المُهرة
08-08-06, 03:27 AM
القول المبين
في تحريم حل السحر عند السحرة والمشعوذين
بيان في الرد على « عبد المحسن العبيكان »
في تجويزه الذهاب للسحرة لِحَلِّ السحر عن المسحور
الشيخ عبدالكريم بن صالح الحميد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .. أما بعد :
فقدِ اطَّلعْتُ على ما شَاعَ وذاعَ من كَلامِ « عبد المحسن العبيكان » في تجويزه وإباحته إتيان السَّحَرة لِحَلِّ السِّحر ! ، وهذا أمرٌ خطير يترتب عليه من فساد الاعتقاد ما لاَ يُحيط به إلا رب العباد ، فإنَّ من أعظمِ التذلُّلِ والخضوعِ للشيطان أن ينصرف قلب العبد عن خالقه بتوجه إرادته إلى ساحر نَجِسٍ مُوَالٍ للشيطان ليحل عنه السِّحْرَ ونحوه .
وليعلم مَن فعل ذلك أنَّ الثمن دينه ، وأنه لَم تتحرك نيته وإرادته بالتوجه إلى الساحر إلاَّ لفساد اعتقاده وظنه بالله ظَنَّ سُوء ، وإلاَّ فَلو صَدَق الله وعَلِم أنَّ الأمر كله له سبحانه وأن السَّحَرة وشياطينهم تضر ولا تنفع لَمَا استقرَّت في قلبه إرادة ذلك فضلاً أن يفعله لورود النهي الأكيد عن ذلك ، وأنه من عمل الشيطان ، وحرام فعله حيث إنه لا يحصل إلا بالتقرب إلى الشيطان وَعَمَل أوْ قَول ما يُرضيه من الساحر ، وممن يأتي إليه .
أما الساحر فلم يحصل له السِّحر إلا بالكفر ، وأما مَن يأتيه لِحَل السحر فإنما أَتاه لإدباره وإعراضه عن ربه وما شَرَع له من الرقية بالقرآن والأذكار والدعاء ، ومن الأدوية المباحة إلى عدو الله الساحر الخبيث الكافر ، مع علمه أنه شيطانُ إنسٍ يتقرب إلى شيطان جِنّ ، فأي خير يُرجى بهذا المسلك ؟! ؛ فلينظر مَن أتى الساحر بمن تعلَّق قلبه في الشفـاء ! ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومَن تعلق شيئاً وُكِل إليه ) (1) ؛ قال الشيخ « عبد الرحمن بن حسَن آل الشيخ » - رحمه الله - : ( أي مَن تعلَّق قلبه شيئاً بحيث يعتمد عليه ويرجوه وَكَله الله إلى ذلك الشيء ) انتهى (2) .
إنَّ الذين يذهبون إلى السحرة يرجون نفعهم إنما يزدادون سوءاً ، ولو ندَر وحصل بعض النفع فهو كنفع الخمر بل أشد ، وحسبك أنه نفع للبدن بفساد الدين ، وذلك خسران مبين ، وأنَّى لهم النفع والله عز وجل يقول : { وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } (3) ، فهذا خبر بشمول الضرر .
والتحذير هنا لِمَن قد يغتر بفتاوى قوم لَم يتقوا الله في المسلمين فيفتحون لهم أبواب الضلالة بفتاويهم الضالة حيث يُهَوِّنون عليهم حلَّ السحر بإتيان الساحر وهو ( النشرة ) التي هي حل السحر بسحر مثله .
والساحر مادتـه شيطانيـة ، ويكفي مَن أتـاه من الخسران أنـه استعان بالشيطـان مُعْرِضاً عن ربه الرحمن .
وحَسْبُ مَن أتى الساحر أنه أتى من نفى الله عنه وعن عمله الفلاح ، قال - تعالى- : { وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } (4) ، فأيُّ خيرٍ يرجى وأيُّ شَرٍّ يُتقى بعد هذا ؟! .
وقد بوَّب الشيخ « محمد بن عبد الوهاب » - رحمه الله - في كتابه ( التوحيد ) لهذه المسألة باباً خاصاً عنوانه : ( باب ما جاء في النشرة ) ، وذَكر حديث « جابر بن عبد الله » رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة ، فقال : ( هي مِن عَمَل الشيطان ) (5) .
