منتديات قصيمي نت

منتديات قصيمي نت (http://www.qassimy.com/vb/index.php)
-   من ذاكرة التاريخ (http://www.qassimy.com/vb/forumdisplay.php?f=73)
-   -   (((((((((((((موسوعة معارك اسلامية)))))))))))) (http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=131093)

AbduLraHmN 08-09-09 12:19 PM


غزوة احد



تاريخ الغزوة :
اتفق كتاب السيرة على أنها كانت في شوال من السنة الثالثة الهجرية ، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه. وأشهر الأقوال أنه السبت ، للنصف من شوال.


أسبابها :
لقد كان السبب المباشر لها ، كما أجمع على ذلك أهل السير ، هو أن قريشاً أرادت أن تنتقم لقتلاها في بدر ، وتستعيد مكانتها التي تزعزعت بين العرب بعد هزيمتها في بدر. أما من بين الأسباب الأخرى الهامة التي يمكن استنتاجها من مجريات الأحداث ، فهي أن قريشاً تريد أن تضع حدا لتهديد المسلمين طرق تجارتهم إلى الشام ، والقضاء على المسلمين قبل أن يصبحوا قوة تهدد وجودهم.

عدة المشركين :
خصصت قريش قافلة أبي سفيان التي نجت من المسلمين ، وأرباحها ، لتجهيز جيشهم لغزوة أحد ، وجمعت ثلاث آلاف مقاتل من قريش ومن أطاعها من كنانة وأهل تهامة ، ومعهم مائتا فرس ، وسبعمائة دارع ، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وخرجت معهم مجموعة من النساء لإثارة حماسهم وخوفهم من العار إذا فروا.
وذكر ابن إسحاق أنهن كن ثمانياً ، وقال الواقدي : إنهن كن أربع عشرة ، وقد سمياهن. وقال ابن سعد : إنهن كن خمس عشرة امرأة.

وأري الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ما سيحدث في أحد ، وذكره لأصحابه ، قائلا : ( رأيت في رؤياي أني هززته سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد كأحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت بقرا – والله خير – فإذا هم المؤمنون يوم أحد) وفي رواية أخرى : ( ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة). وفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بأن هزيمته وقتلا سيقعان من أصحابه.

عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمجيء جيش مكة لحرب المسلمين ، شاور أصحابه ، بين أن يبقوا داخل المدينة أو يخرجوا لملاقاة العدو خارجها. فقال جماعة من الأنصار: (يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية ، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ، فابرز إلى القوم ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته. فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره ، فاذهب يا حمزة فقل للنبي صلى الله عليه وسلم : (أمرنا لأمرك تبع) ، فأتى حمزة فقال : (يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا فقالوا : أمرنا لأمرك تبع ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز).

إن ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أن عبدالله بن أبي كان موافقاً لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء داخل المدينة ، فقد روى الطبري عن السدي خلاف ذلك ، وهو أثر إسناده صحيح ورجاله ثقات ولكنه مرسل ، وفيه من يهم ويكثر الخطأ ، ولذلك رجح الباكري رواية ابن إسحاق لصحتها ولإجماع أهل السير على ذلك ، وأن حجة ابن سلول في الرجوع عن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطعه.

ومما ذكره أهل السير أن من دوافع الراغبين في الخروج ، إظهار الشجاعة أمام الأعداء والرغبة في المشاركة في الجهاد لما فاتهم من فضل الاشتراك في بدر. أما دوافع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان على رأيه في البقاء داخل المدينة فهو الاستفادة من حصون المدينة وطاقات كل المواطنين مما يرجح فرصة دحر المهاجمين.

وبعد أن حسم الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخروج رفعت راية سوداء وثلاثة ألوية : لواء للمهاجرين ، حمله مصعب بن عمير ، وحمله بعد استشهاده علي بن أبي طالب ، ولواء للأوس حمله أسيد بن خضير ، ولواء للخزرج ، حمله الحباب ابن المنذر. وبلغ عدد من سار تحتها ألفاً من المسلمين ومن ظاهرهم ، وكان معهم فرسان ومائة دارع. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرتدي درعين.

وعندما تجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى أحد ثنية الوادع رأى كتيبة خشناء ، فقال : ( من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبدالله بن أبي سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع ، وهو رهط عبدالله بن سلام. قال : وقد أسلموا ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال : قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين). وإذا صح هذا الخبر يكون جلاء قينقاع بعد أحد.

وعندما وصل جيش المسلمين الشوط – وهو مكان ملعب التعليم بالمدينة الآن - ، انسحب المنافق ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين ، بحجة أنه لن يقع قتال المشركين ، ومعترضاً على قرار القتال خارج المدينة ، قائلا : ( أطاع الولدان ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا).

ورأت فرقة من الصحابة قتال هؤلاء المنافقين ، ورأت الفرقة الأخرى عدم ذلك ، فنزلت الآية الكريمة :{ فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}. واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام عند انسحابهم ، وأخذ يقول لهم : ( أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه ، وقد أشار القرآن إلى هذا الحوار في قوله تعالى :{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، والله أعلم بما يكتمون } .
وكادت بنو سلمة – من الخزرج – وبنو حارثة – من الأوس – أن تنخذل مع المنافقين لولا أن الله ثبتهم مع المؤمنين ، وفيهم قال الله عز وجل : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما … } .

وأنزل الله تعالى النعاس على طائفة المؤمنين الذين اغتموا بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانهم يوم بدر فناموا يسيرا ثم أفاقوا وقد قذف الله في قلوبهم الطمأنينة، التي أعادت لهم بعض نشاطهم ليواصلوا الدفاع عن نبيهم.


وكان أبو طلحة الأنصاري فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفه من يده مراراً فيأخذه. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم)، أما طائفة المنافقين، سواء التي انسحبت مع ابن سلول أو فلولهم التي سارت مع المؤمنين فقد قال الله عنهم في الآية نفسها: ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ).

لقد حاول المشركون جهد طاقتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله عصمه منهم. فقد روي أن أبيا بن خلف كان يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بأنه سيقتله يوما ما، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا أقتلك إن شاء الله)، فلما كان يوم أحد لحق النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وهو يقـول : أي محمد ، لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة مال منها على فرسه مرارا، ورجع إلى قريش وبه خدش غير كبير، فاحتقن الدم، فقال : ( قتلني والله محمد !) وطمأنة قومه بأن ليس به بأس، فقال لهم ما قال له محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم قال : ( فوالله لو بصق علي لتقلني). فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون به إلى مكة. وهذا من علامات ودلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما صمد المسلمون واستماتوا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فشل المشركون في محاولات الاختراق إليه، وأعيتهم المجالدة، ولم يملك أبو سفيان إلا أن يتوعد المسلمين بحرب أخرى في العام القادم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وقد ثبت أن أبا سفيان أشرف على المسلمين، وقال: أفي القوم محمد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال: لا تجيبوه ، قال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك ، قال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا : ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: والله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، وفي رواية عند أحمد وابن إسحاق قال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

وعندما انصرف المشركون مكتفين بما نالوه من المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، وقال له: ( اخرج آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقو الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم) ، وفعل علي ما أمر به ، فوجدهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة ، وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين ، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما به: ( لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعمل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. ونزل قول الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.

وعن قصة التمثيل بجثة حمزة رضي الله عنه، فقد روى موسى بن عقبة أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها.

وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقطرتها وحشياً.

وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم.

وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي في الإمتاع رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها ، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة ، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.

ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون.

أما التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر كبد حمزة التي ذكرها بعض أهل المغازي والسير لها أصل.

وسجلت لبعض النساء المسلمات مواقف إيمانية رائعة في تقبلهن مصابهن في أهليهن وفرحهن بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان. هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ؟ فأشير إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل) أي صغيرة.

وعندما أقبلت صفية أخت حمزة لتنظر إليه ، طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنها الزبير أن يرجعها حتى لا ترى ما بأخيها من مثلة ، فقالت : ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! لأ حتسبن ولأصبرن إن شاء الله. وعندما أخبر الزبير النبي صلى الله عليه وسلم بقولها ، أمره بأن يخلي سبيلها ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، ثم أمر به فدفن.

وقد روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير لأحد قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا، ودفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، فأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة. وبعد الدفن، صف الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأثنى على ربه ثم دعا الله أن يعطيهم نعيم الدنيا والآخرة وأن يقتل الكفرة والمكذبين.

وكان يتمنى أن يمضي شهيدا مع أصحابه الذين استشهدوا يوم أحد، وقد أثنى عليهم عندما سمع عليا يقول لفاطمة: هاك السيف فإنها قد شفتني، فقال له: ( لئن كنت أجدب الضرب بسيفك، لقد أجاد سهل ابن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأقلح والحارث بن الصمة.
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بما نال الشهداء من عظيم الأجر، فقد قال عندما سمع بكاء فاطمة بنت عبدا لله بن عمرو والد جابر: (ولم تبكي ؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).

ونزل في شهداء أحد قول الله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون). فقد روى مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: (أما أنا قد سألنا ذلك. فقال: أرواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)؛ ولذا قال العلماء إن حياة الشهداء حياة محققة حسبما جاء في هذا الحديث.

