المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحِوار آدابُه وضوابِطُه ....اتفق معي احاورك


حيدره الجنوبي
13-04-06, 05:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد تأملت كثيراً من منتديات الحوار المنتشرة عبر شبكة الإنترنت .. وغيرها من المناظرات الصوتية والمرئية .. فوجدت مشكلة في طريقة الحوار التي ينتهجها كثير من المتحاورين .. وفي لهجة الحوار التي تنتهي ـ في كثير من الأحيان ـ بالمتحاورين إلى التلاعن .. والتنافر .. والتباغض .. وإغارة الصدور .. والتراشق بالقول المشين .. فيأتي الحوار بخلاف النتائج المرجوة منه؛ فبدلاً من أن يُقرب بين طرفي أو أطراف الحوار وبين وجهات نظرهم .. تراه يُباعد بينهم .. وبين وجهات نظرهم .. ويزيد الشقة فيما بينهم ابتعاداً وفرقة أكثر مما كانوا عليه قبل الحوار .. كما ويزيد المراقبين لهم ولطريقتهم في الحوار .. وما يتحاورون حوله من مواضيع .. تشوشاً وغموضاً وشبهة!
لذا وجدت نفسي مشدوداً لتسجيل بعض آداب وضوابط الحوار .. التي تعين على توجيه وترشيد الحوار والمتحاورين .. بما يحقق النفع المرجو من الحوار .. وكهدية مني لمنتديات الحوار .. راجياً من الله تعالى السداد، والقبول.

نجمل ذكر بعض وأهم تلك الآداب والضوابط في النقاط التالية:
1- أن يكون همُّ وغاية كل طرف من أطراف الحوار إنصاف الحق .. ومعرفته .. واتباعه .. والانتصار له .. ولو كان عند الطرف الآخر من المتحاورين .. وأن تنعقد هذه النية ـ في إنصاف الحق ـ قبل الشروع في الحوار .. وأن تُراقَب وتُتابع أثناء الحوار وبعده!
المشكلة تبدأ وتتضخم عندما يكون هم وغاية كل طرف من أطراف الحوار كيف يغلب الطرف الآخر، وكيف يظهر عليه في الحوار والمحاجة .. ويعلو صوتُه على صوتِه .. وكيف يحقِّره ويُصغِّره .. ولو كان في الباطل أو الزور!
المشكلة تتضخم وتتضاعف عندما يكون هَمُّ وغاية أطراف الحوار أو بعضها .. هو مجرد التحدي والمباهاة والمفاخرة .. وكيف يصرفون إليهم وجوه وإعجاب الناس .. ولو كان ذلك في الباطل والزور!
وفي الحديث فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" من ابتغى العلمَ ليُباهي به العلماءَ، أو يُماريَ به السفهاءَ، أو تُقبل أفئدة الناس إليه، فإلى النار ". فهو إلى النار وإن كان محقا؛ً لفساد مقصده، فكيف إذا اجتمع عليه فساد المقصد وبُطلان ما يُنافح عنه ويُجادل؟!
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" يظهر الإسلام حتى تختلفَ التجارُ في البحر، وحتى تخوضَ الخيلُ في سبيل الله، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن، يقولون: من أقرأ منا؟ ومن أعلمُ منا؟ ومن أفقه منا؟ "، ثم قال لأصحابه:" هل في أولئك من خير؟"، قالوا: الله ورسولُه أعلم. قال:" أولئك منكم من هذه الأمة، وأولئك هم وقودُ النار ".

2- أن يتولد لكل طرف من أطراف الحوار الاستعداد النفسي قبل وأثناء الحوار .. أن يعترف بالخطأ إن أخطأ .. وأن يقر لمخالفه بالإصابة إن أصاب .. وهذا من تمام العدل والإنصاف والرقي في الحوار .. وضده الكبر والظلم والجحود، والاستعلاء في الباطل .. فالكبر يقوم على ركنين: رد الحق .. واحتقار الخلق .. وأيما امرئٍ يقع في هذين الخلقين المذمومين .. فهو من المتكبرين الذين تأخذهم العزة بالإثم .. ويطالهم وعيد التكبر والعياذ بالله.
فقد أثر عن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال لامرأة راجعته في قضية تحديد المهور: أخطأ عمر .. وأصابت امرأة .. وما عُد ذلك انتقاصاً من قدره .. بل عُد من جملة مزاياه الحسنة والعظيمة .. وما أكثرها.

3- الاتفاق على المرجعية التي يتم التحاكم والرجوع إليها فيما قد تم الخلاف والنزاع فيه .. والتي بها تقوم الحجة الدامغة على المخالف .. وفي حال عدم الاتفاق على مرجعية ثابتة يتم الرجوع ورد النزاعات إليها .. يعني استحالة حصول الاتفاق أو التقارب فيما بين المتحاورين .. وفيما اختلفوا وتنازعوا فيه؛ إذ من الممكن حينئذٍ لكل طرف من أطراف الحوار أن يرد النزاع إلى مرجعيته وقانونه ودستوره وقناعاته الخاصة به التي تختلف عن مرجعية وقانون ودستور وقناعاة الطرف الآخر .. وبالتالي فإن زاوية الخلاف والتنازع تتسع أكثر فأكثر .. وينفض المتحاورون وهم أكثر تفرقاً وتنافراً مما كانوا عليه قبل الحوار!
هذه المرجعية التي نؤكد عليها والتي يجب التحاكم والرجوع إليها تكمن في الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}النساء:59.
فهذه الآية الكريمة أكدت على معانٍ عدة:
منها: أن الرد إلى الله والرسول يكون بالرد إلى الكتاب والسنة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- .
ومنها: قوله {فِي شَيْءٍ} من الصيغ التي تفيد العموم؛ أي أي شيء ـ من شؤون الدين والدنيا ـ يتم النزاع فيه يجب رده إلى الكتاب والسنة.
ومنها: أن الكتاب والسنة فيهما جواب شاف كافٍ لكل نزاع يمكن أن يقع؛ إذ يستحيل على الرب -سبحانه وتعالى- أن يأمر برد النزاع إلى شيء ثم لا يوجد في هذا الشيء حلاً حاسماً وشافياً لما تم النزاع فيه.
وفي الحديث فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" والذي نفسي بيده ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به، وما تركت شيئا يقربكم من النار، ويباعدكم عن الجنة إلا نهيتكم عنه ".
ومنها: أن من لوازم الإيمان وشروط صحته رد النزاع ـ أي نزاع ـ إلى الكتاب والسنة .. ينتفي الإيمان بانتفاء الرد إلى الكتاب والسنة ولا بد، لذا قال تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
فإن قيل: ولكن قد يكون الطرف المحاور المقابل لا يؤمن بمرجعية الكتاب والسنة .. ولا يرضى بالتحاكم ورد النزاع إليهما ..؟!
أجيب عن هذا الاعتراض من أوجه:
منها: أقول: دعوه يُعرب عن اعتقاده هذا صراحة .. فهذا مما يُنفر عنه الناس .. ويُضعف حجته وقوله.
ومنها: إن أعرب عن رفضه صراحة لمرجعية الكتاب والسنة .. يُطالب بالمرجعية البديل التي توازي الكتاب والسنة .. وأنَّى!
ومنها: تسخيف مرجعيته .. وأنها ـ مهما تنوعت وقيل عنها ـ لا تعدو أن تكون حكم الجاهلية .. ومرجعية الجاهلية .. التي لا تهدي إلا إلى العمى والضلال والشقاء، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}غافر:20. وقال تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}المائدة:50.
ومنها: أن عدم إيمانه بمرجعية الكتاب والسنة .. لا يسلبنا حقنا في التحاكم ورد التنازع إليهما، والاستدلال بهما على المخالف الجاحد؛ لأن الحجة الدامغة تقوم بنصوص الكتاب والسنة على المؤمن والجاحد سواء .. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستدل بالقرآن الكريم على المؤمنين والكافرين الجاحدين سواء .. ويُخاطب الجاحدين الكافرين بنصوص الوحي .. كما يُخاطب المؤمنين المصدقين .. وهذا منهج في الدعوة والحوار مع الآخرين لا يمكن أن نحيد عنه.
ومنها: أن من كان هذا وصفه؛ لا حرج من الاستدلال عليه ـ إضافة للاستدلال بأدلة الكتاب والسنة ـ بالأدلة العقلية الصحيحة .. وبالواقع المشاهد والثابت .. فالنقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصحيح، ولا مع الواقع الصادق والثابت؛ فالأدلة النقلية، والعقلية، والواقعية كلها تصدق بعضها البعض، ولله الحمد.

