يوم الجمل يلوذ بي وهو يقول: يا حسن! ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة». وهذا الزبير بن العوام t يقول: «إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نُحَدَّثُ عنها». فقال مولاه: «أتسمّيها فتنةٌ و تقاتل فيها؟!». قال: «ويحك، إنَّا نبصر و لا نبصر. ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدميّ فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدري أمقبلٌ أنا فيه أم مدبر»[25].
و لمّا رآه علياً ناداه، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما فقال له علي: «أتذكر يوما أتانا رسول الله r و أنا أناجيك؟ فقال: أتناجيه! و الله ليقاتلنك يوماً و هو لك ظالم!» فتذكر الزبير ذلك الحديث، فضرب وجه دابته فانصرف، و عزم على العودة إلى المدينة. فعرض له ابنه عبد الله فقال: «مالك؟». قال: «ذكرّني علي حديثاً سمعته من رسول الله r و إني راجع»، فقال له ابنه: «و هل جئت للقتال؟! إنما جئت تصلح بين الناس، و يصلح الله هذا الأمر»[26]. لكنه بعد أن ابتعد على ساحة المعركة، لحق به أحد الأشقياء فقتله غدراً و هو يصلّي، ثم عاد إلى علي و هو يظن أنه يكافئه. لكن علي ذكر حديثاً سمعه من رسول الله r: «بَشِّرْ قَاتِلَ اِبْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ»[27]. فعلم ذلك الشقي أن علياً قاتله، فهرب، فلحقه المسلمون، فقتل نفسه و انتحر.
و كذلك طلحة t، لم يشارك بالقتال و إنما جلس في آخر الجيش يبكي على ما أصاب المسلمين، فأصابه سهمٌ غادر، فنزف حتى مات. قال الإمام الشعبي: «لمّا قُتِل طلحة و رآه علي مقتولاً، جعل –أي علي– يمسح التراب عن وجهه و يقول: عزيزٌ عليَّ أبا محمد أن أراك مُجدّلاً تحت نجوم السماء. ثم قال: إلى الله أشكو عجزي و بجري[28]. و بكى عليه هو و أصحابه، و قال: يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة»[29]. و هذه أم المؤمنين عائشة t، تقول: «إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني، و لم أحسب أن يكون بين الناس قتال، و لو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً»[30].
ثم انظر ما كان من حزن عليٍ t على طلحة و الزبير (رضي الله عنهما) و انظر إلى قوله: «فينا و اللّه أهل بدر نزلت هذه الآية: ]و َنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخواناً على سرر متقابلين[31]. و سئل علي عن أهل الجمل قيل: «أمشركون هم؟». قال: «من الشرك فرو». قيل: «أمنافقون هم؟». قال: «إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً». قيل: «فما هم؟». قال: «إخواننا بغو علينا، فقاتلونا فقاتلناهم. و قد فاؤو، و قد قبلنا منهم». و على أية حال فالعدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل كان ضئيلاً جداً، حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا[32

AbduLraHmN 13-09-09 11:50 AM

معركة صفين
بعد وقعة الجمل استعد على بن أبي طالب لمحاربة معاوية، وتحرك بجيشه الكبير الذي يبلغ عدده 100 ألف إلى صفين، وهو سهل يقع على الجانب الغربي لنهر الفرات شمال بلدة الرقة، وفي الوقت نفسه استعد معاوية لهذه المعركة الحاسمة بجيش يقترب من جيش علي، وقبل المعركة دارت مراسلات بينهما بلغت أكثر من شهر ما بين أواخر شهر ذي الحجة سنة 36 هـ إلى بداية شهر المحرم 37هـ، لكنها لم تؤدِّ إلى نتيجة، وفي غرة صفر من عام 37هـ اشتعلت الحرب بين الفريقين، وظلت 10 أيام متصلة قتل خلالها الآلاف من المسلمين، واشتد الخطب على الفريقين، ووقعت الخسائر الضخمة في جانب جيش معاوية، وأصبحت هزيمتهم قاب قوسين أو أدنى، وعند ذلك رأى معاوية أن يضع حدا لهذا الأمر، فطلب من "عمرو بن العاص" الرأي والمشورة؛ حتى يمكن الإبقاء على البقية من أبطال الإسلام الذين هزموا فارس والروم فأشار عمرو بطلب التحكيم.
رفع المصاحف
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...ges/pic26a.jpg
أصدر معاوية إلى كبار رجاله بأن يرفع كل منهم مصحفا على رمحه، إشارة إلى الاحتكام إليه، وارتفعت صيحة في جيشه تقول: كتاب الله بيننا وبينكم، مَن لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومَن لثغور العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفار؟ ورُفع في جيش معاوية نحو 500 مصحف.
توقفت الحرب، وارتضى الطرفان أن يعودا إلى الحكمة وتحكيم القرآن بينهما، وأناب كل واحد منهما شخصا ينيب عنه، ويتفاوض باسمه في القضايا محل الخلاف؛ فأناب "علي" أبا موسى الأشعري، وأناب "معاوية" عمرو بن العاص، وعقد لذلك وثيقة كُتبت في يوم الأربعاء الموافق (13 من صفر سنة 37هـ = 1من أغسطس 657م) عُرفت بوثيقة التحكيم.
وجعلت الوثيقة شهر رمضان من سنة 37هـ أقصى مدة لإعلان قرار التحكيم، إلا إذا رأى الحكمان مد المدة، وفي "دومة الجندل" اجتمع الحكمان، وبعد مباحثات طويلة وصلا إلى نتيجة ظنا أنها أفضل الحلول، وهي عزل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من الخلافة، ورد الأمر إلى الأمة تختار من تشاء على أن تبقى البلاد تحت المتخاصمين في يديهما؛ فتبقى البلاد التي تحت حكم علي، وهي الدولة الإسلامية عدا الشام في يده، ويتصرف معاوية في حكم الشام التي تحت يديه.
رفض الإمام علي بن أبي طالب هذه النتيجة؛ لأن الخلاف لم يكن قائما على منصب الخلافة، وإنما على إقامة الحد على قتلة عثمان، وعلى بيعة معاوية لعلي بن أبي طالب.. وتطورت الأحداث بعد ذلك، وانقسم جيش "علي" على نفسه، وظهرت فرقة "الخوارج" الذين انشقوا عليه، واضطر علي لمحاربتهم؛ مما أضعف جبهته، واستنفد كثيرا من جهده، وشاءت الأقدار أن تكون نهايته على يد واحد من الخوارج؛ فاستشهد في (17 من رمضان سنة 40 هـ = 26 من يناير سنة 661)..

AbduLraHmN 13-09-09 11:57 AM

الدب الروسي يحلم بإستانبول
مأساة معركة سنيوب

http://www.islamonline.net/arabic/hi...ages/pic22.gif
الدولة العثمانية في أقصى اتساعها


لما بدأت في الأفق تلوح نذر اضمحلال الدولة العثمانية في القرن 12 هـ = 18م، وتظهر على ملامحها وقسمات وجهها آيات الضعف والوهن؛ تطلعت روسيا إلى التوسع على حساب العثمانيين، وإقامة وجود عسكري بحري لها على الساحل الشمالي للبحر الأسود، ثم بسط نفوذها وسيطرتها العسكرية على منطقة المضايق، وتمكين سفنها من عبور البوسفور والدردنيل وقت السلم والحرب، دون أية شروط إلى البحار الدافئة.
ولتحقيق هذه الأهداف اشتبكت روسيا في سلسلة من الحروب المتصلة ضد الدولة العثمانية، إما بمفردها وإما بالتحالف مع دول معادية للعثمانيين؛ بقصد إنهاكها، ومنعها من أن تجدد قوتها أو تلتقط أنفاسها اللاهثة؛ حتى تسقط فاقدة الوعي والإدراك، مستنفدة الجهد والموارد، فيسهل اقتسام جسدها المنهك بين الدول المتصارعة لالتهامها.
معاهدة كتشك كينجاري
دخلت الدولة العثمانية في حرب طاحنة دامت ست سنوات مع روسيا (1181 – 1187 هـ = 1768 – 1774م)، مُنيت فيها الدولة العثمانية بهزائم أليمة، أجبرتها على عقد معاهدة مخزية في ( 13 من جمادى الأولى 1188هـ = 21 من يوليو 1774م)، وهي المعروفة باسم معاهدة "كتشك كينجاري" وتحققت فيها آمال الروس بأن تحوّل البحر الأسود من بحرية عثمانية خالصة إلى بحيرة عثمانية روسية، وأصبحت الملاحة الروسية تتمتع بحُرّية التنقل في البحر الأسود دون قيد أو شرط.
وتضمنت المعاهدة أن تدفع الدولة العثمانية غرامة لروسيا قدرها 1500 كيس من الذهب، وأن يحصل الروس على حق رعاية السكان الأرثوذكس في البلاد العثمانية، وكان من شأن هذا البند أن تتدخل روسيا في شئون الدولة العثمانية بصورة مستمرة.
لقاء قيصر روسيا والسفير الإنجليزي
لم تكتف روسيا بما حصلت عليه من مكاسب من الدولة العثمانية، وإنما امتد بصرها إلى تمزيق الدولة، وتوزيع ممتلكاتها، وارتفع صوتها بشن حروب صليبية عليها، وكان ساستها يتعجبون من عدم مشاركة الدول الأوروبية لروسيا في حربها الصليبية ضد العثمانيين.. وتكشف المحادثة التي دارت بين "نيقولا" قيصر روسيا، والسير "هاملتون سيمور" سفير إنجلترا في القسطنطينية عن سياسة روسيا التوسعية.
وقد وصف القيصر الدولة العثمانية بأنها بلد آخذ في الانهيار، وأنها "رجل مريض" للغاية قد يموت فجأة، ومن الضروري أن يُتّفق على كيفية التصرف في أراضيه قبل وقوعه صريعا، وأشار إلى تسوية الأمر بين إنجلترا وروسيا دون قيام حرب بينهما، وأوضح بصراحة رغبته في استقلال دول البلقان تحت حماية روسيا، وفي الاستيلاء على العاصمة العثمانية، وفي مقابل ذلك تستولي بريطانيا على مصر، لكن هذا المشروع لم يلق نجاحًا أو يجد تجاوبًا من بريطانيا التي كانت ترفض وصول روسيا إلى المضايق.
شرارة الحرب
دأبت الدولة العثمانية على حفظ التوازن بين الروم الكاثوليك والأرثوذكس في أحقية كل منهما في إدارة أماكن الحج في القدس، ولا سيما كنيسة الميلاد في بيت لحم، وكان النزاع بينهما بسيطًا، لكنه اكتسب أهميته من تعضيد قيصر روسيا للمطالب الأرثوذكسية، في حين أن "نابليون الثالث" ملك فرنسا كان يؤيد مطالب الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، وكانت فرنسا تُعد نفسها حامية للمسيحيين في الشرق منذ زمن الحروب الصليبية، وانتهى هذا النزاع بأن أصدر السلطان "عبد المجيد" فرمانًا لصالح الكنيسة الكاثوليكية سنة (1268هـ= 1852م).
http://www.islamonline.net/arabic/hi...ages/pic56.jpg
عباس باشا الأول والي مصر

