المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاسوه الحسنه


بياض الثلج
24-11-06, 09:51 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتي في الله نقلت لكم ملخص لبرنامج الشيخ الكبيسي

موضوع الحلقه الاسوة الحسنه
موضوع رااااااااائع


الحلقة الأولى

هناك فرق بين الطاعة والاتباع والتأسي:

الطاعة:

الطاعة لله تعالى ورسوله (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) الانفال): طاعة الرسول r فيما يبلّغ عن ربه.

الطاعة لله تعالى والرسول وأولي الأمر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء): طاعة العلماء في أحكام الشرع من طاعة الرسول r

طاعة الرسول (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) آل عمران): طاعته r في قيادة الدولة وأمور الدنيا.

الاتّباع:

(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) الاتباع يكون في حسن الأداء وفي طريقة الأداء فيما أمرنا الله تعالى به أو نهانا عنه والكمال في الأداء نعرفه من رسول الله r فهو الذي شرّعه لنا.

التأسّي:

الأسوة هي الدواء الناجع والأسيّ هو الطبيب الجرّاح. (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) التأسّي يتعلق بما تكرهه النفس وما تكرهه النفس إما بلاء أو فتنة أو امتحان.

وهناك فرق بين البلاء والفتنة والامتحان:

البلاء فيما تكرهه نفسك (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ومنظومة المصائب في المال والمجتمع والأهل والأولاد وقد أصيب بها النبي r جميعاً والبلاء من أهم أدوات الرِفعة يوم القيامة.

الفتنة ما تحبه نفسك وتشتهيه ومنظومة الشهوات هي المال والنساء والرِفعة والجاه والسلطة والغنى (زُين للناس حب الشهوات من النساء ) ومن الفتنة الانتقام ممن اعتدى عليك.

الامتحان هو اظهار الكفاءة فالدنيا دار امتحان كبير وكل ما نمر به يومياً هو امتحان للتقوى (أولئك الذين امتحن قلوبهم للتقوى)

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فالطاعات تكون لمن يريد أن ينجو من النار (صلاة، صيام، حج، زكاة) فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز. أما من كان يرجو رفعة الدرجة فعليه بالتأسّي. وحسن الخلق يوصل الى ما يوصل اليه الصلاة والقيام. والخلق الحسن أن تفعل عكس ما تشتهيه نفسك أن تحلم عندما تشتهي نفسك الغضب أو تنفق عندما تشتهي نفسك الامساك.

فإذا فعلنا ما فعله الرسول r من أوامر فهذة طاعة وإذا فعلنا ما فعله r من حيث حسن أداء الأوامر فهذا اتّباع وإذا فعلنا ما فعله الرسول r من حيث عكس ما تشتهيه نفسه فهذا تأسّي. يقول تعالى (واتقوا الله) فيما فرض عليكم و(ابتغوا اليه الوسيلة) أي تقرّب اليه بشيء تتقنه.

لماذا نتأسّى بالرسول r؟ وما هي المواصفات والأساليب والأسباب التي تدعونا للتأسّي به r؟

الله تعالى أعد رسوله r اعداداً كاملاً حتى صار قدوة وأسوة فالقدوة في كل شيء حتى في النوم والدخول والخروج والجماع والأسوة في الشدائد فقط أي فيما تكرهه نفسك.

هناك أسوة حسنة وأسوة سيئة والرسول r أسوة حسنة لأنه يتصرف عكس ما تشتهيه نفسه فبدل أن ينام يقوم الليل فتتورم قدماه r وبدل أن يغضب يعفو عمن أغضبه.

ومواصفات الرسول r التي تجعلنا نتأسّى به وردت في سورة الشرح:

قال تعالى : ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك.

هذه النِعَم الاعدادية التي أعدّ الله تعالى بها النبي r وهي تحوي جميع المحاسن التي تجعل صاحبها كاملاً:

ألم نشرح لك صدرك: متى ينشرح صدرك؟ عندما تعرف شيئاً كنت تجهله قال تعالى (أفمن شرح الله صدراً للاسلام) فالذي ينشرح صدره للاسلام هو الذي يعرفه ويشرحه (فمن أراد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام).

أكرم كلمة في كتاب الله تعالى الكلمة المشتقة من فعل علِم وعلاّم وتعلّم وعلماء. ما من صغيرة ولا كبيرة في هذا الكون إلا وللرسول r رأي صائب فيها لأن رب العالمين علّمه (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) (وإنك لعلى خلق عظيم) فالله تعالى شرح صدره r بالمعارف والعلوم التي لا يستطيع أحد أن يكتسبها وكان هذا التعلّم يومياً وما من قضية أو حركة من حركات اليوم للانسان أو المخلوقات إلا وللنبي r فيها رأي أثبتت صحته لكنه لم يكن ليخبر به في عهده لأن عقول الناس في ذلك الوقت لم تكن لتستوعب ما يعلمه الرسول r من ربه. وأول اعداد معرفي كان في قوله تعالى (اقرأ) ومنذ ساعتها قرأ r صفحة الكون وهذه القراءة أكسبته معارف وعلوماً ليس بوسع أي مخلوق آخر معرفتها بفضل الله تعالى وفضل الله تعالى عليه عظيم لأنه مستمر. والناس عادة تتأسى برجل له معارف وعلوم وحكمة.

ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك: الوزر هو الجبل أو الملجأ الحصين. والوزر في الآية هو كناية عن الهموم الثقيلة التي تنوء به ولا يستطيع لها حملاً كأن تكون فقيراً ولديك عيال كثيرون وليس لديك ما تنفقه عليهم فهذا وزر عليك وحمل لا تستطيع أن تحمله. والرسول r أُنيط به هذا الكون وهو r خاتم الأنبياء وتعلّم منه جميع الأنبياء (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم) إذن كان r مهموماً ويستولي عليه الحزن الشديد وكان من الضعف الانساني بحيث ينهار أمام كارثة، كيف يستوعب ما يُعلّم ويُعلِّم ما تعلم ولذا قال تعالى (ووضعنا عنك وزرك) والله تعالى لم يفعل هذا إلا مع الرسول r فعند كل شدة تعرض لها الرسول r تدخل الله تعالى مباشرة في بدر جاءته الملائكة تحارب معه وعندما كادت له قريش أخرجه الله تعالى وكم لاقى من أهله وأقاربه وأعمامه وما فعله أبو لهب فيأتي فيتدخل الله تعالى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) (فلعلك باخع نفسك) كلما حورب r باللفظ والفعل يتصدى الله تعالى له (إنا كفيناك المستهزئين) وكل الأنبياء دافعوا عن انفسهم أما الرسول r فتولى الله تعالى الدفاع عنه. (وإن كان كبر عليك اعراضهم) لأن الله تعالى سيكفيه r المستهزين فقال تعالى له انشغل بما علّمناك ولا تنشغل بالهمّ حتى لا يذهبك عما أنت بصدده وهذا كلام لم يقله تعالى إلا للرسول r.

ورفعنا لك ذكرك: رفع الله تعالى ذكره r فمكتوب على العرش محمد رسول الله وتشفع به آدم وأخذ الله تعالى له ميثاق النبيين (لتنصرنه) وهذا عهد لم يفعله تعالى مع نبي إلا مع الرسول r وما من كلمة أعظم من لا إله إلا الله (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة) لكنها لا تكفي وحدها إلا أن تقترن بـ (محمد رسول الله) لا يُرفع اسمه تعالى إلا ويُرفع معه اسم النبي r في الأذان وفي الشهادة وحبّه r فرض يوصل لأعلى الدرجات.

سأل أحدهم رسول الله r: متى الساعة؟ قال r: وماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا كثثير صيام إلا إني أحبك، فقال r : أنت مع من تحب.

بهذه الاعدادات أعد الله تعالى الرسول r ومن المنطق المحبب أن نتأسى به بعد أن نطيعه ونتّبعه نتأسّى به لرفع الدرجات.

بياض الثلج
24-11-06, 09:53 PM
الحلقة الثانية


نتجول في ميدان تأسّينا برسول الله r كما نصحنا الله تعالى بذلك (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) نتحدث عن آثار تأسّينا برسول الله من حيث أننا عرفنا أن علاقتنا به r إما علاقة طاعة أو علاقة اتّباع أو علاقة تأسّي ونحن نعرف أن آثار الطاعة خو النجاة من النار وآثار الاتّباع هو الترقّي في درجات الجنة فما هو آثار تأسّينا برسول الله r؟

يقول تعالى على لسان ابراهيم u: (وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت) دعا ابراهيم u بخمس دعوات: تقبل منا، اجعلنا مسلمين لك، وأرنا مناسكنا، وتب علينا، وابعث فيهم رسولاً منهم. نقف عند الدعوة الخامسة من دعوة ابراهيم u عندما كان هو وولده اسماعيل عليهم السلام في مكة يرفعون القواعد من البيت (القواعد كانت مبنية من زمن آدم u فابراهيم واسماعيل لم يبنيا الكعبة وإنما رفعا القواعد التي اندثرت على مر الزمن) وعندما كان ابراهيم يرفع القواعد من البيت واسماعيل دعا هذه الدعوة أن يبعث الله من هذه الأمة رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم لذا قال r: أنا دعوة أبي ابراهيم وبشارة أخي عيسى (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) أحمد هو اسم النبي قبل أن يُخلق في عالم الأمر وعالم الأمر هو العالم التجريبي المخزون الذي كنا فيه وجميع المخلوقات قبل أن تظهر في حيّز الوجود (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) وكل الاكتشافات من خيرات ومعادن وغيرها كان موجوداً من ساعة خلق الله تعالى الكرة الأرضية (وجعل فيها رواسي وقدّر فيها أقواتها) فالأرض خزين ولله خزائن السموات والأرض ومن خزائنه نحن عندما خاطبنا (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهروهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) هذا الخزين في ذلك العالم عالم الأمر (ألا له الخلق والأمر) كنا مكلفين أخذ علينا العهد بأن نوحده وعندما دخلنا في عالم الخلق قسم وفّى بالعهد وآخر نطث العهد.

ابراهيم u التقى مع النبي r وباقي الأنبياء في عالم الأمر (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) في هذا العالم العجيب الذي التقى بهم النبي r (فلا تك في مرية من لقائه) كل ما جرى في عالم الخلق معروف وإذا كان الناس اليوم قد توصلوا الى استنسال البشر فما ظنك برب العالمين؟ لكن مهما حاول البشر لن يصلوا الى خلق الخلية التي هي من اعجاز الله تعالى. كل ما يكتشفه العلماء اليوم عاماً بعد عام هو موجود أصلاً فالله تعالى لم يُنشئ البترول انشاء ولكن اكتشافه جاء متأخراً على وفق قدر الله تعالى (وما ننزله ألا بقدر معلوم) وكلما ازداد عدد السكان في العالم يفجر الله تعالى الرزق.

ابراهيم u كرر ما قاله في عالم الأمر عندما صار في عالم الخلق وجاء الى مكة ورفع البيت ودعا الدعوات الخمسة (وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) والله تعالى لما استجاب دعوة ابراهيم u غيّر التسلسل الذي دعا به ابراهيم u . الانسان قد يكون جاهلاً وتصرفاته غير موزونة لكن عندما يتعلم الحكمة يصير زاكياً وابراهيم u مشى على هذه القاعدة والله تعالى عندما استجاب الدعوة قدّم التزكية على التعليم (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً )وليس التعليم قبل التزكية كما أرادها ابراهيم u .

فهم زاكون بمجرد أن يأتيهم محمد r ويقرأ عليهم القرآن بهذا يصبحون زاكين حتى لو لم يتعلموا بمجرد تأسّيهم برسول الله r ولمجرد أنها من أمته هي زاكية حتى لو لم تتعلم ويتساوى من تعلّم أو لم يتعلم في أنه زاكي.

ما الفرق بين الزاكي والطاهر؟ نقول طهّر ثوبك وزكي ثوبك ونقول طعام طتهر وطعام زاكي وفي العربية لا يُعطف الشيء على نفسه فإذا وجدت عطفت كلمة على أخرى فهذا يعني أن لكل منهما معنى مختلفاً فإذا قلنا جاء وأتى فهما لا يعنيان الشيء نفسه فجاء تعني من قريب وأتى من بعيد. قال تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم) فلو كانت الطهارة مثل التزكية لما عطفها الله تعالى. فالطهارة تكون من النجاسة كأن تطهر ثوبك من بول أو نجاسة أما أن تكون عاملاً مثلاً في ورشة بناء أو مصنع للأصباغ وثوبك مليء بالأصباغ وفي غاية الوساخة نتيجة العمل فثوبك طاهر لكنه وسخ والوسخ نزكّيه والنجس نطهّره. والثوب الطاهر النظيف هو من السنن التي أمرنا بها.

هناك طعام طاهر أي حلال وزاكي رائحته طيبة وطعمه لذيذ وأحياناً يمكن أن يكون الطعام خبيثاً مع أنه حلال فهو ليس لذيذاً أو له رائحة غير زاكية.

يقول تعالى: أنتم يا أمة محمد r ببعثته r سوف تطهرون من النجاسات وتزكون من الوساخات. كونك تشرب الخمر هذه نجاسة لكن أن يكون لسانك بذئياً مع الناس فهذه وساخة فعليك أن تطهر من الخمر أز النجاسة وتزكي لسانك من البذاءة أي الوساخة.

وفي وصية الرسول r لأحد الصحابة : عليك بالصمت نوع من الرقي والزكاة لأن الزكاة هي جمال وهي التي ترفع الدرجات أما العلاقة بين الطهارة وعدمها أو الحلال والحرام فهذه فهذه الأحكام علينا أن نتطهر بالأحكام ونزكي أنفسنا بحسن الخلق. قال تعالى (إنما المشركون نجس) فالشِرك إذن نجس. تتطهر بتوحيد الله تعالى وتتطهر من الخمر والزنا بإقامة الحدّ ثمانين جلدة أو أربعين أو مئة أو بالرجم " من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات فاستتر فهو في ستر الله إن شاء عذّبه وإن شاء عفا عنه". وتتطهر من السرقة بقطع يدك لأن هذه نجاسة لا تتعلق بالجماليات. التزكية والزكاة تتعلق بالجماليات. النجاسة إما حق وإما باطل لذا لا بد من أن تتطهر: حنثت بيمين تتطهر بدفع كفارة وكل الذنوب لا بد أن تطهرك بشيء يؤلمك إما بمالك أو جسدك (تصوم، تدفع فدية، قطع يد السارق، رجم، جلد) لكن تزكي بحسن الخلق وحسن الخلق هو كل سلوك يثقل على نفسك. أن تكون كسولاً هذا سوء خلق تتخلص منه بالهمّة لذا كان r يتعوّذ : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. هذه الوساخات ليست ذنوباً لكن لا تليق بالمسلم فأن تكون كثير الكلام هذا قبيح والناس تقول عنك ثرثار ولاغي وهذا ليس حراماً ولكنه قبيح تتخلص منه بأن تتعلم الصمت والصمت تكرهه النفس. وقيل: تجاوزوا عن أصحاب المروءات وهؤلاء هم أقوام لهم شخصية ووقار وصامتون وحركتهم بطيئة من الوقار لا من الكسل ويأكلون بطريقة مهذبة كل هذه جماليات. الغضب مثلاً كل انسان يشتهي أن يغضب وعندما ينفسّ عن غضبه يشعر بالارتياح وليس عيباً أن تنفس عن غضبك لكن إذا تعودت كظم غيظك وتبتسم في وجه من أغضبك فهذا من حسن الخلق ومن التزكية وهذا امر في غاية الصعوبة والنفس تكرهه (وما يلقاها إلا الذين صبروا). كل ذنب محرّم عليك تدخل به النار وهو نجاسة عليك أن تتطهر منها إما كما قلنا بعقوبة مادية أو معنوية أو مالية أو نفسية أما الزكاة والتزكية فليس فيها عقوبات لكن تتعمّد أن تقهر شهوتك وشهيتك فتفعل عكس ما تشتهي نفسك وكل انسان يتصرف عكس ما يشتهي فذلك الجمال والجمال يتأتى من شدة قهرك لنفسك وشهواتها. ونفسك هي أعدى أعدائك. ما تشتهيه النفس خارج المحرمات من قبيل سوء الخلق يزيد الانسان قبحاً وهندما يقهر هذه الشهية يشعر براحة النفس (الحلم بالتحلّم والعلم بالتعلّم). كل جماليات الخلق التي نتأسى بها من الرسول r تخضع للتذريب حتى تصبح طبعاً فيك.

كيف استطاع المسلمون من كل العالم أن تكون نساؤهم عفيفات في وقت العذرية في باقي الأمم معدومة؟ معناها (يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة) لمجرد أن تدخلوا في دين محمد r تصبحوا زاكين دون أن تتعلموا. كل الأخلاقيات يتساوى فيها المسلمون وغيرهم ومن غير المتعلمين من هم أكثر زكاة وتزكية من المتعلمين. فبمجرد أن تقول لا إله إلا الله يترك الزاني الزنا والسافرة تتحجب ويرتدع السارق وهكذا.

ونحن نسمع عن نكاح المحارم ونكاح المثل في باقي الأمم وهذا الأمر أصبح شائعاً لديهم أما المسلمون فبمجرد أن تدخل المرأة الاسلام وتشهد أن لا اله الا الله محمد رسول الله حتى تنتهي كل علاقاتها السابقة وتغطي رأسها ويصبح لها زوج واحد وتدخل في النظام النظيف الدقيق التي تملكه هذه الأمة حصراً.

(يزكيهم) قبل أن يعلمهم لأنه بمجرد دخولهم في الدين يصبحوا زاكين لا عبث ولا مجون ولا اختلاط في الانساب وعلاقة المسلم بالناس والجيران تكون علاقات طيبة جميلة وهذه موجودة في مجتمعات المسلمين وهي صعبة في باقي المجتمعات. وعلى الرغم مما آل اليه حال المسلمين اليوم في كل ما نحن فيه من سوء بقيت الأمة زاكية من حيث انها الأمة الوحيدة على وجه الأرض التي توحّد الله تعالى فهو الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له. وبمجرد أن تقول هذه الكلمة (كلمة التوحيد) ينتهي كل ما عندك من شركيات ومعتقدات خاطئة (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) ما إن تقول هذه الكلمة حتى تصبح موحداً وتنتظم علاقاتك وتصبح نظيفاً طاهراً واصلاً للرحم باراً بالوالدين.

منظومة حسن الخلق نتأسى فيها برسول الله r كيف حلمه على الضعفاء وعلاقاته مع زوجاته ومع الآخر عندما يُذنب وعلاقته بالجار وبغير المسلمن (رحمة ومودة وإكرام) وعلاقته بالأسير وبالعدو وعلاقته بالمحكوم كل هذا سنتعرض له في حلقات قادمة. والرسول r نظّم علاقاتنا من ساعة الاستيقاظ الى ساعة النوم وحتى منامك له تفسير وتأويل.

هذه الحكمة ابراهيم u دعا (وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) التوحيد يعلمك ما هي علامة وحدانية الله تعالى والبراهين والأدلة على أن الله واحد وأوحى بها تعالى الى كل الأنبياء ومحمد r كان خاتمهم لأنه لم يقلح أحد من بين الأنبياء أن ينشر التوحيد في أمته كما أفلح r. فنوح u لبث في قومه ألف سنة يدعوهم وما آمن معه الا نفر قليل فحملهم في سفينة من خشب وألياف (ذات ألواح ودُسُر). ومحمد r في ألف عام نشر التوحيد في العالم حتى غير المسلمين الذين يعيشون في ديار المسلمين هو موحدون لأنهم عاشوا في أرض موحدة لشدة تأثير التوحيد على هذه الأمة ولشدة تمسكها وتفهمها لعقيدة التوحيد التي لا يحيدون عنها وهي هاجسهم اليومي حتى أصبحوا يتكون ما لا ذنب فيه مخافة ان يكون فيه ذنب.

هذا الشعور الخالد الذي لا يستطيع أحد أن يزوّره أو يغيّره (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ما إن تقوله مصدقاً بها قلبك حتى تدخل في عالم من الطهارة والمروءة عجباً.

(ويعلمهم الكتاب) القرآن الكريم جاء مهيمناً على كل الكتب السابقة من حيث هل استطاع كتاب موسى u أو كتاب عيسى u أن يزيل البغضاء من بين البشر؟ بقي العداء بين النصارى واليهود وقتلوا نصف انبيائهم ولم يزيلا ما عند الناس من التمييز العنصري (عرب، عجم، فارسي، عربي وغيره) الى أن جاء الاسلام. والقرآن هو الوحيد الذي أوال الفرقة بين الناس لا فرق بينهم والناس سواسية الكل سواء ويمكن للمسلم ان يتعايش مع الناس جميعاً. البشرية مجبولة على التمييز لكن ما أفلح أحد في إلغاء كل هذه الفروق الا الاسلام لذا كان القرآن (مهيمناً عليه) هذه هي الهيمنة.

الحكمة: هي الحركة اليومية من ساعة الاستيقاظ الى ساعة النوم تستيقظ وتقول اذكار الاستيقاظ ثم تتوضأ وتصلي وفي كل حركة لك من الاذكار الكثير ماذا تقول وأنت ترتدي ثيابك وماذا تقول وأنت تدخل الحمام وتخرج منه وأنت تدخل البيت وتخرد منه وأنت تعمل وفي السوق وقبل جماع زوجتك فكل حركة في حياتك وعلاقاتك حتى خفقة قلبك وكيف تعلم عقلك بماذا يفكر، تربي ضميرك عن طريق التفكير (الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض) وتنظم عواطفك (يحبهم ويحبونه) هذه الحكمة هي ترشيد الحركة اليومية التي هي رديف القرآن كما قال r : أل إني أوتيت القرآن ومثله معه" . هذا الزخم الهائل من التنظيم الدقيق لكل خطرة من خطرات قلبك وكل خطوة هي الحكمة.

سورة الاسراء تكلمت عن كل شيء : الدعوة، حقوق الوالدين، قتل الاولاد خشية املاق، الغيبة، الشرك، اليتيم، المكيال والميزان وغيرها فتكلمت السورة عن كل قضايا الحياة اليومية (ذلك مما أوحى اليك ربك من الحكمة) من السُنّة افعل ولا تفعل من حيث الأخلاق والسلوك (وما ينطق عن الهوى) أنول الله تعالى على رسوله r كما أنزل الكتاب. إذا نظرنا في أي كتاب من كتب السُنّة نجد فيه كل شؤون الحياة فمن علّم هذا الرجل الأميّ هذا العلم؟ الفلك والاقتصاد والسياسة والأخلاق وغيرها ولم يثبت أنه r أخطأ في جزئية واحدة. وفي بعض الأحيات يكتشف العلماء أمراً فيقولون أنه معارض لما جاء في الأحاديث ثم بعد فترة يكتشفون خطأ نظرياتهم وصدق الحديث وقد قال تعالى (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) نبيٌّ كهذا بهذا الاعداد والاستعداد والامداد يكون على قدر الاستعداد فالولد تعلّمه على قدر عقله واستيعابه ومن أجل هذا يتفاوت الناس في الطاقات والتحمل والمسؤوليات ولذلك اعداد الرسول r كما تحدثنا عنه كان اعداداً هائلاً عظيماً لم يحظ به مخلوق قبله ولا بعده حتى جبريل u وصل الى مرحلة لم يستطع أن يتقدم مع النبي r في رحلة المعراج حيث تقدّم r (لقد زُجّ بي في النور زجّاً) هذا استعداد هائل فصار الامداد على قدر الاستعداد ومن أجل هذا أمر الله تعالى جميع الأنبياء والرسل أن يبشروا به r ويأمروا أممهم أن يؤمنوا به.

من اجل هذا سوف نأخذ جزئية جزئية من اخلاقيات الرسول r التي بها قه نفسه وصبر على عكس ما تشتهيه نفسه. كيف كان يحلُم؟ ميف يمكن لبشر مخلوق من طين أن يكون بهذا الصبر والجلد والحلم حينئذ (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر). تتأسى به لا لتدخل الجنة ولا لتنجو من النار هذه تحصل في طاعة الله وطاعة الله والرسول ثم طاعة الله والرسول وأولي الأمر منكم لكن التأسي لمن يريد أن يترقى وذكر الله كثيراً ومن كثرة ما يذكر الله يتشوق أن يكون مع الله تعالى في مقصورته فكل عالي الهمة يريد أن يكون مع الملك في ديوان ملكه لا مع عامة الناس وقال الشاعر:

إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد

فالتأسي لمن ذكر الله كثيراً ويريد أن يكون في الفردوس الأعلى. وقد قال r: سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن (إن الذين عند ربك) هناك فرق بين أن تكون في قصر الملك وأن تكون في غرفة الملك أو ممن يلتفت اليه الملك أي عند الملك. أصحاب الهمم الرفيعة ومن ذكر الله كثيراً عليه أن يتأسى بالرسول r كثيراً وهو أن تتبعه وتقتدي به وأن تتعلم منه كيف تقهر نفسك وتتبع عكس ما تشتهيه نفسك وأن تخالفها حصراً وهذا أمر ليس يسيراً إلا على من كان له عزم وهمّة الذين يتولدان من كثرة ذكرك لله عز وجل يقول r: ذهب الذاكرون بكل خير. وما من عمل أرجى يوم القيامة وأعظم من أن يكون لسانك رطباً بذكر الله. مع كثرة الذكر تشتاق نفسك لتترقى الى أن تكون من اصحاب الدرجات العلا يوم القيامة.

بياض الثلج
24-11-06, 09:54 PM
الحلقة الثالثة

نتحدث عن سنوات كانت صعبة على الرسول r والمؤمنين ابتداء من السنة السابعة للبعثة الشريفة الى السنة العاشرة وهي ثلاث سنوات مرّ r والمؤمنون بشدة كانت فريدة في تاريخ الدعوة الى الله عز وجل في حياة الأنبياء جميعاً. في السنة السابعة اتفقت قريش على مقاطعة بني هاشم لأنهم لم يسلّموا رسول الله r ليُقتل فإما أن تقوم بنو هاشم بتسليم الرسول r لقريش حتى يقتلوه أو يقاكعوا مقاطعة شاملة فلا يكلمهم أحد ولا يبيع ولا يشتري منهم أحد ولا يتزوجون منهم ولا يزوجوهم إلى آخر ما هناك من الحصار إلى أن يُذعن المحاصَر للمحاصِر وحوصر بنو هاشم في شعب أبي طالب ومعهم بني عبد المطلب والكل يعرف ماذا جرى للمؤمنين في تلك الفترة العصيبة التي كانت تشهد عذاباً وتشتيتاً ومقاطعة عجيبة حتى كان الناس يسمعون صراخ الأطفال من وراء الشِعب هؤلاء الأطفال لم يبقى لديهم ما يأكلونه حتى أن أمهاتهم المرضعات لم يبق لديهن لبن وكانوا يقتاتون على قطعة جلد من شاة أو بعير وهذه بعض عناصر شدة النبي r وكيف كان يتفاعل مع هذه الشدة. فهل تفاعل معها البكاء والضعف والشكوى؟ كلا كان r يعلّم المؤمنين كيف يكونوا مع الله تعالى في مثل هذه الحالة وعلمه r أن الله تعالى معه كان يُشعره بقوة عظيمة وصمود التي هي أقوى من قوة التقدم عندما يخرج من ضعفك قوة يكون هذا الصمود الشديد.

لما ذهب المسلمون وبعد الحصار لتأدية العمرة وسعوا بين الصفا والمروة توقع المشركون أن يجدوا المسلمين ضعافاً وفي شدة الهزال والضعف فأوحى لهم الرسول r أن يكونوا في السعي في شدة الجد والنشاط فشرع لهم الهرولة فذُهل المشركون من قوة المسلمين بعد طول الحصار عليهم في الشِعب وهذا التظاهر بالقوة بعد حصار شديد ومقاطعة ثم يصدر عن المسلمين مثل هذا الفعل القوي!.

ويستمر البلاء ثم إن بعض المشركين أمثال المطعم بن عدي لا يعجبه حصار بنو هاشم هكذا فنقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش والتي أخبرهم r أن دابة الأرض أكلتها إلا (بسمه تعالى) وبعد هذا البلاء وفك الحصار وما إن مرت شهور إلا وأصيب r بنكبتين عظيمتين هما موت عمه أبي طالب راعيه وحاميه وقال r بعد موت عمه "ما تطاولت علي قريش إلا بعد أن مات عمي" وبعده بخمسة أيام أو ثلاثة أيام ماتت زوجته خديجة رضي الله عنها. فبأيام معدودة فقد r اثنين من أعظم أنصاره واتباعه ولهذا سمي ذاك العام بعاك الحزن في كتب التاريخ الاسلامي لأنه r حزن حزناً شديداً على موتهما وهذا بلاء ثاني أما البلاء الثالث فكان عندما ذهب الى الطائف في أول رحلة دعوية بعد الحصار وحصل له ما حصل من أذى الناس له هناك حتى أنهم أمروا صبيانهم بأن يرموه بالحجارة r حتى دميت قدماه الشريفتان. وبعد ما لقي r في الطائف ما لقي من استنكار لخص كل معاناته في كلمات قليلة في دعائه : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا ارحم الراحمين الى من تكلني إلى غريب يتهجمني أم الى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي إلا أن عفوك أوسع لي أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك. هذا الدعاء قسم منه فيه بيان حاله r وقسم يتحدث فيه عما يريد. كل شيء عنده r محتمل إلا أن يغضب عليه الله تعالى ثم يلخص مراده r وهو أن كل طوحاته وهدفه أن لا يغضب عليه ربه ولا ينزل عليه سخطه وفي هذا توجيه لنا لنتأسّى عندما يصيبنا بلاء أو شقاء أو مرض أو ظلم فعلينا أن نتضرع الى الله تعالى ونحاذر أن يكون كل هذا البلاء سبباً من اسباب غضب الله تعالى عليك لا من رحمة ربك بك. ومجرد التذمر من البلاء أو الشكوى من الله لغير الله محبط للعمل. وكل شيء عظيم ثمين يبطله أي خلل ولهذا فابلاء من جانب من جوانبه من أعظم نِعَم العبد فالله تعالى لا يبتلي عبداً إلا إذا أحبّه وإذا صبر العبد كان جزاؤه عظيماً.

لك العتبى حتى ترضى: تعنب افعل بي ما تشاء إلى أن ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله هكذا كان دعاء الرسول r بعد كل هذا الهمّ.

عاد بعدها r الى مكة وهو لا يستطيع أن يدخل اليها والكل ينشط لقتله وعمه الذي كان يجيره مات ولم يعد له إلا الله تعالى فتريّث r في واد في مكة يقال له واجي نخلة وقضى ليله حائراً مستوحشاً خائفاً تنزف قدماه الشريفتان دماً فنام في هذا الوادي وعندما استيقظ ليصلي التهجد أنزل الله تعالى عليه قوله (وإذ صرفنا اليك نفراً من الجن) وهذه أول مرة يصلي الجنّ خلف الرسول r في هذه الساعات الحاسمة. ثم جاء المطعم بن عدي وكان مشركاً لكنه كان ذو مكانة في قومه وساءه أن تعمد قريش لمطاردة الصادق الأمين فأجاره وبهذا استطاع r أن يدخل مكة وإلى هنا تنتهي معاناته r ليبدأ r بجني ثمار هذا الصبر وهذا البلاء.

في السنة العاشرة للبعثة وعلى قمة هذا البلاء جاءت رحلة الاسراء والمعراج ولاحظ الربط بين الصلاة في الثلث الأخير من الليل وكيف جاء r ماشياً من الطائف الى وادي نخلة ومع هذا صلّى r صلاة التهجد ولم يكتف بصلاة العشاء كما نفعل نحن والرسول r ظلّ يصلي صلاة التهجد حتى تورمت قدماه وكان يقرأ في الركعة الأولى البقرة وآل عمران والنساء ثم يركع بقدر ما قرأ ثم يسجد بقدر ما ركع بعد كل هذه المعاناة التي لقيها دُعي r ليلتقي ربه وكأن الله تعالى يقول له r لقد استكملت الدورة التأهيلية وأصبحت مؤهلاً اليوم وهناك فرق بين من يُسرى به الى ربه ومن يسري هو الى ربه. الأسوة أن تتبع النبي r فيما يشق على النفس. كيف كان يتصرف r عندما يمر بساعات المعاناة الشديدة وكيف هي علاقته مع ربه عند البلاء وهل تسبه علاقته به في الرخاء.

نتحدث عن النعمة والآية الخالدة وهي آية الاسراء وهي مستمرة في آثارها وفيما رأى r وفي منهج مستقبلنا جيلاً بجيل هكذا هي عاقبة البلاء إذا تعاملت مع البلاء متأسياً بالرسول r وقلنا سابقاً أن الآسي هو الطبيب الجرّاح والأسوة هي العلاج والدواء. تداوى بما تداوى به النبي r في شدائد فتكون متأسياً به r (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأسوة هنا أن تذكر الله تعالى في بلائك ونعمتك وشقائك. إذن النبي r أُسري به في الرحلة العظيمة من البيت الحرام الى بيت المقدس الى البيت المعمور لنريه من آياتنا الكبرى فإذا كان النبي r أُسري به فأنت كمؤمن إذا أردت التأسي به r فعليك أن تسري أنت إلى ربك وهذا هو الفرق بين نبي مرسل له معجزات ولكنك المتأسي به عليك أن تسري الى ربك لأنه لا يمكن أن يُسرى بك يقظة. وكل مؤمن يسري الى الله تعالى عندما يستيقظ في الليل ويصلي ركعتين في الثلث الأخير من الليل ويهجر فراش حبيبه ويتغلب على ضعفه ويمتنع عن لذة النوم في عينيه ثم يتوضأ على برد أو شح ماء فيقوم ويناجي الله عز وجل خالياً لا يراه أحد إلا وكان هذا إسرءا له. إن الله عز وجل ينول في الثلث الأخير من الليل الى عباده وأنت تستيقظ من نومك في تلك الساعة فتلتقي بالله عز وجل ليس بينكما أحد وهذا ما فعله r في رحلة الاسراء والمعراج قابل ربه بطريقة من الطرق حيث يقول r فزُجّ بي من النور زجّاً. وأنت تستطيع أن تفعل هذا بدل أن يُسرى بك الى السماء فالله تعالى ينزل اليك وعليك أنت أن تسري اليه وتقف أما ربك وهي ساعة لا تعادلها ساعة أخرى كما أن ساعة اللقاء في المعراج لا تضاهيها ساعة وكذلك ساعة لقاء الله تعالى في الثلث الأخير من الليل لا تضاهيها ساعة أخرى. والرسول r يحثا على صلاة الليل فيقول: عليكم بصلاة الليل فإنها دأب الصالحين من قبلكم. وهناك فرق بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وبين الصالحين هؤلاء أصبحوا متخصصين في الصلاح ويقول تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) العنكبوت) فهؤلاء طبقة أصبح الصلاح سمتهم وعنوانهم كابراهيم u وزكريا وموسى u وهم الشريحة الرابعة التي تشارك الأنبياء والشهداء والصديقين في الفردوس الأعلى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء).

عندما يوصي الرسول r في قيام الليل فيقول " ومطردة لداء الجسد فيكم ومكفرة للذنوب" هذه الصلاة هي عماد أنك سريت الى الله عز وجل والكل يعرف كيف استُقبل النبي r في المدينة في السنة الثالثة عشرة للبعثة استقبالاً عظيماً على أبوابها والمسلمون في المدينة أضعاف عددهم في مكة والجمعة أقيمت في المدينة قبل مكة. هذا الاستقبال أفرح الرسول r وبان عليه السرور فماذا يقول رئيس قدم أو ماذا يعطيهم عندما يستقبلونه هكذا استقبال؟ قال لهم r: ايها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. أوصاهم بعبادات تدخلهم الجنة وهم من الصالحين لا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات. هذه ركائز الدين والمجتمع افشاء الشلام وما فيه من تحابب بين الأمة والاطعام في يوم الضيق وهذا من باب التكافل الاجتماعي ومعنى صلة الرحم ثم معنى صلاة الليل والناس نيام. ومن الساعات التي يضحك تعالى فيها بما يليق بجلاله عندما يكون الأمر في غاية الروعة مثلاً جيش هرب بكامله إلا واحد بقي في ارض المعركة وصمد بنفسه فيقول تعالى انظروي عبد صمد لي بنفسه. وإذا قمت تصلي بالليل يقول تعالى: انظروا الى عبدي هجر فراش حبيبه ولو شاء لرقد. فمسألة القيام مسألة خطيرة وما من صلاة أعظم من صلاة الليل بعد الفريضة ولو بقدر حلب شاة قم من فراشك وتوضأ وصلي صلاة حتى لو كانت بسيطة لكي تكون مع الفريق والزمرة التي تقوم الليل لأنه يوم القيامة يساق الناس زمراً بحسب ما كانوا عليه في الدنيا فاحرص أن تكون في زمرة معينة كزمرة المجاهدين أو زمرة العلماء أو زمة الصائمين أو زمرة الشهداء أو زمرة أهل الليل وهي مكرّمة عند الله تعالى ويقال لهم يوم القيامة: ينادي منادي يوم القيامة أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيتوجون يومئذ وهم قليل. وعلى الرغم من عظمة هذه العبادة نجد أن قلة هم الذين يؤدونها وهناك عبادات كثيرة عظيمة وسهلة لكن الذين يؤدونها قليل كأن الله تعالى لا يهدي إليها إلا من يُحبّ. وفي الحديث عنه r قال: من قال سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مئة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل رمل عالج. ومع هذا فإن من يقولها قِلّة وهذه من نفحات الله تعالى (إن لله نفحات فتعرضوا لنفحاته). إن فعلتها فاعلم أن الله تعالى اجتباك لكي تقوم بهذه العبادة (وربك يخلق ما يشاء ويختار).

قيام الليل: الصالحون يُرون في المنام بعد الموت ورؤيا الميت حق لأنهم في دار حق فلا يقولون إلا حقاً فيقول من رأهم في المنام ماذا فعل ربك بك يا فلان؟ فيقول لم تنفعنا إلا ركيعات كنا نركعها بالليل والناس نيام. هذه نفحات يهبها الله تعالى لمن يحبه. قال تعالى في وصف الذين يحبهم (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) من شدة تعلقهم بالصلاة وقيام الليل يجفو النوم أجسادهم ولا يتمكنوا من النوم في ساعة يذكر فيها الله تعالى وليس هو الذي يجفو النوم لكن جسده يجفوه لأن جسمه تعوّد أن يستسقظ في هذا الوقت للصلاة (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).

الرسول r رأى الجنة في الاسراء والمعراج ووصفها وصفاً شديداً ولكن الرسول r لم يستطع أن يدرك ماذا أعدّ الله تعالى لأهل الليل وحدهم. رأى r منزلة الصالحين والعلماء إذن كما أن الرسول r أُسري فعليك أن تسري أنت الى الله تعالى فاسراؤك في صلاة الليل (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) حينئذ إذا كنا لا بد أن نتأسى بالرسول r في شدائدنا وتعبنا ومصائبنا فعلينا أن نتعلم من هذه الفترة الزمنية من السنة السابعة الى السنة العاشرة للبعثة من الحصار الى الاسراء والمعراج نرى فيها دروساً وعبراً وأدوات للتأسي الكامل لنعرف كيف كان r يتصرف عندما يحيط به ما تكرهه نفسه فإذا فعلت ذلك تكون ممن قال فيهم (وذكر الله كثيرا).

الأحاديث في التهجد كثيرة منها إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه. هذا ما فعله r في الاسراء إذن أن تسري الى الله تعالى ليلاً بهذه الصلاة العظيمة كما أُسري به r ليرى ربه.

ومن الأحاديث: شرف المؤمن قيام الليل وأهل الليل أشراف أمتي يوم القيامة. فيوم القيامة عنوانك الشرف والشرف أي الغنى والسلطان حرصك عليه في الدنيا مذموم أما في الآخرة فمحمود وشرفك وعِزّك هي صلاة الليل. ولكي تكون وجيهاً يوم القيامة عليك بصلاة الليل. والشفاعة في المحشر اختيار ملوك في الجنة وسيكون فيها ملايين الملوك في ساعة المحشر ويقول تعالى يا فلان اشفع. هؤلاء الوجهاء يجعلهم الله تعالى ملوك الجنة ومن نعيم الجنة الملوك لأن الناس يتلذذون بملكهم لهم. وعليك أن تعرف كيف تكون وجيهاً يوم القيامة.

وأقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر. ويقول تعالى في الحديث القدسي: أنا جليس من ذكرني. في الجهاد يكون تعالى معك وعند زيارة المريض وفي المرض وأقرب ما يكون تعالى منك في صلاة الليل وتصبح بها بعيداً عن الذنوب لأنها بطبيعتها تبعد صاحبها عن النفس وتعيد تكوين نفسيته لشدة التأسي (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) والتأسي: أن تهجر فراش حبيبك وتتوضأ بماء بارد في الشتاء والبرد فتستيقظ في الليل تصلي والناس نيام. هذه الأسوة على وقت ما كان r يفعل من حيث استيقاظه وليس في وسعك أن تفعل مثله من حيث الأداء فقال : صلوا من الليل ولو بقدر فواق ناقة.

هذه الأسوة تجعلك متأسياً برسول الله r بفعل ما تكرهه نفسك من حيث صبرك على الشدائد وشكر الله تعالى على البلاء فتصبح من الصالحين بعد أن كنت من الذين آمنوا وعملوا الصالحات تصبح من الصالحين وهم شعب الفردوس الأعلى ويوصينا r: اسألوا الله الفردوس الأعلى فهي مقصورة الرحمن والصالحون شعبها.

بياض الثلج
24-11-06, 09:55 PM
ان شاء الله اكمل باقي الحلقات

النجم 2
25-11-06, 11:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

بياض الثلج
26-11-06, 10:53 PM
الحلقة الرابعة:

ا نزال نتجول مع رسول الله r في أشد حالاته تعباً وارهاقاً في الصعوبات التي صادفته في دعوته ونحاول أن نتأسى به r في أشد ما تكون نفوسنا كارهة له. تتأسى بغيرك فيما لا تستهيه نفسك وفي ما يصعب عليك. وتحدثنا في اللقاء السابق عن عام الحزن الذي فقد فيه r عمه وزوجه وتحدثنا عن حادثة الطائف والتي مان يتحدث عنها r باعتبار انها أشد ما صادفه في حياته " تلك الحادثة أشد عليّ مما لاقيته في أُحُد" وكلنا يعلم ما لاقاه r في اُحُد حتى أنه تعرض للقتل وكسرت ثنيته وشج وجهه وكانت هزيمة منكرة (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر) فالنبي r يتحدث أن ما لاقاه في الطائف من المشركين من عناد وضرب وهزيمة من حيث أنه لم يستطع أن ينال من تلك العقيدة الشركية التي تغلغلت في نفوسهم وخرج منه مهزوماً ولم يتمكن من دخول مكة. فما لا قاه r في الطائف كان عسيراً وشديداً على نفسه وأثره في نفسه ممتداً فكيف تصرّف r في تلك الشدة الموجعة التي بعثت في نفسه غضباً عليهم . ماذا تفعل إذا كانت القرية كلها تطردك وتضربك ولا يستمع أحد لك وأنت تريد أن تخرجهم من الضلال الى الهدى والكل يعلم ما لاقاه r من إهانة وضرب حتى سالت قدماه الشريفتان دماً ومُنِع مه الطعام والشراب ولم يعينه أحد باعتباره غريباً إلا عبد من عبيدهم اسمه عدّاس وكان نصرانياً فآواه في بستانه وقدّم له الماء والعنب ولما سأله r من اين أنت؟ قال من نينوى فقال r أنت من بلد أخي يونس بن متّى فقال عدّاس أتعرفه؟ قال r هو نبي وأنا نبيّ. (ضريح يونس ما زال في الموصل). بهذه المحنة التي مر بها r كيف كنت تتصرف؟ من الساعة التي خرج فيها بين أظهرهم نظر فوقه فإذا بجبريل جالس بين السماء والأرض وقال قد سمع الله ما قاله قومك فأسل لك ملك الجبال فقال ملك الجبال مُرني بما تشاء فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. كيف كنت ستتصرف أنت لو كنت مكانه r ولا قيت ما لاقاه r من قوم يعبدون الأصنام وكانوا من الوقاحة والفظاظة بحيث أخذت من نفسه r مأخذاً بحيث كان يقول أن ما لاقاه في الطائف أشد عليه مما لاقاه في اُحُد. وجاءه ملك إن شاء أن يسحق له القرية عن بكرة أبيها وينتهي الأمر. وقبل أن يأتيه الملك وقبل أن يرى جبريل كان ردّ فعله r التوجه لله تعالى بالدعاء المشهور وهذه أسوة حسنى لكل مسلم إنه إذا ضاقت بك الأرض أو وقعت في مصيبة لا تبحث عمن يساعدك وإنما علِّق قلبك بالله تعالى وهو سبحانه مع كل مؤمن في حاجته وعلى قدر حاجتك فالله تعالى يكون معه فيغيث اللهفان ويفرج المكروب فإذا علقت قلبك به فإن نصره أسرع اليك من نفسك. وهكذا لجأ r إلى الله تعالى يدعوه ويستفزّ نصره وتثبيته في الدعاء الذي خلّده التاريخ ومن العجب كيف يكون الرسول r في تلك الساعة الشديدة وكيف يخرج منه هذا الدعاء المتقن تابديع فهو من الاخلاص والتضرع وكل عبارة فيه مدروسة ويمكن أن شنرحها في كتاب كامل. ونقف عند احدى عبارات دعئه r وهي (ولكن عافيتك أوسع لي) هناك فرق بين دعاء يوسف u وبين دعئه r فيوسف قال (رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه) فلما أخذوه في السجن فسأل من تفرّج عني فقال أنت سألت السجن ولو سألتنا العافية لعافيناك. وأحبُّ ما يُسأل الله تعالى هو العافية سواء كنت مجاهداً أو منفقاً أو مريضاً. العباس قال يا رسول الله علمني عملاً أدعو الله به قال يا عمّ سل الله العافية فكرر العباس السؤال مرتين أو ثلاثة فقال r يا عمّ ما سُئل الله سؤالاً أحب اليه من العافية.

في هذه المحنة قال r (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) أي فليقطعوه لا يبالي وعافية الله أوسع له وعلينا أن نتأسه بهذه اللقطة. إذا اصابتك مصيبة قل يا رب إن عافيتك أوسع لي فيعطيك تعالى الأجر على صبرك كاملاً ويعافيك ورحمة الله تعالى أوسع. عند الشدائد نصبر وقد يأخذنا الحماس أن نتحمل كل شيء ونفرح بالبلاء لكن لا ننسى أن نستمطر عافية الله تعالى لأنه سبحانه يحب ذلك (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي). الله تعالى أحنّ علينا من أمهاتنا وآبائنا فإن كنت في محنة فقل يا رب إني صابر لأمرك ولكن عافيتك أوسع لي. هذه هي الأسوة التي نتأسى بها في حياتنا وإياك أن تزايد على الله تعالى (كان أحد الصالحين يقول لو قطعتني ارباً ما شكوت منك) هذا جميل ولكن ينقصه أن تقول ولكن عافيتك اوسع لي.

ضُرِب r في الطائف وفي طريق عودته الى مكة مرّ بوادي نخلة ولم يستطع الدخول الى مكة لأن عمه وجده وزوجته ماتوا وكانوا يحمونه وفي وادي نخلة صلى r وصلى الجنّ خلفه لأول مرة (وإذ صرفنا اليك نفر من الجن) ثم أجاره المطعم بن عدي وكان مشركاً فدخل في جواره. نقف عند هذا الد في قصة الطائف والمحنة التي مر بها r.

تعلمنا منه r أنه عند المحنة تلجأ الى الله تعالى ولا تبحث عن أحد غيره تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) وسمي الدعاء عبادة ولهذا قال r "الدعاء مخ العبادة" فالعبادة أولاً وأن لا تزايد على الله تعالى ثانياً وتطمع في معافاته ثالثاً ولا تغتر في قوتك لأنك قد تمر بمحنة لا تستطيع تحملها,

عندما جاء ملك الجبال للرسول r وقال إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين وكل الأنبياء دعوا على أممهم من شة ما عانوا من بلاء تلك الأمم فنوح دعا على قومه (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فاستجاب تعالى لنوح وهكذا استجاب لكل دعوات الأنبياء على أممهم حتى محقوا محقاً بالكامل والمتوقع أن النبي r يفعل الأمر نفسه وهو يمر ببلاء عظيم. كيف يستطيع عبد من عباد الله تعالى في وسط هذ الغضب الشديد والعذاب الأليم النفسي والمادي في هذه الحالة يتيه ملك يمكنه أن ينفخ عليهم نفخة فيدمرهم ولكنه r قال للملك لا عسى الله أن يُخرِج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً. تخيل الحالة النفسية واقعاً مئات الناس حوله والدماء تسيل منه ويخاطبه ربه عن طريق الملك فيقول لا لهذا قال فيه تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) من فعل هذا في تاريخ الأنبياء إلا محمد r؟ نتأسى من هذه الواقعة العظيمة عن أهمية الدعاء في حياتنا وهو قضية ضرورية لا تستطيع أن تتعامل مع الله تعالى إلا أن تدعوه حتى بِِشِراك نعلك فما بالك في كل شؤونك وأمرك؟ يخاطب الله تعالى عباده يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. ولا تمنوا على الله اسلامكم. قارن بين أبي لهب الذي لم يسلم وبين بلال العبد الذي أسلم. هو الذي يختار سبحانه (وربك يخلق ما يشاء ويختار) ويقول تعالى يا عبادي كلكم فقير الا من أغنيته فاسغنوني أغنكم وبالدعاء تستمطر رحمة الله تعالى. يا عبادي كلكم مريض الا من شافيته فاستشفوني اشفكم. في كل شأن هو الله تعالى يفعل سبحانه ما يشاء والملك الكريم يحب أن يطلب الناس منه لأن الكرم من صفات ذاته فعليك أن تستمطر هذا الكرم والسخاء وذلك بالدعاء. وذكرنا في الحلقة السابقة عن الرجلين الذين دخل أحدهما جنة أعلى من جنة أخيه بالدعاء فقد كان يدعو الله تعالى اللهم اني أسألك الجنة العليا والفردوس. فتأمل كم أن الدعاء هو العلاقة الصحيحة بينك وبين الله تعالى تتحد معه سبحانه. جاء أحد الدهريين الملحدين الى جعفر الصادق وهو من سلالة مباركة فقال اثبت لي الله فقال له جعفر الصادق هل ركبت البحر يوماً فقال الرجل نعم فقال هل غرقت بك السفينة يوماً قال نعم فقال ماذا فعلت؟ قالت تشبثت بلوح من الواح السفينة فقال الصادق أجاءت موجة كادت أن تقضي عليك فقال الرجل نعم فقال له جعفر الصادق فماذا قلت؟ قال: قلت يا الله فقال هذا هو الله. اتّحد مع الله تعالى في الدعاء تجده تجاهك ولذلك فإن الله تعالى يعطي على الدعاء ما لا يعطيه على العبادة ورُبّ دعاء يقدمك في الجنة ما لا يقدمك فيه عبادة مهما كانت عظيمة فالجأ الى هذه السُنّة فأنت ناج ل محالة.

ومن أعاجيب الدعاء أنه لا يُردّ وما من دعاء إلا ويستجاب. يوقف الله تعالى العبد بين يديه فيقول له أمرتك بالدعاء ووعدتك بالاستجابة فهل كنت تدعوني فيقول العبد نعم فيقول تعالى ألم تدعني في يوم كذا وكذا فأجبتك فيقول العبد نعم ألم تدعن في ويم كذا وكذا فلم أستجب لك؟ فيقول نعم ويذكر الله تعالى له عدة حالات ثم يقول له انظر فينظر فإذا به يرى ملكاً عظيمتً قال بم هذا؟ قال هذا جزاء ما دعوتني في الدنيا ولم أعجّل لك الاستجابة فيقول العبد حينها ليته لم يعجّل لي دعاء في الدنيا أبداً. لا يمكن أن تدعو الله تعالى إلا ويستجاب لك.

اشتد كرب الرسول r في أحلك ساعات حياته فدعا دعوة عجيبة في دقة متناهية هذه أسوة حسنة لأنها عند الشدائد تعلمنا أن نلجأ الى الله تعالى سريعاً.

والأسوة الثانية هي كظم الغيظ. كيف ترتقي من انسانيتك الحيوانية الى انسانيتك الملائكية (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم) وهذه ليست سهلة فقد تجد بين ألف غاضب واحداً يكظم غيظه برغم ما في داخله من غليان وهذه عبادة عظيمة. من أجلّ العبادات عند الله تعالى من كظم غيظه وهو قادر على انفاذه وكان حقاً على الله تعالى أن يملأ جوفه رضى يوم القيامة وخيّره الله تعالى أن يدخل من أي أبواب الجنة شاء. وهناك الكثير من الأحاديث في كظم الغيظ لأنه من أشد العبادات مشقة ، قد تجاهد لكن أن يغيظك انسان ظلماً وباطلاً ويُشنّع عليك ويطغى بك حتى تمتلئ نفسك غيظاً ثم تبتسم في وجهه ولا تفعل شيئاً هذا يفعله قلائل ونادرون فإذا أردت أن تتأسى بالرسول r وبعمل واحد (فتكون من أصحاب الواحدة الذين لهم عمل واحد يتقنونه ويتخصصون به) فأنت ستحاسب على اساس هذا العمل (أولئك نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) هذه الوسيلة التي جاءت في قوله تعالى (اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة) اعرف بعض الشيء عن كل شيء واعرف كل شيء عن شيء واحد. أنت تصوم وتصلي وتحج وتحسن الى جيرانك وعندك عبادات بالمئات لكن اختر لك عبادة واحدة فأتقنها فيحاسبك الله تعالى من كرمه عليها يوم القيامة ويقيس أعمالك على اساسها. كن باراً بوالديك، كن ذكّاراً، صل الليل، أنفق، جاهد، أكرم جارك، اخدم الناس باخلاص، علّم الناس باخلاص وليكن لك عمل واحد تلقى الله تعالى به وهو سبحانه في غاية الكرم يرفع سبحانه درجاتك على مستوى هذا العمل.

كل عامل له لواء يوم القيامة (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا) البارين بوالديهم، الذاكرين هذه أعمال تعد سهلة أما كظم الغيظ فهي عبادة عظيمة قُل: أنا صابر لوجه الله تعالى وتبسم وقل لمن آذاك سامحك الله هكذا فعل r عندما أذاه أهل الطائف على رغم ما فعلوه به كظم غيظه وعفا عنهم ودعا لهم أن يكون في اصلابهم من يوحد الله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) كاظم الغيظ أولاً ثم العفو ثم الاحسان الى من أذاك او الدعاء له هكذا علمنا الرسول r وهكذا فعل هو وهكذا نتأسى به r فيما تكرهه نفسه وفي اشد المواقف عليه تلك المواقف التي تعلمنا دروساً فإن كان فينا طموح أن نصل لأعلى الجنان التي يتنافس عليها المتنافسون ونكون قريبين من الله تعالى ونكون مع النبيين والشهداء والصديقين والصالحين والأنصار والمهاجرين علينا أن نتأسّى بالرسول r. ومن عباد الله تعالى من له جنتان (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (وإذا رايت ثمّ رأيت نعيماً وملكاً كبيرا) لا يمكن أن ندرك بعقولنا ونتخيل حقيقة الأمر. والرسول r يعلمنا أننا غذا دعونا فلنسأل الله تعالى الدرجات العلى: سلوا الله الفردوس الأعلى قولوا اللهم إني أسألك جوارك في الجنة.

سأل أحدهم النبي r: ما الذي يبعدني عن النار ويقربني من الجنة ومن الله تعالى؟ قال r لا تغضب. أي لا توظف غضبك عملياً لأن الغضب هو من قوانين البشر لكن هناك غضب تكظمه وغضب تخرجه هكذا هو كظم الغيظ (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) الرسول r مرّ بهذه المحنة وكان بإمكانه بإشارة منه أن ينفذ غضبه ويمحق أهل الطائف محقاً لكنه في اشد ساعات غضبه خاطب ربه ذاك الخطاب الرقيق وعفا عنهم دعا لهم ورفض أن يصيبهم بأذى أو يهلكهم برغم ما فعلوه به وهو ضيف ولم يراعوا فيه أي حق وكان r يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. هذا درس نتأسى به من الطائف (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

بياض الثلج
26-11-06, 10:54 PM
الحلقة الخامسة

ما نزال نتجول مع رسول الله r فنتأسى بفعله في اصعب الظروف وأشق الأحوال. وقلنا سابقاً أن التأسي يكون فيما تكرهه النفس من الشدائد والمصائب والأمور الصعبة على الانسان لنتأدب منه r.

وانتهينا في الحلقة السابقة من عودته r من الطائف تلك الرحلة الشاقة ونحاول ان نتأسى بموقفه r عندما جاءه ملك الموت وخيّره بين ان يعفو عن قومه الذين أذوه أذى شديداً وبين أن يطبق عليهم جبلين عظيمين في الطائف قلا يبقى منهم أحد ولو اختار r اهلاكهم لما لامه أحد لشدة ما لاقى منهم من عنت ومشقة وكراهية وشدة لا مبرر لها على الاطلاق لكنه r اختار ان يعفو عنهم وقال: لعل الله يخرج من اصلابهم من يعبد الله. هذه نقطة عجيبة لكنها ليست عجيبة على نبي شهد الله تعالى له بأنه على خلق عظيم وقال له (فبما رحمة من الله لنت لهم) ثم تحدثنا عن عودته r لوادي نخلة حيث استمع له نفر من الجنّ وذكرنا كيف أنه r كان ممنوع من الدخول الى مكة وقد اهدرت قريش دمه لولا أن المطعم بن عدي وكان مشركاً أجاره فدخل r في جواره والى هنا انتهينا في الحلقة السابقة والآن نبدأ معه r في مكة بعد ان دخلها في جوار المطعم بن عدي وبقي يمارس حياته اليومية في الدعوة الى الله تعالى بين كراهية قريش والعرب وعداؤهم له واضطهادهم له ولأصحابه والمرحلة القادمة في سيرتنا تنحصر في معجزة الاسراء والمعراج التي تمت في ليلة السابع والعشرين من رجب قبل الهجرة بسنة وبعض الشهور في عام 621 ميلادية اي بعد دخوله r مكة بجوار المطعم بن عدي بعدة اسابيع. ولن نستغرق في قصة الاسراء والمعراج كاملة فقد سمعناها وقرأناها ولكن مهمتنا أن نقف عند أهم المفاصل في هذه المعجزة ثم نرى ما هي الاسوة التي نتأسى به r في مواقفه في هذه المعجزة. وكلنا يعرف أنه r كان نائماً في حجر اسماعيل ثم جاءه رجلان فشقا صدره ومعهما طست من ذهب مليء حكمة فأفرغاه في صدره الشريف ثم انطلقا به اسراء للمسجد الأقصى ثم معراجاً الى سدرة المنتهى حيث لم يصل ولن يصل مخلوق آخر حتى جبريل u. في مسيرة الاسراء من البيت الحرام الى المسجد الاقصى رأى r أمثلة كثيرة لأحوال العباد في البرزخ ورأى ماذا يفعل بالزناة والمرابين وخطباء الفتنة وتاركي الصلاة وكل الذنوب التي يُخشى على المؤمن في مستقبله يوم القيامة ورأى هذه المرائي حقيقة أمام عينيه. هذه المرحلة من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى مليئة بالتفاصيل التي يعرفها الجميع. وصل r المرحلة الثانية الى المسجد الأقصى فيقول r دخلت فوجدت الأنبياء جميعاً في المسجد الأقصى بين قائم وراكع وساجد ودخل يصلي معهم ثم أذّن مؤذن فينا فوقفنا ننتظر من يؤمنا وهناك روايتان رواية تقول ان جبريل جاء فأخذ بيدي فقدّمني لأصلي بهم ورواية أخرى تقول أن ابراهيم u جاء فقدّمه r. وأياً كانت الرواية فالمهم أنه r صلى بالأنبياء اماماً. في هذه الرحلة أسري به r بطبيعته الآدمية ونحن نعرف ان طيّ الزمان والمكان نعمة أنعم الله تعالى بها على عباده الصالحين.

ثم تأتي الانطلاقة من المسجد الأقصى للبيت المعمور وفي هذه المرحلة انطلق r بطبيعة ملائكية وقصة الاسراء جاء ذكرها في سورة الاسراء اما تفاصيل رحلة المعراج فجاءت في سورة النجم. والعجائب التي رآها r كتبت في مصادر عديدة ولن ندخل في تفاصيلها. وننتقل الى الرحلة الثالثة والأخيرة وهي الهدف من كل هذه المراحل وهي المرحلة القدسية ونذكر ان جبريل u رافق النبي r منذ بداية الرحلة لكنه عند هذه المرحلة وصل الى سدرة المنتهى وتوقف وقال لو تقدمت أنملة لاحترقت أما النبي r فاخترق الحجب التي لم يسبق لمخلوق أن اخترقها ولن يخترقها احد بعده الى يوم القيامة وهذا أمر لا يمكن ادراكه بالعقل المجرد. وقد وصف r عندما وصل الى سدرة المنتهى فقال رأيتها شجرة مضيئة تتلألأ يتوهج فيها النور. وقال r رأيت نوراً (زُجّ بي في النور زجاً) فتلاشى في ذلك المكان القدسي حتى لا يمكن الفصل بينه وبين ربه (فكان قاب قوسين أو أدنى) والقاب هو الخيط الذي يُشد به القوس فلو جئنا بقوسين وجمعناها بقاب واحد فكيف نميز بين قوس وآخر بل تجدهما متلاحمين فلا يمكن الفصل بينهما ولكي لا تذهب بك الظنون أن هذا الأمر مبالغ فيه قال تعالى (وأدنى) أي ليس الأمر قاب قوسين فقط وإنما هو أدنى من ذلك لكن بما ان العقل لا يدرك دقة ذلك فأنت مأمور بأن تفهم القاب ولست مأموراً بأن تفهم الأدنى كما قال تعالى في آية أخرى (كلمح البصر او هو أقرب) إذن تمازجا حتى صارا واحداً ولا تدرك كيف صار القوسين واحداً وهذا معنى زُجّ بي في النور زجاً. ولنضرب مثالاً على ذلك ولله المثل الأعلى تخيل أنك سكبت زجاجة عطر في صندوق ماء فلا يمكا أن يفصل بين الماء والعطر لأنه زُج بالعطر زجاً. وكل ما نشرحه ونقوله هو جزء من مليون أو بليون جزء من الحقيقة وهذا وحده يمكن أن يُدرك أما الباقي فلا تدركه عقولنا. وكلما رأيت الاستدراك في الآيات (قاب قوسن أو أدنى) (كلمح البصر أو هو أقرب) فاعلم أن الأمر أدق من المثال ولن تدركه.

تقدم r وجثا على ركبتيه كما يجثو المصلي في التحيات وهذه طبيعة ألأنبياء مع ربهم كما جاء في حديث يوم القيامة حيث يجثوا الأنبياء على الركب. جثا r على ركبتيه وقال: التحيات المباركات والصلوات والطيبات لله والله تعالى أكرم من البشر وأمرنا أنه إذا حُيينا بتحية أن نحيي بأحسن منها أو نردها فكان الرد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وهنا لقطة التأسي بالرسول r في بعض افعاله في المواقف العظيمة ولنلاحظ الموقف: الرسول r بين يدي ربه جاث على ركبتيه وبدل ان يرد وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته في هذا المكان الدقيق الذي لا يدركه بشر غيره r او يتحمله مخلوق بشري عقلياً لم ينس أن من أبرز صفاته r وما مدحه به ربه وميزه به عن باقي الأنبياء وهو أن يدعو لأمته ولا يدعو عليهم في هذه اللحظة التي لن ندرك تأثيرها على مخلوق بشري كمحمد r لم ينس أن يُشرك أمته في هذا السلام فقال r: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين إذن أشرك r أمته في هذا السلام وعليك أن تعلم أنك كلما جلست للصلاة وبدأت بالتحيات عليك أن تشعر أنك شريك في هذه الدعوة وأن لك نصيباً منها وعليك أن توفّيها حقها.

ما من جواب ولا شكر يمكن ان يوازي ما قاله r بعد ذلك فقال: أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً عبده ورسوله وما من كلمة أعظم من هذه الكلمة (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) ويقول تعالى (اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) الكلم الطيب هو لا اله الا الله وهذه الكلمة فيها من القوة ما تصعد وحدها أما الاعمال الصالحات فتُحمل وتُرفع الى الله تعالى. فإذا بالنبي r يسمع جميع الملائكة تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد. هكذا كانت التحيات كما جاء في الخبر وكان r يحفّظها لأصحابه كما يحفظهم السورة من القرآن.

هذه مراحل رئيسية في الاسراء والمعراج وتأسينا بها:

ألاً: لا ينبغي أن تنسى أنك فرد في أمة وأن الله تعالى ينجي الناس جماعات وليس افراداً (وسيق الذين اتقوا الى الجنة زمرا) والناس يحشرون زمراً وقد تكون من الهالكين لكن اشتراكك في زمرة من الزمر يجعلك في وعاء عام فتنجو. هناك زمرة العلماء الصالحين وتشمل كل من قدم لهم طعاماً أو برى لهم قلماً أو أعطاهم دواة فإا نجت زمرة وأنت منها تنجو معهم فعليك أن لا تنسى أن تدعو للمسلمين والمسلمات جميعاً وعليك أن تدعو لنفسك ولوالديك ثم للمؤمنين والمؤمنات وفي الحديث أنه من استغفر للمؤمنين والمؤمنات خمس وعشرون مرة وفي رواية سبع وعشرون مرة إلا غفر له ورُزِق به الخلق وكان مستجاب الدعوة. وما من نبي إلا وقال رب اغفر لي ولوالدي والمؤمنين والمؤمناتوعليك أن يكون دعاءك لهذه الأمة بقدر دعائك لنفسك ولوالديك ونحن ندعو بالجمع كما في سورة الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين). والتأسي بالرسول r في هذه اللقطة لا ينبغي أن ننسى أن ندعو الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات لأن فيه نفع لك وللمؤمنين ولأن الدعاء في ظهر الغيب مستجاب والله تعالى خلق ملائكة مخصوصون مهمتهم التأمين على دعاء من يدعو لأخيه بظهر الغيب وكان r يطلب من أصحابه الدعاء له. هذا موطن التأسي الأول في قصة الاسراء والمعراج فالرسول r في هذا الموقف الحرج الذي لا يمكن لعقولنا ان تتخيله فإذا كلن الجبل دُكّ من تجلي الله تعالى عليه (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكّا وخر موسى صعقا) ومع هذا الموقف تحمل النبي r كل هذا الموقف ومن دلائل تحمله أنه لم ينس أمته فقال (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .

وثانياً: في هذا الجو الذي ما مر به مخلوق بمثل جلاله وجماله وبهائه وخطورته فرضت الصلاة بينما كل الأعمال والعبادات الأخرى أنزلت الى الأرض من صيام وزكاة وحج وقرآن أما الصلاة فهي الوحيدة التي شرعت في تلك الساعة التي لو بقينا نتحدث عن تفاصيلها ألف عام لا يمكن ان نصل الى جزء من حقيقتها. نحن نفسر في مستوى عقولنا لكن واقع الحال أكبر من عقولنا وقواينها. ولمكانة الصلاة وأهميتها من الدين استدعى الله تعالى رسوله الى السماء لكي يفرض الصلاة على أمته خمس مرات في اليوم والليلة والصلاة كما في الحديث أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة فإن حسُنت حسن سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله. وترك الصلاة سبب من اسباب ولوج النار كما في قوله تعالى (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين) ولهذا الصلاة التي نصليها الآن لا تتناسب مع موقعا ومكانتها في معجزة الاسراء والمعراج نحن نصلي صلاة تسقط الفرض لكنها في الغالب بعيدة عن اي تصور للصلاة التي بهذا المقام الرفيع. أمرنا تعالى باقامتها أولاً ثم المداومة عليها ثم المحافظة عليها وليس في القرآن مترادف وما من كلمتين متشابهتان في كتاب الله وإنما لكل كلمة معنى خاص بها لا تعطيه الكلمة الأخرى. فإقامة الصلاة هي أن تحسن أداءها فالقيام بالأمر حُسن أدائه والتعامل معه ومنه القيّم والمستقيم والقوام يدل على الجودة. من البداية نحن مأمورون بإاقمة الصلاة وليس بفعلها فلم يقل تعالى في القرآن صلّوا وإنما قال (وأقيموا الصلاة) قال r صلّوا كما رأيتموني أصلي وكلنا قرأنا ونعرف كيف كان r يصلي وقد ذكرت لنا الكتب والمراجع عن صحابته r كل تفاصيل صلاته r. وقوله تعالى (وأقيموا الصلاة) أي أقيموها كما تقيموا الجدار (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه). لوم يقل تعالى أدوا الصلاة أو افعلوا الصلاة أو صلوا وإنما قال أقيموا (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد). نحن نصلي لكننا لا نقيم الصلاة.

ثم بعد أن نقيمها على أحسن وجه بركوعها وخشوعها وتمامها (وفي الحديث عنه r ما معناه أنه من أدى هذه الصلوات الخمس وأدى خشوعها وتمامها إلا رافق محمداً r في بحبوحة الجنة). بعد الاقامة طلب منا تعالى أن نداوم عليها والمداومة تكون في مكان الدوام الرسمي وهو المسجد أنت تدوام في عملك في مكان عملك ومكان اداء الصلاة هو المسجد ويكفي ان تعلم أن النبي r كاد أن يأمر من يؤذن من يقيم ثم ينطلق مع بعض اصحابه وبأيديهم حزم من الحطب فيحرقوا بيوت من لم يصلي في المسجد بعد ان يخرجوا منها النساء والأطفال. وإن الكفر والنفاق أن تسمع كرم الله فلا تجيب. قال تعالى (الذين هم على صلاتهم دائمون) أي في مكتن دوامها (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) أنت مأمور بالصلاة وإقامتها فلا تكون صلاتك بالبيت بجودة صلاتك في المسجد لأنك تصلي في المسجد في جماعة (يسبح له فيها بالغدو الأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) لا شيء يمنعهم من ذكر الله ومن الصلاة ولقد أدركن أجيالاً كانوا لا يصلون إلا في المستجد والأحاديث في فضل الصلاة في المسجد كثيرة (من تطهر في بيته ثم مشى الى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة) أحاديث كثيرة في ضرورة ان يمشي المسلم الى المسجد للصلاة وكأن الصلاة في البيت توشك أن تكون باطلة.

وبعد الدوام على الصلاة هناك المحافظة عليها (والذين هم على صلاتهم يحافظون) يحافظون عليها من مبطلات الصلاة وهناك فرق بين الحافظ والحارس فالحارس يقف في الخارج ويمنع الناس من الدخول أما الحافظ فهو يكون في الداخل يطوّر المكان وينمّيه ويحسّنه كما قال تعالى في سورة يوسف (إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقد نمّى يوسف u وطوّر في مصر في سنوات المجاعة الشديدة ولم يكن حارساً على خزائن الأرض. وكذلك قال تعالى في القرآن الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) حفظ القرآن هو تطوره وتنميته وكل جيل يكتشف فيه جديداً والكل يبحث فيه وهذا هو الحفظ فالحفظ تنمية وليس حرساً.

حينئذ عندما تدرك هذا عليك من باب التأسي بضرورة ان يكون حدبك على المؤمنين حدباً عظيماً لا تقل عن حدبك على ابويك لأنك تنجو بهم. إضافة الى ما يسببه الدعاء للمؤمنين من خير في الدنيا فتصبح مستجاب الدعوة ويرزق الخلق بك والأسوة الثانية ان الصلاة آن لنا أن نصليها على نحو غير الذي نفعله فنقيمها ونداوم عليها في مكانها في المساجد ونحافظ عليها من ان لا تحبط بان لا نرتكب معها ما يحبط وقد قال r في الحديث الشريف: ثلاثة لا ينفع معهن عمل الشِرك وعقوق الوالدين والتولي يوم الزحف. وهناك الكثير من المحبطات وعلى المصلي ان يكون صالحاً لا يرتكب ذنوباً تحبط عمله وهذه هي المحافظة على الصلاة. كما في محبطات رمضان إذا كان بينك وبين أحد الناس خصومة فقد أحبطت صيامك وإذا اغتبت أحداً من الناس أناء الصيام فلا قيمة لصيامك "الصوم جًنة ووقاية ما لم يُخترق فقالوا بم يُخترق يا رسول الله؟ قال بالغيبة" ويؤتى بالعبد يوم القيامة بأعمال يفقول أين اعمالي فيقول أكلتها الغيبة. وكذلك عقوق الوالدين فعلى المصلي أن لا يفعل هذا فالصلاة يجب أن تنهى عن الفحشاء والمنكر (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فإذا أقمت الصلاة ودوامت عليها في مكانها وحافظت عليها تكون من النوع الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر. كل صلاتنا صحيحة من حيث اركانها وشروطها لكن هناك صلاة لا يمكن ان نصل فيها لمرحلة الخشوع فالسرعة في الصلاة تمنع الخشوع ولو كنت من الأولياء ومن لوازم الخشوع ان تكون مطمئناً بالصلاة في ركوعك وسجودك وأن تقول على الأقل 3 مرات سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم وعدم الاطمئنان ليس من الشروط المبطلة للصلاة لكن إذا أردت أ تقيم الصلاة وأن تداوم عليها وتحافظ عليها فاقرأ ما قاله الصالحون في خشوعهم في صلواتهم لنتعلم كيف كانوا يصلون فقد كان عروة بن الزبير إذا صلّى يقف الحمام على رأسه يعتقدون أنه عمود من شدة خشوعه. أنا لا أطلب ان نصل الى هذه المرحلة من الخشوع لكن علينا أن نكون على الأقل مطمئنين في الصلاة ويكون الركوع والسجود بوقار وعندنا نجد ان الخشوع يُصبّ عليك صبّاً, ومن النقطة الأساسية في رحلة الاسراء والمعراج هي الصلاة والذي نتأسى برسولنا r في هذه الرحلة هو: الدعاء للمؤمنين دائماً ثم اقامة الصلاة والدوام عليها والمحافظة عليها.

بياض الثلج
26-11-06, 10:57 PM
النجم2

شكر لك
وبراك الله فيك انت كذلك

العنـــود
27-11-06, 02:36 AM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك..
وجعل ما خطته يديك في ميزان حسناتك..

العطيفه
27-11-06, 03:36 AM
http://asas123.jeeran.com/جزاك-الله-يااخي.gif

بياض الثلج
27-11-06, 11:30 PM
هايدي

تميم العز

شكر لكم

وبارك الله فيكم

غـربة الــروح
28-11-06, 01:22 AM
http://www.arb-msn.com/up/uploads/eafca5fe5b.gif

عبد الهادى نجيب
28-11-06, 07:22 AM
الله يبارك فيك أختى الجهنية
ويجعل ثواب ما قدمتى بميزان حسناتك
دمتى راقية
تحياتى

لوله 1404
28-11-06, 07:29 AM
ما شاء الله عليكي انا ما قرات الا اول حلقه وان شاء الله اكمل الباقي
بارك الله فيكي اختي وجعله في ميزان حسناتك

أريج الذكريات
28-11-06, 08:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله فيكِ أختي وجزاكِ خيرا..............

بياض الثلج
28-11-06, 11:15 PM
اجونه

عبد الهادي نجيب

لوله

اريج الذكريات
شكر لكم الله يسعدكم دنيا وآخره