المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اَلقَضاءُ والقَدَرُ


awab
22-11-06, 11:40 AM
اَلقَضاءُ والقَدَرُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، تنَزّه ربِّي عن القُعودِ والجُلوسِ والمكانِ، كانَ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ، فهوَ موجودٌ بلا مكانٍ.
وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُه مَن بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمَّةَ، جزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا منْ أنبيائِهِ، الصلاةُ والسلامُ عليكَ سيّدِي يا علَمَ الهُدى، يا أبا القاسِمِ يا أبا الزهراءِ يا محمّد، يا حبيبَ قلبي وروحي وفؤادي يا محمّد، يا محمّدُ ضاقتْ حيلَتُنا وأنت وسيلَتُنا أدرِكْنا يا رسولَ اللهِ، أدرِكْنا بإذنِ الله.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإنِّي أحُبِّكُم في الله وأوصيكُم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ. واعلموا أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قالَ في مُحْكَمِ التَّنْـزيلِ لِحَبِيبِه مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الملكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِير﴾ ءال عمران / 26.
إخوةَ الإيمانِ، مِنْ قَولِه تعالَى: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ عَلِمْنا أَنَّ اللهَ تعالَى هُوَ خَالِقُ الخيرِ وَالشَّـرِّ لأنَّ اللهَ هُوَ ءاتَى أَيْ أَعْطَى الملكَ للمُلوكِ الفَجَرَةِ كَفِرْعَوْنَ، وَالملوكِ المؤمنِينَ كَذِي القَرْنينِ.
ولا يَخْفَى علَيكم أيها الإِخوةُ قولَ اللهِ تعالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبَِّ الفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خلق﴾.
فمَوضوعُنا اليومَ أيها الأحبةُ المؤمنُونَ فِي غايَةِ الأَهَمِّيةِ فلِذَا انْتَبَهُوا مَعِي جَيِّدًا رَحِمَكُمُ اللهُ بِتوفيقِه وَهُوَ عَنِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ .
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا مَا سُئِلَ عَنْ إِنْسانٍ مَاتَ عَلَى فِراشِه كيفَ مَاتَ؟ يقولُ قَضَاءً وَقدرًا، وَهُوَ لا شَكَّ كَلامٌ صَحِيحٌ سَلِيمٌ وَلكنْ ليسَ مَعناهُ أنَّ هذا الإِنسانَ إذَا ماتَ بِسبَبِ صدمَةِ سَيارَةٍ لَيسَ قَضاءً وقدرًا. إذا ماتَ على فِراشِه قَضَاء وقدر، وإذ صُدِمَ بِسَيارَةٍ فماتَ قضاء وقدر، وإذَا رمَاهُ شخصٌ بسَهمٍ، برَصَاصَةٍ قضاء وقدر. قالَ اللهُ تعالَى: ﴿إنّا كلَّ شىءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدرٍ﴾. فَالقَدَرُ هُو جَعْلُ كُلِّ شَىءٍ على مَا هُوَ عَليهِ. فاللهُ تعالَى هُوَ مُصَرِّفُ الأشياءِ، هو مُصَرِّفُ القُلوبِ، وَيقُولُ تعالَى في مُحْكَمِ التَّنْـزِيل: ﴿وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ﴾. العَرْشُ الذِي هُو أعظَمُ الخلقِ مَقْهورٌ للهِ فمَا سِوَاهُ مِنْ بَابِ الأَولَى. واسمَعُوا معِي حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذِي لا شَكَّ لَهُ تأويلٌ، لَهُ تَفْسيرٌ يليقُ بِجَلالِ اللهِ. فقَدْ رَوَى البَيْهَقِيُّ في كتابِه الاعتِقَادِ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَلْبٍ إلا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرحمنِ إن شاءَ أقامَهُ وَإِنْ شاءَ أزاغَهُ".
قال البيهقيُّ: وقولُه "بينَ إِصبَعينِ من أصابِعِ الرحمنِ" أرادَ بِه كونَ القَلْبِ تَحتَ قُدرةِ الرَّحمنِ. وفي الحديثِ دِلالةٌ على أنَّ اللهَ تعالَى إن شاءَ هداهُمْ وَثَبَّتَهُمْ وَإِنْ شاءَ أزاغَ قلوبَهُم وأضلَّهم. وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "اللهمَّ يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قلوبَنا على دينِكَ" ا ﻫ . فَيَا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قلوبَنا على دينِكَ.
واسمَعوا معي هذهِ الآيةَ العظيمَةَ التِي تَدُلُّ دِلالَةً صَريحةً على إثباتِ مذهبِ أهلِ الحقِّ والتِي سَمَّاها علماءُ التوحيدِ قاصِمَةَ الظَّهرِ، قاَل تعالَى: ﴿ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قلبَهُ عن ذِكْرِنَا﴾ إذَا كانَ تَصْريفُ القُلوبِ بِيَدِ اللهِ فكيفَ الأعمالُ الخارجيةُ، هي بالأَولَى خَلقٌ للهِ تعالَى.
ثم نحنُ بِمَ نَبْدَأُ خطبتَنا في كلِّ أسبُوعٍ؟ نبدَأُ بِالْمُقَدِّمةِ الوارِدَةِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والتِي فيهَا "مَنْ يَهْدِِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه". فمن أرادَ اللهُ لهُ الهدايةَ والإيمانَ والالتِزامَ بِالطَّاعَةِ فلا أحدَ يحولُ بينَهُ وبينَ ذلك، ومن أرادَ اللهُ لهُ الضلالَ والكُفْرَ والمعصِيةَ والعياذُ باللهِ وَختم لَهُ بذلكَ فلن يستطيعَ أحدٌ من خَلْقِ اللهِ أن يهدِيَه إلَى سَواءِ السَّبيلِ. فوَاللهِ لولا اللهُ – فواللهِ لولا اللهُ لَمَا اهتدَيْنَا ولا تصدَّقْنا ولا صَلَّيْنَا، الحمدُ للهِ الذي هدانا لِهذا وما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنَّ هدانَا اللهُ.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ أهلَ الحقِّ قاطِبَةً علَى أنَّ كلَّ ما يَجْرِي في هَذا العالَمِ هُوَ بِخَلْقِ اللهِ وَعِلْمِهِ وَمشيئَتِهِ وتقديرِهِ، فاللهُ تعالَى هو الذي قَدَّرَ الخيرَ والشَّرَّ والكفرَ والإيمانَ وَالطَّاعةَ والمعصِيةَ لِحِكْمَةٍ هُوَ أعلمُ بِها. وهذا مِنْ أصولِ الإيمانِ فلا يَصِحُّ للعبدِ إيمانٌ إذَا لَم يُؤْمِنْ بِهذا. وهذا ظاهرٌ مِنْ حديثِ جِبريلَ عليهِ السلامُ لَمَّـا سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "فأخبِرْني عَنِ الإِيمانِ، فقال صلى الله عليه وسلم: أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ وَملائِكَتِهِ وكتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ".
فيجِبُ الإيمانُ أنَّ المقدورَ أيِ المخلوقَ سَواء كانَ خيرًا أو شرًّا فهُوَ بِخَلْقِ اللهِ وتقديرِهِ. فلا يَجُوزُ الاعتِقَادُ بأنَّ الخيرَ فَقَط هُوَ الذِي حصَلَ بتَقْدِيرِ اللهِ أمَّا الشَّـرُّ فليسَ بتقديرِ اللهِ وهذا لا شَكَّ كُفرٌ وَضَلالٌ والعِياذُ باللهِ تعالَى. وقد ورَدَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّمَ بعضَ بناتِه "ما شاءَ اللهُ كانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ" فلا يَحْدُثُ في العالَمِ شَىءٌ إلا بِمَشيئَةِ اللهِ ولا يُصِيبُ العبدَ شىءٌ مِنَ الخيرِ أو الشّـرِّ أو الصِّحةِ أو المرضِ أو الفَقْرِ أو الغِنَى أو غيرِ ذلكَ إلا بِمَشيئَةِ اللهِ.

وقد صدقَ لبيدُ بنُ ربيعةَ لَمَّا قالَ:
إنَّ تقوَى رَبِّنا خيرُ نَفَلْ
وَبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَعَجَلْ
أَحْمدُ اللهَ فَلا نِدَّ لَهُ
بيدَيْهِ الخيرِ مَا شَاءَ فَعَلْ
من هَداهُ سُبُلَ الخيرِ اهتَدَى
نَاعِمَ البَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلَّ

اللهمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ وَثَبِّتْنا عَلَى الحَقِّ يا رَبَّ العالمينَ، هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي ولكم.