شامل سفر
13-04-06, 11:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة : في زماننا هذا ، باتتْ معظمُ الأمورِ افتراضيةً ... حتى تَجاذُب أطراف الحديث مع فنجان القهوة صرنا نقومُ به من أطراف العالم عبر الأسلاك .
و لقد رأيتُ أنْ أجعلَ هذه الواحةَ راحةً لنا من الشدِّ و الجذب و الصدِّ و الردّ في القضايا الفكرية الساخنة .
هذه دعوةٌ مني إلى فنجان قهوة كي نتسامر جميعاً و نحن إخوةٌ و أخوات ... ليست مجرد سواليف ... بل حِكَمٌ هي ضالّةُ المؤمن و عِبَرٌ هي خلاصةُ تجاربٍ من مَروّياتِنا و مرويّاتِ أهلِنا و مما قاله الأجداد.
تفضّلوا جميعاً .. يا هلا بالأحباب .
سألني رجلٌ : كيفَ أنت ؟ فقلتُ : أَحْمَدُهُ و أَشكُرُه. قال : مَنْ ؟ فانصرفْتُ مُحَوقِلاً.
قلتُ لأحدهم : السلامُ عليكم . قال بِجفاء : أهلاً . فَمَضَيْتُ غير آسفٍ .
ظَنَّ أنها ستكونُ خَيْرَ زوجةٍ .. قال لها : أُحِبُّكِ . قاطَعَتْهُ فَرِحةً : قَبِّلْني ! ...و ما زال حَصوراً حتى الآن .
التقيْتُ بالمدير الإداري في مؤسسة طارق بن زياد ، فقلتُ مُعَرِّفاً بنفسي : شامل سفر . و يبدو أنه لم يسمع إلا المقطعَ الأخير .. فأجاب : الحمدُ لله على السلامة !
عَطَسَ واحدٌ من الجيش الإنكشاري العثماني و هو في الصف .. فسألَ القائدُ : مَنْ الذي عطس ؟ و لم يُجِبْ أحدٌ . أعطى القائدُ الأمرَ للصف الأول بالتقدم خطوة إلى الأمام .. ثم أعدمَ الصفَّ كلّه . ثم ما زالَ يسأل عن الذي عطس ثم يُعْدِمُ صفاً ، إلى أن تطوَعَ أحدُهم فقال : أنا . أجابَهُ القائدُ : يرحمك الله .
و من المَرويّات الشاميّة القديمة ، أن بطيخةً خضراء تبادلت الهجاءَ مع بصلةٍ حادة الطعم و الرائحة ... قالت البطيخة : أتظنينَ أن أحداً سيحبُّ رائحتَكٍ؟! قالت البصلة : .. خيرٌ منكِ ..كل مَنْ طَبْطَبَ عليكِ تذهبين معه!
سُئلَ أعجميٌّ ( مثلي ) لغته العربية ضعيفة : أتذهبُ إلى الجنةِ أم إلى النار ؟ ... رَسَمَ على وجهه علائمَ التَفَكُّرِ بُرهةً ثم قال : كم الراتب في هذه و كم الراتب في تلك ؟
اتصلَ شيخٌ جليلٌ من أفاضل علماء الشام يطلبني على الهاتف ( و أنا من جملة خُدّامِه ) .. أجابَتْ خالتُكم أم شامل .. و لما عَرّّفها بنفسه قالتْ : جَعَلَ الله عمركَ مديداً و صحتك حديداً و مالكَ عديداً . قال : كيفَ قلتِ؟! قالتْ : جعلَ الله القولَ قولَكَ و الحظَّ يدورُ حولك . قال : زيديني يا خالة .. فوضعت السماعةَ و نادتني .
و تناولتُ زيتونةً سوداء فإذا طَعْمُها مُرٌّ لم يَنَلِ الملحُ منها مَوْضِعاً .. فَتَغَيَّرَ وجهي .. قالتْ أمي : كُلْ ، و استُرْ عليها يستركَ الله .