وقد أثار هذا القرار حنق القيصر الشديد، فأمر بتعبئة جيش روسي وإنفاذه إلى نهر "بروث"، وفي الوقت نفسه أوفد بعثة متغطرسة إلى إستانبول برئاسة الأمير متشيكوف، لا لتطلب ترضية عاجلة فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، بل تطالب بعقد معاهدة بين الدولتين، تفوق في إجحافها بحقوق الدولة العثمانية كل المعاهدات السابقة مع روسيا؛ حيث تضمن للقيصر حق حماية جميع الرعايا الأرثوذكس الذين يعيشون تحت كنف الدولة العثمانية، فرفض السلطان هذه المطالب.
الجيش المصري في حرب القرم
عبرت الجيوش الروسية نهر بروث في (شوال 1269 هـ = 1853م)، واحتلت ولايتي ولاشيا، ومولدافيا (رومانيا حالياً) وفشلت الجهود السلمية في حل الموقف المتداعي؛ فأرسل السلطان عبد الحميد يطلب نجدة من مصر، فامتثل "عباس باشا الأول" والي مصر وأمر بتجهيز أسطول من اثنتي عشرة سفينة، مزودة بنحو 6850 جنديًا بحريًا و642 مدفعًا تحت قيادة "حسن باشا الإسكندراني" أمير البحر المصري، بالإضافة إلى جيش بري بقيادة "سليم فتحي باشا"، يضم نحو 20 ألف جندي، مزودين بالآلات والسلاح.
http://www.islamonline.net/arabic/hi...ages/pic58.jpg
الفريق حسن باشا الإسكندراني

وقد سجل المؤرخ المصري "عمر طوسون" أخبار هذه النجدة مفصلة تمامًا في كتابه القيم: "الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم".
مأساة سينوب
أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا في (1 من المحرم 1270هـ = 4 من أكتوبر 1853م)، وأرسلت قسمًا من أسطولها البحري إلى ميناء "سينوب" على البحر الأسود، وكان يتألف من ثلاث عشرة قطعة بحَرية بقيادة "عثمان باشا"، ثم وصل إلى الميناء بعض القطع البحرية الروسية في (18 من المحرم 1270هـ = 21 من أكتوبر 1853م) بقيادة "ناخيموف" قائد الأسطول الروسي، لتكشف مواقع الأسطول العثماني، وتعرف مدى قوته، وظلت رابضة خارج الميناء، محاصرة للسفن العثمانية، وأرسل ناخيموف إلى دولته لإمداده بمزيد من القطع البحرية، فلما حضرت جعل أربعًا من سفنه الحربية خارج الميناء؛ لتقطع خط الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهرب.
http://www.islamonline.net/arabic/hi...ages/pic57.jpg
خريطة موقعة بحرية

ولما توقع "عثمان باشا" غدر الأسطول الروسي، أمر قواده وجنوده بالاستعداد والصبر عند القتال، على الرغم من تعهُّد نيقولا قيصر روسيا ووعده بعدم ضرب القوات العثمانية إلا إذا بدأت هي بالقتال، لكن القيصر حنث في وعده؛ إذ أطلقت السفن الروسية النيران على القطع البحرية العثمانية التي كانت قليلة العدد وضئيلة الحجم إذا ما قورنت بالسفن الروسية، وذلك في (28 من صفر 1270هـ = 30 من نوفمبر 1853م)، وأسفرت المعركة عن تدمير سفن الدولة العثمانية، واستشهاد أكثر بحارتها.
وقد أثار هذا العمل غضب فرنسا وإنجلترا، فقررتا الدخول في حرب ضد القيصر الروسي إلى جانب السلطان العثماني، واستمرت نحو عامين، وهي الحرب المعروفة بحرب القرم، ولها حديث قادم إن شاء الله.

AbduLraHmN 13-09-09 12:02 PM



الوقعة الخيرية وانتهاء اسطورة الانكشارية



http://www.islamonline.net/Arabic/hi...ages/pic42.jpg
الإنكشاريون في نهاية القرن 17 وبداية القرن 18

أطلق اسم الإنكشارية على طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين، يشكلون تنظيمًا خاصًا، لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أعظم فرق الجيش العثماني وأقواها جندًا وأكثرها نفوذًا، ولا يعرف على وجه الدقة واليقين وقت ظهور هذه الفرقة، فقد أرجعها بعض المؤرخين إلى عهد "أورخان الثاني" سنة (724هـ=1324م) على أن هذه الفرقة اكتسبت صفة الدوام والاستمرار في عهد السلطان مراد الأول سنة (761هـ=1360م)، وكانت قبل ذلك تسرّح بمجرد الانتهاء من عملها.
وامتاز الجنود الإنكشاريون بالشجاعة الفائقة، والصبر في القتال، والولاء التام للسلطان العثماني باعتباره إمام المسلمين، وكان هؤلاء الجنود يختارون في سن صغيرة من أبناء المسلمين الذين تربوا تربية صوفية جهادية، أو من أولاد الذين أسروا في الحروب أو اشتروا بالمال.
وكان هؤلاء الصغار يربون في معسكرات خاصة بهم، يتعلمون اللغة والعادات والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامي، وفي أثناء تعليمهم يقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعد للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويطلق على أفرادها الإنكشارية، أي الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا.
معيشة الإنكشارية
وكانت الدولة تحرص على منع اتصال الإنكشارية بأقربائهم، وتفرض عليهم في وقت السلم أن يعيشوا في الثكنات، التي لم تكن تحوي فقط أماكن النوم لضباطهم وجنودهم، بل كانت تضم المطابخ ومخازن الأسلحة والذخائر وكافة حاجاتهم المدنية.
وخصصت الدولة لكل "أورطة" من الإنكشارية شارة توضع على أبواب ثكنتها، وعلى أعلامها وخيامها التي تقام في ساحة القتال، وجرت عادة الجنود أن ينقشوا شاراتهم المميزة على أذرعهم وسيقانهم بالوشم، وكانت ترقياتهم تتم طبقًا لقواعد الأقدمية، ويحالون إلى التقاعد إذا تقدمت بهم السن، أو أصابتهم عاهة تقعدهم عن العمل، ويصرف لهم معاش من قبل الدولة. وكانت الدولة تحرّم عليهم الاشتغال بالتجارة أو الصناعة حتى لا تخبوا عسكريتهم الصارمة، وينطفئ حماسهم المشبوب.
ويطلق على رئيس هذه الفئة "أغا الإنكشارية"، وهو يعد من أبرز الشخصيات في الدولة العثمانية، لأنه يقود أقوى فرقة عسكرية في سلاح المشاة، وكان بحكم منصبه يشغل وظيفتين أخريين، فهو رئيس قوات الشرطة في إستانبول، المسئول عن حفظ النظام واستتباب الأمن، وهو في الوقت نفسه عضو في مجلس الدولة.
وكان لرئيس الإنكشارية مقر خاص في إستانبول، ومكاتب في الجهات التي تعمل الفرقة بها، ويختاره السلطان من بين ضباط هذا السلاح، وظل هذا التقليد متبعًا حتى عهد السلطان سليمان القانوني، الذي جعل اختيار رئيس الإنكشارية من بين كبار ضباط القصر السلطاني، وذلك للحد من طغيان هذه الفرقة.
أهمية الإنكشارية
عرف الإنكشاريون بكفايتهم القتالية ووفرتهم العددية، وضراوتهم في الحرب والقتال، وكانوا أداة رهيبة في يد الدولة العثمانية في حروبها التي خاضتها الدولة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وكان لنشأتهم العسكرية الخالصة وتربيتهم الجهادية على حب الشهادة واسترخاص الحياة أثر في اندفاعهم الشجاع في الحروب واستماتتهم في النزال، وتقدمهم الصفوف في طليعة الجيش، وكانوا يأخذون مكانهم في القلب، ويقف السلطان بأركان جيشه خلفهم. وقد استطاعت الدولة العثمانية بفضل هذه الفرقة الشجاعة أن تمد رقعتها، وتوسع حدودها بسرعة، ففتحت بلادًا في أوروبا كانت حتى ذلك الوقت خارج حوزة الإسلام.
وقد أشاد المؤرخون الغربيون بهذه الفرقة باعتبارها من أهم القوات الرئيسية التي اعتمدت عليها الدولة في فتوحاتها، فيقول "بروكلمان" المستشرق الألماني: "إن الإنكشارية كانوا قوام الجيش العثماني وعماده". ويضيف المؤرخ الإنجليزي "جرانت" بأن المشاة الإنكشارية كانوا أكثر أهمية من سلاح الفرسان، وكان مصير أو مستقبل الدولة العثمانية يعتمد إلى حد كبير على الإنكشارية.
طغيان الإنكشارية
غير أن هذه الأهمية الكبيرة لفرقة الإنكشارية تحولت إلى مركز قوة نغص حياة الدولة العثمانية، وعرضها لكثير من الفتن والقلاقل، وبدلاً من أن ينصرف زعماء الإنكشارية إلى حياة الجندية التي طُبعوا عليها –راحوا يتدخلون في شؤون الدولة، ويزجون بأنفسهم في السياسة العليا للدولة وفيما لا يعنيهم من أمور الحكم والسلطان؛ فكانوا يطالبون بخلع السلطان القائم بحكمه ويولون غيره، ويأخذون العطايا عند تولي كل سلطان جديد، وصار هذا حقًا مكتسبًا لا يمكن لأي سلطان مهما أوتي من قوة أن يتجاهله، وإلا تعرض للمهانة على أيديهم.
وقد بدأت ظاهرة تدخل الإنكشارية في سياسة الدولة منذ عهد مبكر في تاريخ الدولة، غير أن هذا التدخل لم يكن له تأثير في عهد سلاطين الدولة العظام؛ لأن هيبتهم وقوتهم كانت تكبح جماح هؤلاء الإنكشاريين، حتى إذا بدأت الدولة في الضعف والانكماش بدأ نفوذ الإنكشاريين في الظهور، فكانوا يعزلون السلاطين ويقتلون بعضهم، مثلما فعلوا بالسلطان عثمان الثاني حيث عزلوه عن منصبه، وأقدموا على قتله سنة (1032هـ=1622م) دون وازع من دين أو ضمير، وفعلوا مثل ذلك مع السلطان إبراهيم الأول، فقاموا بخنقه سنة (1058هـ=1648م)، محتجين بأنه يعاديهم ويتناولهم بالنقد والتجريح، وامتدت شرورهم إلى الصدور العظام بالقتل أو العزل.
ولم يكن سلاطين الدولة في فترة ضعفها يملكون دفع هذه الشرور أو الوقوف في وجهها، فقام الإنكشاريون بقتل حسن باشا الصدر الأعظم على عهد السلطان مراد الرابع سنة (1042هـ=1632م)، وبلغ من استهتارهم واستهانتهم بالسلطان سليم الثاني أن طالبوه بقتل شيخ الإسلام والصدر الأعظم وقائد السلاح البحري، فلم يجرؤ على مخالفتهم، فسمح لهم بقتل اثنين منهم، واستثنى شيخ الإسلام من القتل؛ خوفًا من إثارة الرأي العام عليه.
محاولة إصلاح الفيالق الإنكشارية
لما ضعفت الدولة العثمانية وحلت بها الهزائم، وفقدت كثيرًا من الأراضي التابعة لها، لجأت إلى إدخال النظم الحديثة في قواتها العسكرية حتى تساير جيوش الدول الأوروبية في التسليح والتدريب والنظام، وتسترجع ما كان لها من هيبة وقوة في أوروبا، وتسترد مكانتها التي بنتها على قوتها العسكرية. لكن الإنكشارية عارضت إدخال النظام الجديد في فيالقهم، وفشلت محاولات السلاطين العثمانيين في إقناعهم بضرورة التطوير والتحديث، ولم تنجح محاولات الدولة في إغرائهم للانضمام إلى الفرق العسكرية الجديدة، وقبول المعاش الذي تقرره الدولة لمن يرفض هذا النظام.
ولم يكتف الإنكشاريون بمعارضة النظام الجديد، بل لجئوا إلى إعلان العصيان والقيام بالتمرد في وجوه السلاطين والصدور العظام، ونجحوا في إكراه عدد من السلاطين على إلغاء هذا النظام الجديد.
محمود الثاني يلغي الفيالق الإنكشارية
بعد تولي السلطان محمود الثاني سلطنة الدولة العثمانية سنة (1223هـ=1808م) رأى تطوير الجيش العثماني وضرورة تحديثه بجميع فرقه وأسلحته بما فيها الفيالق العسكرية، فحاول بالسياسة واللين إقناع الإنكشارية بضرورة التطوير وإدخال النظم الحديثة في فرقهم، حتى تساير باقي فرق الجيش العثماني، لكنهم رفضوا عرضه وأصروا واستكبروا استكبارًا.
وكان محمود الثاني ذا عزيمة شديدة، ودهاء عظيم، فحاول أن يلزم الإنكشارية بالنظام والانضباط العسكري، وملازمة ثكناتهم في أوقات السلم، وضرورة المواظبة على حضور التدريبات العسكرية، وتسليحهم بالأسلحة الحديثة، وعهد إلى صدره الأعظم مصطفى باشا البيرقدار بتنفيذ هذه الأوامر. غير أن هذه المحاولة لم تنجح وقاوموا رغبة السلطان وتحدوا أوامر الصدر الأعظم، وقاموا بحركة تمرد واسعة وثورة جامحة كان من نتيجتها أن فقد الصدر الأعظم حياته في حادث مأسوي.
لم تنجح محاولة السلطان الأولى في فرض النظام الجديد على الإنكشارية، وصبر على عنادهم، وإن كانت فكرة الإصلاح لم تزل تراوده، وازداد اقتناعًا بها بعد أن رأى انتصارات محمد علي المتتابعة، وما أحدثته النظم الجديدة والتسليح الحديث والتدريب المنظم في جيشه، وطال صبر السلطان ثمانية عشر عامًا حتى عزم مرة أخرى على ضرورة إصلاح نظام الإنكشارية؛ فعقد اجتماعًا في (19 من شوال 1241هـ=27 من مايو 1826م) في دار شيخ الإسلام، حضره قادة أسلحة الجيش بما فيهم كبار ضباط فيالق الإنكشارية، ورجال الهيئة الدينية وكبار الموظفين، ونوقش في هذا الاجتماع ضرورة الأخذ بالنظم العسكرية الحديثة في الفيالق الإنكشارية، ووافق المجتمعون على ذلك، وتلي مشروع بإعادة تنظيم القوات الإنكشارية، وأصدر شيخ الإسلام فتوى بوجوب تنفيذ التعديلات الجديدة، ومعاقبة كل شخص تسول له نفسه الاعتراض عليها.
نهاية فيالق الإنكشارية
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...ages/pic43.jpg
الإنكشاريون في أواخر أيامهم


