الصواعق
09-08-05, 06:11 AM
السلام عليكم
أخواني الرثاء .. هو أجمل الشعر فهو يحمل أصدق العاطفة لدى الإنسان .. فظاهره التفجع بين الحسرة مخلوطاً بالتلهف
والأسف والإستعظام إن كان الميت ملكا أو رئيسا .
المهم أنا بذا الموضوع مابي أتفلسف عليكم .. وأشرح الرثاء شرح
لكن .. بجيب قصائد تتكلم عن الرثاء بأصدق رواية
فيها من التفجع .. والأسى مايشج النفس
طبعا ماراح أتكلم عن المشورين بالرثاء كأبي تمام .. وديك الجن .. والخنساء .. وليلى الأخليلة .. وغيرهم
لأن شعرهم أشهر من ان تروى وأن تقال .. ولكن هذه القصائد جميلة .. ومعروفة لدى الخاصة من الادباء النجباء
ومن لديهم الإطلاع الكثير لكتب الشعر .. وأنا أقدمها لكم .. كجهد بسيط لكم
واحاول أن أحبب إليكم الأدب .. بكل فنونه
قال مسلم بن الوليد يرثي الفضل بن سهل ذا الرئاستين:
وهلت فلم أمتع عليك بعبـرةٍ = وأكبرت أن ألقى بيومك ناعيا
فلمّا رأيت أنّـه لاعـج الأسـى = وأن ليس إلاّ الدّمع للحزن شافـيا
بعثت لك الأنواح فارتجّ بـينـهـا = نوائح يندبن العلى والمـسـاعـيا
أللبأس أم للجـود أم لـمـقـاومٍ = من الملك يزحمن الجبال الرّواسيا
فلم أر إلاّ قبل يومك ضـاحـكـاً = ولم أر إلاّ بعـد يومـك بـاكـيا
وقال أيضا من مرثية له .. ويقال أن بيته أرثى ماقالته العرب :
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه = فطيب تراب القبر دلّ على القبر
وقال إبراهيم بن المهدي يرثي ابناً له أصيب به بالبصرة وهو واليها. وكان فيما يؤثر عنه يستحق أن يرثي وأن يوصف، وشعره هذا يستحق أن يبكي القلوب، ويستنزل الدموع لحسن لفظه، وصحة معناه، وشرف قائله، وأنه إذا سمع علم أنه عن نية صادقة. قال:
نأى آخـر الأيّام عـنـك حـبــيب = فلـلـعـين سـحٌّ دائمٌ وغــروب
دعته نـوىً لا يرتـجـى أوبةٌ لـهـا = فقلبـك مـسـلـوبٌ وأنـت كـئيب
يؤوب إلـى أوطـانـه كـلّ غـائبٍ = وأحمد فـي الـغـيّاب لـيس يؤوب
تبـدّل داراً غـير داري وجـــيرةً = سواي وأحداث الـزّمـان تـنـوب
أقام بها مسـتـوطـنـاً غـير أنّـه = على طول أيّام الـمـقـام غـريب
تولّى وأبقى بـينـنـا طـيب ذكـره = كباقي ضياء الشّمس حـين تـغـيب
خلا أنّ ذا يفـنـى ويبـلـى وذكـره = بقلبي على طول الزّمـان قـشـيب
كأن لم يكن كـالـدّرّ يلـمـع نـوره = بأصدافه لـمّـا تـشـنـه ثـقـوب
كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضّحى = سقاه النّدى فاهتـزّ وهـو رطـيب
كأن لم يكن زين الفناء ومعقل النّـسـ = ـاء إذا يومٌ يكـون عـــصـــيب
وريحان قلبـي كـان حـين أشـمّـه = ومؤنس قصري كـان حـين أغـيب
قليلاً مـن الأيّام لـم يرو نـاظـري = بها منه حتّى أعلـقـتـه شـعـوب
كظلّ سحابٍ لـم يقـم غـير سـاعةٍ = إلى أن أطاحته فـطـاح جـنـوب
أو الشّمس لمّا عن غمامٍ تـحـسّـرت = مساءً وقـد ولّـت وحـان غـروب
كأنّي به إذ كنت في الـنّـوم حـالـمٌ = نفى لذّة الأحـلام عـنـه هـبـوب
فلست خطوب الدّهر أحفـل بـعـده = ولو كان ما مـنـه الـولـيد يشـيب
ولا لي شيءٌ عنه مـا عـشـت لـذّةٌ = ولو نلت ما هبّت عـلـيه هـبـوب
وكان نصيب العـين مـن كـلّ لـذّةٍ = فأضحى وما للعين منـه نـصـيب
وكان وقد آزى الرجـال بـعـقـلـه = فإن قال قولاً قال وهـو مـصـيب
بما تتهاداه الـرّكـاب لـحـسـنـه = ويفحم منه الـكـهـل وهـو أريب
وكانت يدي ملأى به ثمّ أصـبـحـت = بعدل إلهي وهـي مـنـه سـلـيب
وكنت به في الـنّـائبـات إذا عـرت = وظهري ممتدّ الـقـنـاة صـلـيب
بحال الّذي يجتاحه الـسّـيل بـغـتةً = فيفـتـقـد الأدنـين وهـو حـريب
جمعت أطبّاء العراق فـلـم يصـب = دواءك منهم في الـبـلاد طـبـيب
ولم يملك الآسون دفعـاً لـمـهـجةٍ = عليها لأشـراك الـمـنـون رقـيب
سأبكيك ما أبقت دموعـي والـبـكـا = بعـينـيّ مـاءً يا بـنـيّ يجــيب
وما لاح نجمٌ أو تـغـنّـت حـمـامةٌ = أو اخضرّ في فرع الأراك قضـيب
وأضمر إن أنفـدت دمـعـي لـوعةً = عليك لها تحت الضّـلـوع وجـيب
حياتي ما كانت حياتـي فـإن أمـت = ثويت وفي قلبـي عـلـيك نـدوب
يعـزّ عـلـيّ أن تـنـالـــك ذرّةٌ يمسّك= منها فـي الـمـمـرّ دبـيب
وما زال إشفاقـي عـلـيك عـشـيّةً = حواك بها بعـد الـنّـعـيم قـلـيب
وما زال إشفاقـي عـلـيك عـشـيةً = وسادك فـيهـا جـنـدلٌ وجـبـوب
فما لي إلاّ الـمـوت بـعـدك راحةٌ = وليس لنا في العيش بـعـدك طـيب
قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي = أخوك، ورأسي قد علاه مشيب
فأصبحت في الهلاّك إلاّ حشاشةً = تذاب بنار الشّوق فهي تـذوب
تولّيتما في حجّةٍ فتـركـتـمـا = صدىً يتولّـى تـارةً ويثـوب
ولا رزء إلاّ دون رزئك رزؤه = ولو فتّتت حزناً عليك قـلـوب
وإنّي وإن قدّمت قبلي لعـالـمٌ = بأني وإن أبطأت منك قـريب
وإنّ صباحاً نلتقي في مـسـائه = صباحٌ إلى قلبي الغداة حبـيب
طبعا .. شفتوا شلون هالقصيدة تفطر القلب
وقال عبدالملك الزيات الشاعر الوزير ..يرثي جاريه كانت له ..