أيام الجامعة .. سهرتُ في بيت ابن خالتي حتى الفجر . و لما هَمَمْنا بالذهاب إلى المسجد ، نادتنا خالتي ، قالتْ : هل في الشارع من أحدٍ ؟ قلنا : لا . قالت : مَنْ سيراكم خارجَينِ في هذا الوقت .. هل سيعرف أنكما ذاهِبانِ إلى الصلاة ؟ قلنا : لا . قالتْ : و لئن أحسنَ الظنَّ بكما .. ألا ينالَ أجراً ؟ قلنا: بلى . قالتْ : هكذا كُونا .
و سألتُ سيدي الوالد : يا أبتِ ما الديبلوماسية ؟ قال : أنْ تقطعَ رأسَ عدوِّكَ و أنت تبتسم ... و في روايةٍ : و هو يبتسم ! قلتُ : هل لها مِن فضيلةٍ ؟ قال : حربُ النظّاراتِ سهلةٌ . قلتُ : فالسياسةُ ؟ قال : ما لها دِينٌ .. ما لها دِينٌ ( و ظَلَّ يكررها ) .
في الخمسينات من القرن الماضي ، جاءت إلى سوريا شركةٌ ( لا أسميها ) تَعْرِضُ طائراتٍ حربيةً للبيع . و لما كان والدي ضابطاً طياراً آنذاك ، فقد كُلِّفَ بالتجربة ... و انفجر عدّادُ الضغطِ ( قبل ) الخط الأحمر بدرجتين ، أي عند الرقم ( 1 ) ... و كتب والدي تقريرَهُ بعد أن نَجّاهُ الله . و بعد أيام .. كان الوالد في أحد مقاهي حلب ، فجاء رجلٌ يستأذنه بالجلوس .. ثم قَدَّمَ له شيكاً على بياض .. قال : اكتب الرقم الذي تريد على أن تُعَدِّلَ الرقمَ في تقريرِكَ من (1) إلى (3) .
روى لي شاهدٌ من أصدقاء الوالد أن مندوب الشركة غادر فوراً إلى بلده ... كي يُعالَجَ مِن كَسْرٍ في الفك ... يبدو أن يد الوالد كانت قويةً بعض الشيء !
· و في الخمسينات أيضاً .. كانت الكلية الجوية جديدةً في سوريا .. و أتى الأمرُ من القيادة بأن يقومَ أحدُ الطيّارين بالإقلاعِ ثم بحركاتِ بهلوانيةٍ استعراضيّة فوق الملعب البلدي بحلب لتشجيع الشباب على الانتساب إلى مدارس النسور.
كان الوقتُ عصراً .. و معظمُ الطيّارينَ مِن غير المُناوبين نِيامٌ ... استقبلَ المكالمةَ آمِرُ القاعدةِ الجوية ( عَمّي ) النقيب عمر سفر ... و لم يَشَأْ أنْ يوقِظَ أحداً من مأموريه مع أنه قائدهم .. صَعَدَ هو إلى أحد الطائرات فإذا بِمُتَدَرِّبٍ مبتدئ يجري نحوهَ يرجوهُ أن يصعدَ معه ( فالطائرةُ ذات كابين مزدوج ) .. و هكذا كان .
أرادَ الرجلُ أن يقلِبَ بطنَ الطائرةِ إلى أعلى .. فخافَ المتدربُ حتى أنه شَدَّ عصا القيادةِ بكلتا يديه ( يظنُّ انه بهذا يرفعُها إلى أعلى ) .. شَدَّ بقوةٍ حتى أن عمي لم يستطع تعديل وضع عصا القيادة المشتركة ... و ارتطم جزءٌ من الطائرة بالأرض ثم ارتفعت و قد بدأت تشتعل .
و مَكَّنَ الله عَزَّ و جَلَّ الطيارَ مِن إبعاد الطائرة عن الملعب .. فاحترقتْ في مكانٍ مُقفِر . كان آخِرُ أمرٍ عسكري أصدره في حياته : أقفلوا أجهزة الاستقبال اللاسلكي . لم يشأ النسرُ أن يسمعَ أحدٌ صوتَهُ و هو يحترق .
و قد أصدر القاضي الشرعي الأول بدمشق آنذاك ( الشيخ علي الطنطاوي ) فتوىً باعتباره شهيداً إنْ شاء الله ... إذ قضى نحبَهُ أثناء القيام بالواجب الوظيفي .. و أثناء الحَثِّ على الجهاد .