4- انتقاء العبارة الأسلم في الخطاب التي تؤلف به قلب محاورك، وتشد سمعه لما تُحاوره عنه، أو تدعوه إليه، وهذا مما يدخل في معنى قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}النحل:125.
ومن ذلك أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يقولا للطاغية فرعون ـ وهما يُحاورانه ـ قولاً ليناً، أي قولاً رفيقاً رقيقاً لطيفاً؛ لأنه أوقع في النفس، وأشد أثراً، وأكثر نفعاً، كما قال تعالى:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}طه:43-44.
وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أن رهطاً من اليهود استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقالوا: السَّام عليك! فقالت عائشة رضي الله عنها: بل عليكم السَّامُ واللعنة، فقال -صلى الله عليه وسلم- :" يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ". قلت : أولم تسمع ما قالوا؟! قال:" قلت: وعليكم ".
تأمل كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى الرفق في الرد على الطاعنين المخالفين، في موضع يُنال فيه من جناب سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه .. حيث كان الرفق حينئذٍ يتجسد في جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم، والذي اقتصر فيه على كلمة واحدة فقط:" وعليكم "؛
أي عليكم يرتد الموت .. والدعاء بالموت!
واعلم ـ يا عبد الله ـ أن اللجوء إلى السب والطعن، واللعن .. والصخب .. ورفع الصوت .. عند محاورة الآخرين .. هو سلاح الضعيف المهزوم المفلس الذي لا يملك حجة ولا برهاناً فيما يدعو إليه .. فتراه ـ ومن أول الحوار ـ يغطي عيبه وجهله .. وعورته .. بالشتم، والطعن، والصراخ .. والتنقيص من الطرف الآخر!
واعلم كذلك أن إغارة صدور الآخرين من المخالفين بالشتم .. والطعن .. والانتقاص .. الكل يتقنه .. وهو سهل لا يحتاج إلى مهارات .. ولا إلى علم .. وإنما استمالة الطرف الآخر إلى قولك ورأيك .. وإرغامه ـ بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة ـ على أن يستمع إليك وإلى قولك باحترام .. هو الذي لا يتقنه إلى المهرة العلماء!
وقولنا هذا لا يعني ـ كما قد يظن البعض ـ أن تغيِّب أو تكتم من الحقيقة شيئاً .. أو تجامل أهل الباطل على باطلهم .. أو تداهنهم فيداهنوك .. أو أن لا تسمي الأشياء بمسمياتها الشرعية .. فهذا المعنى لا نعنيه ولا نقصده .. ونبرأ إلى الله تعالى منه!

5- قراءة أفكار ومبادئ وعقيدة ونفسيات الطرف المخالف جيداً قبل البدء في الحوار .. لتحسن محاورته والتعامل معه، ولتعطيه الخطاب أو الأسلوب الذي يستحقه .. والذي يجدي معه .. ولتعرف ما يحتاجه من الحجج والبراهين مما لا يحتاجه؛ إذ أن جهل المحاور بنظيره .. يقلل من قيمة وجودة وفعالية الحوار .. وربما سار الحوار في اتجاه لا يعني الطرف المقابل المحاور شيئاً .. وما أكثر ما يحصل ذلك!
كما أن جهل كل طرف بنظيره قد يؤدي إلى الوقوع في الظلم والعدوان بغير حق؛ فيطلق كل طرف على الآخر قائمة من الاطلاقات والأحكام لا يستحقها أحد منهما .. فتجد أحدهما ـ لأدنى خلاف مثلاً ـ يُطلق على الآخر حكماً بأنه جهمي، أو مرجئ، أو جامي، أو من الخوارج الغلاة .. وغير ذلك من الاطلاقات والأحكام .. وبشيء من التأمل والتتبع .. تجد أن الطرفين على اعتقاد صحيح .. وأن أصولهما أصول أهل السنة والجماعة .. ولكن جهل كل طرف بالآخر .. وبأصول وقواعد الآخر .. هو الذي أوقعهما بهذا النوع من الظلم والعدوان!

6- قراءة موضوع الحوار جيداً .. وقراءة كلمات الطرف المقابل ذات العلاقة بموضوع الحوار جيداً .. فهذا مما يُعين على التركيز على موضوع الخلاف من غير شرود .. ولا شطط .. وعلى حصر الردود فيما تم الخلاف عليه، لا غير.
لا بد من تحديد مناط الخلاف عند إجراء أي حوار راشد هادف؛ إذ لا يليق بطرفي الحوار أن يكون موضوع الحوار أو الخلاف حول حكم تارك الصلاة مثلاً .. ثم أحد الطرفين يأتي بأدلة .. ونقولات لبعض أهل العلم تتكلم عن حكم تارك الزكاة .. أو حكم الجهاد مع أئمة الظلم والفجور .. أو غير ذلك من المسائل .. ثم يقول له هاقد أقمت عليك الحجة فيما اختلفنا فيه .. وذكرت لك طائفة من الأدلة والبراهين .. وأقوال أهل العلم .. فردها علي إن استطعت!
وأحياناً يكون الخلاف على الصين وعدد سكانها .. فيأتي الجواب عن الهند والسند .. وعدد قرودها!
مشكلة حقاً .. عندما يكون أحد طرفي الحوار قمَّاشاً .. كحاطب ليل .. يحتطب ما يعنيه ومالا يعنيه!
7- عدم السماح للطرف المخالف بأن يطرح مسألة ثانية أو ثالثة أو أكثر قبل أن تُحسم المسألة الأولى، ويحصل عليها اتفاق معين.
فإن إقحام عشرات المسائل بعضها فوق بعض، ومن دون أن تُعطى كل مسألة حقها من البحث والنقاش، يترتب عليه محاذير عدة:
منها: عدم إنصاف المسائل المطروحة .. فينتهي المجلس وينفض المتحاورون .. من دون أن تُحسم أية مسألة من المسائل التي طُرحت!
ومنها: أن طرح عشرات المسائل المختلفة .. يؤثر سلباً على موضوع الحوار الذي انعقد الحوار لأجله!
ومنها: أن طرح المسائل العديدة بعضها فوق بعض .. يشوش على طرفي الحوار أو أحدهما .. ويفقده التركيز على الجواب الصحيح!
كما ويشوش على السامعين أو المراقبين للحوار .. ويفقدهم القدرة على التركيز على موضوع معين .. أو الموضوع الذي انعقد لأجله الحوار!
ومنها: أن من علامة المحاور المفلس المراوغ أن تراه يُقحم عشرات المسائل في جلسة واحدة أو موضوع واحد؛ كأن يكون ـ مثلاً ـ موضوع الحوار حول " كيفية إثبات شهر رمضان "، وقبل أن يُجيب الطرف الآخر عن هذه المسألة بالصورة الكافية والصحيحة .. تراه يبادره السؤال الآخر: وهل الإفطار في رمضان يكون على حسب غروب الشمس أم التوقيت الفلكي .. وماذا عن التقيؤ للصائم هل يُفسد صومه .. وهل الصلاة خلف الجنازة واجبة أم مستحبة .. وهل الكحول في العطور نجسة أم لا .. وماذا عن الصلاة خلف أئمة الجور .. وهل يُشترط استئذان الوالدين للجهاد .. وهكذا تراه يسرد عليك المسائل سرداً .. وقبل أن تجيبه عن أي مسألة من تلك المسائل تراه يوجه إليك طائفة أخرى من المسائل .. فينفض المجلس .. وينتهي وقت الحوار .. بين طرح عشرات المسائل المختلفة التي لم تجد جواباً شافياً .. وبين إجاباتك المتقطعة المجزأة الناقصة .. والتي لا تغني ولا تُسمن من جوع .. ومن دون أن تكون قد أجبت عن موضوع الحوار الأساسي وهو " كيفية إثبات شهر رمضان "؟!
فإن ابتليت بمحاور هذا وصفه ـ وما أكثرهم ـ فاحذره .. ولا تسمح له بأن يتلاعب بك وبأفكارك ووقتك من خلال طرح عشرات المسائل المختلفة .. فتخرج من الحوار وأنت في أعين الآخرين المراقبين فاشل وضعيف .. وعلى باطل .. وأن نظيرك .. هو الذكي .. الذي استطاع أن يتلاعب بك .. وبأفكارك .. ومن دون أن يُعطيك الفرصة التي تمكنك من الجواب عن أي مسألة من المسائل التي طُرحت في الحوار .. وهذا الذي يريده مخالفك!