غير أن الإنكشارية لم يلتزموا بما وافق عليه الحاضرون في هذا الاجتماع؛ فأعلنوا تمردهم وانطلقوا في شوارع إستانبول يشعلون النار في مبانيها، ويهاجمون المنازل ويحطمون المحلات التجارية، وحين سمع السلطان بخبر هذا التمرد عزم على وأده بأي ثمن والقضاء على فيالق الإنكشارية، فاستدعى السلطان عدة فرق عسكرية من بينها سلاح المدفعية الذي كان قد أعيد تنظيمه وتدريبه، ودعا السلطان الشعب إلى قتال الإنكشارية.
وفي صباح يوم (9 من ذي القعدة 1240هـ=15 من يونيو 1886م) خرجت قوات السلطان إلى ميدان الخيل بإستانبول وكانت تطل عليه ثكنات الإنكشارية، وتحتشد فيه الفيالق الإنكشارية المتمردة، ولم يمض وقت طويل حتى أحاط رجال المدفعية الميدان، وسلطوا مدافعهم على الإنكشارية من كل الجهات، فحصدتهم حصدًا، بعد أن عجزوا عن المقاومة، وسقط منهم ستة آلاف جندي إنكشاري.
وفي اليوم الثاني من هذه المعركة التي سميت بـ"الواقعة الخيرية" أصدر السلطان محمود الثاني قرارًا بإلغاء الفيالق الإنكشارية إلغاءً تامًا، شمل تنظيماتهم العسكرية وأسماء فيالقهم وشاراتهم، وانتهى بذلك تاريخ هذه الفرقة التي كانت في بدء أمرها شوكة في حلوق أعداء الدولة العثمانية

AbduLraHmN 13-09-09 12:09 PM


العامل المعنوي في موازين القوى بين طرفي الصراع في حرب العاشر من رمضان


http://www.islamonline.net/iol-arabi...0/gif/pic4.jpg

يأتي العامل المعنوي للمقاتلين قادة وضباط وصف وجنود في مقدمة العوامل التي تقاس بها موازين القوى للدول المتصارعة. ويقصد بذلك الجانب عمق الإيمان بالله تعالى، وبعدالة القضية التي يُحارب من أجلها، والثقة بالقيادات والأسلحة، مع التفاني في التدريب على إتقان كلٍّ لدوره في المعركة للدرجة التي يصل فيها إلى قناعة تامة بأنه إما تحقيق النصر وتدمير وهزيمة العدو وإما الاستشهاد دون ذلك، من خلال إدراك ويقين أن الشهادة في الحرب هي الطريق إلى جنة الخلد فداءً للشرف والعرض والدولة والأمة.
ويطلق العسكريون على هذا العامل "الكفاءة القتالية"، وتعني كفاءة استغلال ما يملكونه من قدرات تسليحية والتخطيط الإستراتيجي المتميز لاستخدامها، ثم إتقان التدريب على كافة المستويات "قادة وضباط وصف وجنود" وعلى مختلف أسلحة وإدارات وأفرع القوات المسلحة، مع المعرفة الدقيقة لنقاط القوة ونقاط الضعف في العدو، وتكليف القوات المسلحة بمهام قتالية في حدود قدراتهم وما يمتلكونه من أسلحة ومعدات قتالية؛ ليتحقق بذلك شعار هام رفعته قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر 1973م.. وهو "النصر أو الشهادة"، ويعني التفاني والتميز والإصرار على هزيمة العدو وتدمير أسلحته ومعداته واستعادة الأرض المغتصبة عام 1967م، وتحريرها والإصرار على تحقيق ذلك الهدف حتى لو أدى إلى نيل شرف الاستشهاد على طريق تحقيقه!!
ولقد كان المستوى الرفيع للكفاءة القتالية للمقاتل المصري، والتخطيط الأمثل لإعداده وبنائه معنويًّا وقتاليًّا، كان الطريق إلى النصر في أكتوبر 1973م، حيث اعتبرت تطبيقًا أمينًا ودقيقًا لقول الحق سبحانه وتعالى:
]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ..[ صدق الله العظيم
فكانت المفاجأة الإستراتيجية التي تحققت بالاستخدام الأمثل لقوات مسلحة تمتلك أسلحة دفاعية وتفتقر لعناصر التفوق الرئيسية في العمليات الهجومية؛ سواء في القوات الجوية أو الأسلحة المدرعة أو عناصر الحرب الإلكترونية أو آلية القيادة والسيطرة.
إلى جانب عبقرية المخطط والقائد والإنسان والمقاتل المصري الذي تغلب على كافة التحديات والمصاعب والعراقيل التي اعترضت طريق هجومه ببذل كل ما استطاع من جهد لتجاوزها والتغلب عليها، مع تكليف القوات المسلحة بمهمة في حدود ما هو متوفر لها من قدرات وإمكانيات.. فتحقق النصر.. وَعْد الحق سبحانه وتعالى.
تابع في نفس المقال:
العامل المعنوي في القوة المصرية
العامل المعنوي في القوة الإسرائيلية