أحكام وحكم وعظات وعبر من غزوة أحد:

عقد ابن القيم فصلاً فيما اشتملت عليه هذه الغزوة من الأحكام الفقهية، ننقلها هنا باختصار لتعميم الفائدة:

* إن الجهاد يلزم بالشروع فيه، حتى إن استعد له وتأهب للخروج، وليس له أن يرجع عن ذلك حتى يقاتل عدوه.
* إنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه، بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم، ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم، كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يوم أحد.
* جواز سلوك الإمام بالعسكر في أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقة، وإن لم يرض المالك، كما كان حال مربع بن قيظي مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه.
* إنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين، بل يردهم إذا خرجوا، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه.
* جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن فيما دون القتال مثل السقي والتطبيب.
* جواز الانغماس في العدو، كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
* إن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بأصحابه قاعداً، وصلوا وراءه قعدواً، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
* جواز دعاء الرجل وتمنيه أن يقتل في سبيل الله، وليس ذلك من تمني الموت المنهي عنه، كما فعل عبد الله بن جحش.
* إن المسلم، إذا قتل نفسه، فهو من أهل النار، كما في حال قزمان.
* السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يكفن في غير ثيابه، بل يدفن فيها بدمه، إلا أن يسلبها العدو، فيكفن في غيرها. والحكمة في ذلك كما روى الترمذي ( حتى يلقوا ربهم بكلومهم – جروحهم - ، ريح دمهم ريح المسك ، واستغنوا بإكرام الله لهم). كما روى ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله ، إلا والله يبعثه يوم القيامة ، يدمى جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح مسك).
* أما الصلاة على الشهيد فقد اختلف فيها العلماء وقد رجح ابن القيم أن الإمام مخير بين الصلاة عليه وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.
وقد خرّج محققا الزاد تلك الآثار وبينا درجتها من الصحة ، ثم قالا : ( ففي هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب ، لأن كثيرا من الصحابة استشهد في غزوة بدر وغيرها ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ، ولو فعل لنقل عنه ، وقد جنح المؤلف [ أي ابن القيم ] رحمه الله في (تهذيب السنن : 4/3295) إليه .
* السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم.
* إن من عذره الله في التخلف عن الجهاد ، لمرض أو عرج (شديد أو شيخوخة) يجوز له الخروج إليه ، وان لم يجب عليه ، كما خرج عمرو بن الجموح ، وهو أعرج ، (واليمان والد حذيفة وثابت بن وقش وهما شيخان كبيران).
* إن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم في الجهاد يظنونه كافراً، فعلى الإمام دفع ديته من بيت المال ، كما في واقعة قتل اليمان.

وذكر ابن القيم بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في غزوة أحد.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران حيث افتتح القصة بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال …) إلى تمام ستين آية من هذه السورة.

نذكر هنا باختصار ما ذكره ابن القيم:
* تعريف المؤمنين بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن الذي أصابهم هو لذلك السبب ، كما قال تعالى : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم) فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتنازعهم وفشلهم ، كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرزاً من أسباب الخذلان.
2- إن حكمة الله وسنته في رسله ، وأتباعهم ، جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة ، فإنهم لو انتصروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة ، خاصة وان هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان : (هل قاتلتموه ؟ قال : نعم. قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى. قال : كذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة).
3- ميزت محنة أحد بين المؤمن والمنافق الذي دخل الإسلام ظاهراً بعد انتصار المسلمين ببدر، وفي ذلك قال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
4- استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون ، فهم عبيده حقاً ، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.
5- لا يصلح عباده إلا السراء والضراء، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، فهو (سبحانه) إذا أراد أن يعز عبده ، ويجبره ، وينصره ، كسره أولاً ، ويكون جبره له ، ونصره على مقدار ذله وانكساره ، وهذا ما وقع للمسلمين ببدر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وبحنين ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) .
6- إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه ، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.
7- إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغياناً وركوناً إلى العاجلة ، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والآخرة ، فإذا أراد الله بها الرحمة والكرامة قيض لها من الابتلاء ما فيه دواء وشفاء لذلك المرض.
8- إن الشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو وغيره.
9- إن في الابتلاء من الله تمحيص وتكفير لذنوب عباده وفرصة لهم لنيل الشهادة ، قال تعالى : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين).
10- إن الأنبياء (عليهم السلام)، إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام تعظيماً لأجرهم تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين ، وهذه سنة الله فيهم.
11- إن اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم في القتال مثله كأي فرد من أفراد جيشه دليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم تميزه عن جنده ومساواة نفسه بهم. وفيه دليل على شجاعته وصبره وتحمله الأذى في سبيل دعوته.

AbduLraHmN 08-09-09 12:21 PM


غزوة الاحزاب


تاريخ الغزوة:

وقعت هذه الغزوة في شوال سنة خمس كما قال ابن إسحاق ومن تابعه، وهو قول الجمهور، وقال الواقدي: إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد: إن الله استجاب لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهزم الأحزاب يوم أربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره. ونقل الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها وقعت سنة أربع هجرية.

ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، فتكون غزوة بدر عندهم في السنة الأولى، وأحد في الثانية والخندق في الرابعة، وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة. وجزم ابن جزم أنها وقعت سنة أربع لقول ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يوم أحد وهي في السنة الثالثة باتفاق وهو ابن أربع عشرة سنة. ولكن البيهقي وابن حجر وغيرهما فسروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول جمهور العلماء.

سبب الغزوة:

لم تضع الحرب أوزارها بين مشركي مكة والمسلمين إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ولذا فمن البدهي أن تحاول قريش في كل مرة القضاء على قوة المسلمين التي ترى فيها تهديداً مستمراً لطرق قوافلها وخطراً على مكانتها بين العرب.

أرادت قريش في هذه المرة أن تحسم هذا الصراع مع المسلمين لصالحها، فحشدت له أكبر قوة ممكنة حيث لجأت إلى التحالف مع كل من له مصلحة في القضاء على المسلمين. ووجدوا أكبر ضالتهم في قريش، فقد التقت أهداف الفريقين، وهو القضاء على المسلمين.

كان أول ما فكر فيه زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر أن يتصلوا بقريش والقبائل الأخرى للثأر لأنفسهم والطمع في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في المدينة. فخرج وفد منهم إلى مكة ، منهم : سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق النضريون ، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بالقتال معهم ، حتى يستأصلوه ، وأفتوهم بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم أولى بالحق منهم ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ). ثم اتجهوا بعد هذا إلى قبيلة غطفان النجدية الكبرى وأغروها بالتحالف معهم ومع قريش على حرب المسلمين، على أن يكون لهم نصف ثمر خيبر، إذا اشتركت معهم في الحرب، وكان وافدهم إلى غطفان كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك.

وكتب المشركون إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش ومن اتبعه من قبائل العرب، فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم بقيادة سفيان بن عبد شمس والد أبي الأعور وبنو مرة بقيادة الحارث بن عوف وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة ، فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن عدتهم عشرة آلاف بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف.

تحرك هذا الجيش العرموم من مر الظهران في طريقة إلى المدينة. فنزلت قريش ومن سار معها بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجُرُف وغابة. ونزلت غطفان بذنب نقمي إلى جانب أحد، ونزل معهم بنوأسد.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ، استشار أصحابه ، وقد أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة ، أما الجهات الأخرى فكانت كالحصن تتشابك فيها الأبنية وأشجار النخيل وتحيطها الحرات التي يصعب على الإبل والمشاة التحرك فيها.

ووافق الجميع على هذه الفكرة لعلمهم بكثرة الجموع القادمة لحربهم ، وشرعوا في حفر الخندق الذي يمتد من أجم الشيخين طرف بن حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وعمل المسلمون في الحفر على عجل، يبادرون قدوم القوم، وقد تراوحت مدة الحفر ما بين ستة أيام وأربعة وعشرين يوماً. فعند ابن عقبة استغرق قريباً من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً ، وعند ابن سعد ستة أيام.

وكان طعامهم القليل من الشعير يخلط بدهن متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه على الرغم من بشاعة طعمه في الحلق ورائحته المنتنة، وذلك لشدة جوعهم. حتى هذا لا يجدونه أحياناً فيأكلون التمر ، وأحياناً لا يجدون هذا ولا ذاك لمدة ثلاثة أيام متتالية ، إلى الحد الذي يعصب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطنه بحجر من شدة الجوع.

وشارك جميع المسلمين في الحفر، لا فرق بين غني وفقير ومولى وأمير، وأسوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وكان الصحابة يستعينون به في تفتيت الصخرة التي تعترضهم ويعجزون عنها، فيفتتها لهم. ويردد معهم الأهازيج والأرجاز لتنشيطهم للعمل ، فيقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا...........وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا.......وإن أرادوا فتنة أبينا

وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون وهم يعملون:
(نحن الذين بايعوا محمداً..على الإسلام ما بقينا أبدا)
فيجيبهم بقوله:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة). وربما يبدؤهم بقوله فيردون عليه بقولهم.

من دلائل النبوة أثناء حفر الخندق :

أجرى الله سبحانه وتعالى على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عدة معجزات أثناء حفر الخندق، ومن ذلك:

1- عندما لحظ جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع، استأذنه وذهب إلى زوجته وأخبرها بما رأى من المخمصة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منها أن تصنع له طعاماً، فذبح عناقاً له وطحنت زوجة صاعاً من شعير بقي لهما ، وصنعت برمة ، وذهب جابر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام وساوره بكمية الطعام ، وانه طعيم يكفي لرجل أو رجلين ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان حاضراً وعددهم ألف ، وتحير جابر وزوجته ، لكن النبي صل الله عليه وسلم بارك في البرمة ، فأكل منها كل الناس حتى شبعوا وتركوا فيها الكثير الذي أكل منه أهل جابر وأهدوا.

2- أخبر عمار بن ياسر، وهو يحفر معهم الخندق، بأن ستقتله الفئة الباغية، فقتل في صفين وكان في جيش علي.

3- وعندما اعترضت صخرة للصحابة وهو يحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثر الضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) .

وفي هذا الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلاً ، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) ، وموقف المنافقين الذين سخروا من البشارة : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

وصورت الآيات من 13 إلى 20 من سورة الأحزاب نفسية المنافقين تصويرًا دقيقاً، وحكت أقوالهم في الإرجاف والتخذيل، وأساليبهم في التهرب من العمل في حفر الخندق وجهاد العدو.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وقلة الطعام وشدة البرد فقد تم حفر الخندق ليكون خط دفاع متيناً ثم جمع النساء والأطفال وأصحاب الأعذار في حصن فارع ، وهو لبني حارثة ، لأنه كان أمنع حصون المسلمين آنذاك.

وكانت خطة المسلمين أن يكون ظهرهم إلى جبل سلع داخل المدينة ووجوههم إلى الخندق الذي يحجز بينهم وبين المشركين الذين نزلوا رومة بني الجرف والغابة ونقمى.