8- عدم الانشغال فيما تم الاتفاق عليه من موضوع الحوار؛ لأن الانشغال في المتفق عليه مضيعة للأوقات والطاقات من دون فائدة، ولا حاجة .. ويكون ذلك ـ في الغالب ـ على حساب المختلف عليه من الموضوع .. الذي يحتاج إلى بحث ونقاش .. وعندما يُحاول أحد طرفي الحوار أن يُشغل نظيره في ترداد المتفق عليه .. والوقوف عنده .. لا بد للطرف الآخر من أن يذكره بمواطن الخلاف والنزاع .. وأن مواطن الاتفاق لا تحتاج إلى بحث ولا نقاش .. وبالتالي لا بد من تجاوزها إلى مواطن النزاع والخلاف .. ويحصل التركيز عليها!

9- اجتناب الحوار في مواطن الريبة والخوف؛ إذ لا يمكن للمحاور الخائف المرتاب من أن يُظهر كل ما يعتقده، فإن كان الذي يعتقده أو الطرح الذي يمثله يمثل جانب الحق من الموضوع المراد بحثه ونقاشه .. فإنه بذلك يُظهر جانباً من الحق أو بعضه .. وهو بذلك يُظهر الحق ضعيفاً منقوصاً .. مشوهاً .. على غير صورته الكاملة الحقيقية التي تليق به!
وهو بغنى عن هذا الموقف .. الذي يُسيء فيه للحق وهو يدري أو لا يدري!
وفي الحديث فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" ليس بمؤمنٍ من أذلَّ نفسه؛ يُعرِّض نفسه للبلاء ليس له به طاقة ".
وقد صدق من قال: واحذَرْ مُناظرةً بمجلسِ خِيفةٍ .... حتى تُبدَّلَ خِيفةً بأمانِ

10- لا تغضب .. واحذر محاورك من أن يُثير غضبك .. فالغضب ـ في مواطن الحوار ـ يفقدك الاعتدال .. والتوازن .. ويغلق على ذهنك .. ويخرجك عن حدود اللباقة والأدب .. ويحملك على أن تقول مالا تود قوله في حالة الرضى والاعتدال .. فتندم .. ولات حين مندم!
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- : أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- : أوصني، قال:" لا تغضب "، فردد مراراً؟ فقال:" لا تغضب ".
هذه جملة من الآداب والضوابط التي ترشِّد عملية الحوار .. وتنهض به ـ بإذن الله ـ إلى المستوى المنشود والمرجو من الحوار .. ما رُوعيت وعُومِل بها .. وددنا التذكير بها .. سائلاً الله تعالى القبول .. وأن ينفع بها العباد .. وأن تكون لهم مفتاح خير مغلاق شرٍّ .. إنه تعالى سميع قريب مجيب.

وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلَّم


ملاحظة : متى ما تم الاتفاق بيني وبين المحاور على هذه الشروط فأنا مستعد للحوار معه ..

الصواعق
13-04-06, 05:20 PM
بارك الله فيك

على فكرة
لا تفوتك مواضيعي .. ماتشوف إلا السب والطعن والقذف
ههههههههه ويرد عليك يقول لي : رد علي وحاورني .. وناقشني


أصبح السب واللعن هو حوارنا .. للأسف
عاد توي كتبت موضوع .. نشوف صرفة مع هؤلاء البرابرة

حيدره الجنوبي
13-04-06, 05:27 PM
جزاك الله خير اخي الصواعق

كذلك الحال معي دخلت في منتدى الاسهم اتحدث عن حالها تتبع احدهم مقالي وقام بالسب

لكن ماذا نقول لهم المصيبه انهم لا يعرفون الا سياسة السب والشتم ولا تجد لديهم جواب لسؤالك او نقاش لموضوعك

وكل هدفهم انك مخرب او خارجي او موقد فتنه ولا حول ولا قوة الا بالله

متى ما اتفق البرابرة على النقاش وعلى الشروط قبلنا النقاش في موضوع واحد يكون واضع عنوان الحوار ادارة المنتدى لكي تكون

هي المنظم لها ويكون هناك ترتيب في سرد الأفكار والاسئلة ..

والله ولي التوفيق وهو خير معين ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المأمون
13-04-06, 06:11 PM
]اخي حيدره الجنوبي

لم يعتاد الكثيرون على الحوار وأدب الحوار والاختلاف.. اعتاد معظمنا على تلقي الامر والموافقة...والا فالثبور وعظائم الامور...فالمتحاور يجب أن يكون صادقا مع نفسه ومع الاخرين ولا يبغي الا وجه الله .. فإنه إن لم يصل مع محاوره للحقيقية التي يختلفان عليها. ..( لايهم من هو صاحبها... لكن المهم الحقيقة المجردة)...فإنهم بالتأكيد سيستفيد كل منهما من المعلومات التي بثها الطرف الاخر... أما القارئ فإنه سيكون له رأيا... على الاقل إت الاطراف الثلاث تعلمت من الحوار وسمت.. الى افاق حضارية ..
وما الحوار الا هو المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة...

ان لم يقتنع اي من الطرفين برأى الآخر .. فإن الفائدة العظمى ان الجميع بدا يشغل عقله ويفكر ويقرأ ويطلع ليصل للحقيقة... وحتما ان لم تكن لدي الطرفين المتتحاورين فإن القاريء ربما يشارك ويأتي بالحقيقة أو الرأى السليم...

هذا هو طريق الحوار... ليس فيه اشلاء ولا دماء... ولا غضب أو سب ولعان...
به وحده يتقدم الجميع...

اخوكم: المأمون[/SIZE]..

يافا
13-04-06, 06:27 PM
7- عدم السماح للطرف المخالف بأن يطرح مسألة ثانية أو ثالثة أو أكثر قبل أن تُحسم المسألة الأولى، ويحصل عليها اتفاق معين.
فإن إقحام عشرات المسائل بعضها فوق بعض، ومن دون أن تُعطى كل مسألة حقها من البحث والنقاش، يترتب عليه محاذير عدة:
منها: عدم إنصاف المسائل المطروحة .. فينتهي المجلس وينفض المتحاورون .. من دون أن تُحسم أية مسألة من المسائل التي طُرحت!
ومنها: أن طرح عشرات المسائل المختلفة .. يؤثر سلباً على موضوع الحوار الذي انعقد الحوار لأجله!
ومنها: أن طرح المسائل العديدة بعضها فوق بعض .. يشوش على طرفي الحوار أو أحدهما .. ويفقده التركيز على الجواب الصحيح!
كما ويشوش على السامعين أو المراقبين للحوار .. ويفقدهم القدرة على التركيز على موضوع معين .. أو الموضوع الذي انعقد لأجله الحوار!




موضوع قيم ومفيد وجاء بوقته ويستحق التتبيث

اتمنى الالتزام بادبيات الحوار لانه فن لايجيده الكثير منا مع كل الأسف

لاننا ببساطة شديدة -ورغم النصوص الصريحة التي جاء بها ديننا الحنيف ليعلمنا هذا الفن الراقي في مخاطبة الناس ومن يخالفونا فكرا وعقيدة- الا اننا تعودنا القمع وسياسة الرأي الواحد من حكامنا وولاة امورنا بدءا بالبيت وصولا لمراكز صنع القرارات المصيرية
وحتى عندما نستنكر ونطالب بالحوار فاننا لانتقنه بل لانتقبله

خالص الشكر والتقدير لصاحب الموضوع

الراقي
13-04-06, 09:52 PM
مرحباً أخي حيده الجنوبي ,,

بدايةً أشكرك على هذه المشاركه القيمه

ونتمنى من الجميع التقيد بآداب الحوار والنقاش من
أجل أن تكون حواراتنا حضاريه نخرج منها بالكثير
من الفوائد والمعرفه ..

أما التجاوزات والمخالفات وتحويل الحوارات إلى مهاترات
يستخدم من خلالها ابشع العبارات فهذا الأمر مرفوض ولا يتناسب
مع اخلاقنا الإسلاميه التي تربينا عليها بل يسيء لنا جميعاً ..

وإن شاءالله يستفيد الجميع من هذه الملاحظات وتعود حواراتنا
كما كانت في السابق نجني من خلالها الكثير من الفائده والمعرفه ..


دمتم بخير ,,,

النمر الاسود
13-04-06, 10:55 PM
جزاك اللة خير

حيدره الجنوبي
14-04-06, 02:13 AM
أخواني المأمون ..... يافا ....... الراقي ...... النمر الاسود

جزاكم الله الجنة

وكل شخص من الأخوه يتمنى ان يجد من محاوره الترحاب به فهو أخوه في نهاية المطاف

alfifi94
14-04-06, 03:31 PM
تحياتي لك اخي الكريم على هذا الموضوع وكم هو رائع ولكن تحتاج الأمة الى وقت - اسأل الله الا يكون طويلاً - لمعرفة الحوار وفنونه ولكن الصبر جميل للوصول الى المأمول

حيدره الجنوبي
15-04-06, 12:53 AM
تحياتي لك اخي الكريم على هذا الموضوع وكم هو رائع ولكن تحتاج الأمة الى وقت - اسأل الله الا يكون طويلاً - لمعرفة الحوار وفنونه ولكن الصبر جميل للوصول الى المأمول

alfifi94

جزاك الله الجنة على مرورك وعلى قولك نعم نسأل الله الا يكون طويلاً

آخر مطاف
15-04-06, 02:08 AM
ادب الحوار للشيخ سلمان العوده حفظه الله

لقد رأيت السب والشتم لهذا الشيخ المحدث المفكر الداعيه الاسلامي

من بعض الاعضاء الهمجيين
فبعلمة وادبه اللمحدود افتخر بما يكتبه ويقوله
في الاداب والاخلاقيات الاسلاميه

واليكم


مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أمَّا بعد:
فعنوان هذه الرسالة: "أدب الحوار"(1) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(1)).
وموضوع أدب الحوار مع الآخـرين كبير وخطير؛ فالخلاف بين الناس أمر طبيعي مشهور، وللخلاف في أمور الدين والشرع أسباب كثيرة، منها:
- أن دلالة بعض النصـوص الشرعية ظنية، وليست قطعية فتحمل أكثر من اجتهاد في تحديد معناها.
- اختلاف العقول والأفهام، وتفاوت المدارك.
- تفاوت العلم؛ فهذا عالم، وهذا أعلم، وهذا أقل.. قال تعالى: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف:76].
- عدم بلوغ الدليل فيقول العالم القول ولو بلغة الدليل في المسألة لما قال به .
- الهوى والتعصب لقول، أو مذهب، أو رأي، أو شيخ(2) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(2)).

مسالك الناس في حل الخلاف
وحينما يختلف الناس -سواء كانت اختلافاتهم كلية أو جزئية-؛ فإنهم يسلكون في معالجة هذا الخلاف مسالك شتى منها :
- الحرب:
فالحرب تكون -أحيانًا- وسيلة لحل الخلاف، وإنهاء الخصومات، وإثبات الحجة، إلا أنها لا تصلح أن تكون الحل الأول في ذلك؛ إذ إننا نجد أن كثيرًا من المبادئ والنظريات التي قامت على القوة، وعلى الحديد والنار -كما يقال-، سرعان ما تهاوت وسقطت.
وحال الشيوعية اليوم خير شاهد على ذلك، فقد قامت بالحديد والنار، وكانت أجهزة الـ (KGB) -وهي أجهزة المخابرات السوفيتية- تلاحق المنشقين والمعارضين والمحاربين بكافة الوسائل، وتجند مئات الألوف من العملاء، فضلاً عن الكثافة العددية لقوات الاتحاد السوفيتي العسكرية، والتي تعتبر أكثر من ثلاثة أضعاف القوات في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم كل هذا البطش والإرهاب، فقد سقطت الشيوعية خلال أقل من ثمانين عامًا.
على حين أن الوجه الآخر للحضارة المادية المنحرفة -وهو وجه الرأسمالية- لا زال حيًّا ، وربما قويًّا ممكنًا في الأرض، وما ذلك لأنه مؤمن بالله عز وجل؛ ولكن لأنه سلك الأسلوب الذي يمكن التعبير عنه بأنه الأسلوب الديموقراطي، وذلك على الأقل في بعض أساليبه وطرائقه ومعاملاته لشعوبه، فكان أرسخ وأبقى من النمط الشيوعي الشرقي المتعسِّف.
أما في الإسلام، فإن المسلمين وإن شنّوا حروبًا ضد أعدائهم، لكن هذه الحروب لم تكن بهدف إكراه أحد على الدخول في الإسلام، فقد قال الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة:256]؛ بل كانت بهدف إزالة الطواغيت التي تحول بين الناس وبين الدخول في الدين، أو تضغط عليهم وتكرههم على ترك دينهم الحق، والدينونة بالكفر.
ولم يحفظ التاريخ أن المسلمين أكرهوا شخصًا واحدًا على الدخول في الإسلام؛ ومما يمكن أن نلحقه بالحروب كل صور المفاصلة بسبب الرأي بما في ذلك التباغض والتهاجر ومناصبة العداء ونحو ذلك من صور المغالبة .
- الحوار:
وكما سبق أن تناولنا موضوع الجهاد في سبيل الله وأحاديثه ومجالاته في رسالة "حي على الجهاد"، فإننا نتناول في هذه الرسالة الوجه الآخر من أساليب معالجة الخلاف، وهو الحوار، سواء مع الكافر بهدف دعوته إلى الإسلام، أو مع المسلم، وذلك من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: الحوار أقوى من الكلاشينكوف.
المبحث الثاني: أهمية الحوار.
المبحث الثالث: قواعد الحوار وأصوله.
المبحث الرابع: صفات المحاور.
المبحث الخامس: آفات في الحوار.
المبحث السادس: آداب الحوار الصحيح.
المبحث السابع: أمثلة من الحوارات.

المبحث الأول
الحوار أقوى من البندقية

إن الحوار يكون -أحيانًا- أقوى من الأسلحة العسكرية كلها؛ لأنه يعتمد على القناعات الداخلية الذاتية؛ بل ربما أفلح الحوار فيما لا تفلح فيه الحروب الطاحنة.
وفيما يلي حادثتـان تاريخيتان قديمتـان تدلان على ذلك. وكلا الحادثتين تتعلق بطائفة من الخوارج، ومن المعروف في تاريخ الإسلام أن الخوارج من أكثر الناس ضراوة وقوة، وشجاعة وبسالة في الحروب، مما جعل الناس يرهبونهم.
حتى نساء الخوارج، كن يبدين من ضروب البسالة والشجاعة في الحروب ما تدهش له العقول له:
فلننظر كيف فعل بهم الحوار؟!
- الموقف الأول:
ذكر الباقلاني، والسكوني، والشاطبي، وغيرهم، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعث ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج المسمين بالحرورية، فذهب إليهم ابن عباس رضي الله عنه، وعليه حلة جميلة، فلما أقبل، قالوا له: يا ابن عباس، ما الذي جاء بك؟ وما هذه الثياب التي عليك؟
- فقال: أما الثياب التي عليَّ، فما تنقمون مني؟ فوالله، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليه حلة ليس أحد أحسن منه، ثم تلا عليهم قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات منَ الرِّزْق قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالصَةً يَوْمَ الْقيَامَةِ) [الأعراف:32].
- قالوا: ما الذي جاء بك يا ابن عباس؟
- قال: جئتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس فيكم أنتم يا معشر الخوارج واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجئتكم من عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: علي بن أبي طالب-، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله، جئت لأبلغكم عنهم، وأبلغهم عنكم، فأنا رسول -أي وسيط- بينكم وبينهم.
- قال بعضهم: لا تحاوروا ابن عباس، لا تخاصموه، فإن الله تعالى يقول عن قريش: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف:58]، فلما خافوا من الهزيمة قالوا: اتركوا هذا، هذا جدل إنسان خَصِم! وقال بعضهم: بل نكلمه، ولننظر ماذا يقول؟
- قال ابن عباس رضي الله عنه: فكلمني منهم اثنان أو ثلاثة، فقال لهم: ماذا تنقمون على علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟
- قالوا: ننقم عليه ثلاثة أمور.
- قال: هاتوا.
- قالوا: الأول: أن علي بن أبي طالب حكَّم الرجال في كتاب الله، يعني: بعث حكمًا منه، وحكمًا من معاوية رضي الله عنه، وقصة التحكيم معروفة(3) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(3))، والله تعالى يقول: (إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ) [الأنعام:57].
- قال: هذه واحدة فما الثانية؟
- قالوا: الثانية: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل ولم يسْبِ، -أي قاتلهم وما سبى نساءهم-، فلئن كانوا مسلمين فقتاله حرام، ولئن كانوا كفارًا فلماذا لم يسبهم؟
- قال: وهذه أخرى، فما الثالثة؟
- قالوا: الثالثة: أنه نزع نفسه من إمرة المؤمنين لمـَّا كتب الكتاب، فلم يكتب أمير المؤمنين؛ بل قال: علي بن أبي طالب. - قال: أوقد فرغتم؟
- قالوا: نعم.
- قال: أما الأولى: فقولكم: حكَّم الرجال في كتاب الله تعالى، فإن الله تعالى يقول في محكم التنـزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ) [المائدة:95]، فذكر الله تعالى حكم ذَوَيْ عدل فيما قتله الإنسان من الصيد، سألتكم الله تعالى! التحكيم في دماء المسلمين وأموالهم أعظم، أم التحكيم فيما قتله الإنسان من الصيد؟
- قالوا: لا؛ بل التحكيم في دماء المسلمين وأموالهم أعظم.
- قال: فإن الله تعالى يقول في كتابه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) [النساء:35]، ناشدتكم الله تعالى! التحكيم في دماء المسلمين وأموالهم أهم، أو التحكيم في بُضع امرأة؟
- قالوا: لا، التحكيم في دماء المسلمين وأموالهم.
- قال: انتهت الأولى؟
- قالوا: نعم، فالثانية؟
- قال: أما الثانية، فقولكم: قاتل ولم يسْبِ، هل تسْبون أمكم عائشة رضي الله عنها -لأنها كانت في الطرف الآخر-، وتستحلون منها ما يستحل الرجال من النساء، إن قلتم ذلك كفرتم، وإن قلتم ليست بأمِّنا كفرتم -أيضًا-؛ لأنها أم المؤمنين، فاستحيوا من ذلك وخجلوا.
- قالوا: فالثالثة؟
- قال: أما قولكم: خلع نفسه من إمارة المؤمنين، وإذا لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عقد كتاب الصلح مع أبي سفيان وسهيل بن عمرو في صلح الحديبية، قال: "اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب اسمك واسم أبيك، فمحا النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة، وقال: "اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله (4) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(4)).
فرجع منهم عن مذهب الخوارج ألفان، وبقيت بقيتهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه(5) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(5)).
فانظر كيف أثَّر الحوار الهادئ القوي العميق في مثل هذه الرؤوس اليابسة الناشفة، حتى رجع منهم ألفان إلى مذهب أهل السنة والجماعة في مجلس واحد لم يستغرق ربع ساعة.

- الموقف الثاني:
وهو أيضًا يتعلق بطائفة الخوارج العنيدة.
فإنه لما بقيت منهم في الموصل بقية، كتب إليهم عمر ابن عبد العزيز رحمه الله -الخليفة الأموي العادل- ينكر خروجهم، ويقول لهم: "أنتم قليل أذلة"، فردُّوا عليه وقالوا: أما قولك: إنا قليل أذلة، فإن الله تعالى يقول لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأََرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26]، فردوا عليه بذلك.
فوجَّه إليهم عمر بن عبد العزيز فقيهًا اسـمه: عون ابن عبد الله، وهو أخو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين.
- فقال لهم عون بن عبد الله: إنكم كنتم تطلبون حاكمًا في مثل عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلمَّا جاءكم هذا الحاكم كنتم أنتم أول من نفر عنه وحاربه.
- قالوا: صدقت، ولكنه لم يتبـرأ ممن قبله ولم يلعنهـم، فلم يلعن علي بن أبي طالب، ولا معاوية، ولا بني أمية؛ لذا فنحن نحاربه -وهذا هو مذهب الخوارج-.
- قال لهم: كم مرة في اليوم تلعنون فيها هامان؟
- قالوا: ما لعنّاه قط!
- قال: أيسعكم أن تتركوا لعن وزير فرعون الطاغية، والمنفذ لأوامره، والذي بنى صرحه بأمره، ولا يسعكم أن تتركوا لعن أهل قبلتكم، إن كانوا أخطأوا في شيء، أو عملوا بغير الحق؟!!
فسكتوا ورجع منهم طائفة كبيرة.
فَسُرَّ بذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وقال لهذا الرجل: لماذا لم تحتجّ عليهم بعدم لعن فرعون؟ - قال: لو قلت لهم: لماذا لا تلعنون فرعون؟ ربما قالوا: إننا نلعنه، أما هامان فقلَّ من يلعنه علىألسنة الناس، فلذلك اخترته.
فسكت هؤلاء الخوارج، حتى خرجوا في ولاية يزيد ابن عبد الملك، فقاتلهم(6) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(6)).
والشاهد هنا كما يقول السكوني في (عيون المناظرات): "فكانت حجة عمر أبلغ من قتالهم بالسيف".
وهكذا يتبين أن الحجة القوية، والحوار الهادئ المقنع الرزين، من صاحب عقل وفهم وعلم، يفعل في كثير من الأحيان ما لا تفعله السيوف ولا المدافع والطائرات .

المبحث الثاني
أهمية الحوار

تبرز أهمية الحوار من جانبين:
الجانب الأول: دعوة الناس إلى الإسلام والسنة:
فتعقد لذلك محاورات مع غير المسلمين؛ لإقناعهم بأن دين الله تعالى حق لا شك فيه، أو مع مبتدعين منحرفين عن السنة؛ لدعوتهم إلى السنة، وأمرهم بالتزامها.
والقرآن الكريم حافل بنماذج من مثل هذه الحوارات التي جرت بين أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وبين أقوامهم، حتى إن قوم نوح قالوا له: (يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود:32]، فأكثر جدالهم حتى تبرَّموا من كثرة جداله لهم، والجدال نوع من الحوار.
إننا بحاجة إلى أن نحاور أصحاب المذاهب والنظريات والأديان الأخرى؛ بهدف دعوتهم إلى الله تعالى، فالحوار وسيلة من وسائل الدعوة.
ولا يجوز أبدًا أن نعتقد -كما يعتقد الكثيرون- أن العالم اليوم يعيش حالة إفلاس من النظريات والعقائد والمبادئ والمثل، فهذا غير صحيح؛ بل العالم اليوم يعيش حالة تخمة من كثرة النظـريات والمبادئ والعقائد والمثل والفلسـفات وغيرها، صحيح أنها باطلة، ولكن هذا الركام الهائل من الباطل مدجج بأقوى أسلحة الدعوة والدعاية، والدعاة الذين تدرَّبوا وتعلَّموا كيف يدافعون عن الباطل حتى يصبح في نظر الناس حقًّا.
أما أهل الحق فكثير منهم لا يحسن الطريقة المثلى للحوار؛ لإقناع الخصم بما لديه من الحق والسنة .
وقد لا يحسن هؤلاء أن يناقش بعضهم بعضًا، إلا من خلال فوهات المدافع والبنادق، فإن لم يملكوها، فمن خلال الأفواه التي تطلق من الكلمات الحارة الجارحة، ما هو أشد فتكًا من الرصاص والقذائف.
إذن، فإن الهدف الأول من الحوار هو دعوة الكفار إلى الإسلام، أو دعوة الضالين من المبتدعة إلى السنة.

الجانب الثاني: فصل الخلاف في الأمور الاجتهادية:
فالحوار يُعد وسيلة للوصول إلى اليقين والحق في مسألة اجتهادية اختلفت فيها أقوال المجتهدين، فيتكلم اثنان في محاورة أو مناظرة للوصول إلى الحق في مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح، أو إجماع لا يجوز تعديه.
وليس من الضروري -أيها القارئ الكريم- أن تعتقد أن نتيجة الحوار لابد أن تكون إقناعك الطرف الآخر بأن ما عندك حق، وما عنده باطل، فليس هذا بلازم، فقد تقنع إنسانًا بذلك، فإن لم تتمكن، فأقل شيء تكسبه من الحوار - إذا التزمتَ بالشروط الموضوعية له - أن يعلم خصمك أن لديك حجة قوية، وأنك محاور جيد، وأن يأخذ انطباعًا بأنك موضوعي متعقل، بعيد عن التشنج والهيجان والانفعال.
فكثير من الناس يظنون أن الآخرين لا يملكون الحق، وليس عندهم شيء، وأنهم مجرد مقلِّدين، فإذا حاوروهم وناظروهم علموا أن لديهم حججًا قوية، فأقل ما تكسبه أن تجعل أمام مناظرك علامة استفهام.
فقد تلتقي بنصراني داعية إلى النصرانية، فتناقشه، فمن المحتمل أن يسلم، وهذا خير كثير، وهو أرقى وأعلى ما تتمناه، لكن قد لا يسلم، فهل تعتبر أنك قد خسرت المناظرة؟ لا؛ لأنه وإن لم يسلم، فربما صار عنده تفكير في الإسلام يدعوه إلى أن يبحث، ثم قد يسلم ولو بعد حين، وإذا لم يفكر في ذلك، فعلى الأقل صار عنده شكوك في دينه، وإذا لم يحصل هذا، فعلى أقل تقدير فتر شيء من الحماس الذي كان يحمله لدينه، وصار عنده تردد في مذهبه الباطل.
ونحن نجد أن المسلمين الذين يكثرون الاحتكاك بأهل الكتاب أو بالمنحرفين عن الإسلام ويسمعون منهم الكثير؛ نجد أن هؤلاء المسلمين وإن لم يتركوا دينهم إلا أن حماسهم يقل ويفتر لدينهم حتى وهم على الحق؛ وذلك من كثرة ما سمعوا من أعدائه، فما بالك بأهل الباطل إذا سمعوا نقد باطلهم؟ لابد أن يفتر حماسهم له، أو يشكّوا فيه، أو يتراجعوا عنه.

الجدال المحمود:
الحوار والجدال والمناظرة كلها ألفاظ متقاربة لمعنى واحد، وإن كان أكثر ما جاء من لفظ الجدال في القرآن الكريم يطلق على الجدال المذموم، كما في قوله تعالى: (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) [الكهف:56].
ولكن جاء لفظ الجدل في القرآن أيضًا في مواضع محمودة، وهي:
- قوله تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت:46]، فهذا جدل بالتي هي أحسن لدعوة اليهود والنصارى إلى الإسلام.
- قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].
- قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود:74]، فكيف جادلهم؟ لما سألهم: أبُعثتم إليهم لإهلاكهم؟ قالوا: نعم. قال: أفيهم مائة مسلم؟ قالوا: لا. قال: أفيهم خمسون مسلمًا؟ قالوا: لا. قال: عشرة مسلمين. قالوا: لا. قال: خمسة مسلمين؟ قالوا: لا. قال: فقوم ليس فيهم هؤلاء جديرون بالإهلاك، فهذا -كما ذكر بعض المفسرين- الجدل الذي حصل من إبراهيم عليه السلام(7) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(7)).
- قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة:1].

المبحث الثالث
قواعد الحوار وأصوله

إن من الضروري أن يتلقَّى المسلم -وخاصة الداعية إلى الله- أسس الحوار وأصوله، في عالم يموج اليوم بالنظريات الكافرة والاتجاهات المنحرفة، فقد أصبح الحوار فنًّا يدرس -أحيانًا- باسم: فن الجدل، وأحيانًا يسمونه: فن المناظرة.
إضافة إلى فن آخر له علاقة كبيرة بالموضوع، وهو ما يسمى بفن العلاقات العامة، الذي تقام فيه دورات لكثير من الموظفين، والمتخصِّصين في العلاقات العامة، والدعاة، وغيرهم .
والعلاقـات العامة تعني: حسن الاتصال بالآخرين؛ لإقناعهم برأي، أو لترويج سلعة من السلع، أو تصحيح فكرة، أو التمهيد لقضية من القضايا من خلال الاتصال بالناس، فهو فن لابد للداعية أن يتعلمه نظريًّا وعمليًّا.
وللحوار قواعد كثيرة، نعرض بعضها فيما يلي:
القاعدة الأولى: تحديد موضوع الحوار:
ينبغي أن يدور الحوار حول مسألة محددة، فإن كثيرًا من الحوارات تكون جدلاً عقيمًا، ليس له نقطة محددة ينتهي إليها، فينبغي أن يكون الحوار أو الجدل (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125] حول نقطة معينة، بحيث يتم التركيز عليها، ولا يتعداها الحوار حتى يُنْـتَهى منها.

القاعدة الثانية: مناقشة الأصل قبل الفرع:
ينبغي ألا يتم التناقش في الفرع قبل الاتفاق على الأصل؛ إذ إن مناقشة الفرع مع كون الأصل غير متفق عليه، تعتبر نوعًا من الجدل العقيم إلا في حالات معينة.
وأضرب أمثلة لحالات يمكن فيها مناقشة الفرع، أو مناقشة الأصل:
فلو جاءك كافر لا يؤمن بيوم الحساب، وأخذ يناقشك في قضية حجاب المرأة المسلمة -مثلاً-، أو في قضية تعدد الزوجات، أو في مسألة الجهاد؛ حيث إن هذه القضايا بالذات هي أكثر القضايا التي يثير حولها الغربيون شبهاتهم؛ لإثارة الفتنة بين المسلمين.
المهم هو كيف تحاور هذا الكافر الذي لا يؤمن بالإسلام؟ هل تناقشه في هذه المسائل إذا حاورك بشأنها؟
بإمكانك هنا أن تحاوره بإحدى طريقتين:
- الأولى: أن تحيل إلى الأصل، فتقول له: إن الجهاد وتعدد الزوجات والحجاب وما على شاكلة هذه القضايا؛ جزء من دين الإسلام، وبدلاً من أن نناقش هذه النقاط ينبغي أن نرجع للأصل، وهو الإسلام، فنتجادل فيه، فإذا اقتنعت بالإسلام، فحينئذ -من باب أولى- أن تقتنع بهذه الأمور، ولا حاجة أن نتجادل فيها، وإذا لم تقتنع بالإسلام، فنقاشي معك في هذه الجزئية يعتبر نوعًا من العبث الذي لا طائل تحته.
- الثانية: يمكنك أن تناقشه بالحجج المنطقية، في نفس الجزئيات التي يجادل حولها.
فمثلاً: إذا تكلم عن تعدد الزوجات، فيمكن أن تجادله في هذا الموضوع بأن تخبره أنه من الثابت علميًّا أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال، وفي (أمريكا) نفسها تصل -أحيانًا- نسبة النساء إلى الرجال مائة وتسعة عشر إلى مائة، وأحيانًا مائة وستين إلى مائة؛ فستون امرأة زيادة على المائة، لمن تكون؟!
فإذا لم نأذن للرجال بتعدد الزوجات، فذلك يعني أن هؤلاء النساء بقين ضائعات بلا أزواج، أو اضطررن إلى ممارسة البغاء والرذيلة، فتعدد الزوجات ضرورة لابد منها؛ لأن نسبة الإناث في أكثر المجتمعات أكثر من نسبة الرجال.
وهكذا، عندما تثبت لهذا الكافر حالات وأوضاعًا يكون تعدد الزوجات فيها أمرًا سائغًا؛ فربما آمن بالإسلام من خلال اقتناعه بهذه الحجج.
وقد بسط القول في الرد على هذه الشبهات الأستاذ محمد قطب في كتابه "شبهات حول الإسلام" بما لا يدع حاجة إلى أن نطيل فيه الآن.

القاعدة الثالثة: الاتفاق على أصل يُرجع إليه:
يجب الاتفاق على أصل يرجع إليه المتحاورون إذا وُجد الخلاف، واحتدم النقاش، وذلك كالاتفاق على الرجوع عند الاختلاف إلى القرآن الكريم، وإلى صحيح السنة، وإلى القواعد الثابتة المستقرة، أو إلى ما كان عليه السلف الصالح -رضي الله عنهم-، المهم أن نتفق على أمور تكون مرجعًا عند الخلاف.
وقد وقعت حادثة حدثني بها جماعة من العلماء منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، والشيخ عبد الله بن قعود، أن جماعة من الشيعة كتبوا إلى مفتي الديار السعودية السابق الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، يطلبون منه أن يعقد مجلسًا للحوار معهم، فَهَمَّ الشيخ محمد بن إبراهيم أن يهمل هذا الطلب وألا يرُد عليهم، فأشار عليه الشيخ عبد الرزَّاق عفيفي بأن هذا الأمر ما دام جاء منهم فينبغي ألا يُهمل؛ لأنهم قد يعتبرون عدم إجابتنا على طلبهم نوعًا من النكول عن المناظرة أو ضعف الحجة.
فالأولى أن نكتب لهم بالموافقة على المناظرة شريطة أن يكون هناك أصلٌ نرجع إليه، ويكون هذا الأصل هو القرآن الكريم، وصحيحي البخاري ومسلم، فكتب لهم الشيخ رحمه الله بهذا المضمون، أنه لا مانع من إجراء الحوار والمناقشة، شريطة أن نرجع في الاختلاف إلى القرآن الكريم، وصحيحي البخاري ومسلم، فلم يرُدوا عليه، ولم يجيبوه إلى ما سأل.
وهذا يبرز أهمية تحديد أصل يُرجع إليه عند الخلاف.

المبحث الرابع
صفات المحاور

أولاً: جودة الإلقاء، وحسن العرض، وسلاسة العبارة:
وقد كان ذلك من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدِّث حديثًا لو شاء العادُّ أن يحصيه لأحصاه،لم يكن يسرد الحديث كسردكم"(8) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(8)).
فعلى المحاور أن يكون هادئًا سلسًا، جيد الإلقاء.

ثانيًا: حسن التصور:
والمقصود من حسن التصور، ألاَّ تكون الأفكار عند المتحدث مشوشة أو متداخلة أو متضاربة، فبعض الناس -لضعف تصوره- ربما يطرح فكرة أثناء النقاش، وبعدما ينتصف في شرحها يتبيَّن له أنها غير صالحة، ولا تخدم الغرض، فينتبه في منتصف الطريق بعدما يكون قد تورَّط في ذلك.

ثالثًا: ترتيب الأفكار:
فالقدرة على ترتيب الأفكار،وتسلسلها، وارتباط بعضها ببعض وعدم تداخلها، أو اضطرابها، مما يثبت حجة المحاور ويقويها.

رابعًا: العلم:
ينبغي أن يكون المحاور ذا علم وقوة وقدرة، فإن بعض المحاورين قد يخـذل الحق بضعف علمه، فرغم أن الحق معه، إلا أنه لم يدعمه بالعلم القوي، فيضع نفسه في غير موضعه.
لذلك فليس كل إنسان مهيأ للحوار، حتى وإن كان صاحب حق، فإنه ربما حاور بهدف نصر الحق فيخذل الحق؛ لضعف علمه وبصيرته، وربما حاور بجهل فيقتنع بالباطل الذي مع خصمه، وربما احتج بحجج باطلة، مثلما يحدث في بعض المناظرات والمحاورات التي تعقد، فلا يقتنع الناس بالحق الذي يحمله.

خامسًا: الفهم مع العلم:
لابد من الفهم وقوة العقل؛ ليدرك المتحدث حجج الخصم، ويتمكن من فهمها، ويعرف نقاط الضعف والقوة فيها، فيقبل ما فيها من حق، ويرد ما فيها من باطل.

سادسًا: الإخلاص:
فينبغي التجرد في طلب الحق وتوصيله إلى الآخرين، بحيث لا يكون همُّ المرء الانتصار لرأيه، وإنما همه طلب الحق وإيصاله للآخرين.

سابعًا: التواضع:
فالتواضع أثناء المناقشة، أو بعد الانتصار على الخصم، من أهم ما ينبغي أن يتحلى به المحاور.

المبحث الخامس
آفات في الحوار

أما الحوار القائم بين كثير من المسلمين بعضهم مع بعض، ففيه عيوب وأخطاء نذكر منها :
أولاً: رفع الصوت:
فكأن الإنسان في غابة تتهارش فيها السباع، ومن لم يكن ذئبًا أكلته الذئاب، فيرى أن انتصاره في الحوار لن يكون إلا عن طريق مبالغته في رفع الصوت على خصمه، والله تعالى يقول: (إِنَّ أَنْكَرَ الأََصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:19].

ثانيًا: أخذ زمام الحديث بالقوة:
وذلك لئلا تدع للخصم فرصة يتحدث فيها، فيهدم بناءك الهش، أو يحطِّم حججك الزجاجية، أو يثير البلبلة في نفوس الناس.
وكأننا في ذلك قد أخذنا بمبدأ الكلمة التي قالها (دايل كارنيجي) في كتابه: "كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء"؛ إذ قال: إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك، ويسخروا منك عندما توليهم ظهرك وتتركهم، فإليك الوصفة: لا تعط أحدًا فرصة للحديث، تكلم بدون انقطاع، وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث، فلا تنتظر حتى يتم حديثه، فهو ليس ذكيًّا مثلك! فلماذا تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث، واعترض في منتصف كلامه، واطرح ما لديك.

ثالثًا: تهويل مقالة الطرف الآخر:
إن البعض يهوِّلون أقوال الآخرين، ويحمِّلون كلامهم من الضخامة ما لا يخطر إلا في نفوس مرضى القلوب، لماذا؟ لئلا يتجرأ أحد على القول بمثل ما قالوا، أو نصرة ما ذهبوا إليه.
فيحاول المحاور -أحيانًا- أن يحيط القول المردود بهالة رهيبة فيقول: هذا القول كفر، وهذا فسق، وهذا بدعة، وهذا خرق للإجماع، وهذا مصادمة للنصوص الشرعية، وهذا اتهام للعلماء، وهذا قول حادث باطل لم يسبق إليه...، ويظل يهوِّل ويطول ويضخم العبارات، بحيث يشعر السامع أنه قول خطير، يجب البعد عنه، وعدم التورط في قبوله، أو الاقتناع بحجة من تكلم به.
وقد لا يكون القول كذلك.
نحن لا ننكر أن من الأقوال ما يكون كفرًا أو فسقًا أو بدعة، ومنها ما يكون مصادمة للنص، أو قولاً حادثًا لم يسبق إليه صاحبه، لكن هذه الأشياء كلها لابد حين يقولها الإنسان أن يثبتها بالدليل الواضح، أما مجرد إطلاق دعاوى فارغة في الهواء، فهذا لا يسمن ولا يغني من جوع.

رابعًا: الاعتداء في وصف الطرف الآخر:
فتصفه بما لا يليق من الأوصاف؛ تأديبًا له وردعًا لأمثاله، فتقول: هذا جاهل سخيف حقير متسرع، وأضعف الإيمان أن تصفه بأنه ليس أهلاً لهذا الأمر.
ولا يكفي هذا فحسب؛ بل لابد من كشف نية هذا الإنسان، فتتهمه بفساد نيته، وسوء طويته، وخبث مقصده؛ بل قد تتهمه بأنه عدو مغرض للإسلام، أو محارب للسنة وأهلها، له أهداف بعيدة من وراء مقالته تلك، أو بأنه عميل للشرق أو الغرب، أو لقوى خارجية أو داخلية...
ونحن لا ننكر -أيضًا- أن من الناس من هو سيء النية والطويَّة خبيث المقصد، ومنهم من هو عدو للإسلام أو السنة؛ بل ومنهم من هو عميل للشرق أو الغرب، أو لقوى بعيدة أو قريبة، لكن حين تُطلق هذه الأشياء، فلابد من الدليل الواضح عليها، ولا يجوز أن نصادر عقولنا، ويُطلب منا أن نقتنع بشيء لم يُسَق عليه أي دليل.
فليس مقصود الحوار تناول شخص بعينه، اللهم إلا إن كان موضوع الحوار أو نقطة الحوار -أصلاً- هي الكلام عن هذا الشخص، فهذا باب آخر.

المبحث السادس
آداب الحوار الصحيح

إن آداب الحوار الصحيح، هي بإيجاز:
أولاً: حسن المقصد:
فليس المقصود من الحوار العلو في الأرض، ولا الفساد، ولا الانتصار للنفس، ولكن المقصود الوصول إلى الحق .
والله تعالى يعلم من قلب المحاور ما إن كان يهدف إلى ذلك أم يهدف إلى الانتصار، والتحدث في المجالس أنه أفحم خصمه بالحجة.
ضع في اعتبارك أنه يحتمل أن يكون الخطأ عندك والصواب عند غيرك، فالله تعالى لم يحابك، ويختصك دون بقية خلقه بالعلم والفهم والإدراك والعقل، فإذا كان عندك حق، فعند غيرك حق، وقد يكون عندك حق كثير، وعنده حق قليل، وقد يكون العكس.
فعلى المسلم أن يطلب الحق بحسن نية، وألا يكون هدفه وهو يسمع كلام خصمه أن يرد عليه متى سكت؛ بل هدفه الوصول إلى الحقيقة، ولهذا كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويُسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه"(9) (http://saaid.net/mktarat/m/14.htm#(9)).
وهذه -والله- أخلاق أتباع الأنبياء؛ لأنه يبتغي إحقاق الحق لا إسقاط الخصم .

حيدره الجنوبي
15-04-06, 11:38 AM
المسافر4 جزاك الله الجنة على ما اوردته عن الدكتور

سيف العداله
20-04-06, 02:39 PM
ما قصرت اخوي حيدره:)