المقدمة : في زماننا هذا ، باتتْ معظمُ الأمورِ افتراضيةً ... حتى تَجاذُب أطراف الحديث مع فنجان القهوة صرنا نقومُ به من أطراف العالم عبر الأسلاك .
و لقد رأيتُ أنْ أجعلَ هذه الواحةَ راحةً لنا من الشدِّ و الجذب و الصدِّ و الردّ في القضايا الفكرية الساخنة .
هذه دعوةٌ مني إلى فنجان قهوة كي نتسامر جميعاً و نحن إخوةٌ و أخوات ... ليست مجرد سواليف ... بل حِكَمٌ هي ضالّةُ المؤمن و عِبَرٌ هي خلاصةُ تجاربٍ من مَروّياتِنا و مرويّاتِ أهلِنا و مما قاله الأجداد.
تفضّلوا جميعاً .. يا هلا بالأحباب .
سألني رجلٌ : كيفَ أنت ؟ فقلتُ : أَحْمَدُهُ و أَشكُرُه. قال : مَنْ ؟ فانصرفْتُ مُحَوقِلاً.
قلتُ لأحدهم : السلامُ عليكم . قال بِجفاء : أهلاً . فَمَضَيْتُ غير آسفٍ .
ظَنَّ أنها ستكونُ خَيْرَ زوجةٍ .. قال لها : أُحِبُّكِ . قاطَعَتْهُ فَرِحةً : قَبِّلْني ! ...و ما زال حَصوراً حتى الآن .
التقيْتُ بالمدير الإداري في مؤسسة طارق بن زياد ، فقلتُ مُعَرِّفاً بنفسي : شامل سفر . و يبدو أنه لم يسمع إلا المقطعَ الأخير .. فأجاب : الحمدُ لله على السلامة !
عَطَسَ واحدٌ من الجيش الإنكشاري العثماني و هو في الصف .. فسألَ القائدُ : مَنْ الذي عطس ؟ و لم يُجِبْ أحدٌ . أعطى القائدُ الأمرَ للصف الأول بالتقدم خطوة إلى الأمام .. ثم أعدمَ الصفَّ كلّه . ثم ما زالَ يسأل عن الذي عطس ثم يُعْدِمُ صفاً ، إلى أن تطوَعَ أحدُهم فقال : أنا . أجابَهُ القائدُ : يرحمك الله .
و من المَرويّات الشاميّة القديمة ، أن بطيخةً خضراء تبادلت الهجاءَ مع بصلةٍ حادة الطعم و الرائحة ... قالت البطيخة : أتظنينَ أن أحداً سيحبُّ رائحتَكٍ؟! قالت البصلة : .. خيرٌ منكِ ..كل مَنْ طَبْطَبَ عليكِ تذهبين معه!
سُئلَ أعجميٌّ ( مثلي ) لغته العربية ضعيفة : أتذهبُ إلى الجنةِ أم إلى النار ؟ ... رَسَمَ على وجهه علائمَ التَفَكُّرِ بُرهةً ثم قال : كم الراتب في هذه و كم الراتب في تلك ؟
اتصلَ شيخٌ جليلٌ من أفاضل علماء الشام يطلبني على الهاتف ( و أنا من جملة خُدّامِه ) .. أجابَتْ خالتُكم أم شامل .. و لما عَرّّفها بنفسه قالتْ : جَعَلَ الله عمركَ مديداً و صحتك حديداً و مالكَ عديداً . قال : كيفَ قلتِ؟! قالتْ : جعلَ الله القولَ قولَكَ و الحظَّ يدورُ حولك . قال : زيديني يا خالة .. فوضعت السماعةَ و نادتني .
و تناولتُ زيتونةً سوداء فإذا طَعْمُها مُرٌّ لم يَنَلِ الملحُ منها مَوْضِعاً .. فَتَغَيَّرَ وجهي .. قالتْ أمي : كُلْ ، و استُرْ عليها يستركَ الله .