وقال : ( ورُوِيَ عن الْحَسَن " البصري " أنه قال : " لا يحل السحر إلا ساحر" ) .
وقال : قال ابن القيم : ( " النشرة " حل السحر عن المسحور ، وهي نوعان : أحدهما : حل بسحر مثله ، وهو الذي من عمل الشيطان ، " وعليه يحمل قول الحسَـن - يعني : أنه لا يحل السحر إلاَّ ساحر - " .
فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب ، فيبطل عمله عن المسحور .
والثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز ) انتهى (6) .
وفي ( فتح المجيد ) قال الشارح - رحمه الله - : ( والحاصل أن ما كان منه بالسحر فيَحْرُم ، وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز ، والله أعلم ) انتهى (7) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فلا تأتوا الكهان ) (8) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كَفَر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) (9) ، والساحر أخبث من الكاهن .
وقد قال « عبد الله بن مسعود » رضي الله عنه : ( مَن أتى كاهناً أو ساحراً فصدَّقه بما يقول فقد كَفَر بما أُنزِل على محمد صلى الله عليه وسلم ) (10) .
فالحذر الحذر من هذا الخطر ، فلا يجوز إتيان الساحر للرقية ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لَم يجعل شفاء أمته فيما حرَّم عليها ، والسِّحر مُحَرَّم بالإجماع ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا تَدَاوَوْا بِحرام ) (11) .
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( وهنا سِرٌّ لطيف في كون المحرمات لا يُستشفى بها ، فإنَّ شرطَ الشفاء بالدواء تلقِّيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ، فإن النافع هو المبارك وأنفع الأشياء أبركها ، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حلَّ ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مِمَّا يَحُول بينه وبين اعتقاد بَرَكَتِها ومنفعتها وبين حُسْنِ ظنه بها ، وتلقى طبعه لها بالقبول ، بل كلما كان العبد أعظم إيماناً كان أكره لها وأسوأ اعتقاداً فيها ، وطبعه أكره شيء لها ؛ فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجـه داء ) انتهى (12) .
قوله - رحمه الله - : ( فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء ) يعني في حال حضور إيمان العبد واعتقاده كفر الساحر وشؤمه ونفي الفلاح عما يأتيه فتزداد العلة بإتيانه .
وقوله : ( إلاَّ أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ) يعني أنْ يعتقد في الساحر أنه مبارك وطيب ولا ضرر في إتيانه ، فهذا معنى قولـه : ( وهذا ينافي الإيمان ) ، وهما أمران أحلاهما مر - والعياذ بالله - ، ويا ويل من أباح إتيان السحرة ، قال تعالى : { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ } (13) .
وإنه لا يُستبعد مع هذه الفتاوى الضالة الْمُضِلّة أنْ يَرُوج احتراف السحر للرقية ، ويكثر السحرة ، ويروج تعلُّم السِّحْر وتعليمه والمجاهرة بذلك كله ! .
أما ما يذكر عن « سعيد بن المسيب » - رحمه الله - من قوله : ( لا بأس به ) - يعني النشرة - فحاشاه أن يريد به النشرة السِّحْرية الْمُحَرَّمة ، وإنما أراد - رحمه الله - بالنشرة الرقية الشرعية ، وسميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامَرَه من الـداء ، أي : يُزال ويكشف (14) .
أما قول « عائشة » - رضي الله عنها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله .. هَلاَّ تَنشَّرْت ؟! " فقد أجابها بما هو حجة على المبطلين حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( أما واللهِ فقد شفاني ، وأكره أن أثير على أحدٍ من الناس شَرًّا ) (15) .
فالْمُجِيزُ إتيانِ السَّحَرَةَ للنشرة يفتح على الناس شراً بنص قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعائشة - رضي الله عنها - ليست مُشَرِّعَة ولَم تكن تعلم حرمة ذلك ، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يفتح على الناس شراً .