وعندما نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في حال العدو وحال المسلمين ورأى ضعف المسلمين وقوة المشركين ، أراد أن يكسر شوكة المشركين ، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيمي الأنصار ، فاستشارهما في الصلح الذي عرضته عليه قبيلة غطفان ، وهو أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لعام كي ينصرفوا عن قتال المسلمين ، ولم يبق إلا التوقيع على صحيفة الصلح ، فقال له : (لا والله ما أعطينا الدنية من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام). وفي رواية الطبراني أنهما قالا: (يا رسول الله: أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك ؟ فرأينا تبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى). فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأعراب الذين كان يمثلهم الحارث الغطفاني، قائد بني مرة.

وفي الجانب الآخر أراد يهود بني النضير أن يجروا معهم إخوانهم يهود بني قريظة إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوقوف مع الأحزاب. فأوفدوا حيياً ابن أخطب للقيام بهذه المهمة. فجاء حيي إلى كعب بن أسد القرظي. وبعد حوار طويل بينهما أقنعه بنقض العهد مع المسلمين بحجة قوة الأحزاب ومقدرتهم على استئصال المسلمين ، وأغراه بأن يدخل معه حصنه عندما ينصرف الأحزاب ، بعد أداء مهمتهم.

وكان يوما عصيباً من الدهر ، ذلك اليوم الذي علم فيه المسلمون نقض بني قريظة ما بينهم وبين المسلمين من عهد. وتكمن خطورة ذلك في موقعهم الذي يمكنهم من تسديد ضربة غادرة للمسلمين من الخلف. فقد كانت ديارهم في العوالي، إلى الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور.

لقد أتاه الزبير بما يدل على غدرهم، ويومها قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي، إن لكل نبي حوارياً ، وحواري الزبير).

لزيادة الحيطة والحذر والتأكد من مثل هذه الأمور الخطيرة ، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ، فجاءوا إلى بني قريظة وتحدثوا معهم ، ووجدوهم قد نكثوا العهد ومزقوا الصحيفة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بني سعية ، فإنهم جاؤوا إلى المسلمين وفاء بالعهد. وعاد رسل المسلمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين.

وعندما شاع هذا الخبر خاف المسلمون على ذراريهم من بني قريظة، ومروا بوقت عصيب وابتلاء عظيم. ونزل القرآن واصفاً هذه الحالة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).

فالذين جاؤوهم من فوقهم هم الأحزاب، وبنو قريظة من أسفل منهم، والذين ظنوا بالله الظنونا هم المنافقون. أما المؤمنون فقد صمدوا لهذا الامتحان. واتخذوا كل الوسائل الممكنة لاجتياز الامتحان، فنظموا فرقاً للحراسة، فكان سلمة بن أسلم الأوسي أمير لمائتي فارس وزيد بن حارثة أمير لثلاثمائة فارس ، يطوفون المدينة ويكبرون لإشعار بني قريظة باليقظة حتى لا تحدثهم أنفسهم بأن يغدروا بالذرية التي في الحصون.

عندما وصلت الأحزاب المدينة فوجئوا بوجود الخندق ، فقاموا بعدة محاولات لاقتحامه ، ولكنهم فشلوا لأن المسلمين كانوا يمطرونهم بوابل سهامهم كلما هموا بذلك ، ولذا استمر الحصار لمدة أربع وعشرين ليلة.

وذكر ابن إسحاق وابن سعد أن بعض المشركين اقتحموا الخندق ، وعد ابن إسحاق منهم : عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب والشاعر بن مرداس ، وزاد ابن سعد واحدا على هؤلاء وهو : نوفل بن عبد الله. وذكر أن عليا بارز عمرو بن عبد ود – فارس قريش – وقتله ، وأن الزبير قتل نوفلاً وأن ثلاثة الآخرين فروا إلى معسكرهم.

وظلت مناوشات المشركين للمسلمين وتراشقهم معهم بالنبل دون انقطاع طيلة مدة الحصار ، حتى إنهم شغلوا المسلمين يوماً عن أداء صلاة العصر ، فصلوها بعد الغروب ، وذلك قبل أن تشرع صلاة الخوف ، حيث شرعت في غزوة ذات الرقاع على رأي من يرى أن ذات الرقاع كانت بعد غزوة الخندق.

وقتل في هذه المناوشات ثلاثة من المشركين واستشهد ستة من المسلمين منهم سعد بن معاذ ، الذي أصيب في أكحله – عرق في وسط الذراع – رماه حبان بن العرِقة. وقد نصبت له خيمة في المسجد ليعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من قريب ، ثم مات بعد غزوة بني قريظة ، حين انتقض جرحه وكانت تقوم على تمريضه رفيدة الاسلمية.

وكان شعارأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة ( حم ، لا ينصرون).

لقد كفى الله المؤمنين القتال فهزم الأحزاب بوسيلتين : الأولى : تسخير الله نعيم بن مسعود ليخذل الأحزاب ، والثانية : الرياح الهوجاء الباردة.

1- دور نعيم بن مسعود :

روى ابن إسحاق والواقدي وعبدالرزاق وموسى بن عقبة أن نعيم بن مسعود الغطفاني ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وعرض عليه أن يقوم بتنفيذ أي أمر يريده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (إنما أنت رجل واحد فينا ، ولكن خذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ).

وقبل أن يعرف إسلام نعيم ، أتى بني قريظة ، فأقنعهم بعد التورط مع قريش في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن ، لكيلا يولوا الأدبار ، ويتركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم مع المسلمين بالمدينة. ثم أتى قريشا فأخبرهم أن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا ، وأنهم قد اتفقوا سرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يختطفوا عددا من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ليقتلهم دليلا على ندمهم ، وقال لهم : فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فإياكم أن تسلموهم رجلا منكم. ثم أتى غطفان وقال لهم مثل الذي قاله لقريش. وبذلك زرع بذور الشك بينهم. وأخذ كل فريق يتهم الفريق الآخر بالخيانة.

2- معجزة الرياح :

هبت ريح هوجاء في ليلة مظلمة باردة ، فقلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم ، فما كان من أبي سفيان إلا أن ضاق بها ذرعا فنادى في الأحزاب بالرحيل. وكانت هذه الريح من جنود الله الذين أرسلهم على المشركين ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا).

وروى مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان طرفا مما حدث في تلك الليلة الحاسمة ، قال حذيفة : لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ، وأخذتنا ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا رجل يأتني بخبر القوم ، جعله الله معي يوم القيامة) ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، … (ردد ذلك ثلاثا) ثم قال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) ، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) . فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ، حتى أتيتهم ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس ، فأردت أن أرميه ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ولا تذعرهم علي) ، ولو رميته لأصبته ، فرجعت ، وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت فقال : قم يا نومان).

وزاد ابن إسحاق في روايته لهذا الخبر : (… فدخلت في القوم ، والريح جنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا إناء ولا بناء ، فقام أبو سفيان ، فقال : يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي فقلت له : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون … فارتحلوا فإني مرتحل). وفي رواية الحاكم والبزار : ( … فانطلقت إلى عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله ، قد تفرق الأحزاب عنه ، حتى إذا جلست فيهم فحسب أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم ، قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فضربت بيدي على الذي على يميني وأخذت بيده ، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده ، فلبثت هنيهة ، ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم … قلت: يا رسول الله : تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون).

وختم الله هذا الامتحان الرهيب بهذه النهاية السعيدة ، وجنب المسلمين شر القتال ، قال تعالى معلقا على هذه الخاتمة : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا). وكانت هذه الخاتمة استجابة لضراعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله أثناء محنة الحصار : (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم).

لقد بذلت الأحزاب أقصى ما يمكنهم لاستئصال المسلمين ، ولكن الله ردهم خائبين ، وهذا يعني أنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا في المستقبل ، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم) ؛ هذا علم من أعلام النبوة ، لأن الذي حدث بعد هذا هو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم وعبر في غزوة الخندق:

1- إن حفر الخندق يدخل في مفهوم المسلمين لقوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فينبغي على المسلمين اتخاذ وسائل القوة المتاحة مهما كان مصدرها ، لأن الحكمة ضالة المؤمن ، فحيثما وجدها التقطها.

2- لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للحكام والمحكومين في العدالة والمساواة وعدم الاستئثار بالراحة يوم وقف جنبا إلى جنب مع أفراد جيشه ليعمل بيده في حفر الخندق. وهذه هي صفة العبودية الحقة التي تجلت في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا آخر على رأفته بالمؤمنين ، يوم شاركهم في حفر الخندق ويوم أشركهم معه في طعيم جابر ، ولم يستأثر به مع قلة من الصحابة. وفي ضوء هذه المعاني يفهم قول الله تعالى : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

4- إن مجموعة المعجزات التي أجرها الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أيام الخندق ، سواء التي كانت في حفر الخندق أو تكثير طعيم جابر أو الرياح التي كانت نقمة على المشركين ، لهي مجموعة أخرى في سلسلة المعجزات الكثيرة التي أيد الله بها نبيه ، ليقطع الحجة لدى المعاندين من المنافقين والمشركين وكل صنف من أصناف أعداء الدين.

5- إن الحكمة في استشاراته لبعض أصحابه في الصلح الذي اقترحته غطفان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يطمئن إلى مدى ما يتمتع به أصحابه من القوة المعنوية والاعتماد على نصر الله وتوفيقه على الرغم من ذلك الذي فوجئوا به من اجتماع أشتات المشركين عليهم في كثرة ساحقة ، إلى جانب خذلان بني قريظة للمسلمين ونقض مواثيقهم معهم.

6- وأما الدلالة التشريعية في هذه الاستشارة ، فهي محصورة في مجرد مشروعية مبدأ الشورى في كل ما لا نص فيه. وهي بعد ذلك لا تحمل أي دلالة على جواز صرف المسلمين أعداءهم عن ديارهم إذا ما اقتحموها ، باقتطاع شيء من أرضهم أو خيراتهم لهم. إذ إن مما هو متفق عليه في أصول الشريعة الإسلامية أن الذي يحتج به من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو أقواله ، وأفعاله التي قام بها ، ثم لم يرد اعتراض عليها من الله في كتابة العزيز.

وليس في هذه الاستشارة دليل على جواز دفع المسلمين الجزية إلى أعدائهم. أما إذ ألجئوا إلى اقتطاع جزء من أموالهم فعليهم التربص بأعدائهم لاسترداد حقهم المسلوب.