أولاً: العامل المعنوي في القوة المصرية
لإلقاء المزيد من الضوء على الدور المعنوي وانعكاساته على أداء القوات المسلحة المصرية، فإن الأمر يتطلب التعرف بعمق على موازين القوى لطرفي الصراع أثناء الحرب. ولتعدد العناصر التي تشملها قياسات موازين القوى الإستراتيجية.. فإننا سنكتفي بالتركيز على الجانب العسكري منها، وذلك بعرض لأبرز عنصرين هما: موقف تسلح وقدرات القوات المسلحة المصرية، والتحديات والعقبات التي واجهت المخطط الإستراتيجي المصري وكيف أمكنه التغلب عليها؟
1 - موقف تسليح وقدرات القوات المسلحة المصرية:
وفي مجال الحديث عن إعادة بناء القوات المصرية التي فقدت معظم أسلحتها ومعداتها في نكسة عام 1967م، يمكن القول إن مجال تنمية قدراتها وإعادة تسليحها قد تأثر بصراع العملاقين في ذلك الوقت، فالولايات المتحدة قد دعمت علاقاتها بإسرائيل، باعتبارها وسيلتها لإيقاف المد السوفييتي في الشرق الأوسط، وعلى ذلك فقد حافظت على ميزان القوى العسكري لصالح إسرائيل تأمينًا لمصالحها في المنطقة العربية، وخاصة بعد النجاح السياسي والعسكري الذي حققته القوات المسلحة الإسرائيلية في عملياتها عام 1967م، حيث ازدادت علاقة التعاون بينهما بشكل عام وفي مجال تنمية التسليح والصناعات الحربية الإسرائيلية بشكل خاص.
وعلى الجانب الآخر تذبذبت علاقات التعاون بين مصر والاتحاد السوفييتي المصدر الوحيد للإمداد بالسلاح والمعدات والذخائر للقوات المصرية، بين التقارب والفتور، خاصة بعد تقييم السوفييت لأداء الجيش المصري الذي هُزم للمرة الثانية، بما يعني هزيمة السلاح السوفييتي في مواجهة السلاح الأمريكي.
هذا ويحسب للاتحاد السوفييتي مبادرته لسرعة إمداد مصر بالأسلحة والمعدات، حيث وصل إلى مصر في 9 يونيو 1967م وفد عسكري سوفييتي على مستوى رفيع لسرعة تلبية مطالب مصر العاجلة من السلاح والمساعدة في استقبال المعدات والأسلحة السوفييتية في المواني البحرية والجوية وتوزيعها على وحدات القوات المسلحة المصرية، والتي بدأت عملية إعادة تجميعها وتنظيمها وإنشاء خط الدفاع الأول لها غرب قناة السويس، وتلاحق وصول أعداد كبيرة من الخبراء السوفييت في إطار اتفاق مع القيادة المصرية بتولي السوفييت إعادة تسليح القوات المصرية والاشتراك في تدريبها رفعًا لكفاءتها القتالية.
وفي أول أغسطس 1967م بدأت القيادة العامة المصرية أولى خطوات إعادة تنظيم القوات المسلحة وفقًا لخطة طموحة يتحول فيها إلى جيش عصري حديث يمتلك أحدث الأسلحة والمعدات التي تمكنه من إدارة عملية هجومية إستراتيجية ضد إسرائيل، وقد اصطدمت الخطة الطموحة لتسليح القوات المسلحة المصرية بالسياسة السوفييتية التي ارتكزت على عدم توفير قدرات تسليحية هجومية للجيش المصري، والاكتفاء بإمداده بقدر محدود من التسليح الذي يوفر له الحد الأدنى للدفاع عن الأراضي المصرية، مع عدم السماح له بتوفير الكم والكيف اللازمين لتحقيق التوازن مع القوات المسلحة الإسرائيلية، وذلك حتى لا تفكر القيادة السياسية والعسكرية المصرية في التخطيط لإدارة عمليات هجومية ضد إسرائيل، وقد كانت تلك السياسة مثار خلاف دائم بين الرئيس "جمال عبد الناصر" من ناحية وبين القادة السوفييت من ناحية أخرى.
وفي الثامن من مارس 1969م بدأت مصر حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، ومع استمرار الخسائر البشرية الإسرائيلية خلالها، وفي يناير 1970م وصلت هذه الحرب إلى نقطة تحول رئيسية، حيث قامت إسرائيل بتوسيع نطاقها بتنظيم سلسلة من الغارات الجوية ضد العمق المصري، وقام سلاحها الجوي في يناير وفبراير 1970م بعدة هجمات جوية ضد أهداف مدنية في حلوان وأبي زعبل، ثم كانت كارثة مدرسة بحر البقر الذي نتج عنها قتل وإصابة أكثر من خمسين تلميذًا، الأمر الذي أثبت أن إمدادات السلاح السوفييتية لمصر لم تحقق الحد الأدنى لتوفير الدفاع عنها. وتوالت المطالبة والإلحاح من الرئيس عبد الناصر للتخلي عن السياسة السوفييتية وتوفير أسلحة وقدرات دفاعية وهجومية للقوات المصرية، دون أية استجابة من السوفييت. واستمر الوضع كذلك حتى وفاة الرئيس عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م.
وتولى الرئيس "محمد أنور السادات" حكم مصر، ومع استمرار الوعود السوفييتية باستكمال تسليح القوات المصرية مع المماطلة في تنفيذها، بدأت تتجه العلاقات السوفييتية - المصرية نحو التردي المتزايد، خاصة مع الرفض الصريح لإمداد مصر بأسلحة هجومية، الأمر الذي أدى إلى إصدار الرئيس السادات لقراره في 7 يوليو 1972م بإنهاء مهمة كافة المستشارين السوفييت في مصر.
وهكذا ترك الاتحاد السوفييتي مصر، ولا يوجد لقواتها أي تفوق أو تعادل ليس فقط كمِّي بل أيضًا نوعي مع القوات الإسرائيلية، خاصة في أبرز عناصرها، والتي ينبني على أساسها التخطيط للعمليات الهجومية.
فكيف أمكن اتخاذ قرار لاستخدام قوات مسلحة تفتقر كل عناصر التعادل أو التوازن التسليحي تكلف بمهمة هجومية ضد عدو لديه كل إمكانيات وقدرات التفوق الكمي والنوعي إضافة لامتلاكه رادعًا نوويًّا مع عمق تعاون الإستراتيجي مع أكبر قوة مسلحة في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية؟؟ ذلك هو الدور المعنوي الذي حقق التعادل والتوازن المفقود وانتهى بالنصر في حرب أكتوبر 1973!!
2 - التحديات والعقبات التي واجهت التخطيط المصري:
لقد كانت التحديات كبيرة والعقبات التي تعترض طريق هجوم القوات المصرية عظيمة، إضافة إلى الخلل الحاد في ميزان القوى لصالح إسرائيل والذي نذكر منه:
أولاً: التفوق التكنولوجي الذي لا يقارن في مجال التسليح بين مصر وإسرائيل.
ثانيًا: التفوق الذي لا يقارن بين القوات الجوية في كل من مصر وإسرائيل للدرجة التي أعلنت فيها إسرائيل أنها تمتلك أقوى سلاح جوي في العالم.
ثانيًا:وسائل الاستطلاع وعلى رأسها الأقمار الصناعية الأمريكية التي كانت ترصد أدق التفاصيل عن القوات المصرية في جبهة القتال والعمق المصري.
رابعًا: امتلاك إسرائيل لجهاز مخابرات ينسق كل المعلومات مع جهاز المخابرات الأمريكية لتحليل كل صغيرة وكبيرة عن القوات المصرية.
خامسًا:التأييد الدولي المطلق لإسرائيل و"حقها" في تأمين نفسها وحدودها حتى ولو بالاحتلال أراضي الآخرين.
هذا إضافة إلى استغلال وتحويل قناة السويس إلى مانع مائي يستحيل عبوره، وإقامة ساتر ترابي موازٍ للضفة الشرقية وصل ارتفاعه إلى حوالي 15 متر، مع إقامة 43 نقطة حصينة شرق القناة فيما عُرف بخط بارليف الحصين وما خلفه!!
من هنا تجلت عبقرية المخطط والإنسان المصري في التغلب على هذه التحديات والعقبات والعراقيل، حيث خُططت الضربة المركزة بكل الإمكانيات والقدرات المتاحة للقوات الجوية لتنفذ بقوة 227 طائرة مقاتلة لتدمير مطارات العدو في عمق سيناء ومواقع الصواريخ وعشرات من المدفعيات والرادارات ومراكز التوجيه والإنذار الإسرائيلية، إلى جانب تدمير محطات ومراكز الإعاقة والشوشرة الرئيسية والمناطق الإدارية في عمق سيناء.
وقد تزامن مع تلك الضربة الجوية المركزة وأعقبها خطوة محكمة لاستخدام المدفعية المصرية لتنفيذ أقوى تمهيد نيراني وصل إلى عشرة آلاف وخمسمائة دانة مدفعية بمعدل 175 دانة كل ثانية؛ لتدمير مصادر النيران الإسرائيلية قبل بدء عبور القوات المصرية.
وكانت مدافع المياه هي الوسيلة التي ابتكرتها العقول المصرية، واعتمدت على تجريف المياه بواسطة مضخات مياه قوية لإمكان فتح 85 ممرًّا في الساتر الترابي في الضفة الشرقية بما قدر حجم الأتربة المزاحة من كل ممر بحوالي 1500 متر مكعب.
ثم كانت سلالم الحبال التي تحمل بواسطة أحد الأفراد ليتسلق بها الساتر الترابي، ثم يُعدَّها ليتسلق عليها زملاؤه… كانت تلك السلالم هي الوسيلة التي تمكنت بها مجموعات الاقتحام بأسلحتهم وذخائرهم من التغلب على أحد أعقد العراقيل التي واجهت المخطط المصري، ثم كان التخطيط لعبور مجموعات من الصاعقة المصرية إلى الضفة الشرقية قبل بدء الهجوم الرئيسي في مهمة استشهادية؛ لقفل مواسير النيران بالأسمنت لتفادي إشعال العدو لسطح القناة.. هذا إلى جانب بناء حائط الصواريخ المصري الذي حرم طائرات القتال الإسرائيلية من الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلو مترًا، مما هيَّأ عبورًا ناجحًا للقوات المصرية المهاجمة.. ثم كان دور القوات البحرية المصرية التي قفلت "باب المندب"؛ لتضيف بُعدًا جديدًا إلى عبقرية الإنسان المصري.
هذا إضافة إلى المعجزة المصرية في إعداد وتجهيز مسرح العمليات للقوات المصرية في ظل التدخل الإيجابي العسكري الإسرائيلي المباشر بقواته الجوية ومدفعياته التي ركَّزها لمنع استكمال ذلك الإعداد، والتي يكفي القوال إن حجم الإعداد الهندسي فقط لأفرع القوات المسلحة المصرية وصل إلى ما يعادل أربعة أمثال حجم الهرم الأكبر.
تلك بعض من كثير مما واجه المخطط المصري من مصاعب ومشاكل لاقتحام قناة السويس وتدمير خط "بارليف" والتي قدر المحللون العسكريون بأنها ستكلف القوات المصرية عند محاولة تجازوها حدًّا يصل إلى ما بين 75 إلى 100 ألف قتيل وجريح إضافة إلى تدمير حوالي 40 إلى 50% من حجم المعدات ووسائل القتال المصرية!!
وعلى ذلك فإن الروح المعنوية العالية وإرادة القتال الصعبة وعزيمة الإنسان المصري إلى جانب التنسيق الناجح مع القوة المسلحة السورية، ومواجهة العدو الإسرائيلي – لأول مرة - في توقيت واحد بهجوم على جبهتين، إلى جانب تضامن عربي فعَّال، وفي إطار خطة خداع إستراتيجية اشتركت فيها كافة أجهزة الدولة في مصر.. تلك كانت المفاجأة الحقيقية لكل من رأى ولم يصدق، حيث كانت كافة الاستعدادات تُجرى في ظل رصد دقيق لكل تحرك عسكري على الجبهتين المصرية والسورية.. إضافة إلى تحديد هدف إستراتيجي مناسب مع القدرات والإمكانيات التسليحية والفنية والقتالية المتاحة للقوة المسلحة المصرية.
تلك المفاجأة التي حققتها القوات المسلحة المصرية والتي أدت إلى أن وصلت خسائرها في عملية اقتحام قناة السويس وتدميرها لتحصينات خط بارليف وصلت إلى 64 شهيدًا ، 420 جريحًا فقط، مع إصابة 17 دبابة وتعطيل 26 عربة مدرعة، وإصابة 11 طائرة قتال".
وعلى الجانب الآخر قدرت خسائر إسرائيل بنهاية العمليات بنحو "2838 قتيل" 2800 جريح، 508 أسير ومفقود، 840 دبابة، و400 عربة مدرعة، 109 طائرة قتال وهليوكوبتر وسفينة حربية واحدة".
مما أجمع معه قادة جيوش العالم بأن القوة المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973م قد نجحت في "قهر المستحيل" بهزيمتها للجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر!!