فرثاها ببيتين هما جاريان على ألسن الناس مشهوران:
يقول لي الخلاّن لو زرت قبرهـا = فقلت: وهل غير الفؤاد لها قبر ؟
على حال لم أحدث فأجهل عهدها = ولم أبلغ السّنّ الّتي معها الصّبـر
ورثاها فقال شعراً يقرب من القلب، ويضطر إلى تصديقه، ويرتاح لعهد قائله، ويرحم لشكوى بثه وهو:
ألا من رأى الطّفل المفارق أمّه = بعيد الكرى عيناه تنسكبـان ؟
رأى كلّ أمٍّ وابنـهـا غـير أمّـه = يبيتان تحت الـلّـيل ينـتـجـيان
يرنّ بصوتٍ فضّ قلبي نـشـيجـه = وسحّ دمـوعٍ ثـرّة الـهـمـلان
وبات وحيداً في الفراش تـحـثّـه = بلابل قـلـبٍ دائم الـخـفـقـان
ألا إنّ سجلاً واحداً إن هـرقـتـه = من الدّمع أو سجلين قد شفـيانـي
فلا تلحياني إن بـكـيت فـإنـمـا = أداوي بهذا الـدّمـع مـا تـريان
وإنّ مكاناً في الثّرى خـطّ لـحـده = لمن كان من قلبي بكـلّ مـكـان
أحقّ مكانٍ بـالـزّيارة والـهـوى = فهل أنتما إن عجت منتـظـران ؟
فهبني عزمت الصّبر عنها لأنّـنـي = جليدٌ، فمن بالصّبر لابن ثـمـان ؟
ضعيف القوى لا يطلب الأجر حسبةً = ولا يأتسي بالنّاس في الـحـدثـان
ألا من أمنّـيه الـمـنـى وأعـدّه = لعـثـرة أيّامٍ وصـرف زمـان ؟
ألا من إذا ما جئت أكرم مجلـسـي = وإن غبت عنه حاطني وكفانـي ؟
فلم أر كالأيّام كيف تـصـيبـنـي = ولا مثل هذا الدّهر كيف رمانـي
ولا مثل أيّامٍ فجعـت بـفـقـدهـا = ولا مثل يومٍ بـعـد ذاك دهـانـي
أعينيّ إلاّ تسعدا الـيوم عـبـرتـي = فبئس إذن ما في غـدٍ تـعـدانـي
أعينيّ إن أنع الـسّـرور وأهـلـه = وعهد الصّبا عندي فقد نـعـيانـي
أعينيّ إن أبك البشاشة والـصّـبـا = فقد آذنا مـنّـي وقـد بـكـيانـي
ألا إنّ بيتـاً لـم أزره لـشـدّ مـا = تلبّس من قلبـي بـه وعـنـانـي
ألا إنّ بيتـاً لـم أزره لـعـزّ مـا = تضمّن منه في الثّرى الكـفـنـان
هذه القصيدة تتكلم عن نفسها
أما القصيدة الاجمل
وأنا كتبت الموضوع علشانه
وبيكون ختامها مسك
قال عبد الصمد بن المعذل يرثي سعيد بن سلم. وشهرة أفعال سعيد وبعد صيته في عقله وأدبه، وجاهه وقدره، وكثرة معروفه وتمكنه من الخلفاء، تغني عن ذكر شيء من أفعاله:
ما للسّماء عليه ليس تـنـفـطـر = وللكواكب لا تهوي فتـنـتـثـر ؟
وللبـلاد ألا تـسـمـو زلازلـهـا = والرّاسيات ألا تردى فتنقـعـر ؟
إنّ النّدى وأبا عمروٍ يضمـهـمـا = قبرٌ ببغداد يستسقى به الـمـطـر
لله حـزمٌ وجـودٌ ضـمّـه جـدثٌ = ومكرماتٌ طواها التّرب والمـدر
يا طالبـاً وزراً مـن ريب حـادثةٍ = أودى سعيدٌ فلا كـهـفٌ ولا وزر
أبكى عليك عيون الحيّ مـن يمـنٍ = ومن ربيعة ما تبكي لـه مـضـر
كلّ الـقـبـائل قــد ردّيت أرديةً = من فضل نعماك لا يجزي بها شكر
ما خصّ رزؤك لا قيساً ولا مضراً = إنّ الرّزيّة معمومٌ بهـا الـبـشـر
لو كان يبكي كتاب اللـه مـن = أحـدٍ لطول إلفٍ بكتك الآي والـسّـور
أبو الأرامـل والأيتـام لـيس لـه = إلاّ مراعاتـهـم هـمٌّ ولا وطـر
للهاربين مصـادٌ غـير مـطّـلـعٍ = وللعفاة جنابٌ مـمـرعٌ خـضـر
إذا أبرز الخوف الكعـاب فـإنّـهـم = مصادٌ لمن يأوي إليهم ومـعـقـل
من كلّ أفقٍ إليه العيس مـعـمـلةٌ = وكلّ حيٍّ علـى أبـوابـه زمـر
مشيّعٌ لا يفوت الذّحـل صـولـتـه = وأكرم النّاس عفواً حـين يقـتـدر
لا يزدهيه لغير الحقّ مـنـطـقـه = ولا تناجيه إلاّ بالتّـقـى الـفـكـر
ثبتٌ على زلل الأيّام مـضـطـلـعٌ = بالنّائبات لصعب الدّهر مقـتـسـر
سامي الجفوني يروق الطّرف منظره= وأطهر النّاس غيباً حين يخـتـبـر
الحلم يصمته والـعـلـم ينـطـقـه = وفي تقى الله مـا يأتـي ومـا يذر
لم تسم همّتـه يومـاً إلـى شـرفٍ = إلاّ حباه بما يسمو لـه الـظّـفـر
يعطيك فوق المنى من فضل نـائلـه = وليس يعطيك إلاّ وهـو مـعـتـذر
يزيد معروفـه كـبـراً ويرفـعـه = أنّ الجسيم لديه منـه مـحـتـقـر
وليس يسعى لغير الحمد يكـسـبـه = وليس إلاّ من المـعـروف يدّخـر
عفّ الضّمير رحيب الباع مضطلـعٌ = لحرمة الله والإسلام مـنـتـصـر
ما انفكّ في كلّ فـجٍّ مـن نـدى يده = للنّاس جودان: محويٌّ ومنـتـظـر
لو هاب عن عزّةٍ أو نـجـدةٍ قـدرٌ = من البريّة خلقـاً هـابـك الـقـدر
ليبك فقدك أطراف الـبـلاد كـمـا = لم يخل من نعمةٍ أسديتهـا قـطـر
وليبكك المرملون الشّعث ضمّـهـم = من كلّ أوبٍ إلى أبياتك الـسّـفـر
وذات هدمين تزجي دردقـاً قـزمـاً = مثل الرّئال حباها البؤس والكـبـر
ويبكك الدّين والدّنـيا لـرعـيهـمـا = والبرّ والبحر والإعسـار والـيسـر
كفلت عـتـرة أقـوامٍ مـهـاجـرةٍ = عثمان جدّهم أو جـدّهـم عـمـر
وقد نصرت وقد آويت محـتـسـبـاً = أبناء قومٍ هم آووا وهـم نـصـروا
يا ربّ أرملةٍ منهـم ومـكـتـهـلٍ = أيتمته وهو مبيضٌّ لـه الـشّـعـر
لله شمل جمـيعٍ كـان مـلـتـئمـاً = أضحى ليوم سعيدٍ وهو منـتـشـر
أمسى لفقدك ظهر الأرض مختشعـاً = بادي الكآبة واختالت بك الـحـفـر
أحياك عـمـروٌ ولـولاه وإخـوتـه = عفا النّوال فلم يسمـع لـه خـبـر
ألهمتهم طوعه فانـقـاد رشـدهـم = كلٌّ يراه بحيث السّمع والـبـصـر
كأنّهـم كـنـفـاه وهـو بـينـهـم = بدر السّماء حوته الأنجـم الـزّهـر
بنو قتـيبة نـور الأرض نـورهـم = إذا خبا قمرٌ منـهـم بـدا قـمـر
إذا تشاكهـت الأيّام واشـتـبـهـت = أبان أيّامك التّحـجـيل والـغـرر
إمّا ثويت فمـا أبـقـيت مـكـرمةً = إلاّ بكفّيك منهـا الـعـين والأثـر
إنّ اللّيالـي والأيّام لـو نـطـقـت = أثنت بـآلائك الآصـال والـبـكـر
كان النّدى في شهور الحول مقتسمـاً = بين البريّة فاغتال النّـدى صـفـر
تقطع القلب صح؟
وكان سعيد عامراً لطرق الخير، عواداً على الأيتام والأرامل، وعلى أبناء المهاجرين والأنصار. وكان حسن العزاء، وكان يقدم من بنيه عمراً وسلماً فأتاه موت ابن له يقال له العباس في يوم مات سلم بحضرته، وكانت ميتة العباس بكرمان، قتله بها الخوارج، فذكر الحسن بن رجاء أنهم دخلوا عليه مع رجاء بن أبي الضحاك ليعزوه عنهما، فرأوا عنده من العزاء ما لو شهده من لم يعرف القصة لظن أنه المعزي.
وحدثني ابن لموسى بن سعيد بن سلم أن سعيداً كان عنده قوم على الطعام في عقب موت سلم، فحدثهم حديثاً ثم قال لهم، واللقمة في يده: حدثني بهذا ابني سلم رحمه الله. ثم وضع اللقمة في فيه.
وقال عبد الصمد فيه:
ربّ طفلٍ نعشته بعـد يتـم = وفقيرٍ أغنيته بـعـد عـدم
كلّما عضّت الحوادث نـادى = رضي الله عن سعيد بن سلم
وقال عبد الصمد يرثي عمرو بن سعيد بن سلم: (( ابن سعيد المرثي من قبل وكان شاعر كريم الأصل مثل أبيه))
هريقا دماً إن أنفدت عبرةٌ تـجـري = أبى الصّبر أنّ الرّزء جلّ عن الصّبر
ولا تجمدا عينيّ قد حسّـن الـبـكـا = وفرط الأسى فقد المغيّب في القبـر
ليغركما بالبـثّ أن لـسـت واقـفـاً = من الصّبر يوماً بعد عمروٍ على عذر
سلامٌ وسـقـيا مـن يد الـلـه ثــرّةٌ = على جسدٍ بـالٍ بـلـمّـاعةٍ قـفـر
جرت فوقه الأرواح أمـنـاً لـجـريه = وقد كنّ حسرى حين يجري كما تجري
تولّى النّدى والبأس والحلم والـتّـقـى = فلم يبق منها بعد عمرٍ وسوى الذّكـر
فإن تـطـوه الأيّام لا تـطـو بـعـده = صنائع منه لا تبيد علـى الـنّـشـر
متى تلقـه لا تـلـق إلاّ مـمـنّـعـاً = حماه، مصون العرض مبتذل الوفـر
وأيّ مـحـلٍّ لا لـكـفّـيه نـعـمةٌ = على أهله من أرض برٍّ ولا بـحـر
وما اخـتـلـفـت حـالان إلاّ رأيتـه = ركوب الّتي تسبي هيوب الّتي تـزري
ومن تكن الأوراق والـتّـبـر ذخـره = فما كان غير الحمد يرغب في ذخـر
كلا حالتيه الجود أنّـى تـصـرّفـت = به دول الأيّام في العسـر والـيسـر
وما عدمت يومـاً لـكـفّـيه أنـعـمٌ = تضاف له منها عـوانٌ إلـى بـكـر
وما انتـسـبـت إلاّ إلـيه صـنـيعةٌ = وما نطقت إلاّ به ألسـن الـفـخـر
يرى غـبـنـاً يومـاً يمـرّ ولــيلةً = عليه ولم يكسب طريقاً من الشّـكـر
تغضّ له الأبصار عـنـد اجـتـلائه = وليس به إلاّ الـجـلالة مـن كـبـر
ترى جهره جهـر الـتّـقـيّ وسـرّه = إذا ما اختبرت السّرّ أتقى من الجهـر
ولم يصح مـن يومٍ ولـم يمـس لـيلةً = بغير اكتساب الحمد مشتغل الفـكـر
وكانت تعمّ النّـاس نـعـمـاء كـفّـه = فعمّوا عليه بـالـمـصـيبة والأجـر
تناعاه أقطـار الـبـلاد تـفـجّـعـاً = لمصرعه تبكيه قطراً إلـى قـطـر
تباشر بطن الأرض أنسـاً بـقـربـه = وأضحت عليه وهي خاشعة الظّهـر
ولم تك تسقـى الأرض إلاّ بـسـيبـه = إذا ما جفا أقطارها سبل الـقـطـر
إذا نـشـأت يومـاً لـكـفّـيه مـزنةٌ = أديل الغنى في كلّ فجٍّ من الـقـفـر
هوى جبل الله الّذي كـان مـعـقـلاً = وعزّاً لدين الله، ذلاً علـى الـكـفـر
عجبت لأيدي الحتف كيف تغلـغـلـت = إليك وبين النّسر بـيتـك والـنّـسـر
وما كنت بالمغضي لدهرٍ على القـذى = ولا ليّنٍ للحادثات عـلـى الـقـسـر
ولو دفع العزّ الحمـام عـن امـريءٍ = لما نال عمراً للحمام شـبـا ظـفـر
ألم تك أسباب الـرّدى طـوع كـفّـه = تبين لصرفي مـا يريش ومـا يبـري
إذا صاح داعي الرّوع سـار أمـامـه = لواءان معقودان بالفتـح والـنّـصـر
يقسّم آجـال الـعـدى عـزم بـأسـه = بهنـديّة بـيضٍ وخـطّـيّةٍ سـمـر
وما ذبّ إلاّ عن حمى الـدّين سـيفـه = ولا قاد خيل الـلـه إلاّ إلـى ثـغـر
وقد كان يقري الحتف أعداء سلـمـه = فأضحى قرى ما كان أعداءه يقـري
تولّى أبو عمروٍ فقلنا لـنـا عـمـروٌ = كفانا طلوع البدر غـيبـوبة الـبـدر
وكان أبو عـمـروٍ مـعـاداً حـياتـه = بعمروٍ، فلمّا مات مات أبو عـمـروٍ
وكنّا عليه نـحـذر الـدّهـر وحـده = فلم يبق ما يخشى عليه من الـدّهـر
وهوّن وجدي أنّ مـن عـاش بـعـده = يلاقي الّذي لاقى وإن مدّ في العمـر
وهوّن وجدي أنّـنـي لا أرى أمـرءاً = من النّاس إلاّ وهو مغضٍ على وتـر
رمتنا اللّيالي فيك يا عمرو بـعـد مـا = حمدنا بك الدّنيا، بقاصمة الـظّـهـر
سأجزيك شكري ما حييت فـإن أمـت = أبقّ ثناءً فيك يبقى إلـى الـحـشـر
وأوثر حزنـي فـيك دون تـجـلّـدي = وإسبال دمـعٍ لا بـكـيءٍ ولا نـزر
أسف على الإطالة
ولا كان ودي إني اضيق صدوركم بالمراثي .. ولكن قد تكون سلوة للمحزون ..
وقبل الختام ..
اقرأوا هذه الرسالة :
كتب الحسن بن وهب إلى الأمير محمد ابن عبد الله بن طاهر يعزيه عن مصيبة: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاء الأمير مسروراً غير محزون، ومعطىً غير، مسلوب، ووفقه في أحواله كلها لما يستديم به النعمة، ويستحق عنده المثوبة. أفظعني أعز الله الأمير ما رأيت بالأمير جعلني الله فداءه من هذه الرزية التي كادت تكون أشبه بالنعم منها بالرزايا، لما وفر الله، إن شاء الله، للأمير أيده الله من ثوابها، وبقى له في نفسه حاطه الله من بعدها. فإن حياة الأمير مد الله في عمره حياة لأهله وذوي تأميله، بعد الذي جعل الله للدين والخلافة من الأنس والعز بسلامته، وللأمة من جيل مكانه وموضعه، ووفر الله للأمير، ولا نقصه وتولاه بحسن المدافعة عنه والحياطة، ولا أراه سوءاً في نفس ولا حميم، بقدرته وهذه جعلت فداء الأمير أبيات ينظر فيها أيده الله عند نشاطه إن شاء الله:
قل للمجير على الدّهور = ومقيل ذي الجدّ العثور
ولمن يصغّـر كـبـره = مستعظم الخطب الكبير
حتّى يرى بعد الـجـلا = لة منه في حال الصّغير
إنّ الأمـير أجـلّ قـد = ـراً في ملمّات الأمـور
من أن تفيض دمـوعـه = لفراق إلفٍ أو عشـير
لا، بل يكون مسـلّـمـاً = لحكومة الملك القـدير
ويبثّه منـه الـرّضـى = عنه بإخلاص الضّمـير
والصّبر في البلوى فـيعـ = ـطى وافياً أجر الصّبور
والشّكر في النّعمـى يغـ = ـنم ما يضاعف للشّكور
فالله ينـسـئ عـمـره = في منتهى رتب الحبور
وإذا بكت غزر الـعـيو = ن فلا بكت عين الأمير
لا بل تـبـيت قـريرةً = أبداً على برد السّـرور
ماذا بـعـبـدك مـذ رآ = ك من الكآبة والفتـور
عبـدٌ يراك ولـيّ نـعـ = ـمته إلى يوم النّـشـور
ويراك جابر مـا وهـى = من عظمه ذاك الكسير
ويجـنّ ودّاً، خـبــره = عند العليم به الخـبـير
جعل حياتكم كلها أفراح ويبعد عنكم الهم والأحزان
ولا يريكم مكروه ...
اللهم أمين
تحياتي لكم
أخوكم / الصواعق
أخواني الرثاء .. هو أجمل الشعر فهو يحمل أصدق العاطفة لدى الإنسان .. فظاهره التفجع بين الحسرة مخلوطاً بالتلهف
والأسف والإستعظام إن كان الميت ملكا أو رئيسا .
المهم أنا بذا الموضوع مابي أتفلسف عليكم .. وأشرح الرثاء شرح
لكن .. بجيب قصائد تتكلم عن الرثاء بأصدق رواية
فيها من التفجع .. والأسى مايشج النفس
طبعا ماراح أتكلم عن المشورين بالرثاء كأبي تمام .. وديك الجن .. والخنساء .. وليلى الأخليلة .. وغيرهم
لأن شعرهم أشهر من ان تروى وأن تقال .. ولكن هذه القصائد جميلة .. ومعروفة لدى الخاصة من الادباء النجباء
ومن لديهم الإطلاع الكثير لكتب الشعر .. وأنا أقدمها لكم .. كجهد بسيط لكم
واحاول أن أحبب إليكم الأدب .. بكل فنونه
قال مسلم بن الوليد يرثي الفضل بن سهل ذا الرئاستين:
وهلت فلم أمتع عليك بعبـرةٍ = وأكبرت أن ألقى بيومك ناعيا
فلمّا رأيت أنّـه لاعـج الأسـى = وأن ليس إلاّ الدّمع للحزن شافـيا
بعثت لك الأنواح فارتجّ بـينـهـا = نوائح يندبن العلى والمـسـاعـيا
أللبأس أم للجـود أم لـمـقـاومٍ = من الملك يزحمن الجبال الرّواسيا
فلم أر إلاّ قبل يومك ضـاحـكـاً = ولم أر إلاّ بعـد يومـك بـاكـيا
وقال أيضا من مرثية له .. ويقال أن بيته أرثى ماقالته العرب :
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه = فطيب تراب القبر دلّ على القبر
وقال إبراهيم بن المهدي يرثي ابناً له أصيب به بالبصرة وهو واليها. وكان فيما يؤثر عنه يستحق أن يرثي وأن يوصف، وشعره هذا يستحق أن يبكي القلوب، ويستنزل الدموع لحسن لفظه، وصحة معناه، وشرف قائله، وأنه إذا سمع علم أنه عن نية صادقة. قال:
نأى آخـر الأيّام عـنـك حـبــيب = فلـلـعـين سـحٌّ دائمٌ وغــروب
دعته نـوىً لا يرتـجـى أوبةٌ لـهـا = فقلبـك مـسـلـوبٌ وأنـت كـئيب
يؤوب إلـى أوطـانـه كـلّ غـائبٍ = وأحمد فـي الـغـيّاب لـيس يؤوب
تبـدّل داراً غـير داري وجـــيرةً = سواي وأحداث الـزّمـان تـنـوب
أقام بها مسـتـوطـنـاً غـير أنّـه = على طول أيّام الـمـقـام غـريب
تولّى وأبقى بـينـنـا طـيب ذكـره = كباقي ضياء الشّمس حـين تـغـيب
خلا أنّ ذا يفـنـى ويبـلـى وذكـره = بقلبي على طول الزّمـان قـشـيب
كأن لم يكن كـالـدّرّ يلـمـع نـوره = بأصدافه لـمّـا تـشـنـه ثـقـوب
كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضّحى = سقاه النّدى فاهتـزّ وهـو رطـيب
كأن لم يكن زين الفناء ومعقل النّـسـ = ـاء إذا يومٌ يكـون عـــصـــيب
وريحان قلبـي كـان حـين أشـمّـه = ومؤنس قصري كـان حـين أغـيب
قليلاً مـن الأيّام لـم يرو نـاظـري = بها منه حتّى أعلـقـتـه شـعـوب
كظلّ سحابٍ لـم يقـم غـير سـاعةٍ = إلى أن أطاحته فـطـاح جـنـوب
أو الشّمس لمّا عن غمامٍ تـحـسّـرت = مساءً وقـد ولّـت وحـان غـروب
كأنّي به إذ كنت في الـنّـوم حـالـمٌ = نفى لذّة الأحـلام عـنـه هـبـوب
فلست خطوب الدّهر أحفـل بـعـده = ولو كان ما مـنـه الـولـيد يشـيب
ولا لي شيءٌ عنه مـا عـشـت لـذّةٌ = ولو نلت ما هبّت عـلـيه هـبـوب
وكان نصيب العـين مـن كـلّ لـذّةٍ = فأضحى وما للعين منـه نـصـيب
وكان وقد آزى الرجـال بـعـقـلـه = فإن قال قولاً قال وهـو مـصـيب
بما تتهاداه الـرّكـاب لـحـسـنـه = ويفحم منه الـكـهـل وهـو أريب
وكانت يدي ملأى به ثمّ أصـبـحـت = بعدل إلهي وهـي مـنـه سـلـيب
وكنت به في الـنّـائبـات إذا عـرت = وظهري ممتدّ الـقـنـاة صـلـيب
بحال الّذي يجتاحه الـسّـيل بـغـتةً = فيفـتـقـد الأدنـين وهـو حـريب
جمعت أطبّاء العراق فـلـم يصـب = دواءك منهم في الـبـلاد طـبـيب
ولم يملك الآسون دفعـاً لـمـهـجةٍ = عليها لأشـراك الـمـنـون رقـيب
سأبكيك ما أبقت دموعـي والـبـكـا = بعـينـيّ مـاءً يا بـنـيّ يجــيب
وما لاح نجمٌ أو تـغـنّـت حـمـامةٌ = أو اخضرّ في فرع الأراك قضـيب
وأضمر إن أنفـدت دمـعـي لـوعةً = عليك لها تحت الضّـلـوع وجـيب
حياتي ما كانت حياتـي فـإن أمـت = ثويت وفي قلبـي عـلـيك نـدوب
يعـزّ عـلـيّ أن تـنـالـــك ذرّةٌ يمسّك= منها فـي الـمـمـرّ دبـيب
وما زال إشفاقـي عـلـيك عـشـيّةً = حواك بها بعـد الـنّـعـيم قـلـيب
وما زال إشفاقـي عـلـيك عـشـيةً = وسادك فـيهـا جـنـدلٌ وجـبـوب
فما لي إلاّ الـمـوت بـعـدك راحةٌ = وليس لنا في العيش بـعـدك طـيب
قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي = أخوك، ورأسي قد علاه مشيب
فأصبحت في الهلاّك إلاّ حشاشةً = تذاب بنار الشّوق فهي تـذوب
تولّيتما في حجّةٍ فتـركـتـمـا = صدىً يتولّـى تـارةً ويثـوب
ولا رزء إلاّ دون رزئك رزؤه = ولو فتّتت حزناً عليك قـلـوب
وإنّي وإن قدّمت قبلي لعـالـمٌ = بأني وإن أبطأت منك قـريب
وإنّ صباحاً نلتقي في مـسـائه = صباحٌ إلى قلبي الغداة حبـيب
طبعا .. شفتوا شلون هالقصيدة تفطر القلب
وقال عبدالملك الزيات الشاعر الوزير ..يرثي جاريه كانت له ..
فرثاها ببيتين هما جاريان على ألسن الناس مشهوران:
يقول لي الخلاّن لو زرت قبرهـا = فقلت: وهل غير الفؤاد لها قبر ؟
على حال لم أحدث فأجهل عهدها = ولم أبلغ السّنّ الّتي معها الصّبـر
ورثاها فقال شعراً يقرب من القلب، ويضطر إلى تصديقه، ويرتاح لعهد قائله، ويرحم لشكوى بثه وهو:
ألا من رأى الطّفل المفارق أمّه = بعيد الكرى عيناه تنسكبـان ؟
رأى كلّ أمٍّ وابنـهـا غـير أمّـه = يبيتان تحت الـلّـيل ينـتـجـيان
يرنّ بصوتٍ فضّ قلبي نـشـيجـه = وسحّ دمـوعٍ ثـرّة الـهـمـلان
وبات وحيداً في الفراش تـحـثّـه = بلابل قـلـبٍ دائم الـخـفـقـان
ألا إنّ سجلاً واحداً إن هـرقـتـه = من الدّمع أو سجلين قد شفـيانـي
فلا تلحياني إن بـكـيت فـإنـمـا = أداوي بهذا الـدّمـع مـا تـريان
وإنّ مكاناً في الثّرى خـطّ لـحـده = لمن كان من قلبي بكـلّ مـكـان
أحقّ مكانٍ بـالـزّيارة والـهـوى = فهل أنتما إن عجت منتـظـران ؟
فهبني عزمت الصّبر عنها لأنّـنـي = جليدٌ، فمن بالصّبر لابن ثـمـان ؟
ضعيف القوى لا يطلب الأجر حسبةً = ولا يأتسي بالنّاس في الـحـدثـان
ألا من أمنّـيه الـمـنـى وأعـدّه = لعـثـرة أيّامٍ وصـرف زمـان ؟
ألا من إذا ما جئت أكرم مجلـسـي = وإن غبت عنه حاطني وكفانـي ؟
فلم أر كالأيّام كيف تـصـيبـنـي = ولا مثل هذا الدّهر كيف رمانـي
ولا مثل أيّامٍ فجعـت بـفـقـدهـا = ولا مثل يومٍ بـعـد ذاك دهـانـي
أعينيّ إلاّ تسعدا الـيوم عـبـرتـي = فبئس إذن ما في غـدٍ تـعـدانـي
أعينيّ إن أنع الـسّـرور وأهـلـه = وعهد الصّبا عندي فقد نـعـيانـي
أعينيّ إن أبك البشاشة والـصّـبـا = فقد آذنا مـنّـي وقـد بـكـيانـي
ألا إنّ بيتـاً لـم أزره لـشـدّ مـا = تلبّس من قلبـي بـه وعـنـانـي
ألا إنّ بيتـاً لـم أزره لـعـزّ مـا = تضمّن منه في الثّرى الكـفـنـان
هذه القصيدة تتكلم عن نفسها
أما القصيدة الاجمل
وأنا كتبت الموضوع علشانه
وبيكون ختامها مسك
قال عبد الصمد بن المعذل يرثي سعيد بن سلم. وشهرة أفعال سعيد وبعد صيته في عقله وأدبه، وجاهه وقدره، وكثرة معروفه وتمكنه من الخلفاء، تغني عن ذكر شيء من أفعاله:
ما للسّماء عليه ليس تـنـفـطـر = وللكواكب لا تهوي فتـنـتـثـر ؟
وللبـلاد ألا تـسـمـو زلازلـهـا = والرّاسيات ألا تردى فتنقـعـر ؟
إنّ النّدى وأبا عمروٍ يضمـهـمـا = قبرٌ ببغداد يستسقى به الـمـطـر
لله حـزمٌ وجـودٌ ضـمّـه جـدثٌ = ومكرماتٌ طواها التّرب والمـدر
يا طالبـاً وزراً مـن ريب حـادثةٍ = أودى سعيدٌ فلا كـهـفٌ ولا وزر
أبكى عليك عيون الحيّ مـن يمـنٍ = ومن ربيعة ما تبكي لـه مـضـر
كلّ الـقـبـائل قــد ردّيت أرديةً = من فضل نعماك لا يجزي بها شكر
ما خصّ رزؤك لا قيساً ولا مضراً = إنّ الرّزيّة معمومٌ بهـا الـبـشـر
لو كان يبكي كتاب اللـه مـن = أحـدٍ لطول إلفٍ بكتك الآي والـسّـور
أبو الأرامـل والأيتـام لـيس لـه = إلاّ مراعاتـهـم هـمٌّ ولا وطـر
للهاربين مصـادٌ غـير مـطّـلـعٍ = وللعفاة جنابٌ مـمـرعٌ خـضـر
إذا أبرز الخوف الكعـاب فـإنّـهـم = مصادٌ لمن يأوي إليهم ومـعـقـل
من كلّ أفقٍ إليه العيس مـعـمـلةٌ = وكلّ حيٍّ علـى أبـوابـه زمـر
مشيّعٌ لا يفوت الذّحـل صـولـتـه = وأكرم النّاس عفواً حـين يقـتـدر
لا يزدهيه لغير الحقّ مـنـطـقـه = ولا تناجيه إلاّ بالتّـقـى الـفـكـر
ثبتٌ على زلل الأيّام مـضـطـلـعٌ = بالنّائبات لصعب الدّهر مقـتـسـر
سامي الجفوني يروق الطّرف منظره= وأطهر النّاس غيباً حين يخـتـبـر
الحلم يصمته والـعـلـم ينـطـقـه = وفي تقى الله مـا يأتـي ومـا يذر
لم تسم همّتـه يومـاً إلـى شـرفٍ = إلاّ حباه بما يسمو لـه الـظّـفـر
يعطيك فوق المنى من فضل نـائلـه = وليس يعطيك إلاّ وهـو مـعـتـذر
يزيد معروفـه كـبـراً ويرفـعـه = أنّ الجسيم لديه منـه مـحـتـقـر
وليس يسعى لغير الحمد يكـسـبـه = وليس إلاّ من المـعـروف يدّخـر
عفّ الضّمير رحيب الباع مضطلـعٌ = لحرمة الله والإسلام مـنـتـصـر
ما انفكّ في كلّ فـجٍّ مـن نـدى يده = للنّاس جودان: محويٌّ ومنـتـظـر
لو هاب عن عزّةٍ أو نـجـدةٍ قـدرٌ = من البريّة خلقـاً هـابـك الـقـدر
ليبك فقدك أطراف الـبـلاد كـمـا = لم يخل من نعمةٍ أسديتهـا قـطـر
وليبكك المرملون الشّعث ضمّـهـم = من كلّ أوبٍ إلى أبياتك الـسّـفـر
وذات هدمين تزجي دردقـاً قـزمـاً = مثل الرّئال حباها البؤس والكـبـر
ويبكك الدّين والدّنـيا لـرعـيهـمـا = والبرّ والبحر والإعسـار والـيسـر
كفلت عـتـرة أقـوامٍ مـهـاجـرةٍ = عثمان جدّهم أو جـدّهـم عـمـر
وقد نصرت وقد آويت محـتـسـبـاً = أبناء قومٍ هم آووا وهـم نـصـروا
يا ربّ أرملةٍ منهـم ومـكـتـهـلٍ = أيتمته وهو مبيضٌّ لـه الـشّـعـر
لله شمل جمـيعٍ كـان مـلـتـئمـاً = أضحى ليوم سعيدٍ وهو منـتـشـر
أمسى لفقدك ظهر الأرض مختشعـاً = بادي الكآبة واختالت بك الـحـفـر
أحياك عـمـروٌ ولـولاه وإخـوتـه = عفا النّوال فلم يسمـع لـه خـبـر
ألهمتهم طوعه فانـقـاد رشـدهـم = كلٌّ يراه بحيث السّمع والـبـصـر
كأنّهـم كـنـفـاه وهـو بـينـهـم = بدر السّماء حوته الأنجـم الـزّهـر
بنو قتـيبة نـور الأرض نـورهـم = إذا خبا قمرٌ منـهـم بـدا قـمـر
إذا تشاكهـت الأيّام واشـتـبـهـت = أبان أيّامك التّحـجـيل والـغـرر
إمّا ثويت فمـا أبـقـيت مـكـرمةً = إلاّ بكفّيك منهـا الـعـين والأثـر
إنّ اللّيالـي والأيّام لـو نـطـقـت = أثنت بـآلائك الآصـال والـبـكـر
كان النّدى في شهور الحول مقتسمـاً = بين البريّة فاغتال النّـدى صـفـر
تقطع القلب صح؟
وكان سعيد عامراً لطرق الخير، عواداً على الأيتام والأرامل، وعلى أبناء المهاجرين والأنصار. وكان حسن العزاء، وكان يقدم من بنيه عمراً وسلماً فأتاه موت ابن له يقال له العباس في يوم مات سلم بحضرته، وكانت ميتة العباس بكرمان، قتله بها الخوارج، فذكر الحسن بن رجاء أنهم دخلوا عليه مع رجاء بن أبي الضحاك ليعزوه عنهما، فرأوا عنده من العزاء ما لو شهده من لم يعرف القصة لظن أنه المعزي.
وحدثني ابن لموسى بن سعيد بن سلم أن سعيداً كان عنده قوم على الطعام في عقب موت سلم، فحدثهم حديثاً ثم قال لهم، واللقمة في يده: حدثني بهذا ابني سلم رحمه الله. ثم وضع اللقمة في فيه.
وقال عبد الصمد فيه:
ربّ طفلٍ نعشته بعـد يتـم = وفقيرٍ أغنيته بـعـد عـدم
كلّما عضّت الحوادث نـادى = رضي الله عن سعيد بن سلم
وقال عبد الصمد يرثي عمرو بن سعيد بن سلم: (( ابن سعيد المرثي من قبل وكان شاعر كريم الأصل مثل أبيه))
هريقا دماً إن أنفدت عبرةٌ تـجـري = أبى الصّبر أنّ الرّزء جلّ عن الصّبر
ولا تجمدا عينيّ قد حسّـن الـبـكـا = وفرط الأسى فقد المغيّب في القبـر
ليغركما بالبـثّ أن لـسـت واقـفـاً = من الصّبر يوماً بعد عمروٍ على عذر
سلامٌ وسـقـيا مـن يد الـلـه ثــرّةٌ = على جسدٍ بـالٍ بـلـمّـاعةٍ قـفـر
جرت فوقه الأرواح أمـنـاً لـجـريه = وقد كنّ حسرى حين يجري كما تجري
تولّى النّدى والبأس والحلم والـتّـقـى = فلم يبق منها بعد عمرٍ وسوى الذّكـر
فإن تـطـوه الأيّام لا تـطـو بـعـده = صنائع منه لا تبيد علـى الـنّـشـر
متى تلقـه لا تـلـق إلاّ مـمـنّـعـاً = حماه، مصون العرض مبتذل الوفـر
وأيّ مـحـلٍّ لا لـكـفّـيه نـعـمةٌ = على أهله من أرض برٍّ ولا بـحـر
وما اخـتـلـفـت حـالان إلاّ رأيتـه = ركوب الّتي تسبي هيوب الّتي تـزري
ومن تكن الأوراق والـتّـبـر ذخـره = فما كان غير الحمد يرغب في ذخـر
كلا حالتيه الجود أنّـى تـصـرّفـت = به دول الأيّام في العسـر والـيسـر
وما عدمت يومـاً لـكـفّـيه أنـعـمٌ = تضاف له منها عـوانٌ إلـى بـكـر
وما انتـسـبـت إلاّ إلـيه صـنـيعةٌ = وما نطقت إلاّ به ألسـن الـفـخـر
يرى غـبـنـاً يومـاً يمـرّ ولــيلةً = عليه ولم يكسب طريقاً من الشّـكـر
تغضّ له الأبصار عـنـد اجـتـلائه = وليس به إلاّ الـجـلالة مـن كـبـر
ترى جهره جهـر الـتّـقـيّ وسـرّه = إذا ما اختبرت السّرّ أتقى من الجهـر
ولم يصح مـن يومٍ ولـم يمـس لـيلةً = بغير اكتساب الحمد مشتغل الفـكـر
وكانت تعمّ النّـاس نـعـمـاء كـفّـه = فعمّوا عليه بـالـمـصـيبة والأجـر
تناعاه أقطـار الـبـلاد تـفـجّـعـاً = لمصرعه تبكيه قطراً إلـى قـطـر
تباشر بطن الأرض أنسـاً بـقـربـه = وأضحت عليه وهي خاشعة الظّهـر
ولم تك تسقـى الأرض إلاّ بـسـيبـه = إذا ما جفا أقطارها سبل الـقـطـر
إذا نـشـأت يومـاً لـكـفّـيه مـزنةٌ = أديل الغنى في كلّ فجٍّ من الـقـفـر
هوى جبل الله الّذي كـان مـعـقـلاً = وعزّاً لدين الله، ذلاً علـى الـكـفـر
عجبت لأيدي الحتف كيف تغلـغـلـت = إليك وبين النّسر بـيتـك والـنّـسـر
وما كنت بالمغضي لدهرٍ على القـذى = ولا ليّنٍ للحادثات عـلـى الـقـسـر
ولو دفع العزّ الحمـام عـن امـريءٍ = لما نال عمراً للحمام شـبـا ظـفـر
ألم تك أسباب الـرّدى طـوع كـفّـه = تبين لصرفي مـا يريش ومـا يبـري
إذا صاح داعي الرّوع سـار أمـامـه = لواءان معقودان بالفتـح والـنّـصـر
يقسّم آجـال الـعـدى عـزم بـأسـه = بهنـديّة بـيضٍ وخـطّـيّةٍ سـمـر
وما ذبّ إلاّ عن حمى الـدّين سـيفـه = ولا قاد خيل الـلـه إلاّ إلـى ثـغـر
وقد كان يقري الحتف أعداء سلـمـه = فأضحى قرى ما كان أعداءه يقـري
تولّى أبو عمروٍ فقلنا لـنـا عـمـروٌ = كفانا طلوع البدر غـيبـوبة الـبـدر
وكان أبو عـمـروٍ مـعـاداً حـياتـه = بعمروٍ، فلمّا مات مات أبو عـمـروٍ
وكنّا عليه نـحـذر الـدّهـر وحـده = فلم يبق ما يخشى عليه من الـدّهـر
وهوّن وجدي أنّ مـن عـاش بـعـده = يلاقي الّذي لاقى وإن مدّ في العمـر
وهوّن وجدي أنّـنـي لا أرى أمـرءاً = من النّاس إلاّ وهو مغضٍ على وتـر
رمتنا اللّيالي فيك يا عمرو بـعـد مـا = حمدنا بك الدّنيا، بقاصمة الـظّـهـر
سأجزيك شكري ما حييت فـإن أمـت = أبقّ ثناءً فيك يبقى إلـى الـحـشـر
وأوثر حزنـي فـيك دون تـجـلّـدي = وإسبال دمـعٍ لا بـكـيءٍ ولا نـزر
أسف على الإطالة
ولا كان ودي إني اضيق صدوركم بالمراثي .. ولكن قد تكون سلوة للمحزون ..
وقبل الختام ..
اقرأوا هذه الرسالة :
كتب الحسن بن وهب إلى الأمير محمد ابن عبد الله بن طاهر يعزيه عن مصيبة: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاء الأمير مسروراً غير محزون، ومعطىً غير، مسلوب، ووفقه في أحواله كلها لما يستديم به النعمة، ويستحق عنده المثوبة. أفظعني أعز الله الأمير ما رأيت بالأمير جعلني الله فداءه من هذه الرزية التي كادت تكون أشبه بالنعم منها بالرزايا، لما وفر الله، إن شاء الله، للأمير أيده الله من ثوابها، وبقى له في نفسه حاطه الله من بعدها. فإن حياة الأمير مد الله في عمره حياة لأهله وذوي تأميله، بعد الذي جعل الله للدين والخلافة من الأنس والعز بسلامته، وللأمة من جيل مكانه وموضعه، ووفر الله للأمير، ولا نقصه وتولاه بحسن المدافعة عنه والحياطة، ولا أراه سوءاً في نفس ولا حميم، بقدرته وهذه جعلت فداء الأمير أبيات ينظر فيها أيده الله عند نشاطه إن شاء الله:
قل للمجير على الدّهور = ومقيل ذي الجدّ العثور
ولمن يصغّـر كـبـره = مستعظم الخطب الكبير
حتّى يرى بعد الـجـلا = لة منه في حال الصّغير
إنّ الأمـير أجـلّ قـد = ـراً في ملمّات الأمـور
من أن تفيض دمـوعـه = لفراق إلفٍ أو عشـير
لا، بل يكون مسـلّـمـاً = لحكومة الملك القـدير
ويبثّه منـه الـرّضـى = عنه بإخلاص الضّمـير
والصّبر في البلوى فـيعـ = ـطى وافياً أجر الصّبور
والشّكر في النّعمـى يغـ = ـنم ما يضاعف للشّكور
فالله ينـسـئ عـمـره = في منتهى رتب الحبور
وإذا بكت غزر الـعـيو = ن فلا بكت عين الأمير
لا بل تـبـيت قـريرةً = أبداً على برد السّـرور
ماذا بـعـبـدك مـذ رآ = ك من الكآبة والفتـور
عبـدٌ يراك ولـيّ نـعـ = ـمته إلى يوم النّـشـور
ويراك جابر مـا وهـى = من عظمه ذاك الكسير
ويجـنّ ودّاً، خـبــره = عند العليم به الخـبـير
جعل حياتكم كلها أفراح ويبعد عنكم الهم والأحزان
ولا يريكم مكروه ...
اللهم أمين
تحياتي لكم
أخوكم / الصواعق