7- عندما شغل المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب ، وفي هذا دليل على مشروعية قضاء الفائتة.

AbduLraHmN 08-09-09 12:22 PM

غزوة بني قريظة



وقعت هذه الغزوة بعد غزوة الأحزاب مباشرة ، في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة الهجرية.

وواضح من سير الأحداث أن سبب الغزوة كان نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، بتحريض من حيي بن أخطب النضري.

وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير لمعرفة نيتهم ، ثم أتبعه بالسعدين وابن رواحة وخوات لذات الهدف ليتأكد من غدرهم.

ولأن هذا النقض وهذه الخيانة قد جاءت في وقت عصيب ، فقد أمر الله تعالى نبيه بقتالهم بعد عودته من الخندق ووضعه السلاح ، وامتثالاً لأمر الله أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتوجهوا إلى بني قريظة ، وتوكيدا لطلب السرعة أوصاهم قائلاً : ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) كما في رواية البخاري ، أو الظهر كما في رواية مسلم.

وعندما أدركهم الوقت في الطريق ، قال بعضهم : لا نصلى حتى نأتي قريظة ، وقال البعض الآخر : بل نصلى ، لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم. وهذا اجتهاد منهم في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر : ( … وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين – البخاري ومسلم – باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر ، وبعضهم لم يصلها ، فقيل لمن لم يصلها : لا يصلين أحد الظهر ، ولمن صلاها : لا يصلين أحد العصر. وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر ، وكلاهما جمع لا بأس به …).

خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ستة وثلاثون فرساً وضرب الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح ، وضيق عليهم الخناق حتى عظم عليهم البلاء ، فرغبوا أخيرا في الاستسلام ، وقبول حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم. واستشاروا في ذلك حليفهم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه ، فأشار إلى أن ذلك يعني الذبح. وندم على هذه الإشارة، فربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي ، حتى قبل الله توبته.

وعندما نزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس ، لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة ، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ، فلما دنا من المسلمين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم ، ثم قال : إن هؤلاء نزلوا على حكمك ). قال : تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( قضيت بحكم الله تعالى .

ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم ، وكانوا أربعمائة على الأرجح . و لم ينج إلا بعضهم ، وهم ثلاثة ، لأنهم أسلموا ، فأحرزوا أموالهم ، وربما نجا اثنان آخران منهم بحصولهم على الأمان من بعض الصحابة ، أو لما أبدوه من التزام بالعهد أثناء الحصار. وربما نجا آخرون لا يتجاوزن عدد أفراد أسرة واحدة ، إذ يفهم من رواية عند ابن إسحاق وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا القرظي ، فاستحياهم ، منهم عبد الرحمن بن الزبير ، الذي أسلم ، وله صحبة.

وجمعت الأسرى في دار بنت الحارث النجارية ، ودار أسامة بن زيد ، وحفرت لهم الأخاديد في سوق المدينة ، فسيقوا إليها المجموعة تلو الأخرى لتضرب أعناقهم فيها. وقتلت امرأة واحدة منهم ، لقتلها خلاد بن سويد رضي الله عنه، حيث ألقت عليه ، جرحى ، ولم يقتل الغلمان ممن لم يبلغوا سن البلوغ. ثم قسم الرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم وذراريهم بين المسلمين.

مصير بعض سيي بني قريظة :
ذكر ابن إسحاق وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.

وذكر الواقدي في المغازي في شأن بيع سبايا بني قريظة قولين آخرين إضافة إلى ما ذكره ابن إسحاق ، والقولان هما :
1- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا ليبيعهم ويشتري بهم سلاحاً وخيلاً.
2- اشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما جملة من السبايا … إلخ. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة بأن ذلك كله قد حدث.

واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، وأسلمت. وقد توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملك يمينه ، وكان ذلك باختيارها.

أحكام وحكم ودروس وعبر من غزوة بني قريظة :

1- جواز قتل من نقض العهد. ولا زالت الدول تحكم بقتل الخونة الذين يتواطؤون مع الأعداء حتى زماننا هذا.

2- جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم. كما في تحكيم ابن معاذ.

3- مشروعية الاجتهاد في الفروع ، ورفع الحرج إذا وقع الخلاف فيها. فقد اجتهد الصحابة في تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يصلين أحد العصر أو الظهر إلا في بني قريظة) ، ولم يخطئ الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.

4- ذكر النووي أن جماهير العلماء احتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وغيره على استحباب القيام لأهل الفضل ، وليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه هو جالس ويمثلون قياما طوال جلوسه ، وقد وافق النووي جماهير العلماء في هذا ، ثم قال : ( القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء في أحاديث ، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح. وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيها عما توهم النهي عنه).

5- قال الدكتور البوطي : واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) ، لأن مشروعية إكرام الفضلاء لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته ، بل إن من أبرز صفات الصالحين أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهادا في طلب هذا الشيء … (غير أن من أهم ما ينبغي أن تعلمه في هذا الصدد أن لهذا الإكرام المشروع حدود إذا تجاوزها ، انقلب الأمر محرما ، واشترك في الإثم كل من مقترفة والساكت عليه. فمن ذلك ما قد تجده في مجالس بعض المتصوفة من وقوف المريدين عليهم وهم جلوس ، يقف الواحد منهم أمام شيخه في انكسار وذل … ومنه ما يفعله بعضهم من السجود على ركبة الشيخ أو يده عند قدومه عليه ، أو ما يفعله من الحبو إليه عندما يغشى المجلس … فالإسلام قد شرح مناهج للتربية وحظر على المسلمين الخروج عليها ، وليس بعد الأسلوب النبوي في التربية من أسلوب يقر).

AbduLraHmN 08-09-09 12:25 PM


غزوة خيبر





لم يبد يهود خيبر عداء سافراً للمسلمين حتى لحق بهم زعماء بني النضير عندما أجلوا عن المدينة. وكما سبق وأن ذكرنا فقد كان أبرز زعماء بني النضير الذين غادروا المدينة ونزلوا خيبر : سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب ، فلما نزلوها دان لهم أهلها.

لقد نزلوا بأحقادهم ضد المسلمين ، ولذا كانوا كلما وجدوا فرصة للانتقام من المسلمين انتهزوها ، ووجدوا في قريش وبعض قبائل العرب حصان طروادة الذي سيدخلون به المدينة مرة أخرى ، فألبوهم ضد المسلمين ، ثم جروهم إلى غزوة الخندق ، وسعوا في إقناع بني قريظة للانضمام إليهم والغدر بالمسلمين. ولذا كانت تلك العقوبة الرادعة التي أنزلها المسلمون بهم عندما صرف الله الأحزاب ، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية عبد الله بن عتيك للقضاء على رأس من رؤوسهم أفلت من العقاب يوم قريظة ، وهو سلام ابن أبي الحقيق ، فقتلوه.

وكانت هدنة الحديبية فرصة أمام المسلمين لتصفية هذا الجيب الذي يشكل خطورة على أمن المسلمين ، وقد وعد الله المسلمين بمغانم كثيرة يأخذونها إذا هزموا يهود خيبر ، وإلى ذلك أشارت سورة الفتح التي نزلت في طريق العودة من الحديبية ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيزاً حكيماً ، وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً ، وأخرى لم تقدروا عليها ، قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً).

تاريخ الغزوة :

ذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم من السنة السابعة الهجرية ، وذكر الواقدي أنها كانت في صفر أو ربيع الأول من السنة السابعة بعد العودة من غزوة الحديبية ، وذهب ابن سعد إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبع ، وقال الإمامان الزهري ومالك إنها في المحرم من السنة السادسة. وظاهر أن الخلاف بين ابن إسحاق والواقدي يسير ، وهو نحو الشهرين ، وكذلك فإن الخلاف بينهما وبين الإمامين الزهري ومالك مرجعه إلى الاختلاف في ابتداء السنة الهجرية الأولى كما سبق الإشارة إلى ذلك. وقد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق على قول الواقدي.

أحداث الغزوة :

سار الجيش إلى خبير بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر وشدة وبأس رجالها وعتادهم الحربي. وكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة ، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم قائلاً : (إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم). وسلكوا طريقا بين خيبر وغطفان ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر لأنهم كانوا أعداء للمسلمين.

ونزل المسلمون بساحة اليهود قبل بزوغ الفجر ، وقد صلى المسلمون الفجر قرب خيبر ، ثم هجموا عليها بعد بزوغ الشمس ، وفوجئ أهلها بهم وهم في طريقهم إلى أعمالهم ، فقالوا : محمد والخميس !! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).

وهرب اليهود إلى حصونهم وحاصرهم المسلمون. وقد حاولت غطفان نجدة حلفائهم يهود خيبر ، حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر ، فأخذ المسلمون في افتتاح حصونهم واحداً تلو الآخر.

وكان أول ما سقط من حصونهم ناعم والصعب بمنطقة النطاة وأبي النزار بمنطقة الشق ، وكانت هاتان المنطقتان في الشمال الشرقي من خيبر ، ثم حصن القموص المنيع في منطقة الكتيبة ، وهو حصن ابن أبي الحقيق ، ثم اسقطوا حصني منطقة الوطيح والسلالم.

وقد واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون ، منها حصن ناعم الذي استشهد تحته محمود بن مسلمة الأنصاري ، حيث ألقى عليه مرحب رحى من أعلى الحصن ، والذي استغرق فتحه عشرة أيام ، فقد حمل راية المسلمين عند حصاره أبو بكر الصديق ، ولم يفتح الله عليه ، وعندما جهد الناس ، قال رسول الله إنه سيدفع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله و رسوله ، ولا يرجع حتى يفتح له ، فطابت نفوس المسلمين ، فلما صلى الفجر في اليوم التالي دفع اللواء إلى علي ، ففتح الله على يديه.

وكان علي يشتكي من رمد في عينيه عندما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرئ.

ولقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم ، وقال له : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم). وعندما سأله علي : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل الناس ؟ قال : ( قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

وعند حصار المسلمين لهذا الحصن برز لهم سيده وبطلهم مرحب ، وكان سبباً في استشهاد عامر بن الأكوع ، ثم بارزه علي فقتله ، مما أثر سلبياً في معنويات اليهود ومن ثم هزيمتهم.