ثانيًا: العامل المعنوي في القوة الإسرائيلية
قبل بداية العمليات بأيام قليلة كان يمكن مشاهدة القوات المصرية والتي لا يفصلها عن القوات الإسرائيلية سوى قناة السويس بعرض حتى 180 مترًا فقط. كان يمكن مشاهدة القوات المصرية وهي قائمة بإعداد زوارق العبور وتجهيز الفتاحات على الجسور وساحات العبور على امتداد قناة السويس. قوات مسلحة بكامل أسلحتها ومعداتها على الجبهة المصرية وقوات مسلحة بكامل أسلحتها ومعداتها على الجبهة السورية، تتخذ أوضاعها لاستكمال خطة الفتح الإستراتيجي لبدء الحرب إلى جانب مظاهر أخرى كثيرة ومتعددة.
إلا أن سلوك القوات الإسرائيلية في الساعات الأولى من الهجوم كان دليلاً عمليًّا على أنه أخذته المفاجأة التامة. وقد تضاربت أقوال العدو وأدلته وشهادات قادته بعد ذلك حول هذه النقطة تضاربًا شديدًا، ففي مرحلة ساد القول "بأنهم رأوا ولكنهم لم يفهموا"! وفي رأي آخر ساد القول "بأنهم رأوا وفهموا ولكنهم لم يصدقوا". وكأن ذلك يُصَدِّق قول الله تعالى:]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون[ صدق الله العظيم.
إن الحقيقية المؤكدة وراء ذلك التصور يرجع أيضًا إلى الدور المعنوي الذي تغلغل في عقول ووجدان ونفوس المقاتل الإسرائيلي سواء القادة أو الضباط وضباط الصف والجنود، وهو السبب الرئيسي وراء الهزيمة الساحقة في حرب أكتوبر 1973م رغم امتلاكهم كل عناصر التفوق في معادلة موازين القوى ليس فقط بينهم وبين القوة المسلحة لكل من مصر وسوريا، بل للقوات المسلحة العربية على إطلاقها.. ويمكن الحديث هنا عن عاملين رئيسين:
أولهما: الثقة الزائدة في النفس التي وصلت إلى حد الغرور:
فقد انتشرت وسادت وتأكدت مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، حيث قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969م: "لن تنال عمليات العبور المصرية – إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف؛ لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا.. ويمكن القول بأنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد".
وفي مناسبة أخرى قال: "إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة ما بقي من قواتها".
وقال رئيس الأركان دافيد إليعازر: "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري". وفي 10 أغسطس 1973م تحدث ديّان في كلية الأركان وقال: "إن ميزان القوى في صفنا إلى حد كبير لدرجة أنه يقضي على تفكير العرب ودوافعهم لتجديد أعمال عدوانية فورية".
ثانيهما: عدم الثقة في قدرة المقاتل العربي على التخطيط وإدارة عمليات ناجحة:
ولعل أكثر ما يؤكد ذلك أنه في يومي 4،5 أكتوبر 1973م أي قبل بدء العمليات الهجومية بساعات محدودة عرف الإسرائيليون أن الأسر السوفييتية يتم ترحيلها جوًّا من القاهرة ودمشق إلى روسيا، ومنهم عدد من المستشارين المدنيين، إلا أنه بوصول تلك المعلومات إلى رئيس الأركان الإسرائيلي، طمأنه مدير المخابرات الإسرائيلية بأن ذلك لا يعني شيئًا غير عادي.
ومع تزايد حجم التحركات للقوات المصرية، انتهت القيادة العسكرية الإسرائيلية - بالتعاون مع جهاز المخابرات الأمريكي - إلى تحليل لتلك المعلومات أفاد "أن توزيع القوات المصرية في الضفة الغربية للقناة يدل على أن المصريين يُعِدُّون أنفسهم لمهام دفاعية فقط"! وحتى صباح السادس من أكتوبر كانت هيئة الأركان الإسرائيلية ترى "أن ذلك اليوم سيمر دون أن يحدث شيء"!!
الخلاصة:
لقد أكدت حرب أكتوبر 1973م دور الجانب المعنوي وأهميته المطلقة في تحقيق النصر في المعارك الحربية، وأن إرادة القتال المرتكزة على هذا العامل يمكن أن تواجه وتنتصر على قوات متفوقة كمًّا وكيفًا.. ولعل دروس التاريخ تؤكد تلك الحقيقية؛ فقد استطاع المقاتل في فيتنام هزيمة أقوى قوة عسكرية في العالم، واستطاع المقاتل في اليابان أن يفرض على الولايات المتحدة استخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي؛ لتحسم الحرب لصالحها بعد أن كان النصر مؤكدًا لصالح اليابان.
ولعل ما تم في الجنوب اللبناني وما قامت به المقاومة اللبنانية مؤخرًا ما فرض الانسحاب الإسرائيلي المخزي من جنوب لبنان، كما أن دور المقاومة الفلسطينية وانتفاضتها كانت الدافع الرئيس لاعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وسعيها لعقد اتفاق معها.
وعلى ذكرى حرب أكتوبر 1973م فلنا أن نرصد عوامل القصور في استعداد القوات المسلحة الإسرائيلية بكل ما لديها من أسلحة تقليدية وفوق تقليدية ونووية والتي أدت إلى هزيمتها، إنما يرجع إلى العديد من العوامل لعل أهمها:
أولاً: عدم التقدير السليم بكفاءة المخطط الإستراتيجي المصري والسوري على استخدام قوات مسلحة تعاني كل ذلك القصور، سواء في التسليح أو الكفاءة الفنية (كفاءة السلاح)، خاصة بعد قطع مصر لعلاقاتها مع الاتحاد السوفييتي المورد الرئيسي للسلاح والذخائر لها.
ثانيًا: عدم الثقة في قدرة القوات المسلحة المصرية والسورية على تخطي المصاعب والعراقيل التي تعترض القوات المهاجمة من موانع طبيعية أو صناعية أو تحصينات ميدانية، أو وسائل إنذار وأجهزة نقل المعلومات سواء من عناصر إلكترونية أو أقمار صناعية.
ثالثًا: عدم تصور إمكان تنسيق بين دولتين عربيتين لاستخدام قواتهما المسلحة في تخطيط مشترك ناجح للهجوم على إسرائيل من جبهتين في وقت واحد.
رابعًا: عدم تصور إمكان تحقيق تضامن عربي فعَّال يمكن أن يحشد كل الطاقات العربية وراء القوات المسلحة المصرية والسورية سواء منها الاقتصادية والتي تمثلت في استخدام البترول كسلاح في المعركة، أو تقديم كل الدعم العسكري اللازم من معظم الدول العربية لصالح المعركة، وذلك باعتبار أن العقيدة الإسرائيلية كانت تراهن دائمًا على تفكيك وتجزئة الأمة العربية من ناحية، وعدم قدرة العرب على تجميع قدراتهم الحقيقية من ناحية أخرى.
تلك كانت أهم العوامل التي استغلتها القيادة السياسية والعسكرية ببراعة تامة من خلال إعداد معنوي مخطط ومتقن ومدروس مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم

MARISOLE 13-09-09 12:13 PM

معركة أنوال
تعد معركة أنوال من أهم المعارك التي شهدها العالم الحديث في القرن العشرين. وقد خاضها عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الإسباني معتمدا في ذلك على حرب شعبية كان لها صيت عالمي كبير. إذاً، ماهي أسباب ودواعي هذه الحرب الضروس؟ وما هي الخطة التي اتبعها عبد الكريم في هذه المعركة؟ وما هي نتائجها؟ هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في مو ضوعنا هذا. خرج مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة1906 بوضع المغرب تحت الحماية الأجنبية. فاستهدفت اسبانيا شماله و جنوبه، بينما ركزت فرنسا على وسطه. أما طنجة فكانت منطقة دولية. لقد واجهت إسبانيا أثناء تغلغلها في منطقة الريف الشرقي مقاومة شرسة وحركة جهادية قادها محمدالشريف أمزيان من سنة 1906 إلى 1912. وكانت حملة الشريف الدفاعية منصبة على عرقلة تغلغل الأسبان في أزغنغان بعد مده للسكة الحديدية لاستغلا ل مناجم الحديد في أفرا و جبل إكسان. وقد كبد الشريف الأسبان خسائر مادية وبشرية، كما قضى على ثورة الجيلالي الزرهوني والذي يلقب في المغرب ببو حمارة أو الروكي. وبعد موت الشريف أمزيان في 15 ماي 1912 ستواصل أسرة عبد الكريم الخطابي النضال المستميت ضد التكالب الاستعماري: الأسباني والفرنسي. وستقف في وجه أطماع الحكام الأسبان والطبقة الأرستقراطية المناصرة لسياسة الحرب وأطماع الحزب الحاكم. ولما أحس محمد عبد الكريم الخطابي بأطماع إسبانيا في الريف الشرقي التي تتمثل في احتلال الحسيمة و الحصول على خيرات الريف واستغلال معادنها بعد استيلائها على الناظور و تطوان والاستعداد للانقضاض على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون، قرر سي محمد أن يؤسس إمارة جهادية؛ وذلك بتوحيد قبائل الريف مثل: كزناية و بني ورياغل و بني توزين وتمسمان... وأسس إمارته على أحكام شريعة الله وأنظمة الإدارة الحديثة، وأبعد الريفيين عن الفوضى و الثأر، وأجبرهم على الاحتكام إلى عدالة الشرع والقضاء الإسلاميين. هذا وقد أحدث عهد عبد الكريم قطيعة بين عهدين:
  • 1- عهد السيبة والفوضى الذي يمتد من أواخر القرن 19 إلى أوائل العقد الثاني من القرن العشرين بكل ما شهده من سخائم و نعرات عشائرية.
  • 2- عهد الثورة التحريرية الممتدة من1921الى 1926، إذ عرف الريف عدة إصلاحات وفي مقدمتها القضاء على حدة الفوضى و الثأر.
  • ولما عرف عبد الكريم نوايا حكومة أسبانيا الاستعمارية نظم جيشه أحسن تنظيم على الرغم من نقص العدد والعدة. وكان عبد الكريم مثالا في الشجاعة والبطولة و العدل والتشبع بالا سلا م؛ لذلك اتخذه الريفيون بطلا جماهيريا يقود ثورة شعبية من الجبليين والفلاحين للدفاع عن ممتلكاتهم و أعراضهم باسم الجهاد والحق المبين. ولايعني هذا أن إمارة الريف مستقلة عن السلطة المركزية؛ بل كانت موالية لها أتم الولاء والخضوع والاحترام. فرضتها الظروف المرحلية و العسكرية. وقد أثبت جرمان عياش في كتابه "أصول حرب الريف" هذه التبعية والولاء عندما أقام المؤلف "لائحة بأسماء عمال مخزنيين تمتد من 1835 إلى 1900 وتشهد على استمرار حضور ممثلين عن المخزن في الإقليم، كما كشف عن وجود ست قصبات في مختلف أنحاء الريف ترابط بها حاميات مخزنية. وكل هذا يدل على أن الريف كان خاضعا للسلطة المركزية على عكس ما تدعيه الروايات الأجنبي.
  • ولم تكن ثورة الريف التحريرية لعبد الكريم بدافع إقليمي؛ بل كانت بدافع وطني ضد الاستعمار، وبدافع قومي لتحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الاستعمار والجهل والتخلف. وإذا انتقلنا إلى سيناريو معركة أنوال، فقد بدأت إسبانيا تعقد أملا على احتلال خليج الحسيمة بعد أن عقد المقيم العام الجنرال بيرينغير صلحا مع قبائل الريف، واستقبل بحفاوة من قبائل الأعيان و بعض الرؤساء من بني ورياغل وبني سعيد وبنطيب. وعاد المقيم العام إلى تطوان متفائلا مسرورا و مشيدا بعمل سلبستري القائد العام للجيوش الغازية المعتدية. كما اطمأن وزير الحرب الأسباني"إيزا" إلى هذا الوضع المريح عسكريا و سياسيا. و على الرغم من هذا التفاؤل الزائد، كان الريفيون وخاصة رجال بني سعيد وبني وليشك وأهل كرت على أهبة للانقضاض على عدوهم سلبستري الذي أحرق غلتهم و منازلهم، وصادر أغنامهم دون أن يدفع لهم تعويضا مقابلا عن ذلك؛ ودفعهم إلى الهجرة نحو الجزائر خوفا من بطشه، و من موت الفقر والجفاف. هذا، وقد اتفق الجنرال بيرينغير مع رئيس الشرطة الأهلية بمليلية الكولو نيل غبريل موراليس على التوجه نحو الريف للتفاوض مع عبد الكريم؛ وذلك بإغرائه ب7 ملايين دولار، زيادة على أسلحة حديثة و جميع أنواع الذخيرة التي تمكنه من مقاومة الجيش الفرنسي مقابل التنازل عن خليج الحسيمة. لكن عبد الكريم رفض هذه المساومات، وأصدر أمرا يقضي بفرض غرامات على كل من يتفاوض مع الأسبان في هذه القضية المصيرية، كما هدد الأسبان بعدم اجتيازهم "وادي أمقران" و إلا سيتصدى لهم الأبطال الأشاوس من تمسمان و بني توزين. وقد أثار هذا التهديد حفيظة سلبستري، و قرر غزو المنطقة ساخرا من تهديدات عبد الكريم ومستصغرا من شأنه ومن عدته الحربية. و بعد ذلك، بدأ سلبستري في بناء الثكنات و الحاميات العسكرية لتسهيل الإمدادات الحربية وتأمين وجود قواته و تمركزها بشكل أفضل و مقبول في كل المناطق الريفية الإستراتيجية، فاقترب الجنرال من ظهار أبران في أواخر شهر ماي1921 لمحاصرة الموقع، وجس النبض؛ بيد أن الريفيين تصدوا للجيش الغازي و ألحقوا به هزيمة شنعاء مازال يتذكرها الشعر الأمازيغي: قديما و حديثا
  • و عليه، فقد " توجه الثوار بهجوم ضد مركز أبران فاقتحموه، وقتلوا جميع من كان به من ضباط و جنود إلا عددا قليلا استطاع الهروب، فالتحقوا إما بأنوال و إما بسيدي إدريس
  • وأصدر الجنرال برينغير أوامره لسلبستري بعدم التقدم إلى الأمام؛ لكنه لم يعر أدنى اهتمام لهذه الأوامر، وتوجه مباشرة نحو أنوال للسيطرة على الموقع. و هناك نشبت معركة حامية الوطيس دامت خمسة أيام شارك فيها العدو ب25 ألف من الجنود، و لم يحضر إلى أنوال من مجاهدي عبد الكريم سوى ألفي مجاهد، أما الجنود الآخرون فكانوا ينتظرون الفرصة السانحة، و يترقبون الأوضاع مع زعيمهم عبد الكريم بأجدير. وفي الساعة السادسة مساء من 20 يوليوز1921، وصل عبد الكريم ب1500 جندي إلى موقع أنوال؛ لتشتعل الحرب حتى صباح 21 يوليو من نفس السنة ، و انتهت الحرب بانتحار سلفستري و موت الكولونيل موراليس الذي أرسل عبد الكريم جثته إلى مليلية؛ لأنه كان رئيسه في إدارة الشؤون الأهلية سابقا. وقد اتبع عبد الكريم في هذه المعركة خطة التخندق حول "إغريبن"، و منع كل الإمدادات و التموينات التي تحاول فك الحصار على جيش العدو. " وكانت الضربة القاضية لمركز ( إغريبن)عندما أدرك المجاهدون نقطة ضعف الجنود الأسبان المحاصرين المتمثلة في اعتمادهم على استهلاك مياه (عين عبد الرحمـن) ب(وادي الحمام) الفاصل بين (ءاغريبن) و( أنوال)، فركزوا حصارهم حول هذا النبع المائي، و بذلك حرم الجنود الأسبان من الماء، واشتد عطشهم إلى درجة اضطرارهم إلى شرب عصير التوابل وماء العطر و المداد، ولعق الأحجار، بل وصل بهم الأمر إلى شرب بولهم مع تلذيذه بالسكر…كما جاء في المصادر الأسبانية.
  • وقد تتبعت جيوش عبد الكريم فلول الجيش الأسباني، وألحق به عدة هزائم في عدة مواقع ومناطق مثل: دريوش وجبل العروي وسلوان فأوصله حتى عقر داره بمليلية. وبعد ذلك أصدر عبد الكريم أمره بالتوقف وعدم الدخول إلى مليلية المحصنة لاعتبارات دولية وسياسية وعسكرية. وفي هذا يقول أزرقان مساعده الأيمن في السياسة الخارجية: "نحن – الريفيين- لم يكن غرضنا التشويش على المخزن من أول أمرنا، ولا الخوض في الفتن كيفما كانت، ولكن قصدنا الأهم، هو الدفاع عن وطننا العزيز الذي كان أسلافنا مدافعين عنه، و اقتفينا أثرهم في رد الهجومات الاعتدائية التي قام بها الأسبان منذ زمان، وكنا نكتفي بالدفاع عن الهجوم عليه فيما احتله من البلدان مثل مليلية التي كان في طوقنا أخذها بما فيها، من غير مكابدة ضحايا جهادية؛ لكنا لم نفعل ذلك لما كنا نراه في ذلك من وخامة العاقبة، فانه ليس عندنا جند نظامي يقف عند الحدود التي يراعيها…"
  • و يعترف عبد الكريم بغلطته الكبرى عن عدم استرجاعه لمليلية في مذكراته: " على إثر معركة جبل العروي، وصلت أسوار مليلية، وتوقفت، وكان جهازي العسكري ما يزال في طور النشوء. فكان لابد من السير بحكمة، وعلمت أن الحكومة الأسبانية وجهت نداء عاليا إلى مجموع البلاد، وتستعد لأن توجه إلى المغرب كل ما لديها من إمدادات، فاهتممت أنا، من جهتي بمضاعفة قواي و إعادة تنظيمها، فوجهت نداء إلى كل سكان الريف الغربي، و ألححت على جنودي وعلى الكتائب الجديدة الواردة مؤخرا، بكل قوة، على ألا يسفكوا بالأسرى ولا يسيئوا معاملتهم، ولكني أوصيتهم في نفس الوقت وبنفس التأكيد، على ألا يحتلوا مليلية، اجتنابا لإثارة تعقيدات دولية وأنا نادم على ذلك بمرارة وكانت هذه غلطتي الكبرى"-
  • ومن نتائج معركة أنوال ما غنمه الريفيون من عتاد عسكري حديث. وفي هذا الصدد يقول عبد الكريم في مذكراته أيضا: "ردت علينا هزيمة أنوال 200 مدفع من عيار 75 أو65 أو 77، وأزيد من 20000 بندقية ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات و شاحنات، وتموينا كثيرا يتجاوز الحاجة, وأدوية، وأجهزة للتخييم، و بالجملة، بين عشية وضحاها و بكل ما كان يعوزنا لنجهز جيشا و نشن حربا كبيرة، وأخذنا 700أسير، وفقد الأسبان 15000 جندي ما بين قتيل و جريح"-
  • وكان لهذا الانتصار الريفي في معركة أنوال صدى طيب على المستوى الوطني والعربي، وقيل الكثير من الشعر للإشادة بهذه النازلة العظيمة؛ وقد شاع بعد ذلك أن بعض الأدباء جمع ما قيل في موضوع الحرب في ديوان سماه"الريفيات"، -
  • وعلى المستوى الإعلامي، وقف الرأي العالمي من الحركة التحريرية الريفية موقفين متقابلين: موقف مؤيد وموقف معارض. " فالتيار المعارض هو بطبيعة الحال، التيار الكولونيالي المتشبع بالفكر الاستعماري الذي له مصالح كثيرة و مشاريع لها علاقة بالمستعمرات، حيث كان من الطبيعي أن يقف مدافعا و مؤيدا لكل السياسات التي كانت ترمي إلى تقوية النفوذ الاستعماري و خدمة أطماعه، ولكن بأقل التضحيات، وكان هذا التيار يتكون من اليمين الأوربي بمفهومه الواسع، ومن النخبة الأرستقراطية بصفة خاصة. وقد انضافت إليه، ومن تلقاء نفسها، أصوات يهودية كانت تعتبر نجاح الثورة الريفية بمثابة القضاء الأكيد على تواجد الجاليات اليهودية بالشمال الإفريقي... أما التيار الثاني، فقد كان يشكله أساسا الرأي العام الشيوعي..."-
  • أما في أمريكا اللاتينية، فكان ينظر إلى عبد الكريم بمثابة بطل ثوري عالمي يشبه عندهم سيمون بوليفار أحد رواد الحركة التحريرية هناك. أما الرأي العام الإسلامي " فقد كان يعلق آمالا كثيرة على نجاح الثورة الريفية، وعبر عن استنكاره في أكثر من مناسبة تضامنا مع المسلمين في الريف؛ لكنه كان مغلوبا على أمره."
  • ولقد اتخذت خطة عبد الكريم الحربية تكتيكا عسكريا لدى الكثير من الزعماء والمقاومين في حركاتهم التحريرية عبر بقاع العالم لمواجهة الإمبريالية المتغطرسة مثل:هوشي منه و ماوتسي طونغ و عمر المختار و تشيغيفارا وفيديل كاسترو، ولا ننسى كذلك الثورتين:الجزائرية و الفلسطينسة. وكانت لهذه الحرب انعكاسات سياسية و عسكرية خطيرة على إسبانيا و فرنسا بالخصوص؛ مما اضطرت هاتان الدولتان للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على الثورة الريفية قبل أن تستفحل شوكة عبد الكريم الذي بدأ يهدد كيان فرنسا ويقض مضجعها. فشن التكالب الاستعماري هجوما عنيفا و كاسحا بريا و بحريا وجويا، واستعملت في هذه الحملة العدائية المحمومة أبشع الأسلحة المتطورة الخطيرة السامة لأول مرة؛ وتم تجريبها على الريفيين الأبرياء من أجل مطامع استعمارية دنيئة
  • ولقد انتهت هذه الهجمات المركزة على معاقل المقاومة الريفية باستسلام مجاهد السلام البطل عبد الكريم الخطابي يوم 26 مايو 1926، و نفيه إلى جزيرة لاريونيون "la réunion" إلى حدود سنة 1947؛ ليستقر بعد ذلك في مصر.
  • هذه نظرة موجزة عن معركة أنوال التي ستبقى ذكراها راسخة في تاريخ المغرب الحديث. وما أحوجنا اليوم إلى تمثل دروس هذه المعركة بقيمها النبيلة وأخلاقياتها الرفيعة وبطولاتها الخارقة التي تذكرنا بأمجاد ومعارك وحروب أسلافنا الأشاوس الميامين! وما أحوجنا للتشبع بقيمها الوطنية والقومية للنهوض بوطننا العزيز و أمتنا الإسلامية، والتمسك بالوحدة الترابية لمواجهة كل مناورات المعتدين وأطماع الاستعمار المباشر وغير المباشر.