أيام الجامعة .. سهرتُ في بيت ابن خالتي حتى الفجر . و لما هَمَمْنا بالذهاب إلى المسجد ، نادتنا خالتي ، قالتْ : هل في الشارع من أحدٍ ؟ قلنا : لا . قالت : مَنْ سيراكم خارجَينِ في هذا الوقت .. هل سيعرف أنكما ذاهِبانِ إلى الصلاة ؟ قلنا : لا . قالتْ : و لئن أحسنَ الظنَّ بكما .. ألا ينالَ أجراً ؟ قلنا: بلى . قالتْ : هكذا كُونا .
و سألتُ سيدي الوالد : يا أبتِ ما الديبلوماسية ؟ قال : أنْ تقطعَ رأسَ عدوِّكَ و أنت تبتسم ... و في روايةٍ : و هو يبتسم ! قلتُ : هل لها مِن فضيلةٍ ؟ قال : حربُ النظّاراتِ سهلةٌ . قلتُ : فالسياسةُ ؟ قال : ما لها دِينٌ .. ما لها دِينٌ ( و ظَلَّ يكررها ) .
في الخمسينات من القرن الماضي ، جاءت إلى سوريا شركةٌ ( لا أسميها ) تَعْرِضُ طائراتٍ حربيةً للبيع . و لما كان والدي ضابطاً طياراً آنذاك ، فقد كُلِّفَ بالتجربة ... و انفجر عدّادُ الضغطِ ( قبل ) الخط الأحمر بدرجتين ، أي عند الرقم ( 1 ) ... و كتب والدي تقريرَهُ بعد أن نَجّاهُ الله . و بعد أيام .. كان الوالد في أحد مقاهي حلب ، فجاء رجلٌ يستأذنه بالجلوس .. ثم قَدَّمَ له شيكاً على بياض .. قال : اكتب الرقم الذي تريد على أن تُعَدِّلَ الرقمَ في تقريرِكَ من (1) إلى (3) .
روى لي شاهدٌ من أصدقاء الوالد أن مندوب الشركة غادر فوراً إلى بلده ... كي يُعالَجَ مِن كَسْرٍ في الفك ... يبدو أن يد الوالد كانت قويةً بعض الشيء !
· و في الخمسينات أيضاً .. كانت الكلية الجوية جديدةً في سوريا .. و أتى الأمرُ من القيادة بأن يقومَ أحدُ الطيّارين بالإقلاعِ ثم بحركاتِ بهلوانيةٍ استعراضيّة فوق الملعب البلدي بحلب لتشجيع الشباب على الانتساب إلى مدارس النسور.
كان الوقتُ عصراً .. و معظمُ الطيّارينَ مِن غير المُناوبين نِيامٌ ... استقبلَ المكالمةَ آمِرُ القاعدةِ الجوية ( عَمّي ) النقيب عمر سفر ... و لم يَشَأْ أنْ يوقِظَ أحداً من مأموريه مع أنه قائدهم .. صَعَدَ هو إلى أحد الطائرات فإذا بِمُتَدَرِّبٍ مبتدئ يجري نحوهَ يرجوهُ أن يصعدَ معه ( فالطائرةُ ذات كابين مزدوج ) .. و هكذا كان .
أرادَ الرجلُ أن يقلِبَ بطنَ الطائرةِ إلى أعلى .. فخافَ المتدربُ حتى أنه شَدَّ عصا القيادةِ بكلتا يديه ( يظنُّ انه بهذا يرفعُها إلى أعلى ) .. شَدَّ بقوةٍ حتى أن عمي لم يستطع تعديل وضع عصا القيادة المشتركة ... و ارتطم جزءٌ من الطائرة بالأرض ثم ارتفعت و قد بدأت تشتعل .
و مَكَّنَ الله عَزَّ و جَلَّ الطيارَ مِن إبعاد الطائرة عن الملعب .. فاحترقتْ في مكانٍ مُقفِر . كان آخِرُ أمرٍ عسكري أصدره في حياته : أقفلوا أجهزة الاستقبال اللاسلكي . لم يشأ النسرُ أن يسمعَ أحدٌ صوتَهُ و هو يحترق .
و قد أصدر القاضي الشرعي الأول بدمشق آنذاك ( الشيخ علي الطنطاوي ) فتوىً باعتباره شهيداً إنْ شاء الله ... إذ قضى نحبَهُ أثناء القيام بالواجب الوظيفي .. و أثناء الحَثِّ على الجهاد .