وقد أبلى علي بلاء حسناً في هذه الحرب. ومن دلائل ذلك : روى ابن إسحاق من حديث أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن علياً عندما دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ.

قال الراوي – أبو رافع : فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه.

وروى البيهقي من طريقين مرفوعين إلى جابر رضي الله عنه قصة علي والباب ويوم خيبر. ففي الطريق الأول أن عليا رضي الله عنه حمل الباب حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها ، ولم يستطع أربعون رجلاً أن يحملوا هذا الباب. وفي الطريق الثانية أنه اجتمع عليه سبعون رجلاً ، فأعادوه إلى مكانه بعد أن أجهدهم.

وتوجه المسلمون إلى حصن الصعب بن معاذ بعد فتح حصن ناعم ، وأبلى حامل رايتهم الحباب بن المنذر بلاء حسناً حتى افتتحوه بعد ثلاثة أيام ، ووجدوا فيه الكثير من الطعام والمتاع ، يوم كانوا في ضائقة من قلة الطعام ، ثم توجهوا بعده إلى حصن قلعة الزبير الذي اجتمع فيه الفارون من حصن ناعم والصعب وبقية ما فتح من حصون يهود – فحاصروه وقطعوا عنه مجرى الماء الذي يغذيه ، فاضطروهم إلى النزول للقتال ، فهزموهم بعد ثلاثة أيام ، وبذلك تمت السيطرة على آخر صحون منطقة النطاة التي كان فيها أشد اليهود.

ثم توجهوا إلى حصون الشق ، وبدأوا بحصن أبيّ ، فاقتحموه ، وأفلت بعض مقاتلته إلى حصن نزار ، وتوجه إليهم المسلمون فحاصروهم ثم افتتحوا الحصن ، وفر بقية أهل الشق من حصونهم وتجمعوا في حصن القَمُوص المنيع وحصن الوطيح وحصن السلالم ، فحاصرهم المسلمون لمدة أربعة عشر يوماً حتى طلبوا الصلح.

نتائج الغزوة :

وهكذا فتحت خيبر عنوة ، استناداً إلى النظر في مجريات الأحداث التي سقناها ، وما روى البخاري ، ومسلم وأبو داود من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر وافتتحها عنوة.

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فقبل ذلك منهم. فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وقتل من اليهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعون رجلاً. وسبيت النساء والذراري ، منهن صفيه بنت حيي بن أخطب ، التي اشتراها الرسول صلى الله عليه وسلم من دحية حيث وقعت في سهمه فأعتقها وتزوجها. وقد دخل عليها في طريق العودة إلى المدينة ، وتطوع لحراسته في تلك الليلة أبو أيوب الأنصاري.

واستشهد من المسلمين عشرون رجلاً فيما ذكر ابن إسحاق وخمسة عشر فيما ذكر الواقدي.

وممن استشهد من المسلمين راعي غنم أسود كان أجيراً لرجل من يهود. وخلاصة قصته أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم يرعاها لبعض يهود خيبر ، فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم ، ثم استفتاه في أمر الغنم ، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضرب وجوهها ، فسترجع إلى أصحابها ، فأخذ الراعي حفنة من الحصى فرمى بها في وجوهها ، فرجعت إلى أصحابها ، وتقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجي بشملة ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعرض عنه ، وعندما سئل عن إعراضه قال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين).

واستشهد أعرابي له قصة دلت على وجود نماذج فريدة من المجاهدين. وخلاصة قصته أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وطلب أن يهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما كانت غزوة خيبر – وقيل حنين – غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج له سهمه ، وكان غائباً حين القسمة ويرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوا إليه سهمه ، فأخذه وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما هذا يا محمد؟ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قسم قسمته لك). قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا ، وأشار إلى حلقه بسهم ، فأدخل الجنة ، قال : (إن تصدق الله يصدقك) ، ولم يلبث قليلاً حتى جيء به وقد أصابه سهم حيث أشار ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (صدق الله فصدقه) ، فكفنه الرسول صلى الله عليه وسلم في جبة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفنه.


وبعد الفراغ من هذه الغزوة حاول اليهود قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم. فقد أهدته امرأة منهم شاة مشوية مسمومة ، وأكثرت السم في ذراع الشاة عندما عرفت أنه يحبه ، فلما أكل من الذراع أخبرته الذراع أنه مسموم فلفظ اللقمة ، واستجوب المرأة ، فاعترفت بجريمتها ، فلم يعاقبها في حينها ، ولكنه قتلها عندما مات بشر بن البراء بن معرور من أثر السم الذي ابتلعه مع الطعام عندما أكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتم الصلح في النهاية بين الطرفين وفق الأمور الآتية :

- بالنسبة للأراضي والنخيل – أي الأموال الثابتة : دفعها لهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يعملوا عليها ولهم شطر ما يخرج منها.
- أن ينفقوا من أموالهم على خدمة الأرض.
- أما بالنسبة لوضعهم القانوني فقد تم الاتفاق على أن بقاءهم بخيبر مرهون بمشيئة المسلمين ، فمتى شاؤوا أخرجوهم منها.

وقد أخرجهم عمر بن الخطاب إلى تيماء وأريحاء ، استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته : (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وتكرر منهم الاعتداء على المسلمين. ففي المرة الأولى اتهمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل عبد الله بن سهل ، فأنكروا فلم يعاقبهم ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. وفي هذه المرة الثانية أكدت الأولى – كما أشار عمر – أنهم اعتدوا على عبد الله بن عمر ، وفدعوا يديه.

- واتفقوا على إيفاد مبعوث من قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر ليخرص ويقبض حصة المسلمين.

أما بالنسبة للأموال المنقولة ، فقد صالحوه على أن له الذهب والفضة والسلاح والدروع ، لهم ما حملت ركائبهم على ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً ، فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكاً لحيي بن أخطب ، وقد كان قتل في غزوة خيبر ، وكان قد احتمله معه يوم بني النظير حين أجليت.

وعندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سعية – عم حيي – عن المسك ، قال : (أذهبته الحروب والنفقات) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (العهد قريب المال أكثر من ذلك) ، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب ، فاعترف بأنه رأى حيياً يطوف في خربة ها هنا ، فوجدوا المسك فيها ، فقتل لذلك ابني أبي الحقيق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقتل محمد بن مسلمة ابن عم كنانة هذا الذي دل على المال ، قتله بأخيه محمود بن مسلمة.

وبالنسبة للطعام فقد كان الرجل يأخذ حاجته منه دون أن يقسم بين المسلمين أو يخرج منه الخمس ما دام قليلاً ، وكانت غنائم خيبر خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين ، كما في قوله تعالى : ( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله. قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ، فسيقولون بل تحسدوننا ، بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً ).

ولم يغب عن فتح خيبر من أصحاب بيعة الرضوان أحد سوى جابر بن عبد الله ، ومع ذلك أعطي سهماً مثل من حضر الغزوة – غزوة الحديبية.

وأعطى أهل السفينة من مهاجرة الحبشة الذين عادوا منها إلى المدينة ، ووصلوا خيبر بعد الفتح ، أعطاهم من الغنائم. وكانوا ثلاثة وخمسين رجلاً وامرأة بقيادة جعفر بن أبي طالب. وتقول الرواية : إنه لم يقسم لأحد لم يشهد الفتح سواهم. وهم الذين فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بقدومهم ، وقبل جعفر بين عينيه والتزمه ، وقال : (ما أدري بأيهما أنا أسر ، بفتح خيبر أو بقدوم جعفر).

وربما يرجع سبب استثنائهم إلى أنهم حبسهم العذر عن شهود بيعة الحديبية ، ولعله استرضى أصحاب الحق من الغانمين في الإسهام لهم ، ولعله رأى ما كانوا عليه من الصدق وما عانوه في الغربة ، وهم أصحاب الهجرتين.

وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وبعض الدوسيين من الغنائم برضاء الغانمين ، حيث قدموا عليه بعد فتح خيبر.

وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء مسلمات فأعطاهن من الفيء ولم يضرب لهن بسهم.

وكذلك أعطى من شهدها من العبيد ، فقد أعطى عميرًا ، مولى أبي اللحم ، شيئاً من الأثاث.

وأوصى صلى الله عليه وسلم من مال خيبر لنفر من الداريين ، سماهم ابن إسحاق.

وكان كفار قريش يتحسسون أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر ، ويسألون الركبان عن نتيجة المعركة ، وقد فرحوا عندما خدعهم الحجاج بن علاط السلمي وقال لهم : إن المسلمين قد هزموا شر هزيمة وإن اليهود أسرت محمداً ، وستأتي به ليقتل بين ظهراني أهل مكة ثأراً لمن كان أصيب من رجالهم ، وما لبثوا قليلا حتى علموا بأن الأمر خدعة من الحجاج بن علاط ليحرز ماله الذي بمكة ويهاجر مسلماً. فحزنوا لتلك النتيجة التي كانوا يراهنون على عكسها.

وبعد الفراغ من أمر خيبر توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وحاصرهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله ، فبرز رجل منهم ، فبرز له الزبير فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ، ثم قاتلهم حتى أمسوا ، وفي الصباح استسلموا ، ففتحت عنوة. وأقام فيها ثلاثة أيام ، وقسم ما أصاب على أصحابه ، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها.

فلما بلغ يهود تيماء ما حدث لأهل فدك ووادي القرى ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم. فلما كان عهد عمر أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام.

وثبت في الصحيح أن مدعماً – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أصابه سهم فقتله وذلك حين كان يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصلوا وادي القرى ، فقال الناس : هنيئاً له بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.qassimy.com/vb/images/smilies/frown.gif كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه ناراً . فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شراك أو شراكان من نار).

بعض فقه وحكم ودروس غزوة خيبر :

1- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلول : وأن من يموت وهو غال يدخل النار. وقد جاء ذلك في خبر الرجل الذي قال عنه الصحابة إنه شهيد ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (كلا ! إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة …) وخبر مدعم مع الشملة.

2- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية.

3- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم البغال.

4- النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مخلب من الطير.

5- النهي عن وطء الحبالي من السبايا حتى يضعن.

6- النهي عن ركوب الجلالة والنهي عن أكل لحمها وشرب لبنها.

7- النهي عن النهبة من الغنيمة قبل قسمتها.

8- وأجرى الله على نبيه بعض المعجزات دليلاً على نبوته وعبرة لمن يعتبر ، فإضافة إلى ما ذكرنا من قصة بصقه على عيني علي فصحتا ، وإخبار ذراع الشاة المسمومة إياه بأنها مسمومة ، فقد ثبت أنه نفت ثلاث نفثات في موضع ضربة أصابت ركبة سلمة بن الأكوع يوم خيبر ، فما اشتكى بعدها.

9- وفي خبر الإسهام لأهل السفينة أنه إذا لحق مدد الجيش بعد انقضاء الحرب ، فلا سهم لهم إلا بإذن الجيش ورضاه.

10- جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من تمر أو زروع ، كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ذلك ، وهو من باب المشاركة ، وهو نظير المضاربة ، فمن أباح المضاربة ، وحرم ذلك ، فقد فرق بين متماثلين.

11- عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من مالهم.

12- خرص الثمار على رؤوس النخيل وقسمتها كذلك ، وأن القسمة ليست بيعاً ، والاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد.

13- جواز عقد المهادنة عقداً جائزاً للإمام فسخه متى شاء.

14- جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط ، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ألا يغيبوا ولا يكتموا ، كما في قصة مسك حيي.

15- الأخذ في الأحكام بالقرائن والإمارات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة : (المال كثير والعهد قريب) ، فاستدل بذلك على كذبه في قوله : (أذهبته الحروب والنفقة).

16- جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغنى عنهم ، وقد أجلاهم عمر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

17- لم يكن عدم أخذ الجزية من يهود خيبر لأنهم ليسوا أهل ذمة ، بل لأنها لم تكن نزل فرضها بعد.

18- سريان نقض العهد في حق النساء والذرية ، وجعل حكم الساكت والمقر حكم الناقض والمحارب كما في حالة كنانة وابني ابن الحقيق ، على أن يكون الناقضون طائفة لهم شوكة ومنعة ، أم إذا كان الناقض واحداً من طائفة لم يوافقه بقيتهم ، فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده.

19- جواز عتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره ، ولا لفظ نكاح ولا تزويج ، كما فعل صلى الله عليه وسلم بصفية.

20- جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين والمشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك بالكذب.

21- إن من قتل غيره بسم يقتل مثله قصاصاً ، كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء.

22- جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم وقبول هديتهم ، كما في حادثة الشاة المسمومة.

23- الإمام مخير في الأرض التي تفتح عنوة إن شاء قسمها وإن شاء وقفها وإن شاء قسم البعض ووقف البعض الآخر ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة ، فقسم قريظة والنضير ، ولم يقسم مكة ، وقسم شطراً من خيبر وترك شطرها الآخر.


AbduLraHmN 08-09-09 12:26 PM

فتح دمشق



قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة .


AbduLraHmN 08-09-09 12:29 PM

فتـح الديبل والسند



في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي

حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .

فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم .

فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره .

واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .

ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .

وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .

ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .

وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .

ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .

ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .

ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .

وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .

ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .

وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .

لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .

AbduLraHmN 09-09-09 06:26 AM


حصار فيينا




http://upload.wikimedia.org/wikipedi...attle_1683.jpg
معركة فيينا في 12 ايلول / سبتمبر ، 1683


معركة فيينا وقعت في 12 ايلول / سبتمبر ، 1683 وبعد محاصره الإمبراطورية العثمانيةفيينا لمدة شهرين. كسرت المعركه اسبقية الامبراطوريه العثمانيه في أوروبا ، وايذانا الهيمنة السياسية من سلالة عائلة هابسبورغ النمساوية (تشمل أيضا بوهيميا و المجر) في وسط أوروبا.
مثلت معركة فيينا بداية النهاية لسيطرة الإمبراطورية العثمانية و توسعاتها في جنوب الشرق الأوروبي. فاز بالمعركه القوات البولنديه - الالمانيه - النمساويه بقيادة ملك بولندايوحنا الثالث سوبياسكي ضد جيش الامبراطوريه العثمانيه بقيادة الصدر الأعظم (الوزير) قرة مصطفى قائد القوات العثمانية .




العثمانيين و فيينا

احتلال فيينا كان حلماً طالما راود سلاطين العثمانيين لما تمثله من أهمية استراتيجية للسيطرة على خطوط التجارة والمواصلات في القلب الأوروبي و أعقبت معركة فيينا الحصار الثاني الذي شهدته فيينا من قِبل الأتراك. كان العثمانيون في كل مرة يكتفون بالعودة من أسوار فيينا غانمين الأموال وربما أجزاء جديدة من أوروبا الشرقية أو الوسطى بموجب اتفاقات مع الإمبراطورية النمساوية .


الحصار الأول كان في زمان سليمان القانوني قبلها بقرن ونصف والذي توغل في أوروبا بعدما انتصر على المجريين في معركة موهاج الرهيبة. يذكر المؤرخون أن المعركة هي من أمثلة حروب الإبادة النموذجية. دخلت جيوش القانوني عاصمة المجر بودابست في الحادي عشر من سبتمبر 1526 لتجعل من (مجرستان) ولاية عثمانية أخرى وتكرس السيطرة المطلقة للعثمانيين في وسط وشرق أوروبا. إلى أن كانت معركة فيينا في نفس اليوم بالضبط بعدها بـ 157 سنة.



الثورة البوهيمية

في عام 1618 اندلعت الثورة البوهيمية ضد إمبراطورية الهابسبورج و التي عرفت بحرب الثلاثين عاماً لأنها دامت إلى عام 1648 و انتهت بمعاهدة فيستفال في عهد فرديناند الثالث .
في عام 1683 حاصر الأتراك فيينا للمرة الثانية ولكن استطاع جراف شتارهمبرج في معركة عند جبل الكالينبرج رد الأتراك . وفي عام 1686 استردوا بودابست من الدولة العثمانية بعد 145 عام من السيطرة العثمانية على بودابست



المعركة

الحصار نفسه بدأ في 14 تموز / يولية 1683 دون أن يعلم السلطان محمد الرابع بتوجيه حملته إلى فيينا، وأبلغه بذلك الأمر مصطفى باشا بعد بدء الحصار بستة أيام، جيش الامبراطوريه العثمانيه ما يقرب من 138000 من الرجال (رغم ان عددا كبيرا منهم لم يشترك في المعركه ، حيث لم تتجاوز 50000 وشهدت الجنود (الاتراك) ، وكان الباقي من القوات الداعمة) ، . المعركه الحاسمه وقعت في 12 ايلول / سبتمبر 1683 .

القوات المتحدة البولنديه - الالمانيه - النمساويه من الجيش وصلت إلى 70000 رجل .
  1. 30000 - رجل القوات البولنديه (ولم يشارك الليتوانيين في المعركه) ،
  2. 18,500 القوات النمساويه بقيادة شارل الخامس ، دوق اللورين ،
  3. 19,000 ، مواطن من سوابيا البافاري والقوات التي يقودها الأمير جورج فريدريك من Waldeck ،
  4. 9,000 جندي بقيادة جون جورج الثالث ، للناخب في سكسونيا.
بدأت الحملة الأخيرة نحو فيينا عام 1663 عندما تقدم جيش كبير، يبلغ نحو مائة وعشرين ألف جندي، ومزود بالمدافع والذخائر المحملة على ستين ألف جمل وعشرة آلاف بغل، ودخل (سلوفاكيا) ضاربًا كل الاستحكامات العسكرية التي كانت في طريقه، متجهًا إلى قلعة (نوهزل)، وهي تقع شمال غرب (بودابست)، على الشرق من (فيينا) بنحو 110كم، ومن (براتسلافيا) بنحو 80كم، وقد حصّنها الألمان، وجعلوها فائقة الاستحكام لكي تصبح أقوى قلاع أوروبا، وبدأ الجيش العثماني في حصارها في 17 من أغسطس 1663 واستمر حصار العثمانيين للقلعة 37 يومًا؛ ما اضطر قائد حامية القلعة إلى طلب الاستسلام، ووافق الصدر الأعظم على ذلك؛ بشرط جلاء الحامية عن القلعة بغير سلاح ولا ذخائر.





مجلس الحرب



جمع الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا مجلس الحرب في جيشه وأعلن أنه سيستولي على فيينا، وأنه سيملي شروطه على ألمانيا في هذه المدينة العنيدة (فيينا)؛ لأن الاستيلاء على "يانق قلعة" المدينة التي تعتبر مفتاح فيينا وتقع على بعد 80 كم شرقي فيينا على الضفة الغربية لنهر راب، لا يمكن أن يخضع ألمانيا ويجعلها تكف يدها عن شئون المجر.
أثار قرار قرة مصطفى باشا حيرة الوزراء وجدلهم، واعترض عليه الوزير إبراهيم باشا الذي أكد أن رغبة السلطان هي الاستيلاء على "يانق قلعة" ومناوشة أوروبا الوسطى بواسطة كتائب الصاعقة العثمانية، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، فأجابه قرة مصطفى باشا بأنه من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة، وهذا الأمر يقتضي إنزال ضربة قوية قاضية بالألمان، وإلا فإن الحرب ستطول معهم، خاصة أن ألمانيا عقدت صلحا مع فرنسا، وأصبحت آمنة من الجانب الغربي، وأن الإمبراطور "ليوبولد" اتفق مع الملك البولوني "سوبياسكي" على استعادة منطقة بادوليا، وأن البندقية لا بد أن تكون ضمن هذا الاتفاق، وبالتالي ستنضم روسيا وبقية الدول الأوروبية لهذا التحالف المسيحي إلى جانب ألمانيا، وهذا يقتضي كسره وتحطيم هذا التحالف الوليد في ذلك العام وإلا فإن الحرب ستطول إلى أجل غير معلوم.

باتت (فيينا) عاصمة النمسا مهددة بالسقوط في أيدي المسلمين؛ ما دعا إمبراطور النمسا إلى طلب وساطة البابا (إسكندر الرابع) لدى (لويس الرابع عشر) ، ملك فرنسا بقصد مساعدته، وكانت فرنسا أكبر أعداء إمبراطور النمسا؛ فأرسل له ملك فرنسا فرقة ممتازة مؤلفة من 5000 جندي. غير أن العثمانيين واصلوا تقدمهم ودارت بينهما عدة معارك. انتهت بتوقيع معاهدة صلح بين الدولتين، كان من أهم بنودها أن تدفع النمسا للعثمانيين غرامات حرب رمزية، قدرها 200000 سكة ذهبية، وأن تبقى كافة القلاع التي فتحتها الجيوش العثمانية تحت سيادتهم.

عندما التأمت الجيوش الأوروبية ترك دوق لورين القيادة العامة لملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي واكتملت استعداداتهم يوم الجمعة الموافق 11 سبتمبر بعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس أمامه إلا أيام قليلة؛ لذلك أقدم الأوروبيون على عبور جسر "الدونة" الذي يسيطر عليه العثمانيون بالقوة مهما كلفهم من خسائر، حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا دون عبور هذا الجسر. وكان مصطفى باشا قد كلف "مراد كيراي" حاكم القرم في الجيش بمهمة حراسة الجسر، ونسفه عند الضرورة وعدم السماح للأوروبيين بعبوره مهما كانت الأمور، وقد كان مصطفى باشا يكره مراد كيراي، ويعامله معاملة سيئة، أما مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيسقطه من السلطة ومن منصب الصدارة، ولم يخطر ببال هذا القائد الخائن أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستغير مجرى التاريخ العالمي، لذلك قرر مراد أن يظل متفرجا على عبور القوات الأوروبية جسر الدونة، ليفكوا الحصار المفروض على فيينا، دون أن يحرك ساكنا، يضاف إلى ذلك أن هناك وزراء وبكوات في الجيش العثماني كانوا لا يرغبون في أن يكون قرة مصطفى باشا هو فاتح فيينا التي فشل أمامها السلطان سليمان القانوني.

المعركة الفاصلة

في يوم السبت 12 سبتمبر 1683م تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم جسر الدونة دون أن تُسكب منهم قطرة دم واحدة، إلا أن هذا الأمر جعلهم على حذر شديد، أما العثمانيون فكانوا في حالة من السأم لعدم تمكنهم من فتح فيينا، وحالة من الذهول لرؤيتهم الأوروبيين أمامهم بعد عبور جسر الدونة، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من شرب الخمر ومعاشرة النساء، وانشغال بعض فرق الجيش بحماية غنائمها وليس القتال لتحقيق النصر، وتوترت العلاقة بين الصدر الأعظم وبعض وبعض قواد جيشه وظهرت نتائج ذلك مع بداية المعركة.

شن مصطفى باشا هجوما مضادا ، مع معظم قواته ، و اجزاء من النخبه الانكشاريه لغزو المدينة. كان القواد الترك ينوون احتلال فيينا قبل وصول يوحنا الثالث سوبياسكي ولكن الوقت نفد. اعد المهندسون العسكريون تفجير آخر كبير ونهائي لتوفير امكانيه الوصول إلى المدينة. بينما انهى الأتراك على عجل عملهم و اغلاق النفق لجعل الانفجار أكثر فعالية ، اكتشف النمساويين الكهف في فترة ما بعد الظهر. احدهم دخل النفق وابطل مفعولها في الوقت المناسب تماما.

في ذلك الوقت ، في ساحة المعركه ،بدأت المشاة البولنديه الهجوم على الجهة اليمنى جيش الامبراطوريه العثمانيه وبدلا من التركيز على المعركه مع الجيش الاغاثه ، حاولت قوة الأتراك احتلال المدينة.

كان الجيش العثماني متعبا ومتشائم بعد فشل كل محاولة استنزاف القوة الغاشمه واعتداء من المدينة ، و وصول للسلاح الفرسان حول مجرى المعركه ضدهم ، وارسالهم إلى التراجع إلى الجنوب والشرق. في اقل من ثلاث ساعات بعد هجوم سلاح الفرسان ، كسبت القوى المسيحيه المعركه وانقذت فيينا من الاحتلال . وبعد المعركه ،اقتبس يوحنا الثالث سوبياسكي واعاد صياغه يوليوس قيصر الشهيرة بالقول" veni ، vidi ، الآلة vicit "--" أتيت ، رأيت ، غزاها الله " .

أهمية نتائج المعركة

المعركه نقطة تحول في كفاح 300 سنة بين القوات من أوروبا الوسطى وممالك الامبراطوريه العثمانيه.وبعد المعركه على مدى ستة عشر عاما تمكنت سلالة عائلة هابسبورغ النمساوية تدريجيا إلى حد كبير اخلائ القوات التركية من الاراضى الجنوبيه والمجر وترانسيلفانيا .
قُتل من العثمانيين حوالي 15000 رجل في القتال وقُتل من الأوروبيين ما يقرب من 4000 ووضع مصطفى باشا خطة موفقة للانسحاب حتى لا يضاعف خسائره، وأخذ الجيش العثماني معه أثناء الانسحاب 81 ألف أسير, وعلى الرغم من هزيمة القوات التركية الكاملة فقد وجدت الوقت لذبح جميع السجناء النمساويه ، فيما عدا تلك القله من طبقة النبلاء التي اخذوا معهم للافتداء. وانتهى الحصار الذي استمر 59 يوما.
فقدت الدولة العثمانية بهزيمتها أمام فيينا ديناميكية الهجوم والتوسع في أوروبا، وكانت الهزيمة نقطة توقف في تاريخ الدولة. تحرك جيش التحالف المسيحي لاقتطاع بعض الأجزاء من الأملاك العثمانية في أوروبا، ووقعت معركة "جكردلن" بين أحد القادة العثمانيين وقواته البالغة 30 ألف مقاتل وبين ملك بولندا يوحنا الثالث سوبياسكي وقواته البالغة 60 ألف مقاتل، وانتهت بتراجع سوبياسكي، وتوالت المعارك العثمانية في أوروبا، وفقدت الدولة بعض مراكزها الهامة بسبب هزيمتها أمام فيينا التي كانت هزيمة من النوع الثقيل تاريخيا أكثر منه عسك

AbduLraHmN 09-09-09 06:36 AM


معركه مكه ( فتح مكه)



http://gracefultt.jeeran.com/kaba.jpg

بعد صلح الحديبية انضمت قبيلة بكر لقريش وانضمام قبيلة خزاعة لحلف المسلمين .
وكان بين بني بكرٍ وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء ، وذات يومٍ تعرضت قبيلة خزاعة لعدوانٍ من قبيلة بكر الموالية لقريش ، وقتلوا منهم نحو عشرين رجلاً . ودخلت خزاعة الحرم للنجاة بنفسها ، ولكن بني بكرٍ لاحقوهم وقتلوا منهم في الحرم . فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم بعدوان قبيلة بكرٍ عليهم ، وأنشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعراً :
يا رب إني نـاشد محمداً حلف أبـينا وأبيه الأتلدا
إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مدداً
فقال له رسول الله عليه وسلم : " نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه " . ودعا الله قائلاً " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".
وندمت قريش على مساعدتها لبني بكرٍ ، ونقضها للعهد ، فأرسلت أبا سفيانٍ إلى المدينة ليصلح ما فسد من العهد ، ولكنه عاد خائباً إلى مكة .
...
وأخذ رسول الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج إلى مكة . فحضرت جموعٌ كبيرة من القبائل .
ولكن حدث شيءٌ لم يكن متوقعاً من صحابي . وهو أن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كتب كتاباً بعث به إلى قريشٍ مع امرأة ، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله عليه وسلم ، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ . فإذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب ، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة . وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة ، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها .
فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه ، ولكنه خاف إن فشل رسول الله عليه وسلم على أهله والذين يعيشون في مكة .
فقال عمر : " يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق " . فقال رسول الله عليه وسلم:
" إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
...
وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر . فعفا عنه ، وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله عليه وسلم إلى مكة في منتصف رمضان من السنة الثامنة للهجرة . وبلغ عددهم نحو عشرة آلاف مقاتل . ووصلوا " مر الظهران " قريباً من مكة ، فنصبوا خيامهم ، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار . فأضاء الوادي .
...
وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان . فأخذه العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك
أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ " .
فقال العباس : " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ "
فقال : " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .
وبعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام . وقال العباس : " إن أبا سفيانٍ يحب الفخر فاجعل له شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار أبي سفيانٍ فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن " .
...
وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يري أبا سفيانٍ قوة المسلمين ، فحبسه عند مضيق الجبل . ومرت القبائل على راياتها ، ثم مر رسول الله صلى عليه وسلم في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان : ما لأحدٍ بهؤلاء من قبل ولا طاقة .
ثم رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة ، ونادى بأعلى صوته : " يا معشر قريش ، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به . فمن دخل داري فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد . وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين ، وقد دخل مرفوع الجباه . ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة .
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قوله تعالى : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))
واستسلمت مكة ، وأخذ المسلمون يهتفون في جنبات مكة وأصواتهم تشق عناء السماء : الله أكبر .. الله أكبر .
...
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرم ، وطاف بالكعبة ، وأمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها . وكان يشير إليها وهو يقول : (( و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ))
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : " خيراً . أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم " . فقال عليه الصلاة والسلام : " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فما أجمل العفو عند المقدرة ، وما أحلى التسامح والبعد عن الانتقام . ولننظر ما فعل الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا ، قرن الحضارة كما يقولون ، لنعلم الفرق ما بين الإسلام والكفر .
...
وهكذا ارتفعت راية الإسلام في مكة وما حولها ، وراح الناس ينعمون بتوحيد الله .
ازداد عدد المسلمون بعد معركه ( فتح مكه) وتوسع الاسلام وجيش المسلمين من مكه الى القدس ثم سوريا وايرلن والعراق ومصر في اقل من عقد من الزمن استمر زحف جيوش الاسلام بعدها الى أوروبا
لم يكن ليحصل تطور الاسلام ووصوله الى وضعه الحالي كأكبر دين وقوه سياسيه بالعالم بدون توفيق الله عزوجل وفتح الرسول عليه الصلاه والسلام للمدينه لن انسى بالطبع معكره بدر واحد وقد التي مهدت الطريق ل فتح مكه الذي جعل الاسلام ينتشر بكافه أرجاء الأرض
وهذا يجعلها من أهم المعارك التي أثرت بالعـــــالم وبرأيي هي أهم معركه لانها اساس كل شئ فالرسول قضى فيها على كل معالم الوثنيه والجهل والفساد ونشر فيها اخر دين على وجهه الأرض الاسلام