AbduLraHmN 13-09-09 12:14 PM


سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية



http://www.islamonline.net/Arabic/hi...ages/pic17.jpg
جنكيز خان أقام إمبراطورية بالإرهاب والعسف


نجح جنكيز خان في إقامة إمبراطورية كبيرة ضمن أقاليم الصين الشمالية، واستولت على العاصمة بكين، ثم اصطدم بالدولة الخوارزمية التي كانت تجاوره بسبب سوء تصرف حاكمها "محمد خوارزم شاه". وانتهى الحال بأن سقطت الدولة وحواضرها المعروفة مثل: "بخارى"، "وسمرقند"، و"نيسابور" في يد المغول بعد أن قتلوا كل من فيها من الأحياء، ودمروا كل معالمها الحضارية، وتوفي جنكيز خان سنة (624هـ = 1223م) بعد أن سيطرت دولته على كل المنطقة الشرقية من العالم الإسلامي.

الاستعداد لغزو الخلافة العباسية
بعد سلسلة من الصراعات على تولي السلطة بين أمراء البيت الحاكم تولى "منكوقآن بن تولوي بن جنكيز خان" عرش المغول في (ذي الحجة 648هـ = إبريل 1250م). وبعد أن نجح في إقرار الأمن وإعادة الاستقرار في بلاده اتجه إلى غزو البلاد التي لم يتيسر فتحها من قبل، فأرسل أخاه الأوسط "قوبيلاي" على رأس حملة كبيرة للسيطرة على جنوب الصين ومنطقة جنوب شرق آسيا، وأرسل أخاه الأصغر هولاكو لغزو إيران وبقية بلاد العالم الإسلامي، وعهد إليه بالقضاء على طائفة الإسماعيلية وإخضاع الخلافة العباسية.

خرج هولاكو على رأس جيش كبير يبلغ 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول المدربين تدريبا عاليا في فنون القتال والنزال ومزودين بأسلحة الحرب وأدوات الحصار، وتحرك من "قراقورم" عاصمة المغول سنة (651هـ = 1253م) متجها نحو الغرب تسبقه سمعة جنوده في التوغل والاقتحام، وبأسهم الشديد في القتال، وفظائعهم في الحرب التي تزرع الهلع والخوف في النفوس، ووحشيتهم في إنزال الخراب والدمار في أي مكان يحلون به.
القضاء على الإسماعيلية
وعندما وصل هولاكو إلى الأراضي الإيرانية خرج أمراؤها لاستقباله وأمطروه بالهدايا الثمينة وأظهروا له الولاء والخضوع، ثم عبر هولاكو نهر جيحوم واتجه إلى قلاع طائفة الإسماعيلية، ودارت بينه وبينها معارك عديدة انتهت بهزيمة الطائفة ومقتل زعيمها "ركن الدين خورشاه".
وكان لقضاء المغول على طائفة الإسماعيلية وقع حسن عَمَّ العالم الإسلامي على الرغم مما عاناه من وحشية المغول وتدميرهم؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الرعب والفزع في النفوس، وأشاعت المفاسد والمنكرات، وأذاعت الأفكار المنحرفة، وكان يخشى بأسها الملوك والسلاطين.
رسائل متبادلة
نجح هولاكو في تحقيق هدفه الأول بالقضاء على الطائفة الإسماعيلية وتدمير قلاعها وإبادة أهلها، وبدأ في الاستعداد لتحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فانتقل إلى مدينة "همدان" واتخذها مقرا لقيادته، وكان أول عمل قام به أن أرسل إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله رسالة في (رمضان 655 هـ = مارس 1257 م) يدعوه فيها إلى أن يهدم حصون بغداد وأسوارها ويردم خنادقها، وأن يأتي إليه بشخصه ويسلم المدينة له، وأوصاه بأن يستجيب حتى يحفظ مركزه ومكانته ويضمن حريته وكرامته، وإن أبى واستكبر فسيحل بأهله وبلاده الدمار والخراب، ولن يدع أحدا حيا في دولته.
جاء رد الخليفة العباسي على كتاب هولاكو شديدا ودعاه إلى الإقلاع عن غروره والعودة إلى بلاده، ثم أرسل هولاكو رسالة ثانية إلى الخليفة ذكر له فيها أنه سوف يبقيه في منصبه بعد أن يقر بالتبعية للدولة المغولية، ويقدم الجزية له؛ فاعتذر الخليفة العباسي بأن ذلك لا يجوز شرعا، وأنه على استعداد لدفع الأموال التي يطلبها هولاكو مقابل أن يعود من حيث أتى.
كان رد هولاكو على رسالة الخليفة أشد إنذارا وأكثر وعيدا وفي لهجة عنيفة وبيان غاضب وكلمات حاسمة؛ فحل الفزع في قلب الخليفة؛ فجمع حاشيته وأركان دولته واستشارهم فيما يفعل؛ فأشار عليه وزيره "ابن العلقمي" أن يبذل الأموال والنفائس في استرضاء هولاكو وأن يعتذر له، وأن يذكر اسمه في الخطبة، وينقش اسمه على السكة، فمال الخليفة إلى قبول هذا الرأي في بداية الأمر غير أن مجاهد الدين أيبك المعروف بـ"الدويدار الصغير" رفض هذا الاقتراح، وحمل الخليفة العباسي على معارضته متهما ابن العلقمي بالخيانة والتواطؤ مع هولاكو؛ فعدل الخليفة عن رأيه السابق ومال إلى المقاومة.
حصار بغداد
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...ges/pic17a.jpg
هولاكو استباح كل الحرمات في بغداد


يئس هولاكو من إقناع الخليفة العباسي بالتسليم؛ فشرع في الزحف نحو بغداد وضرب حولها حصارا شديدا، واشتبك الجيش العباسي الذي جهزه الخليفة العباسي بقيادة مجاهد الدين أيبك بالقوات المغولية فكانت الهزيمة من نصيبه، وقتل عدد كبير من جنوده لقلة خبرتهم بالحروب وعدم انضباطهم، وفر قائد الجيش مع من نجا بنفسه إلى بغداد.
كان الجيش المغولي هائلا يبلغ حوالي 200 ألف مقاتل مزودين بآلات الحصار، ولم تكن عاصمة الخلافة العباسية تملك من القوات ما يمكنها من دفع الحصار ودفع المغول إلى الوراء، في الوقت الذي كان يظن فيه هولاكو أن ببغداد جيشا كبيرا، ثم تكشفت له الحقيقة حين اشتد الحصار، ونجحت قواته في اختراق سور بغداد من الجانب الشرقي، وأصبحت العاصمة تحت رحمتهم.
سقوط بغداد
أحس الخليفة بالخطر، وأن الأمر قد خرج من يديه؛ فسعى في التوصل إلى حل سلمي مع هولاكو، لكن جهوده باءت بالفشل؛ فاضطر إلى الخروج من بغداد وتسليم نفسه وعاصمة الخلافة إلى هولاكو دون قيد أو شرط، وذلك في يوم الأحد الموافق (4 من صفر 656 هـ= 10 فبراير 1258م) ومعه أهله وولده بعد أن وعده هولاكو بالأمان.
كان برفقه الخليفة حين خرج 3 آلاف شخص من أعيان بغداد وعلمائها وكبار رجالها، فلما وصلوا إلى معسكر المغول أمر هولاكو بوضعهم في مكان خاص، وأخذ يلاطف الخليفة العباسي، وطلب منه أن ينادي في الناس بإلقاء أسلحتهم والخروج من المدينة لإحصائهم، فأرسل الخليفة رسولا من قبله ينادي في الناس بأن يلقوا سلاحهم ويخرجوا من الأسوار، وما إن فعلوا ذلك حتى انقض عليهم المغول وقتلوهم جميعا.
ودخل الغزاة الهمج بغداد وفتكوا بأهلها دون تفرقة بين رجال ونساء وأطفال، ولم يسلم من الموت إلا قليل، ثم قاموا بتخريب المساجد ليحصلوا على ذهب قبابها، وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما فيها من تحف ومشغولات قيمة، وأتلفوا عددا كبيرا من الكتب القيمة، وأهلكوا كثيرا من أهل العلم فيها، واستمر هذا الوضع نحو أربعين يوما، وكلما مشطوا منطقة أشعلوا فيها النيران، فكانت تلتهم كل ما يصادفها، وخربت أكثر الأبنية وجامع الخليفة، ومشهد الإمام موسى الكاظم، وغيرها من البنايات التي كانت آية من آيات الفن الإسلامي.
وبالغ المؤرخون في عدد ضحايا الغزو المغولي حين دخلوا بغداد، فقدرهم بعض المؤرخين بمليون وثمانمائة ألف نسمة، على حين قدرهم آخرون بمليون نسمة، وفي اليوم التاسع من صفر دخل هولاكو بغداد مع حاشيته يصحبهم الخليفة العباسي، واستولى على ما في قصر الخلافة من أموال وكنوز، وكانت الجيوش المغولية أبقت على قصر الخلافة دون أن تمسه بسوء، ولم يكتف هولاكو بما فعله جنوده من جرائم وفظائع في العاصمة التليدة التي كانت قبلة الدنيا وزهرة المدائن ومدينه النور، وإنما ختم أعماله الهمجية بقتل الخليفة المستعصم بالله ومعه ولده الأكبر وخمسه من رجاله المخلصين الذين بقوا معه ولم يتركوه في هذه المحنة الشديدة.
وبمقتل الخليفة العباسي في (14 من صفر 656 هـ = 20 من فبراير 1258م) تكون قد انتهت دولة الخلافة العباسية التي حكمت العالم الإسلامي خمسة قرون من العاصمة بغداد لتبدأ بعد قليل في القاهرة عندما أحيا الظاهر بيبرس الخلافة العباسية من جديد.