والعَجَب أنْ يستـدل - أيضاً - مَن يُجيز النشرة السِّحْريـة بقولـه : ( وإن كانوا يقصـدون " لا يُفلح " بمعنى أنه لن ينجح في العلاج وحل السحر ، فنقول لهم : القرآن يُكَذَّب هذا المعنى الذي يقولون به ، فالله - عز وجل - يقول : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه ِ} (16) ، فيحصل منهم التفريق والواقع يؤكد أن السحرة ينجحون في حله ؛ وبالتالي لا يمكن أن نفسر تلك الآية بأن الساحر لا ينجح في حل السحر لأن هذا مصادم للقرآن وللواقع ) انتهى .
ويقال له : بل أنت بتَسْميتك التفريق بين المرء وزوجه وحلّ ذلك نجاحاً مصادمٌ للقرآن حيث قال – تعالى - : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (17) ، فبين - تعالى - أنهم يضرون ولا ينفعون ، وإنما نفعهم بحل السحر كما أثبت - سبحانه - أنَّ للخمر نفْع ، كذلك فقد نفى الله عنهم الفلاح - كما تقدم - ، فإثبات ضررهم ونفي نفعهم ونفي الفلاح عنهم وعما يأتونه يكفي بعضه لِمَن أهَمَّه دينه للجزم بحرمة ذلك وعدم جوازه بحال .
والنجاح المزعوم في ذلك أعظم حرمة وخبثاً وقبحاً من انتفاع البدن بالخمر ، لأن التوجه إلى الساحر بهذا القصد يترتب عليه فساد الاعتقاد بخلاف الخمر .
أما قوله : ( والذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية يخالفون ما فعله الرسول من استخراج السحر وحله ) فيقال له : ما أفقهك ! ، وهل استخرج الرسول صلى الله عليه وسلم السحر بإتيان الساحر أو بإتيان الوحي إليه ؟! ، فكيف يستدل بهذا ؟! ، والرسـول صلى الله عليه وسلم قال : ( وأكره أن أثير على أحد من الناس شـراً ) ، فالمحتج بالنجاح المزعوم بإتيان الساحر أقبح من المحتج بنفع الجسم بالخمر - كما تقدم - ، وقد فتح على الناس شراً ولن ينفعهم عند الله .
ثم قد يُقال : ( قد يدَّعي مدَّعٍ الاضطرار باللجوء للساحر ) ، فالجواب : أن ذلك باطل ، ولا ضرورة تُلجئ إليه إلاَّ لِمَن أيِسَ من رَوْح الله وظَنَّ بالله السوء ، وأن الاستشفاء بكلامه وذكره ودعائـه وما جعله الله سبباً للشفاء من العلاجات الطبيعيـة غير المحظورة لا ينفع ولا يفيد ، وإنما الشفاء والعافية عند الساحر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لَم يَجعل شِفَاءكم في حرام ) (18) .
وختاماً .. فقد تبين ما في هذا الأمر العظيم والخطر الجسيم من مخالفة الخالق الكريم ورسوله صلى الله عليه وسلم الشفيق الرحيم ، وما يترتب على ذلك من فساد العقيدة ، فالحذَر من مُوجِبَات الخطَر وجالبات الضَّرَر .
ولا شـكَّ أن مَن لَم يَهُـون ويَرْخُص عليه دِينه لو ضُمِن له الشفـاء عند الساحر - الرِّجْس ، النَّجِِس ، عدوِّ ربه - فإنه لا يأتيه لِعِلْمه أن شفاء بدنه عنده ثَمَن لفساد دينه ! ، كيف وهؤلاء السحرة الأخابث يزيدون العلَّة ! ، كيف وهو لَم يُعدم من الطُّرُق الشرعيـة السليمة لشفائه كما تقدم بيانـه - ولله الحمد والمنة - .
قال « عبد الله بن مسعود » رضي الله عنه : ( إنكم ترون الكافر من أصح الناس جِسماً وأمرضهم قلباً ، وتلْقَوْن المؤمن من أصَحِّ الناس قلباً وأمرضهم جِسْماً ! ، وأيْمُ اللهِ لو مَرِضَت قلوبُكم وصَحَّت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الْجُعلان ! ) انتهى (19) ؛ فتأمل هذا الأثر حقَّ التأمل .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
عبد الكريم بن صالح الحميد
بـريـدة ـــ 13 / 6 / 1427
منقول / للفائدة
:)
في تحريم حل السحر عند السحرة والمشعوذين
بيان في الرد على « عبد المحسن العبيكان »
في تجويزه الذهاب للسحرة لِحَلِّ السحر عن المسحور
الشيخ عبدالكريم بن صالح الحميد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .. أما بعد :
فقدِ اطَّلعْتُ على ما شَاعَ وذاعَ من كَلامِ « عبد المحسن العبيكان » في تجويزه وإباحته إتيان السَّحَرة لِحَلِّ السِّحر ! ، وهذا أمرٌ خطير يترتب عليه من فساد الاعتقاد ما لاَ يُحيط به إلا رب العباد ، فإنَّ من أعظمِ التذلُّلِ والخضوعِ للشيطان أن ينصرف قلب العبد عن خالقه بتوجه إرادته إلى ساحر نَجِسٍ مُوَالٍ للشيطان ليحل عنه السِّحْرَ ونحوه .
وليعلم مَن فعل ذلك أنَّ الثمن دينه ، وأنه لَم تتحرك نيته وإرادته بالتوجه إلى الساحر إلاَّ لفساد اعتقاده وظنه بالله ظَنَّ سُوء ، وإلاَّ فَلو صَدَق الله وعَلِم أنَّ الأمر كله له سبحانه وأن السَّحَرة وشياطينهم تضر ولا تنفع لَمَا استقرَّت في قلبه إرادة ذلك فضلاً أن يفعله لورود النهي الأكيد عن ذلك ، وأنه من عمل الشيطان ، وحرام فعله حيث إنه لا يحصل إلا بالتقرب إلى الشيطان وَعَمَل أوْ قَول ما يُرضيه من الساحر ، وممن يأتي إليه .
أما الساحر فلم يحصل له السِّحر إلا بالكفر ، وأما مَن يأتيه لِحَل السحر فإنما أَتاه لإدباره وإعراضه عن ربه وما شَرَع له من الرقية بالقرآن والأذكار والدعاء ، ومن الأدوية المباحة إلى عدو الله الساحر الخبيث الكافر ، مع علمه أنه شيطانُ إنسٍ يتقرب إلى شيطان جِنّ ، فأي خير يُرجى بهذا المسلك ؟! ؛ فلينظر مَن أتى الساحر بمن تعلَّق قلبه في الشفـاء ! ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومَن تعلق شيئاً وُكِل إليه ) (1) ؛ قال الشيخ « عبد الرحمن بن حسَن آل الشيخ » - رحمه الله - : ( أي مَن تعلَّق قلبه شيئاً بحيث يعتمد عليه ويرجوه وَكَله الله إلى ذلك الشيء ) انتهى (2) .
إنَّ الذين يذهبون إلى السحرة يرجون نفعهم إنما يزدادون سوءاً ، ولو ندَر وحصل بعض النفع فهو كنفع الخمر بل أشد ، وحسبك أنه نفع للبدن بفساد الدين ، وذلك خسران مبين ، وأنَّى لهم النفع والله عز وجل يقول : { وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } (3) ، فهذا خبر بشمول الضرر .
والتحذير هنا لِمَن قد يغتر بفتاوى قوم لَم يتقوا الله في المسلمين فيفتحون لهم أبواب الضلالة بفتاويهم الضالة حيث يُهَوِّنون عليهم حلَّ السحر بإتيان الساحر وهو ( النشرة ) التي هي حل السحر بسحر مثله .
والساحر مادتـه شيطانيـة ، ويكفي مَن أتـاه من الخسران أنـه استعان بالشيطـان مُعْرِضاً عن ربه الرحمن .
وحَسْبُ مَن أتى الساحر أنه أتى من نفى الله عنه وعن عمله الفلاح ، قال - تعالى- : { وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } (4) ، فأيُّ خيرٍ يرجى وأيُّ شَرٍّ يُتقى بعد هذا ؟! .
وقد بوَّب الشيخ « محمد بن عبد الوهاب » - رحمه الله - في كتابه ( التوحيد ) لهذه المسألة باباً خاصاً عنوانه : ( باب ما جاء في النشرة ) ، وذَكر حديث « جابر بن عبد الله » رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة ، فقال : ( هي مِن عَمَل الشيطان ) (5) .
وقال : ( ورُوِيَ عن الْحَسَن " البصري " أنه قال : " لا يحل السحر إلا ساحر" ) .
وقال : قال ابن القيم : ( " النشرة " حل السحر عن المسحور ، وهي نوعان : أحدهما : حل بسحر مثله ، وهو الذي من عمل الشيطان ، " وعليه يحمل قول الحسَـن - يعني : أنه لا يحل السحر إلاَّ ساحر - " .
فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب ، فيبطل عمله عن المسحور .
والثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز ) انتهى (6) .
وفي ( فتح المجيد ) قال الشارح - رحمه الله - : ( والحاصل أن ما كان منه بالسحر فيَحْرُم ، وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز ، والله أعلم ) انتهى (7) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فلا تأتوا الكهان ) (8) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كَفَر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) (9) ، والساحر أخبث من الكاهن .
وقد قال « عبد الله بن مسعود » رضي الله عنه : ( مَن أتى كاهناً أو ساحراً فصدَّقه بما يقول فقد كَفَر بما أُنزِل على محمد صلى الله عليه وسلم ) (10) .
فالحذر الحذر من هذا الخطر ، فلا يجوز إتيان الساحر للرقية ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لَم يجعل شفاء أمته فيما حرَّم عليها ، والسِّحر مُحَرَّم بالإجماع ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا تَدَاوَوْا بِحرام ) (11) .
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( وهنا سِرٌّ لطيف في كون المحرمات لا يُستشفى بها ، فإنَّ شرطَ الشفاء بالدواء تلقِّيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ، فإن النافع هو المبارك وأنفع الأشياء أبركها ، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حلَّ ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مِمَّا يَحُول بينه وبين اعتقاد بَرَكَتِها ومنفعتها وبين حُسْنِ ظنه بها ، وتلقى طبعه لها بالقبول ، بل كلما كان العبد أعظم إيماناً كان أكره لها وأسوأ اعتقاداً فيها ، وطبعه أكره شيء لها ؛ فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجـه داء ) انتهى (12) .
قوله - رحمه الله - : ( فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء ) يعني في حال حضور إيمان العبد واعتقاده كفر الساحر وشؤمه ونفي الفلاح عما يأتيه فتزداد العلة بإتيانه .
وقوله : ( إلاَّ أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ) يعني أنْ يعتقد في الساحر أنه مبارك وطيب ولا ضرر في إتيانه ، فهذا معنى قولـه : ( وهذا ينافي الإيمان ) ، وهما أمران أحلاهما مر - والعياذ بالله - ، ويا ويل من أباح إتيان السحرة ، قال تعالى : { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ } (13) .
وإنه لا يُستبعد مع هذه الفتاوى الضالة الْمُضِلّة أنْ يَرُوج احتراف السحر للرقية ، ويكثر السحرة ، ويروج تعلُّم السِّحْر وتعليمه والمجاهرة بذلك كله ! .
أما ما يذكر عن « سعيد بن المسيب » - رحمه الله - من قوله : ( لا بأس به ) - يعني النشرة - فحاشاه أن يريد به النشرة السِّحْرية الْمُحَرَّمة ، وإنما أراد - رحمه الله - بالنشرة الرقية الشرعية ، وسميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامَرَه من الـداء ، أي : يُزال ويكشف (14) .
أما قول « عائشة » - رضي الله عنها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله .. هَلاَّ تَنشَّرْت ؟! " فقد أجابها بما هو حجة على المبطلين حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( أما واللهِ فقد شفاني ، وأكره أن أثير على أحدٍ من الناس شَرًّا ) (15) .
فالْمُجِيزُ إتيانِ السَّحَرَةَ للنشرة يفتح على الناس شراً بنص قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعائشة - رضي الله عنها - ليست مُشَرِّعَة ولَم تكن تعلم حرمة ذلك ، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يفتح على الناس شراً .
والعَجَب أنْ يستـدل - أيضاً - مَن يُجيز النشرة السِّحْريـة بقولـه : ( وإن كانوا يقصـدون " لا يُفلح " بمعنى أنه لن ينجح في العلاج وحل السحر ، فنقول لهم : القرآن يُكَذَّب هذا المعنى الذي يقولون به ، فالله - عز وجل - يقول : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه ِ} (16) ، فيحصل منهم التفريق والواقع يؤكد أن السحرة ينجحون في حله ؛ وبالتالي لا يمكن أن نفسر تلك الآية بأن الساحر لا ينجح في حل السحر لأن هذا مصادم للقرآن وللواقع ) انتهى .
ويقال له : بل أنت بتَسْميتك التفريق بين المرء وزوجه وحلّ ذلك نجاحاً مصادمٌ للقرآن حيث قال – تعالى - : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (17) ، فبين - تعالى - أنهم يضرون ولا ينفعون ، وإنما نفعهم بحل السحر كما أثبت - سبحانه - أنَّ للخمر نفْع ، كذلك فقد نفى الله عنهم الفلاح - كما تقدم - ، فإثبات ضررهم ونفي نفعهم ونفي الفلاح عنهم وعما يأتونه يكفي بعضه لِمَن أهَمَّه دينه للجزم بحرمة ذلك وعدم جوازه بحال .
والنجاح المزعوم في ذلك أعظم حرمة وخبثاً وقبحاً من انتفاع البدن بالخمر ، لأن التوجه إلى الساحر بهذا القصد يترتب عليه فساد الاعتقاد بخلاف الخمر .
أما قوله : ( والذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية يخالفون ما فعله الرسول من استخراج السحر وحله ) فيقال له : ما أفقهك ! ، وهل استخرج الرسول صلى الله عليه وسلم السحر بإتيان الساحر أو بإتيان الوحي إليه ؟! ، فكيف يستدل بهذا ؟! ، والرسـول صلى الله عليه وسلم قال : ( وأكره أن أثير على أحد من الناس شـراً ) ، فالمحتج بالنجاح المزعوم بإتيان الساحر أقبح من المحتج بنفع الجسم بالخمر - كما تقدم - ، وقد فتح على الناس شراً ولن ينفعهم عند الله .
ثم قد يُقال : ( قد يدَّعي مدَّعٍ الاضطرار باللجوء للساحر ) ، فالجواب : أن ذلك باطل ، ولا ضرورة تُلجئ إليه إلاَّ لِمَن أيِسَ من رَوْح الله وظَنَّ بالله السوء ، وأن الاستشفاء بكلامه وذكره ودعائـه وما جعله الله سبباً للشفاء من العلاجات الطبيعيـة غير المحظورة لا ينفع ولا يفيد ، وإنما الشفاء والعافية عند الساحر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لَم يَجعل شِفَاءكم في حرام ) (18) .
وختاماً .. فقد تبين ما في هذا الأمر العظيم والخطر الجسيم من مخالفة الخالق الكريم ورسوله صلى الله عليه وسلم الشفيق الرحيم ، وما يترتب على ذلك من فساد العقيدة ، فالحذَر من مُوجِبَات الخطَر وجالبات الضَّرَر .
ولا شـكَّ أن مَن لَم يَهُـون ويَرْخُص عليه دِينه لو ضُمِن له الشفـاء عند الساحر - الرِّجْس ، النَّجِِس ، عدوِّ ربه - فإنه لا يأتيه لِعِلْمه أن شفاء بدنه عنده ثَمَن لفساد دينه ! ، كيف وهؤلاء السحرة الأخابث يزيدون العلَّة ! ، كيف وهو لَم يُعدم من الطُّرُق الشرعيـة السليمة لشفائه كما تقدم بيانـه - ولله الحمد والمنة - .
قال « عبد الله بن مسعود » رضي الله عنه : ( إنكم ترون الكافر من أصح الناس جِسماً وأمرضهم قلباً ، وتلْقَوْن المؤمن من أصَحِّ الناس قلباً وأمرضهم جِسْماً ! ، وأيْمُ اللهِ لو مَرِضَت قلوبُكم وصَحَّت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الْجُعلان ! ) انتهى (19) ؛ فتأمل هذا الأثر حقَّ التأمل .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
عبد الكريم بن صالح الحميد
بـريـدة ـــ 13 / 6 / 1427
منقول / للفائدة
:)