AbduLraHmN 09-09-09 06:38 AM


معــركه التل




http://gracefultt.jeeran.com/01.jpg



استجاب الخديوي لمطالب الأمة، وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة، وعهد إلى شريف باشا بتشكيل الوزارة، وكان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية والاستقامة، فألف وزارته في (19 شوال 1298 هـ = 14 سبتمبر 1881م)، وسعى لوضع دستور للبلاد، ونجح في الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا وفرنسا في شئون البلاد، وتأزمت الأمور، وتقدم "شريف باشا" باستقالته في (2 من ربيع الآخر 1299 هـ = 2 فبراير 1882 م).
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب "وزير الجهادية" (الدفاع)، وقوبلت وزارة "البارودي" بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لأنها كانت تحقيقًا لرغبة الأمة، ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوي به في (18 ربيع الأول 1299 هـ = 7 فبراير 1882 م).
...
غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوي ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه من عقلاء الطرفين، فاشتدت الأزمة، وتعقد الحل، ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديوي ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد، فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار.
ولم يكد يحضر الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى مياه الإسكندرية حتى أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد والبلاغات الرسمية، ثم تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة مشتركة في (7 رجب 1299 هـ = 25 مايو 1882 م) يطلبان فيها استقالة الوزارة، وإبعاد عرابي وزير الجهادية عن القطر المصري مؤقتًا مع احتفاظه برتبه ومرتباته، وإقامة "علي باشا فهمي" و"عبد العال باشا حلمي" –وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش- في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما.
وكان رد وزارة البارودي رفض هذه المذكرة باعتبارها تدخلا مهينًا في شئون البلاد الداخلية، وطلبت من الخديوي توفيق التضامن معها في الرفض؛ إلا أنه أعلن قبوله لمطالب الدولتين، وإزاء هذا الموقف قدم البارودي استقالته من الوزارة، فقبلها الخديوي.
...
غير أن عرابي بقي في منصبه بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابي ناظرًا للجهادية، فاضطر الخديوي إلى إبقائه في منصبه، وتكليفه بحفظ الأمن في البلاد، غير أن الأمور في البلاد ازدادت سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية في (24 رجب 1299 هـ = 11 يونيو 1882م)، وكان سببها قيام مكاري (مرافق لحمار نقل) من مالطة من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين، فشب نزاع تطور إلى قتال سقط خلاله العشرات من الطرفين قتلى وجرحى.
..
وعقب الحادث تشكلت وزارة جديدة ترأسها "إسماعيل راغب"، وشغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية، وقامت الوزارة بتهدئة النفوس، وعملت على استتباب الأمن في الإسكندرية، وتشكيل لجنة للبحث في أسباب المذبحة، ومعاقبة المسئولين عنها.
...
في 13 سبتمبر 1882 (الموافق 29 شوال 1299هـ) الساعة 1:30 صباحا واستغرقت أقل من 30 دقيقة. الإنجليز فاجأوا القوات المصرية المتمركزة في مواقعها منذ أيام والتي كانت نائمة وقت الهجوم. والقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري (حسب اعترافه أثناء رحلة نفيه إلى سيلان) ( عقب المعركة قال الجنرال جارنت ولسلي قائد القوات البريطانية أن معركة التل الكبير كانت مثال نموذجي لمناورة تم التخطيط الجيد لها مسبقا في لندن و كان التنفيذ مطابقا تماما كما لو كان الأمر كله لعبة حرب Kriegspiel . إلا أنه أردف أن المصريون "أبلوا بلاءاً حسناً" كما تشي خسائر الجيش البريطاني.
...
واصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم ثم استقلت القطار (سكك حديد مصر) إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بالقلعة عصـر نفس اليوم. و كان ذلك بداية الإحتلال البريطاني لمصر الذي دام 75 تقريبا
حققت برطانيا السيطره على مصر لاكثر من 75 عاما مما وفر لهم السيطره على السويس وما ان اخذت الامبراطوريه البريطانيه بالضعف كما من قبلعا العثمانيه نشبت ثوره مصريه أخرى قادها هذه المره جمال عبد الناصر لتنهي السيطره البريطانية على البلاد 1956

AbduLraHmN 09-09-09 06:40 AM

احتلال فلسطين ( معركه القسطل )


ان اول من استوطن فلسطين منذ اكثر من اربعة الاف سنة هم العموريون ، ثم جاء بعد ذلك اليبوسيون ، وقد جاء هؤلاء جميعا من بلاد العرب ، وفي حوالي سنة 3500 قبل الميلاد جاء الكنعانيون ، وهم قبيلة عربية كانت قد نزحت الى فلسطين من شبه جزيرة العرب ايضا ، وقد عرفت فلسطين في ذلك العهد بارض كنعان ,, وعلى نحو ما ورد في العهد القديم ، اشتهر العرب الكنعانيون بانهم بناة الحضارة في فلسطين إثر بنائهم عدة مدن معروفة مثل القدس ونابلس واريحا وبيسان وعكا ويافا ، وفي سنة 2000 قبل الميلاد هاجر من العراق التي كانت تسمى " أور " العبرانيون بقيادة النبي ابراهيم عليه السلام واقاموا في فلسطين وبسبب حدوث مجاعة فيها هاجروا الى مصر وهناك استعبدهم الفراعنة ، وفي حوالي عام 1300 قبل الميلاد نزحت الى فلسطين قبيلة اخرى تدعى " باليست " قادمة من جزر بحر ايجه التي تشكل جزيرة كريت جزءا منها ،، ولم يمض وقت طويل حتى ذاب هؤلاء في الحضارة الكنعانية وتحدثوا العربية التي صارت فيما بعد لغتهم الاصلية ، وبسبب هؤلاء النازحين الجدد اصبحت ارض كنعان تعرف بفلسطين .
ظل اليهود مشردين ومطهدين في مصر الى ان انقذهم النبي موسى عليه السلام وعاد بهم الى ارض كنعان عن طريق الجنوب الشرقي في زمن رمسيس الثاني الموافق سنة 1250 أو زمن ابنه منفتاح سنة 1225 قبل الميلاد.
...
اذا سلمنا بنص التوراة نجد ان قائد اليهود الذي فتح فلسطين كان يشوع بن نون ، وقد عبر بجيشه واحتل بقسوة مدينة " اريحا " من الكنعانيين ، وقد انقسم اليهود بعد ذلك الى مملكتين ، مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة" نابلس " وقد دامت 250 سنة ، ثم سقطت في يد شلمناصر ملك اشور سنة 722 قبل الميلاد وعلى اثر ذلك سبي شعبها الى مملكته ، ثم كانت مملكة يهوذا وعاصمتها اورشليم " القدس " وقد دامت هذه المملكة 130 سنة بعد انقراض مملكة اسرائيل ، ثم ابيدت هي ايضا على " يد نبوخذنصر " ملك بابل الذي سبى شعبها ايضا سنة 580 قبل الميلاد .
..
رجع اليهود من السبي الى فلسطين بامر قورش ملك الفرس ، ثم تلا ذلك الفتح اليوناني بقيادة الاسكندر المقدوني سنة 332 قبل الميلاد الذي دام حكم امبراطوريته في فلسطين مدة 272 سنة ، وجاء بعد ذلك الرومان سنة 63 قبل الميلاد بقيادة بومبي ، ودام حكم الرومان في فلسطين مدة 700 سنة متواصلة ، وفي سنة 637 ميلادية فتح العرب المسلمين فلسطين ، ودام حكمهم 880 سنة متواصلة ، ثم انتقل الحكم في فلسطين بعد ذلك الى الاتراك " العثمانيين " سنة 1517 ميلادية في زمن السلطان سليم الاول ، وقد ظلت فلسطين حوزة الخلافة الاسلامية العثمانية مدة 400 سنة
..
بعد الحرب العالمية الأولى، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني سنة 1922. وكانت بريطانيا قد أصدرت سنة 1917 وعد بلفور القاضي بمنح أرض من فلسطين لليهود من أجل إنشاء وطن لهم.
شهدت السنوات الأخيرة من فترة الانتداب البريطاني تنامي هجرة اليهود من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين، في حين برزت حركات مقاومة فلسطينية كان من أعلامها عبد القادر الحسيني وعز الدين القسام وآخرون. وقد تعرض الفلسطينيون في نفس الفترة لإرهاب صهيوني منظم قادته حركات شبه عسكرية، كانت هي النواة الأولى للجيش الإسرائيلى فيما بعد، من بينها الأرغون والهاكانا وشتيرن.
في سنة 1947، رفعت المسألة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة التي أصدرت في 29 نونبر قرارا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وفلسطينية. رفض العرب هذا القرار في حين قبله اليهود الذين أعلنوا قيام دولتهم غداة انسحاب بريطانيا في ماي من سنة 1948. ثم ما لبث أن اندلعت حرب خسرها العرب، مما شجع اليهود على التوسع واحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية.
سرعان ما نالت الدولة الإسرائيلية الناشئة اعتراف القوى العظمى والأمم المتحدة. وكان من تداعيات هذه الأحداث بروز مشكل اللاجئين الفلسطينين الذي لايزال قائما حتى اليوم.
...
ان تاريخ فلسطين ببساطة يبرهن على ان العرب هم اول سكانها ، وقد حكموها وحدهم ومع الاتراك الاسلاميين الفا وثلاثمائة سنة متواصلة ، واما اليهود فم تتجاوز مدة حكمهم المتقطع لفلسطين لاكثر من 380 سنة ، ومنذ 332 قبل الميلاد لم يكن لليهود في فلسطين اي وجود ملموس او حكم ، ولما دخل البريطانيون فلسطين سنة 1918 ميلادية لم يكن عدد اليهود يزيد عن الثمانين الفا ، واما دعواهم التاريخية فهي مغالطة ، لان احتلال بلد ما ثم الخروج منه لا يخول اي شعب ادعاء ملكية تلك البلاد او المطالبة بذلك


الساعة الآن 07:38 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir