منتديات قصيمي نت - مجلس ابو ذيب حياكم .. .. ..!! (( استراحة قسم الحياة الزوجية ))

قصة واقعية قمة في الفائدة

------------------

اﻷبناء .. عندما يتحررون
من اﻷنانية ... يصبحون نعمة حقيقية في الحياة.

يقول د. عبدالعزيز الأحمد:

فواز .. طالبي الإيجابي!

ذو التسعة عشر ربيعاً، صاحب خلق وجدّ، يدرس في السنة الثانية قسم اللغة الانجليزية،
وكنت أدرسهم مادة
"مهارات التفكير".

كان من ضمن موضوعات المقرر "مهارة حل المشكلات" والتي تدور حول الإحساس بالمشكلة، وتحديدها، وجمع بياناتها، وتبويب البيانات، ومعرفة الأشخاص الذين لهم علاقة بها، ثم وضع الحلول المتعددة والبدء بالأسهل، ثم التطبيق.
وأخيراً التقييم، مع التأكيد على أهمية الدقة والموضوعية ..
كان من ضمن أسلوب حل المشكلات، ملحظ حيوي جداً، وهو أنّه أثناء السعي لحل المشكلة، لا بد للشخص من الشعور بأنه جزء من عالم المشكلة حتى يتحمل جزءًا من الحل ..
ومن هنا تبدأ القصّة!

كنتُ أعطي الطلاب -على أيّ موضوع- تطبيقاً عمليا، وكان ذلك بالنسبة لي ولهم كامتحان أعمال السنة،
ومن هؤلاء كان الطالب "فواز" حفزته كلماتي في المحاضرة، وبدأ يفكر ويتأمل .. نعم ..

وبدأ يحكي قصته:
أبي و أمي شبه منفصلين وهما في بيت واحد، الشجار ديدنهما، يدخل أبي البيت بعد عمله مجهداً، وأمي مشغولة بإخوتي أو بإعداد الطعام أو نظافة البيت، الوضع ليس مهيأ، فينزعج أبي جداً فيرفع صوته، فتغضب أمي، ثم يبدأ الصخب والسباب،
نحن في البيت عددنا كبير، أنا في الجامعة، أختي في الثانوية، إخوة لي في المتوسط والابتدائي،
و جميعنا نشاهد ذلك الصخب، فينقلب ألما "في نفوسنا وبكاء في عيوننا" .. تطور الأمر حتى طلق أبي أمي مرتين ولم يبق سوى "الرصاصة" الأخيرة"

تطور الشقاق وأصبح أبي يتناول حبوبا ضد الاكتئاب، ولا يحب الجلوس في البيت، وأمي معظم الوقت متضايقة ومتوترة.

يكمل فواز: لما أخذت مهارات التفكير وأهميتها وكيف أهملناها! وبدأت أمارس التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، فعلاً أحسست بأني كنت مهملاً نفسي وحياتي، وكيف بلغت بي السلبية إلى عدم وجود أي أثر أو مشاركة لي في البيت، فقط أدرس، آكل، أشرب، أنام، وقد ألعب مع إخواني، ولي طلعات مع أصدقائي!
أختي مثلي كذلك.

كلانا نعزف نغم السلبية في بيتنا

يقول فواز: ولما مررنا على "إستراتيجيات" حل المشكلات وطبقت ومارست، عرفت كم أنا مقصر مع نفسي ومع أبي وأمي، كنت أتصور أن المهمات والمسؤوليات مقصورة على أبي وأمي فقط، أما نحن فلا، وقد حركني تجاههما أمران تعلمتهما منك يا دكتور ..
اﻷول .. إذا احسست بمشكلة حولك، فلن تحلها حتى تعيشها وتحس بأنك جزء من عالمها ومن الحل.
والأمر الآخر .. أنه لا شيء مستحيل.

هنا فكرت فعلاً لماذا لم أنقد والدي ووالدتي ولم أنقد نفسي!!
أين دوري؟؟
ثم فكرت بأسباب المشكلة، فوجدت أن من أبرزها:
أن هناك ضغطاً جسدياً ونفسياً كبيرا على الوالدين؛ فالأب يعمل في الصباح حتى العصر؛ ثم يأتي مجهدا فيتابع البيت ومتطلباته،
ومتابعتنا تعليمياً وتربوياً، إضافة إلى مهام الأسرة والأقارب.. الخ. كما لاحظت أن أبي لديه ١٤ مهمة، وأمي لديها مثلها في البيت، وأنا وأختي الكبيرة لا نشارك إطلاقاً، فوضعت خطة لتحمل أربع مهام من مهام والدي: وهي المشتريات، متابعة دروس أخي الصغير، القيام "بمشاوير" الوالدة، إضافة الى إحداث جلسة للأسرة في المساء أديرها أنا وفيها سوالف وفوائد وطرائف.

أيضا أختي ناقشتها واقتنعت بإعانة أمي، فتقوم بأربع مسؤوليات: تقوم بالإشراف على سفرة الطعام تقديما وتنظيفا، تعين في تنظيف البيت، تشرف على نظافة أختي الصغيرة، وتدرس أختي الصغيرة الأخرى..
بقينا ننفذ ذلك لمدة شهر، فلاحظت تغيراً واضحاً في نفسية الوالد، أمي هدأت أكثر، نحن بدأنا نحس بدورنا في البيت .. وغاب ٦٠٪ من المشكلة!!

قلت: حقيقة أعجبت بهذه المبادرة والذكاء من فواز فحفزته، وشجعته، وحثثته على شكر أخته وأن يعطيها هدية كحافز.

بعد ذلك اقترحت عليه أن يطلب من أبيه طلباً وأخته تطلب من أمها نفس الطلب؛ وهو أن يعطيا والديهما "إجازة" بحيث يطلبان منهما أخذ إجازة ويذهبان بمفردهما إلى مكان في بلدهم، أو خارجها لمدة ثلاثة أيام وينسيا هموم البيت والأسرة والأولاد ليستجما ويرتاحا، ثم يعودا أكثر نشاطاً، وقلت له: ربما يرفض الوالدان من باب الخوف عليكم فجهز حلاً مناسباً، وهو أن تذهبو لبيت جدك وجدتك يوما، واليوم الآخر تأتي جدتك إليكم، وفعلا نظم فواز وأخته الأمر واختارا وقتاً مناسباً وهيئا الوضع،
وطلبا من والديهما أن يرتاحا عدة أيام ليجددا الحياة!
في أول الأمر رفضا خوفاً عليهم من تركهم وحدهم -وربما حياء- ولكنهما في آخر المطاف اقتنعا.

وفي الأسبوع الذي يليه حزما حقائبهما وسافرا ظهر الأربعاء، ولم يرجعا إلا العاشرة ليلة السبت، وكان التواصل بينهما وبين أولادهما الهاتف.

قال لي فواز وهو يضحك: رجع والداي والله كعروسين، ووجه أمي ينضح بالبشرى والارتواء كأنها عروسة اللحظة!!
أما أبي فلقد كان سعيداً مطمئناً، غاب حزنه وترك الحبوب النفسية، وعند دخوله ضمّني وقبلني ثم بكى وقال:
يا حبيبي يا فواز، كان حقا علي أن أزوجك، فإذا بك أنت من يزوجني!!

كان لزاماً علي أن أبني سعادة بيتنا، فإذا بك أنت وأختك من يمد قلبي وقلب أمك بالحب والحنان، بعدما كاد ينكسر الزجاج، وينفطر الفؤاد.
يا بني: علمتني أنت أن الحياة نحن من يصنعها في دواخلنا، علمتني بذكائك و لباقتك، أن المشاركة للكل راحة للكل، وأن المركزية تقتل سعادة المرء، فهو متعب دائماً والناس معه متعبون.
والآن شاركتم وبادرتم وأرحتم وأسعدتم . (انتهى)

كتب فواز ذلك كله لي وقال لي:
يا دكتور: لقد غابت المشكلة كلها تقريبا، لكن لأول مرة أدرس العلم تطبيقا لا مجرد نظرية.

هنا يا أحبابي أرغمني "فواز" على أن أعطيه الدرجة الكاملة وبكل فخر.

كم من اولاد في بيوت آبائهم يعيشون كضيوف ...!!