MARISOLE 13-09-09 12:16 PM

معركة لهري جزء من حملة المغرب التاريخ 13 نوفمبر1914 المكان قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة النتيجة نصر ساحق للزيانيين الأطراف المتخاصمة الزيانيون الأمازيغ فرنسا القادة موحا أوحمو الزياني الكولونيل هنريس الحشود 2500 رجل أربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية الخسائر مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث ، فحصلوا على 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
معركة لهري الملحمية من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون الأمازيغ ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم، والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها. ولايمكن الحديث في الحقيقة عن المقاوم البطل موحا أوحمو الزياني إلا في ارتباط وثيق مع هذه المعركة التي سجلت معالم وجوده بدماء حمراء في صفحات التاريخ الحديث والمعاصر في القرن العشرين الميلادي.


قرر المحتل الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة الأمازيغية ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي ، ويهدد كل المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية.
كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة ، والتي تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكشوفاس عبر أم الربيعوخنيفرة. وقد دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين .
وقد أثبت ليوطي المقيم العام بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".
ونفهم من خلال هذا التصريح أن خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية تتمثل في محاصرة المقاومة الأمازيغية التي كانت تساعد القبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها.


سياق معركة لهري ومراحلها
بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة. ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه ، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..."
ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم.
وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب ، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة ، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي.
هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة. ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين".
وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ القصف شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر.
هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني. غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها."
بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل الأمازيغية المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي ، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين.
وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم الأمازيغي موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية.

حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل الأمازيغية المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولا سيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " گيوم " Guillaume أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"•
وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل (قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات والقبطانات (capitains ) والفسيانات (officiers )، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان( بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم".
وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث ، فحصلوا على 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.

AbduLraHmN 13-09-09 12:21 PM


معركة نصيبين ضربات الخيانة لدولة الخلافة

http://www.islamonline.net/Arabic/hi...mages/pic2.jpg
محمد علي باشا


اجتاحت جيوش "إبراهيم باشا بن محمد علي" بلاد الشام عام (1247هـ=1831م)، وتساقطت مدنه واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر، حتى مدينة عكا التي استعصت على نابليون بونابرت ولم يفلح في اقتحامها، نجح إبراهيم باشا في فتحها، وكان لسقوطها دوي عظيم، ونال فاتحها ما يستحقه من تقدير وإعجاب.
ومضى الفاتح في طريقه حتى بلغ "قونيه"، وكان العثمانيون قد هجروها حين ترامت الأنباء بقدوم إبراهيم باشا وجنوده، ولم يبق بها سوى الجيش العثماني بقيادة رشيد باشا، وكان قائدًا ماهرًا يثق فيه السلطان العثماني ويطمئن إلى قدرته وكفاءته، ولم يكن هناك مفر من القتال، فدارت رحى الحرب بين الفريقين في (27 من جمادى الآخرة 1248هـ= 21 من نوفمبر 1832م) عند قونيه، ولقي العثمانيون هزيمة كبيرة، وأُسر القائد العثماني، وأصبح الطريق مفتوحًا إلى القسطنطينية.
أسباب الحملة على الشام
كان السبب المعلن لقيام محمد علي بحملته الظافرة على الشام هو اشتعال النزاع بينه وبين عبد الله باشا والي عكا، الذي رفض إمداد محمد علي بالأخشاب اللازمة لبناء أسطوله، وآوى عنده بعض المصريين الفارين من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ورفض إعادتهم إلى مصر، وكان الخليفة العثماني "محمود الثاني" يقف وراء النزاع، ويُعضِّد والي عكا في معارضته محمد علي، ولم تكن العلاقة بين الخليفة العثماني وواليه في مصر على ما يرام.
غير أن الذي جعل محمد علي يقدم على هذه الخطوة هو أنه كان يرى أن سوريا جزء متمّم لمصر، ولا يتحقق الأمن بمصر ويأمن غائلة العدو إلا إذا كانت سوريا تحت سيطرته وسلطانه، وأن حدود مصر الطبيعية في جهة الشرق هي جبال طوروس، وليست صحراء العرب، ومن ثم كان يتحين الفرصة لتحقيق هدفه، حتى إذا ما لاحت انتهزها، وجرّد حملته إلى الشام.


اتفاقية كوتاهية
فزع السلطان محمود الثاني من الانتصارات التي حققها إبراهيم باشا فلجأ إلى الدول الأوروبية لمساعدته والوقوف إلى جانبه، لكنها لم تُجبه؛ لانشغالها بأحوالها الداخلية، ورأت في النزاع القائم مسألة داخلية يحلها السلطان وواليه، عند ذلك لجأ السلطان إلى روسيا –العدو اللدود للدولة العثمانية- لتسانده وتساعده، فاستجابت على الفور، ولم تتلكأ، ووجدت في محنة الدولة فرصة لزيادة نفوذها في منطقة المضايق، فأرسلت قوة بحرية رست في البسفور، وهو ما أقلق فرنسا وإنجلترا، وتوجستا من تدخل روسيا وانفرادها بالعمل، والتظاهر بحماية الدولة العثمانية، وكانت الدولتان تتمسكان بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية؛ خشية من روسيا التي لم تكن تُخفي أطماعها في جارتها المسلمة.
تحركت الدولتان لفض النزاع وإعادة الأمن بين الخليفة وواليه الطموح، ولم يكن أمام السلطان العثماني سوى الرضوخ لشروط محمد علي في الصلح، فلا فائدة من حرب نتائجها غير مضمونة لصالحه، في الوقت الذي يسيطر فيه إبراهيم باشا على الشام، ويلقى ترحيبًا وتأييدًا من أهله.
عُقد الصلح في كوتاهية في (18 من ذي القعدة 1249هـ= 8 من إبريل 1833م)، واتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد علي عن سوريا وإقليم أدنة مع تثبيته على مصر وجزيرة كريت والحجاز، في مقابل جلاء الجيش المصري عن باقي بلاد الأناضول.
اشتعال الثورة في الشام
لم يكن صلح كوتاهية بين الطرفين سوى هدنة مسلحة قبلته الدولة العثمانية على مضض، وأُكرهت على قبوله؛ ولذا كانت تعد العدة لنقض الصلح وتنتظر الفرصة السانحة لاسترداد ما أخذه محمد علي منها قسرا وكرها دون رضى واتفاق، وإنما أملاه السيف وفرضته آلة الحرب.
وسنحت الفرصة للسلطان العثماني في سنة (1250هـ=1834م) حين قامت الثورة في سوريا على إثر ما أدخله إبراهيم باشا من النظم الجديدة في إدارة شئون البلاد للنهوض بها ولم يكن للناس عهد بها، وزاد من ثورة الناس ضد الحكم المصري ما فرضه على الناس من ضرائب، وإجبار الناس على الالتحاق بالجيش ونزع السلاح من أيدي الأهالي.
وعلى الرغم من أن سوريا شهدت نشاطًا في التجارة، وازدهارًا في الصناعة واستتبابًا في الأمن بفضل المشروعات التي أدخلها إبراهيم باشا في البلاد، فإن ذلك لم يكن كافيا لنَيل رضى الناس؛ إذ صاحبه استبداد وقهر.
لم تكن أصابع السلطان العثماني بعيدة عن إشعال الثورة، وتأجيج الغضب في القلوب، فشبّت الفتنة في أماكن عديدة، وبذل إبراهيم باشا جهودًا خارقة في إخماد الفتنة وقمع الثورة، واستنفد ذلك أموالاً طائلة ونفوسًا كثيرة.
الحملة الثانية على الشام
فشلت المفاوضات بين الدولة العثمانية ومصر في تسوية النزاع بينهما بطريقة ودية، فأعلن محمد علي عن عزمه في قطع العلائق التي تربط مصر بدولة الخلافة العثمانية، وقد كان يعينه على ذلك تنامي قوته وازدياد نفوذه، وعجزت الدول الأوروبية أن تثنيه عن عزمه، ولم يكن يرضيها ظهور قوة إسلامية فتية، ربما يشاء لها القدر أن تبثّ الحياة في جسد الخلافة الواهن، فيهب من رقدته، ويسترد بعضا من عافيته، فيعيد إلى الأذهان جلال هيبته، وعظمة قوته.
كان السلطان العثماني قد أعد العدة لاسترداد سوريا من محمد علي، فحشد قواته على الحدود، ولما أتم العثمانيون استعدادهم بدءوا في زحفهم، فعبروا نهر الفرات وواصلوا زحفهم حتى اجتازت طلائعهم الحدود المرسومة السورية - التركية التي حددتها اتفاقية كوتاهية، فأرسل إبراهيم باشا إلى أبيه يخبره بالأمر، وفي الوقت نفسه لم ينتظر رد أبيه، بل تحرك بجيشه الذي كان يقيم بحلب؛ حيث أجلى العثمانيين عن مواقعهم، وفي أثناء ذلك جاء الرد من محمد علي إلى ابنه بألا يكتفي بصد هجوم العثمانيين وأن يعبر الحدود إذا اقتضى الأمر ذلك لسحق الجيش العثماني.
معركة نزيب (نصيبين)
اتجه إبراهيم باشا بجيشه الذي يبلغ أربعين ألف مقاتل إلى حيث يعسكر الجيش العثماني، ويحتل مواقعه الحصينة في بلدة نزيب التي تقع بالقرب من الحدود التركية - السورية، وكان الجيش العثماني يبلغ تعداده أربعين ألف مقاتل، وقد أُعِدّ إعدادًا حسنا، وعلى كفاءة عالية في فنون القتال.
وفي (11 من ربيع الآخر 1255هـ = 24 من نوفمبر 1839م) التقى الفريقان عند قرية نزيب في معركة هائلة حسمها إبراهيم باشا لصالحه، وألحق بالعثمانيين هزيمة مدوية، وكان ثمن النصر باهظا؛ حيث سقط أربعة آلاف جندي مصري بين قتيل وجريح.
وقبل أن تصل أنباء هذه الكارثة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 من يونيو 1839م)، وخلفه ابنه عبد الحميد، وكان شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.


الساعة الآن 01:59 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir